دويتشه ﭭيله : يؤكد انتقال موظف كبير في فيسبوك للعمل لدى وكالة الأمن القومي الأمريكية على مدى التعاون الوثيق بين أجهزة الاستخبارات والشبكات الاجتماعية، التي ليست بريئة أيضاً في كشف الخصوصيات لأهداف تجارية، رغم زعمها عكس ذلك.



هوس وكالة الأمن القومي الأمريكية (إن إس إيه) بجمع المعلومات ليس له حدود، فوفقا للتقارير التي ظهرت في الأيام والأسابيع الأخيرة تم التجسس على كل من أصدقاء أمريكا وأعدائها على حد سواء. لكن السؤال هو: من أين لأجهزة المخابرات كل هذه الخبرات العلمية والإمكانيات التقنية؟

المخابرات والشبكات الاجتماعية
من المعروف أن شبكات التواصل الاجتماعي تسللت في السنوات الأخيرة إلى كل مناحي الحياة تقريبا، وأصبح الخط الفاصل بين حماية المعلومات (الخصوصية) وبين جمعها وتخزينها رفيعا وقابلا للاختراق، كما أثبتت الوقائع العملية. ففي مايو / أيار الماضي كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن رئيس قطاع الأمن المعلوماتي الأسبق في شركة "فيسبوك"، ماكس كيللي، تخلى عن وظيفته وانتقل للعمل لدى مؤسسة أمريكية كبيرة مختصة أيضا بتحليل المعلومات، هي وكالة الأمن القومي الأمريكية، التي تتبع وزارة الدفاع وتتولى عملية مراقبة وفك رموز الاتصالات الإلكترونية عبر العالم.


الموظف السابق لدى الوكالة ادوارد سنودن كشف مدى إستغلال المخابرات لشبكات التواصل الاجتماعي

انتقال المسئول في أكبر شبكة اجتماعية في العالم إلى وكالة الأمن القومي الأمريكية تم بعد أشهر قليلة من بدء وكالة المخابرات الأمريكية بجمع المعلومات عن طريق فيسبوك من خلال برنامج التجسس "بريسم" PRISM، والذي كشف عنه الموظف السابق لدى الوكالة ادوارد سنودن. انتقال ماكس كيللي، الذي بقي سرا لمدة ثلاث سنوات، يؤكد بوضوح مدى الارتباط الوثيق بين أنشطة المخابرات الأمريكية وشبكات التواصل الاجتماعي.

في هذا السياق كتبت صحيفة نيويورك تا يمز تقول "في وادي السيليكون (Silicon Valley) تجد أجهزة المخابرات كل ما تحتاجه؛ كمية ضخمة من البيانات الخاصة بالأفراد، وكذلك أحدث التقنيات اللازمة لتحليل هذه البيانات". وحسب الصحيفة، استثمرت وكالة الأمن القومي في هذا "الوادي" نحو ستة مليارات يورو. ويقصد "بوادي السيليكون" المنطقة الجنوبية من خليج سان فرانسيسكو في كاليفورنيا، والتي تضم جميع أعمال التقنية العالية والتطوير والاختراعات الجديدة في مجال التكنولوجيا المتطورة.

ليست المخابرات وحدها المستفيد
من الطبيعي أن تبحث أجهزة المخابرات عن المعلومات أينما كانت، وهذا أمر طبيعي بحكم مهمة هذه الأجهزة، كما وتبيع شركات المعلوماتية خبراتها الطويلة وتقنيتها للحكومة الأمريكية منذ فترة طويلة. ولكن تزداد أيضا أهمية البيانات الخاصة بالأفراد من قبل الشركات لاستغلالها تجاريا، ومن قبل المخابرات للاستفادة منها في عملها. ويوفر التقدم التقني السريع في مجال تخزين البيانات الفرصة المثلى للتعاون النفعي بين الجانبين. وفي هذا السياق يقول جيفري شيستر، رئيس مركز الديمقراطية الرقمية" (Center for Digital Democracy) إن شركات التسويق الإلكتروني الأمريكية تمتلك بيانات شخصية شاملة عن الفئات المستهدفة، كما وتستطيع على مدار الساعة جمع المعلومات عن الأشخاص دون موافقتهم. ويؤكد شيستر أن العلاقة بين وسائل الإعلام الاجتماعي والمخابرات ليست بالجديدة، مشيرا في حديث مع DWإلى أن الباب كان دائما مفتوحا بين شركات الاتصالات التلفونية والسلطات الحكومية، كما وتسعى شركات الإنترنت الكبرى مثل غوغل ومايكروسوفت دائما للبحث عن عقود مع وزارة الدفاع الأمريكية. ويتابع رئيس "مركز الديمقراطية الرقمية" القول إن وكالة المخابرات الأمريكية إنما تقوم بما تقوم به وسائل الإعلام الاجتماعي، وتستخدم شبكات التواصل الاجتماعي في الرقابة السياسية والاجتماعية.

شبكات التواصل الاجتماعية ليست بريئة
بالنسبة لـ كارل ميللر، رئيس وحدة البحث في مركز تحليل وسائل الأعلام الاجتماعي في بريطانيا، لم يشكل الكشف عن انتقال مسؤول فيسبوك للعمل لدى وكالة الأمن القومي الأمريكي أي مفاجأة، متسائلا من أين يمكن للحكومة الأمريكية إذن أن تستقطب خبراء في مجال تحليل البيانات؟ وأضاف في مقابلة مع DW"لقد وجدنا أنه ينبغي أن تكون هناك بنية تسمح للحكومات الحصول على تقنيات عالية، وهذه موجودة في القطاع الخاص".


شبكات التواصل الاجتماعي ليست بريئة من إستغلال بيانات المستخدمين

إن ما يحدث على أرض الواقع يختلف كثيرا عما يقال للرأي العام، كما اتضح من خلال ما كشف عنه سنودن. ففي الوقت الذي تزعم شبكات التواصل الاجتماعي بأنها لا تزود الحكومات سوى بالمعلومات التي يجبرها القانون على إعطائها، فإن هذه الشركات تتخذ المبادرة من تلقاء نفسها ـ وفق صحيفة نيويورك تايمز ـ وتشكل فرق لدراسة إمكانية تسهيل وصول السلطات الحكومية إلى المعلومات.

توازن بين الأمن العام وحماية الخصوصية
بالنسبة لـ ميللر، المشكلة ليست في برامج التجسس، وإنما في الاتجار بالأسرار التي تجمعها هذه البرامج، فحتى وقت قريب لم تكن برامج المراقبة مثل "بريسم" وبرنامج التجسس البريطاني "تيمبورا"، معروفة. ويمكن أن يكون تعاون شبكات التواصل الاجتماعي والمخابرات مفيدا ـ في رأيه ـ وذلك من أجل حماية الأمن العام. لكن هذا كله يجب أن يتم فقط في هذا الإطار العام، كما يرى ميللر، ويضيف: "في حالات كثيرة هناك انطباع أن ذلك يحدث دون علم ودون موافقة المجتمع، وهو ما يشكل مصدر القلق".

ومن أجل التوازن بين تحقيق الأمن العام والحفاظ على الخصوصية، يقترح الخبير البريطاني هيئة ذات طابع ديمقراطي، مثل هيئة محلفين تتكون مثلا من 50 شخصا يتم اختيارهم بطريقة عشوائية، بحيث تقوم هذا الهيئة بفحص ما إذا كانت الإجراءات والخطوات التي اتخذت ضرورية وملائمة.