مظاهر اجتماعية
بقلم الأستاذ عبد الرحمن السليمان
وظهر الاهتمام بالمظاهر الاجتماعية في اعمال العديد من الفنانين التشكيليين السعوديين مثل إبراهيم الزيكان الذي رسم المزارع والمنازل الشعبية وفوزية عبد اللطيف التي نقلت بإحساسها الفطري حيوية الحارة الشعبية وجلسات وعادات النساء، وعبد الرحمن الحواس الذي زخرف ولوّن بمبالغة وبحرفية منازله الطينية النجدية بتأثير اعمال الفنان علي الرزيزاء 1944م ويعتبر الفنان عبد الله الشلتي واحدا من ابرز الانطباعيين السعوديين ذلك ان للبيئة التي عاش فيها الفنان تأثيرا في حلوله الفنية التي منحت لوحته تأثيرها، رسم الشلتي الطبيعة العسيرية، بمزارعها وجبالها المخضرة، ومنازلها التي يميزها نمطها المعماري، ولقد ترك هذا اثره في عدد من الفنانين مثل عبد الله شاهر وحسن عسيري وسعود القحطاني وفايع الالمعي خلال فترة من حياتهم الفنية وآخرين، وجميعهم من ابناء منطقة هذا الفنان. ونوّع محمد المنيف 1953 على مواضيع استلهمها من بيئته وبدرجة من الرهافة وهو يوظف الألوان المائية.
وجاءت اعمال الأمير خالد الفيصل دافئة وشاعرية في تناوله للطبيعة البرية بكل ما تحمله من جمال ربيعي، موحي بعلاقة شعرية وصفية، في لوحته، وباشر ضياء عزيز في تناول مواضيع اجتماعية شعبية يستوحيها من الحارة او من العادات اليومية للنساء في منازلهن كما رسم مواضيع نسائية أخرى ابرزها كان عن القضية الفلسطينية. وتطرح اعمال بعض الفنانين التشكيليين السعوديين، على تأثرها بتيار فني حديث اهتماما بالبيئة وبالمحيط الاجتماعي.
فنجد حلولا تستفيد من اعمال التكعيبيين، وأخرى من السرياليين او التجريديين ففؤاد مغربل رسم بداية محاكيا للمظاهر المعمارية في المدينة المنورة الا ان هذه المحاكاة اتصلت فيما بعد بتقطيعات جزئية في لوحته وكأنه يسعى لتحليل مساحات، وإحالتها الى منشور تنعكس فيه درجات عديدة للون واحد، الا ان محمد عبد الرحمن سيام، تناول مواضيع أخرى اقرب الى اعمال التكعيبيين المركبة التي تتألف فيها المساحات وتنبسط العناصر للتعبير عن فكرة عامة، اهتم فيها بمجموعات لونية يحاول من خلالها إيصال أفكاره، اما على حسن هويدي فقد كانت منطلقاته محاكيه ومباشرة برسم مواضيع قريبة للنساء والأطفال، والأسواق، وغيرها وقد تراوحت اهتماماته بين المباشرة أحيانا، وبين إضفاء غلالة من المساحات الهندسية التي تشف الشكل وتتلون معه المساحات قريبا من الاختيار العام، بحيث ان رهافة الفنان وحساسيته تجعله يبقى على حال اللون، دونما اشغاله او الإضافة اليه من مجموعة أخرى. وقد عبرت بعض اعمال هويدي المبكرة عن قدرة تركيبية تمثلت في مجموعة من الاعمال حملت عناصر ومفردات مستوحاة من الأبنية، والشواهد او الرموز المعمارية الإسلامية حققت للفنان مكانة وتأثيرا مبكرين.
ويستفيد محمد الرصيعي من اعمال وحلول التكعيبيين في احالتهم عناصرهم الى حدودها الهندسية محافظا على الهيئة العامة للموضوع وموظفا ألوانه بحيوية، وطرح سعدون السعدون اعمالا بتأثير التكعيبية تناول فيها مواضيع محددّة وأخرى جمالية كانت اكثر تعبيرية بمعالجاته اللونية.
