بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,
هل ستتّخذ اسرائيل قرار شن الهجوم على ايران؟
لو افترضنا جدلا انّ اسرائيل قادرة على ضرب المنشآت النووية الايرانية بفاعلية, فالسؤال المطروح هو: هل ستتّخذ قرار شن الهجوم العسكري على ايران؟ بماتملكه من قدرات هجومية؟؟
حيثث تمتلك اسرائيل استنادا الى معلومات موقع "القوّة الجويّة الاسرائيلية" التابع لوزارة الدفاع, 25 طائرة F-15I "حرف آي يرمز الى اسرائيل" المعدلّة, و يطلق عليها اسم "رعد". اذ كانت اسرائيل قد اشترت 21 نسخة من طائرات F-15E و F-16 في كانون الأول من العام 1994 بمبلغ 2 مليار دولار و من ثمّ 4 طائرات أخرى في العام 1995 و استلمتهم جميعا بعد تعديلهم في العام 1997 و 1998 و هم جاهزين في الخدمة.
تلعب هذه الطائرة المقاتلة الطويلة المدى F-15I دورا مزدوجا في كونها طائرة هجومية و اعتراضية في نفس الوقت. تتميز هذه المقاتلة التي هي نموذج معدّل عن طائرة F-15 التقليدية بقدرتها على الطيران لمسافات طويلة و أنظمتها الشديدة التعقيد, و هي قادرة على تنفيذ هجمات في العمق, على مسافات بعيدة, ارتفاع منخفض, في جميع الاوقات في النهار او الليل, و في مختلف الاحول الجويّة. و هي مزّودة بنظام رادار APG-70 متطور جدا و بنظام LANTIRN لاصابة الاهداف بدقّة عالية.
وتستطيع هذه الطائرة الطيران لمسافات طويلة دون التزوّد بالوقود, فهي تحمل حوالي 4,5 طن من الفيول تمكّنها من الطيران مسافة غير مسبوقة تبلغ 4.450 كلم, و هي قادرة على حمل 11 طن من الذخائر المتنوعة التي تتضمّن صواريخ جو-جو دفاعية مختلفة, أنواع متعدّدة من الصواريخ و القنابل و القذائف الهجوميّة الموجّهة.
وتمتلك اسرائيل أيضا عدد من طائرات F-16I المعدّلة الطويلة المدى أيضا, و اسمها الاسرائيلي "عاصفة". فقد قامت اسرائيل بعقد أضخم صفقة عسكرية بتاريخها بشرائها 102 طائرة من هذه الطائرات بمبلغ 4.5 مليار دولار يتم تمويلها بواسطة حزمة المساعدات العسكرية الأمريكية التي تتلقّاها سنويا. تمّ التفاق بداية في العام 2001 على شراء 25 طائرة ثمّ تمّ رفع العدد الى 102 و تمّ تسليم عدد منها الى اسرائيل في العام 2003 على ان يتم استكمال باقي العدد حتى عام 2008.
و هذه الطائرة لها القدرة ايضا على ضرب اهداف ضمن شعاع يزيد عن 500 ميل, الامر الذي يعني انّ ايران و ليبيا ضمن النطاق المسموح. و تتمتع هذه الطائرة بنفس مواصفات الطائرة السابق ذكرها و هي طائرة متعددة المهام و التعديلات التي تتمتع بها مهمة جدا و مزودة لنظام رادار امريكي دقيق و بنظام اشعة تحت الحمراء و تستطيع استهداف جميع الاهداف الأرضية في مختلف الظروف و ذلك بشكل اوتوماتيكي دون الحاجة حتى الى تدخّل الطيار يدويا.
و تشكّل هذه الطائرة و الطائرة السابقة العمود الفقري الأساسي للجيش الاسرائيلي, و بحصولها عليها جميعا سيكون لدى اسرائيل ما مجموعه 362 من الطائرات و هو الأسطول الأكبر من هذا النوع في أيّ بلاد في العالم بعد الولايات المتّحدة.
