هرات (افغانستان) - رويترز : ظل قوس يعمل في إيران طوال خمس سنوات لكنه لا يستشعر أي ميزة من هذا العمل.. كل ما يحمله من ذكريات هو السجن والضرب والترحيل إلى أفغانستان. كانت إيران -الدولة المجاورة لأفغانستان من جهة الغرب والغنية بالنفط- لسنوات وجهة للأفغان الذين يسعون للعمل أو يفرون من الحرب. وهناك روابط بين الدولتين في اللغة والثقافة والتاريخ.
لكن عداء إيران للدور الأمريكي في أفغانستان ومطامحها الإقليمية واقتصادها الذي يعاني بشدة من العقوبات الغربية كانت عوامل دفعتها لطرد المهاجرين الأفغان مما أثار غضبهم هم وحكومتهم. وفي مايو ايار هددت إيران بطرد اللاجئين والمهاجرين الأفغان الذين يبلغ عددهم في المجمل 2.4 مليون نسمة إذا وقعت أفغانستان معاهدة أمنية استراتيجية مع الولايات المتحدة. وتم توقيع الاتفاق.
قال عبد الصمد حامي نائب وزير شؤون اللاجئين في أفغانستان "أصبح اللاجئون والمهاجرون الأفغان ضحايا للعبة سياسية كبيرة بين القوتين الإيرانية والأمريكية." تجمع قوس الذي كان حافي القدمين مع نحو 20 مهاجرا آخر في مركز تابع للأمم المتحدة في مدينة هرات بغرب أفغانستان بعد نزولهم من حافلة على الحدود. وقال لرويترز "فجأة انتهت حياتي."
قوس واحد من 191121 مهاجرا أفغانيا غير مسجل أجبروا على الخروج من إيران خلال الفترة من يناير كانون الثاني إلى 30 سبتمبر أيلول طبقا لأرقام مفوضية الامم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين بزيادة نسبتها 29 في المئة عن العدد في العام الماضي.
وما زال نحو 1.4 مليون مهاجر في إيران لكن يجري طرد المئات كل يوم. وهناك أيضا نحو مليون لاجيء أفغاني يسمح لهم بالعيش هناك.
ويعتبر الكثير من المهاجرين إيران وطنا منذ عقود بعد أن فر نحو تسعة ملايين أفغاني أي ثلث عدد السكان من بلادهم وتوجهوا إلى إيران وباكستان منذ الغزو السوفيتي عام 1979 وحتى حكم طالبان في التسعينات.
ولا تمثل عملية طرد المهاجرين عبئا على أفغانستان فحسب بل أيضا خسارة للدخل ومن الممكن ان تسبب المزيد من الاضطرابات قبل انسحاب أغلب القوات الأجنبية القتالية بحلول نهاية عام 2014.
فالمهاجرون الأفغان في إيران يرسلون لبلادهم تحويلات تبلغ نحو 500 مليون دولار سنويا وهو مبلغ كبير بالنسبة لواحدة من أفقر دول العالم. وسيزداد عنصر المال أهمية مع تقلص المساعدات الأجنبية برحيل القوات الغربية.
وتقول إيران إن العمال المهاجرين يمثلون خطرا أمنيا. لكن الساسة والمحللين الأفغان يقولون إن إيران تعمل على طردهم لإظهار أن بإمكانها الضغط عندما لا تتحقق أغراضها.
ومع تقليص الولايات المتحدة لدورها في أفغانستان تتنافس الدول المجاورة على النفوذ هناك. وتدعم إيران بالفعل ثلث وسائل الإعلام الأفغانية وتبني المدارس والمراكز الطبية ليزيد نفوذها كما يقول مسؤولون أفغان.
ويتضح النفوذ الاقتصادي لإيران بأفغانستان في إقليم هرات الذي يتمتع بتجارة قوية عبر الحدود ويفخر بوجود طرق ممهدة وأسواق مزدحمة.
وتمنح إيران المهاجرين الأفغان فرصا للعمل في المهن اليدوية البسيطة وكثيرا ما يكون ذلك في مواقع البناء. كما يعود كثيرون إلى وطنهم وهم مدمنون للأفيون بعد تلقي أجورهم في صورة مخدرات بدلا من المال.