وتبرز في تجارب الفنانين التشكيليين السعوديين اعمال عبد الحميد البقشي الذي اطلق منتصف السبعينيات اعماله التي تأثرت بصياغات وأفكار السرياليين، الا ان الفنان البقشي كان يوظف عناصر محلية منحت عمله بعدها الاجتماعي وقد تركت هذه الاعمال بمهارات الفنان وقدراته الفنية، وبتلويناته وغرائبية عناصره تأثيرها في اعمال بعض الفنانين، وسواء كان هذا بالالتقاء به او الابتعاد عن حلوله، الا ان هذا التأثير بدا وضحا في اعمال عبد العظيم شلي وسامي الحسين، وفنانين آخرين من الناشئين وكانت اعمال خالد الأمير على علاقة بتأثيرات سريالية وهو يتناول مواضيع مختلفة بينها ما يعبر عن قدرات ومهارات هذا الفنان وصدقه كما كانت اعمال خليل حسن خليل بكل ما تحمله من محاولة للتعبير عما هو اجتماعي او تاريخي يسقطه على حاضره، وحملت اعمال صالح خطاب حلولها الخاصة، ورموزها ودلالاتها في تعبير عن الانسان والحياة والموت كما كانت اعمال حميدة السنان التي تأثرت بالاجتماعي او التاريخي.
التوجه نحو الموروث
يعتبر التراث منهلا ومرجعا مهما في تجربة العديد من الفنانين التشكيليين السعوديين، وعلى ان عددا منهم قد حاكاه في مظاهره المعمارية او الحياتية والاجتماعية موثقا ما اصبح في حال من المتغيرات او لم يبق من اثره الا القليل، فان صوتا اخر ظهر مبكرا في استلهام هذا التراث، وبعثه في صورة تأليفية تباشر أحيانا وتوفق أحيانا وتسعى ان تجدد وتغاير في حالات أخرى.
فقد شكّل التوجه نحو الموروث المحلي خاصة والعربي والإسلامي عامة تيارا قويا وبارزا منذ وقت مبكر وقد شهد ذلك العروض التي حاول بعض الفنانين بعث هذا الأثر في صور متعددة، وهي عروض مبكرة اختلطت فيها المحاولات، وأتِحيت للمشاركة فيها الفرصة للفنانين والهواة فمثلت لوحة عبد الحليم رضوى وفي صيغ أليفية، تركيبية وحداتها وعناصرها في بعث لعناصر محلبه أراد لها (عصرنة) واحالة جديدة على خلاف المشاهد المباشرة وهي الصيغة التي دافع عنها أيضا، وباختلاف بيّنر، الفنان محمد السليم الذي استوحى من الخيمة، والصحراء ليصيغ موضوعا مختلفا من منطلقات تراثية شعبية كان يتعامل معها بحميمية، ولقد توجه ذات المنحى سمير الدهام 1954 الذي لخص عناصره ومنحها بعدها او دلالاتها الرمزية وتعامل مع تلوينات دافئة خاصة من البني والاصفر، فرسم الأسواق الشعبية والرقصات، والتقط مواضيع شعبية ميّزت تجربته الفنية مبكرا، كما كانت اعمال علي الرزيزاء الذي عاد الى المعمار الشعبي في نجد، عاد الى الرسوم الجدرانية والنقوش ليستوحي منها متعاملا مع المعاجين والألوان النحاسية والذهبية لعمل فني يحمل نفسا متميزا ومختلفا ترك اثره في بعض تلامذته الفنانين الشباب.
واستوحى عبد الله الشيخ 1936 من المعمار التقليدي العراقي وموظفا عناصر لوحته لتقديم موضوع ذي ابعاد شعبية بتوظيفاته اللونية الحميمة واشكاله لواجهات المنازل والنوافذ والابواب، وهو ما وظفه عبد الله المرزوق في صياغات تجريدية هندسية لخص معها الشكل، واختار ألوانا محدودة قرّبت فكرته الفنية، ومنحت لوحته عمقها ودلالتها، وجاءت لوحة طه صبان لتبعث فيها الرموز والعناصر المحلية، والمواضيع العامة للحارة وللبحر ولحركة يومية جرّد معها الاشكال في اثر تجريدي مميز، وكانت اعمال إبراهيم بوقس تستوحي من الشعبي، المحلي، في تلوينات زاهية وعناصر بينها الهندسي والعضوي، والكتابي، وكانت اعمال سليمان باجبع تكرس لصيغة شعبية لها رموزها وعناصرها بينها الوجوه الأدمية والطيور والخيول والكتابات وعلى نحو تبسيطي يستفيد من تسطيح الفنون الإسلامية والشعبية، ويلتقى معه احمد السبت على اختلاف تلوينات (السبت) الشفافة التي عبّرت عن شخصيته الفنية وعلى ان فنانا نحاتا مثل علي الطمسي قد تعامل مع خامة صعبة هي الرخام الا ان مواضيع هذا الفنان انحازت الى ما هو تراثي في تبسيط لبعض العناصر المحلية والكتابات، وانحازت الى ما هو تراثي في تبسيط لبعض العناصر المحلية، والكتابات، وقد تجاوز الفنان هذه العناصر -المواضيع الى تشكيلات جمالية عبّرت او اوحت بالأمومة في معظم الأحيان.
