[align=center]بســم الله الـرحمــن الرحيــم[/align]
[align=right]السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاته[/align]
في أحد المرات ذهبت إلى التسوق فتحدثت مع أحد أبناء الجنسيات العربية حول ما يعرضه محله وعن الأنواع المختلفة والأسعار ، وبعد فترة تطرق لموضوع بدى انه قد عانى منه كثيرا وهو سؤال الكثيرين له عن أصله ( من وين ترجع ؟) تركي والا شامي ؟ وظهر من ردوده عليهم أنه كان ممتعضًا من السؤال ، وفي { رأيي فالحق معه يعني أنت قادم للشراء فمالك ولنسب وأصل البائع فإما أعجبك ما يعرضه لك والا فارجع من حيث جئت ، فالأمر هنا ليس من أجل الزواج والمصاهرة حتى يسأل الرجل عن فصله ومنبته ، خلال ذلك تذكرت عند أول دخولي للجامعة - بعد معاناة طويلة مع ظروف قاهرة ولله الحمد على ما أنا فيه الآن - فأتذكر أنني وخلال بداية دراستي وكما اعتاد الدكاترة في الجامعة فغير المراجع من الكتب فهناك أيضًا مراجع كفصول مجتزأة من الكتب فعندما تأهبت لتصويرها فإذا بأحد من تعرفت عليهم من الزملاء يطلب مني أن يذهب معي فوافقت دون تردد ، وفي بداية سيرنا من الجامعة وقبل الخروج من بوابتها وإذا به يريد التعمق في التعرف فسأل عن الحي الذي أسكنه وإن كنت أسكن فيلا ، ثم سألني إلى أي قبيلة أنتمي وكان بالنسبة لي سؤالا استغربت من جرأة صاحبه حيث أني عندما كنت في الحارة الشعبية القديمة نادرا ما أتعرض لهذا السؤال خاصة لمن هم في عمري ، وإن كانت غالبية السكان في الحارة قبلية غير متعصبة ، فعندما أخبرت زميلنا عن القبيلة استغرب مندهشا من لهجتي وأنها ليست بلهجة تلك القبيلة التي يعرف أناسا منها ، هنا أن أحسنت الظن بصاحبنا ووضحت له بأني ولدت في جدة وأن والدي قد جاء لجدة قبل أكثر من ستين سنة وأنه وحتى والدي لم يولد في قريتنا في الديرة ، وبعد يرهة فاجأني الزميل العزيز بسؤال أكثر جرأة من السابق بقوله لي : " بس ترى أنا عارف ويش عيرتكم " هنا والحقيقة أني لم أزعل فلكل قبلي كما يقال " عيرة" وهي عادة بالية سامجة ، ولكن ما جعلني "أبلم" هو مدى جرأة هذا الشخص ونبشه حول هذه الأمور وسؤاله عن أشياء أعتدت ألا ألقي لها بالا .
كانت مدينة كجدة في غالبها هكذا لاتهتم بأمور كذلك ، ولم أكن أنا غير ذلك الذي لايهمني من الشخص الذي أعرفه غير تعامله معي وأخلاقياته وسلوكه معي ، ولايهمني أكان أفريقيا أو هاشميا أو كان قحطانيا أو عدناني ، فأنا هنا لن أتزوج من أسرتهم وهو كذلك لم يطلب أن يكون ذلك ، غير أنه وحتى لو كان زواجا فقد أوصى الرسول صل الله عليه وسلم بالدين أكثر ، ولم يجعلنا الله شعوبا وقبائل إلا لنتعارف وليس لنتفاخر أو نتناقص بعضنا البعض ، فنعزو كل سلوك خاطئ بعد تعاملنا مع أحدهم إلى أن أصله كذا ، وكذا .. وهذا لولا أننا توغلنا في جعل تعاملنا مع الشخص الآخر حسب نسبة وأصوله لما كان ذلك .
أتذكر أنه وحينما كنت في أول تعيني في تبوك وبما أني خريج جامعة وليس كلية معلمين وعلى الرغم من أن نتيجة الاختبار الشفوي للتدريس كان بالتوصية لتدريس المرحلة الثانوية إلا أنني وأشكر الله بدأت بتدريس المرحلة الابتدائية ، وعند دخولي لفصل خامس ابتدائي وعرفت بنفسي لهم فإذا الأطفال الصغار يسألوني : " أستاذ ويش قبيلتك ؟" فتذكرت طفولتنا البريئة وأنه كان الواحد منا والله لايعرف أن نهاية اسمه هو قبيلته أو أن ما قبله هو الفخذ ، ويا سبحان الله الآن كيف تغير الوضع ، فقبل شهور رأيت جارنا "المكاوي" - كريم الطباع الذي لم نشهد منه أي شائبة ، والذي أجد غالبا باشّا مبتسما يسبقني السلام وكذلك أبناؤه الذين جعلوني بمقام والدهم - فرأيته على غير عادته منزعجا فاقتربت منه وسلمت عليه وقلت له : " عسى ماشر ياحبيبنا ... لاأكون تسببت لك بشيء يزعلك" فقال ك " لاو الله يابو فيصل بس جارك اللي عارفو دا مسك واحد من العيال حقي وقالو إنتو طروش بحر صح ؟" ، الحقيقة إني أندهشت فقلت له طيب ، فقال : " لا والله مو طيب ولكن إيش أقول له ، الواحد مايبغى يخرب الدنيا وإذا كلمته أكيد بينكر ويقول ماقلتلو شيء" .
للأسف أن هذا الوضع لم يأمر به إسلامنا الحنيف ولم يكن ليأمر به ، بل جاء حنيفا نقيا آخى بين بلال وعلي رضي الله عنهما ، فما كان بلال الحبشي رضي الله عنه إلا حبشيا أعزه الإسلام كما أعز العرب جميعا فصاهر عبدالرحمن بن عوف الهاشمي رضي الله عنهما في ظل نور الإسلام وتقدمه في المعاني السامية على أمم لم تصل إلى شواطئ ذلك التحضر الذي جعل المسلمين قديما قوة لاتبارى ، وحضارة لاتنازع ، وقوة ترهب عدو الله وعدوهم ، جاعلين الإسلام ونصرته هو الهدف والغاية .
مع احترامي للناضجين
أبو فيصل إبراهيم
مواقع النشر