على عكس ما يعتقده الكثير فانّ اسرائيل لن تتّخذ هذا القرار و ذلك لعدد من الأسباب و منها:-
1- صحيح انّ اسرائيل تعارض فكرة ايران نووية, و لكنّ ذلك ليس لانّ ايران هي من سيمتلك هذه القدرة, فحتى لو قرر اكثر حلفاء اسرائيل في الشرق الاوسط امتلاك قوّة نووية فاسرائيل سوف تعترض. اسرائيل تعلم انّها لن تستطيع الحفاظ على تفوّقها الاستراتيجي في المنطقة الى الأبد, و من هذا الباب هناك من يرى في اسرائيل انّ امتلاك ايران للقدرات النووية سيؤدي بالضرورة الى فتح قنوات اتّصال و تواصل و خط ساخن بين ايران و اسرائيل للحفاظ على الاستقرار و تبادل المعلومات فيما يتعلّق بالنووي. و نماذج الاتحاد السوفيتي و الولايات المتّحدة, الباكستان و الهند نماذج أكثر من كافية في هذا الاطار.
2- لا يوجد تناقض استراتيجي في مصالح البلدين, و لا يوجد أي احتكاك مسلح في تاريخ العلاقات الإسرائيلية-الإيرانية العلنية وقت الشاه أو السرية وقت "الجمهورية الإسلامية" صغير أو كبير بري أو بحري أو جوي, يعطي اشارة على امكانية اندلاع حرب حاليا.
3- وجود وجهة نظر اسرائيلية تقول انّ السلاح النووي الايراني في حال امتلاكها له سيكون موجها ضدّ العرب بالأساس و من ثمّ الأتراك, و يستندون في تحليلهم هذا على ان لا عداء حقيقي مع ايران و اّن لا اطماع لدى الطرفين في أي منهما و يدعمون وجهة نظرهم بجملة من الوقائع و الوثائق و التحاليل المنطقية العقلانية البعيدة عن البروبغندا الاعلامية و التوجهات العاطفية, على اساس انّ القراءات التاريخية تقول انّ ايران تحاول دائما مدّ نفوذها باتّجاه الخليج لتسيّد الاطار الممتد من الشمال (آسيا الوسطى) الى الجنوب (الخليج) و من الشرق (أفغانستان) الى الغرب (العراق و سوريا و لبنان).
4- ايران لا تعتبر اسرائيل عدوا لها. ففي أواخر عام 2004 صدر كتاب اسرائيلي بعنوان "إيران من الإرهاب الي القنابل النووية: أبعاد التهديد الإيراني" من 518 صفحة في اطار الانشغال الاسرائيلي على كل المستويات السياسية و النخبوية العسكرية فضلاً عن المؤسسات البحثية ووسائل الاعلام بما يسمونه مخاطر البرنامج النووي الإيراني علي الدولة العبرية.
هذا الكتاب ألّفه أحد أشهر الخبراء في مجال الاستخبارات والباحث في "مركز جافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب" الدكتور "افرايم كام" بتكليف من وزارة الدفاع التي أصدرته و نشرته فيما بعد و يشمل عرضًا لكثير من الوثائق التي ترصد تطور القوة العسكرية الايرانية، فضلا عن الاستغراق في تحليل الدوافع الكامنة خلف الاستراتيجية التي تتبعها الجمهورية الاسلامية,و هو يستند الي الف ومائتي مرجع ووثيقة و يصل الي قناعة مفادها "ان ايران من ناحية عملية لا تعتبر اسرائيل العدو الاول لها ولا حتي الاكثر أهمية من بين أعدائها". فبحسب افرايم كام، فإنه "على الرغم من الخطاب السياسي الايراني المناكف لاسرائيل اعلاميا، الا ان الاعتبارات التي تحكم الاستراتيجية الايرانية ترتبط بمصالحها ووضعها في الخليج و ليس بعدائها لاسرائيل، وهي تبدي حساسية كبيرة لما يجري في دول الجوار، وخاصة في العراق.