الحرف العربي
منذ السبعينيات كان الحرف العربي يحضر في اعمال بعض الفنانين التشكيليين السعوديين، الا ان هذا الحضور كان ثانويا وكان -كما يبدو- بتأثير التيار القوي الذي ظهر عند بعض الفنانين العرب، واستقبلته الساحة العربية بمعرض (البعد الواحد).
من بين من تأثر بالتيار الحروفي محمد الصقجي الذي تناوله مباشراً ومكتوباً على شكل آية قرآنية كريمة او قول مأثور او غيره الا ان هذا الحرف اتخذ منحى مغايرا فيما بعد في محاولة للاستفادة من طواعيته، ومعطياته الجمالية، الا ان فنانا اخر هو محمد السليم كان الحرف لديه صيغة مجرّدة تتجرد وسط الارتدادات المسطحة التي تنبعث في لوحته الفنية، ومعها يوجد الحرف وسط امتداداته اللونية الطاغية في اللوحة. محالا من حالته المباشرة الى تشكيلات تتآلف وعناصر او موحيات أخرى. الا ان الفنان سعى فيما بعد الى تناول مباشر للحروف فكتب بخطوط حرّة آيات وادعية واقوال مأثورة وقدّم بكرشيخون الحرف كإضافة او اشغال لمساحاته وتكويناته الفنية مستوحيا -كما يبدو- هذه الكتابات من الحشوات والزخارف الإسلامية، وجاورت الكتابات في بعض اعمال علي الرزيزاء، الاشكال الزخرفية وكتبها عبد الحليم رضوي لإيصال وتكثيف فكرته عندما كتب القدس تناديكم او اين الضمير، او الشهادتين، وغيرها، وحملت لوحات ناصر الموسى شخصيتها الحروفية منذ 1983 عندما تناول الحرف بكثافة ظهر معها معرضه الشخصي الذي يعتبر اول معرض فردي اختص بالحرف العربي، وفيه كانت المعالجات دافئة وعفوية منحت التجربة -في بداياتها- دفئها واهميتها، ويواصل الفنان تناول الحرف العربي في معظم اعماله الفنية حتى التي تنشر هالة باستمرار (مجلة التوباد) الدورية، كمخرج فني لها.
حضر الحرف في تجربة عبد العزيز عاشور في مباشرة اهتم معها باللون والتصميم الذي تنبثق معه الحروف من مركز واحد، وتعود اليه، خلاف يوسف احمد جاها الذي توزعت حروفه مساحات اللوحة، كما ظهرت بتقطيعاتها وجزيئاتها كمن يبحث في علاقات ما بينها، وحضرت الحروف أيضا في اعمال لحمزة باجودة يباشر بوجودها بينما جاءت عند فهد الربيق لتقدم رؤيته الفنية المتأثرة بالتونسي نجا المهداوي وهي تجربة استمرت أعواما قليلة عاد بعدها الفنان الى صياغاته الحلمية الخاصة والتي ظهر منها على حروفه شفافية التلوين ورهافة المعالجة بينما كان الحرف العربي عند سليمان الحلوة شاعريا والصياغة على درجة من الرهافة والرومانسية، وقد تناول الحرف العربي عدد من الفنانين التشكيليين السعوديين تباينت حلولهم واختلفت نتائجهم وسنجد أهمها عند تركي الدوسري ويحيى شريفي وعلي عيسى الدوسري ورضا وارس واحمد منشي واحمد السبت واحمد الاعرج، وآخرين، وقد يكون لبعض الفنانين العرب الأثر الواضح في تجارب بعض التشكيليين السعوديين الحروفية كما كان الأثر أيضا للمشاريع الخاصة بالمطارات الكبرى الثلاثة والتي استهلت في بداية الثمانينيات في مطار الملك عبد العزيز بجدة وشارك فيه العديد من الفنانين العرب مثل ضياء العزاوي ووجيه نحله واحمد شبرين ومزيد بلكاهية ومحمد المليجي ونجا مهداوي، والقائمة طويلة.