وهذا لا يرجع فقط إلى أن دفع الأجر في صورة أفيون أرخص بل أيضا إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية في ظل العقوبات الدولية المفروضة على إيران نتيجة برنامجها النووي مما يجعل الأفيون أكثر جاذبية من المال بالنسبة للعمال.
قال رسول الذي كان يحرس موقعا للبناء في مدينة مشهد ثاني أكبر المدن الإيرانية طوال 15 عاما "كانوا يسمحون لنا بالاختيار بين المال والمخدرات. بمرور الوقت.. بدا الأفيون هو الخيار الأفضل." وشأن رسول شأن قوس.. فقد سجن لفترة قصيرة قبل طرده من إيران. وينتهي الحال ببعض المهاجرين في السجن بعد عودتهم لأفغانستان.
قال الجنرال شاه مير الذي يشرف على سجن إقليم هرات "لاحظنا زيادة في عدد المهاجرين الذين يعودون إلى هنا وهم مدمنون للمخدرات." ويقضي نحو 300 مهاجر سابق أحكاما في سجن هرات بعد إدانتهم بتهريب الأفيون.
ويقول مسؤولو صحة إن هناك مليون أفغاني مدمن للأفيون أو الهيروين أي نحو ثمانية في المئة من السكان البالغين مما يجعل أفغانستان الدولة صاحبة أكبر نصيب للفرد من تعاطي المخدرات كما أنها أكبر منتج للأفيون والهيروين.
لكن العمال المهاجرين ليسوا وحدهم هم من تستهدفهم إيران.. فهي تتخذ خطوات لإجبار أغلبية اللاجئين الأفغان المقيمين فيها بشكل مشروع والبالغ عددهم 930 ألف نسمة على ترك البلاد وتكثف حملتها لجعلهم يشعرون بأنهم ليسوا موضع ترحيب كما يقول مسؤولون وجماعات لحقوق الإنسان في أفغانستان.
وفي الشهر الماضي قالت وزارة الداخلية الإيرانية إن قرارا اتخذ لإنهاء "وضع اللجوء بالنسبة إلى 700 ألف أفغاني" بحلول 21 مارس اذار 2015. ورفض متحدث باسم وزارة الداخلية التعقيب على سبب هذا القرار.
وقال فراز صانعي وهو باحث في شؤون إيران في منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان والتي تتخذ من نيويورك مقرا إن إيران تأخذ موقفا صارما مع الأفغان عندما تشعر أنها تحت ضغط في المناورات من أجل بسط النفوذ بالمنطقة. وأضاف "عندما تتصاعد التوترات السياسية بين طهران وكابول على سبيل المثال فيما يتعلق بالدور الأمريكي في أفغانستان.. تكثف طهران تصريحاتها المتشددة."
واتفقت إيران وأفغانستان إلى جانب مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين في 2002 على برنامج طوعي لإعادة المهاجرين لبلدهم اعتقادا بأن اللاجئين سيفضلون العودة لوطنهم مع تحسن الوضع الأمني فيه. وقال صانعي "رغم أن هذا هو الموقف الحكومي الرسمي شهدنا زيادة في الإجراءات المقيدة ضد اللاجئين الأفغان في السنوات القليلة الماضية مما زاد من صعوبة العيش في إيران."
وتزيد إيران من عدد المناطق "المحظور" على الأفغان دخولها وتقول السلطات إن هذا يجيء في إطار استراتيجية لتأمين حدودها. ولا يسمح للأفغان الآن إلا بدخول 12 إقليما من بين 31 إقليما في إيران بعد أن كان العدد 14 إقليما في العام الماضي. وقال حامي نائب وزير شؤون اللاجئين "حركة الأفغان مقيدة حتى داخل المناطق المسموح بدخولها كما أن هناك وظائف معينة هي التي يمكن ان يعملوا بها."
وقالت وسائل إعلام إيرانية إن الأفغان محظور عليهم دخول متنزهات عامة معينة. وذكر حامي أن الأفغان كانوا يستعدون لطرد اللاجئين منذ فترة ويعدون "خطة طواريء" مع مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين من المفترض أن تكون جاهزة بحلول يناير كانون الثاني.
ويرى قاضي نظير احمد حنفي عضو البرلمان عن هرات أن سبب الضغط على الأفغان المقيمين بإيران واضح وهو معاقبة أفغانستان على عدم رفض الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة. وقال "حذر الإيرانيون الأفغان... ونرى الآن نتيجة هذا التهديد."
مواقع النشر