5- قيام معهد 'omedia' البحثي الإسرائيلي بنشر تقرير مهم مؤخرا بعنوان 'إيران في حاجة لإسرائيل' للباحث 'زيو مائور' جاء فيه: "أن إيران لا تشكل أي خطر على إسرائيل ولا تريد تدميرها, بل هي في حاجة لإسرائيل وتعتبرها مكسبًا إستراتيجيًا هامًا حتى تظل قوة عظمى في المنطقة و هي تستغل و تستخدم "اسرائيل" كذريعة لتحقيق أهدافها و لدعم مكانتها الإقليمية ولنشر مبادئ الثورة الإيرانية تحت شعار "معاداة اسرائيل", و يضيف التقرير بانّ التصريحات الدعائية الإيرانية ضد الولايات المتحدة الأمريكية هي من باب الاستهلاك الإعلامي فقط.
من الناحية العملية:
اسرائيل لن تتّخذ هكذا قرار على الأرجح, فهي تفضّل ان تلعب دور المحرّض بدلا من التنفيذ و ذلك للأسباب التالية:-
1- انّ ضربتها للمنشآت النووية الايرانية لن تكون ذات جدوى, ففي احسن الاحوال ستؤخّر البرنامج النووي الايراني لمدّة 3 سنوات على الأكثر, و بالتالي فهذا ليس حلّا للمشكلة و لا تخلّصا منها, و سيكون لدى ايران حينها القدرة و الرغبة في الانتقام من اسرائيل و هي قادرة على ذلك و ليست مسلوبة الارادة سياسيا و لا عسكريا كما حال العرب.
2- انّ هذه الطريقة تمكّنها من حرق ورقة ايران القريبة من حدودها و المتمثلة في حزب الله الذي أقام مؤخرا شبكة تتضمن نحو 12 الف صاروخ كاتيوشا وانواعاً اخرى من الصواريخ, قادرة على ضرب اهداف في جنوب حيفا وليس في منطقة خليج حيفا فحسب خاصّة بعد تضاعف مدى صاروخ "فجر 3" و"فجر 5" ليصل الى نحو 70 كيلومترا بالاضافة الى زلزال واحد و اثنين بمدى 150 و 200 كلم تطال تل أبيب و ما بعدها.
3- انّها بتفاديها الاشتراك في ضرب ايران تضمن عدم حصول اجماع اسلامي حول المشروع النووي الايراني, لأن لو كانت الضربة اسرائيلية فانّ ذلك سيجعل الجميع في صف ايران بخض النظر عن حجم الخلافات.
4- انّ عدم قيام اسرائيل بضرب ايران يحرم الأخيرة من ذريعة الرد عليها باستخدام صواريخ شهاب البعيدة. فلو قامت اسرائيل بقصف ايران, فانّ ايران سيكون لديها كافّة المبررات و كل الحق لاستهداف اسرائيل بكل ما لديها من قوّة, و هذا آخر ما تتمنى اسرائيل حدوثه.
5- انّ ايران سترى في حال قيام اسرائيل بقصفها, انّه ما كان ذلك ليتم بدون تواطؤ و ضوء أحمر أمريكي, و بالتالي ستقوم ايران بالرد على القوات الأمريكية و مصالحها في الخليج و المنطقة, و هذا يعني انّه اذا كانت امريكا ستتلقى ردّة الفعل في حال قيام اسرائيل بالهجوم, فمن الأجدر ان تبقى اسرائيل على جانب و تقوم هي بتنفيذ ضربة قوية جدا لايران, و بالتالي لا حاجة للضربة الاسرائيلية من الاساس.
6- أخيرا و بناءا على تجارب سابقة, فانّ اسرائيل في هكذا حالات تبقى على حياد الى حين قيام الآخرين بتنفيذ المهمّة عنها و هو الأسلوب الذي اصبح متّبعا -لتجنيب اسرائيل ايّة خسائر- منذ انهيار الاتّحاد السوفيتي و تفرّد امريكا بقيادة النظام العالمي حتى اليوم.
مواقع النشر