جاءت اعمال فيصل السمرة 1954 لتعبر عن حداثة جديدة للوحة التشكيلية السعودية، فالفنان منذ عودته من فرنسا -بعد اكمال دراسته الفنية- خاض تجارب تنوعت معها الصيغ والخدمات وانتهت باستخدامه في اخر معارضه بجدة الاسلاك والصفائح المعدنية او الحديد، ورابطا بين علاقة إنسانية وحالة من العودة الى ما يحقق معادلة جماليات، وحداثة اللوحة العمل الفني، بينما وظفت منيرة موصلي الخامات والأسباع والتلوينات الشعبية للتعبير عن هوية محلية لعملها الفني الذي تناولت عناصره بشكل فطري وفق استخدام الخامات كانت اعمال تحديثية لسعر الخليوي وصديق واصل ومهدي الجريبي ومحمد الفاوري وحمدان محارب وهاشم سلطان، وآخرين.
لقد عبّرت العديد من الأسماء التشكيلية في الساحة السعودية عن توجهات سعت مبكرا من عمر تجاربها الى بحث، وسعي عن صيغة مميزة وسنجد مثل ذلك في اعمال عثمان الخزيم وزمان محمد جاسم ومحمد المصلي ومحمد الحمد وعبد العزيز الماجد وعبد الله ادريس ونايل ملا وعبد الله حماس وعبد الله نواوي وسعد المسعري وإبراهيم النغيثر وعبد الوهاب عطيف وخالد العويس ورائدة عاشور وشادية عالم وبدرية الناصر واضواء بنت يزيد وشريفة السريري وصالح النقيدان ومفرح عسيري وعبد العظيم الضامن ونوال مصلي وكمال المعلم واحمد فلمبان.. واخرين.
لقد بدأت عدة قنوات حكومية وخاصة في رفد الساحة التشكيلية بالمملكة بالمعارض التي شجعت الفنانين والفنانات منذ قيام الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون 1973 ثم افتتاحها لعدة فروع تزيد حتى الان على العشرة، والرئاسة العامة لرعاية الشباب التي تكثف بقيامها وانشاء إدارة الشئون الثقافية، قسم الفنون التشكيلية المعارض الجماعية التي خصصت لها الجوائز المادية واتسمت هذه المعارض (المعرض العام للمقتنيات، والمعرض العام لمناطق المملكة، ومعرض الفن السعودي المعاصر، والمعرض العام للمراسم)
بجانب معارض أخرى وإقامة معارض سعودية في الخارج واستضافت معارض عربية او دولية لفنانين عرب وأجانب، ونظم الحرس الوطني السعودي معرضا جماعيا للفنانين السعوديين بشكل سنوي منذ 1985م من خلال المهرجان الوطني للتراث والثقافة، وتنظم الخطوط الجوية العربية السعودية، مسابقة منذ 1993م تحت مسمى مسابقة (ملون السعودية) تمنح جوائز مادية للفائزين فيها، وتقوم عدة صالات عرض خاصة بتنظيم معارض شخصية ومشتركة وجماعية للفنانين من داخل السعودية، ومن خارجها، وبرزت بين المؤسسات الفنية (المنصورية للثقافة والابداع) اخذت على عاتقها شكلا رياديا تنظيميا اهتمت منه بالفنانين.
وتبنت عروضهم داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، وقد قامت في السعودية بعض الجماعات التشكيلية من ابرزها كجماعة فناني المدينة المنورة، وجماعة درب النجا، وجماعة الفنون التشكيلية بمركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف في المنطقة الشرقية، وجماعة الأصدقاء الخمسة، وغيرها.
للكاتب: عبد الرحمن السليمان
مواقع النشر