الكرم :
الكرم ضد البخل ، وهو : بذل المال أو الطعام أو أي نفع مشروع عن طيب نفس ، وهو من أشرف السجايا ، وأعزّ المواهب ، وأخلد المآثر ، وناهيك في فضله أنّ كلّ نفيس جليل يوصف بالكرم ، ويُعزى إليه .
قال تعالى : ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ) الواقعة : 77 ، وقال : ( وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ) الدخان : 17 ، وقال : ( وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ) الدخان : 26 .
لذلك أشاد أهل البيت ( عليهم السلام ) بالكرم والكرماء ، ونوّهوا عنهما أبلغ تنويه :
قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( شاب سخيّ مرهق في الذنوب ، أحبّ إلى الله من شيخ عابد بخيل ) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( أتى رجل للنبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا رسول الله أيّ الناس أفضلهم إيماناً ؟ فقال : أبسطهم كفّاً ) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( السخيّ قريب من الله ، قريب من الناس ، قريب من الجنّة ، والبخيل بعيد من الله ، بعيد من الناس ، قريب من النار )) .
وقال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( أنفق وأيقن بالخلف من الله ، فإنّه لم يبخل عبد ولا أمة بنفقة فيما يرضي الله ، إلاّ أنفق أضعافها فيما يُسخط الله ) .
محاسن الكرم :
لا يسعد المجتمع ، ولا يتذوّق حلاوة الطمأنينة والسلام ، ومفاهيم الدعة والرخاء ، إلا باستشعار أفراده روح التعاطف والتراحم ، وتجاوبهم في المشاعر والأحاسيس في سرّاء الحياة وضرّائها ، وبذلك يغدو المجتمع كالبنيان المرصوص ، يشد بعضه بعضاً .
وللتعاطف صور زاهرة ، تشع بالجمال والروعة والبهاء ، ولا ريب أنّ أسماها شأناً ، وأكثرها جمالاً وجلالاً ، وأخلدها ذكراً هي : عطف الموسرين وجودهم على البؤساء والمعوزين ، بما يخفّف عنهم آلام الفاقة ولوعة الحرمان .
وبتحقيق هذا المبدأ الإنساني النبيل ( مبدأ التعاطف والتراحم ) يستشعر المعوزون إزاء ذوي العطف عليهم ، والمحسنين إليهم ، مشاعر الصفاء والوئام والودّ ، ممّا يسعد المجتمع ، ويشيع فيه التجاوب ، والتلاحم والرخاء .
وبإغفاله يشقى المجتمع ، وتسوده نوازع الحسد ، والحقد ، والبغضاء ، والكيد ، فينفجر عن ثورة عارمة ماحقة ، تزهق النفوس ، وتمحق الأموال ، وتهدّد الكرامات .
من أجل ذلك دعت الشريعة الإسلامية إلى السخاء والبذل والعطف على البؤساء والمحرومين ، واستنكرت على المجتمع أن يراهم يتضورون سُغَباً وحرماناً ، دون أن يتحسّس بمشاعرهم ، وينبري لنجدتهم وإغاثتهم .
واعتبرت الموسرين القادرين والمتقاعسين عن إسعافهم أبعد الناس عن الإسلام ، وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( ما آمن بي مَن بات شَبْعاناً وجاره جائع ، وما من أهل قرية يبيت فيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة ) .
وإنّما حرّض الإسلام أتباعه على الأريحية والسخاء ، ليكونوا مثلاً عالياً في تعاطفهم ومواساتهم ، ولينعموا بحياة كريمة ، وتعايش سلمي ، ولأنّ الكرم حمام أمن المجتمع ، وضمان صفائه وازدهاره .
مجالات الكرم :
تتفاوت فضيلة الكرم بتفاوت مواطنه ومجالاته ، فأسمى فضائل الكرم ، وأشرف بواعثه ومجالاته ، ما كان استجابة لأمر الله تعالى ، وتنفيذاً لشرعه المُطاع ، وفرائضه المقدّسة ، كالزكاة ، والخمس ، ونحوهما .
وهذا هو مقياس الكرم والسخاء في عرف الشريعة الإسلامية ، كما قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( من أدّى ما افترض الله عليه ، فهو أسخى الناس ) .
وأفضل مصاديق البر والسخاء بعد ذلك ، وأجدرها عيال الرجل وأهل بيته ، فإنّهم فضلاً عن وجوب الإنفاق عليهم ، وضرورته شرعاً وعرفاً ، أولى بالمعروف والإحسان ، وأحق بالرعاية واللطف .
وقد يشذّ بعض الأفراد عن هذا المبدأ الطبيعي الأصيل ، فيغدقون نوالهم وسخاءهم على الأباعد والغرباء ، طلباً للسمعة والمباهاة ، ويتّصفون بالشح والتقتير على أهلهم وعوائلهم ، ممّا يجعلهم في ضنك واحتياج مريرين ، وهم ألصق الناس بهم وأحناهم عليهم ، وذلك من لؤم النفس ، وغباء الوعي .
لذلك أوصى أهل البيت ( عليهم السلام ) بالعطف على العيال ، والترفيه عنهم بمقتضيات العيش ولوازم الحياة .
قال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( ينبغي للرجل أن يوسع على عياله ، لئلا يتمنّوا موته ) .
وقال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : ( إنّ عيال الرجل أسراؤه ، فمن أنعم الله عليه نعمةً فليوسّع على أسرائه ، فإنّ لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة ) .
والأرحام بعد هذا وذاك أحق الناس بالبر ، وأحراهم بالصلة والنوال لأواصرهم الرحمية ، وتساندهم في الشدائد والأزمات .
ومن الخطأ الفاضح حرمانهم من تلك العواطف ، وإسباغها على الأباعد والغرباء ، ويعتبر ذلك ازدراءً صارخاً ، يستثير سخطهم ونفارهم ، ويحرم جافيهم من عطفهم ومساندتهم .
وهكذا يجدر بالكريم تقديم الأقرب الأفضل ، من مستحقي الصلة والنوال : كالأصدقاء والجيران ، وذوي الفضل والصلاح ، فإنّهم أولى بالعطف من غيرهم .
بواعث الكرم :
وتختلف بواعث الكرم ، باختلاف الكرماء ، ودواعي أريحيتهم ، فأسمى البواعث غاية ، وأحمدها عاقبة ، ما كان في سبيل الله ، وابتغاء رضوانه ، وكسب مثوبته .
وقد يكون الباعث رغبة في الثناء ، وكسب المحامد والأمجاد ، وهنا يغدو الكريم تاجراً مساوماً بأريحيته وسخائه .
وقد يكون الباعث رغبة في نفع مأمول ، أو رهبة من ضرر مخوف ، يحفّزان على التكرّم والإحسان .
ويلعب الحب دوراً كبيراً في بعث المحب وتشجيعه على الأريحية والسخاء ، استمالةً لمحبوبه ، واستداراً واستدراراً لعطفه .
والجدير بالذكر أنّ الكرم لا يجمل وقعه ، ولا تحلو ثماره ، إلاّ إذا تنزّه عن المنّ ، وصفي من شوائب التسويف والمطل ، وخلا من مظاهر التضخيم والتنويه ، كما قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( رأيت المعروف لا يصلح إلاّ بثلاث خصال : تصغيره ، وستره ، وتعجيله ، فإنّك إذا صغّرته عظّمته عند من تصنعه إليه ، وإذا سترته تمّمته ، وإذا عجّلته هنيته ، وإن كان غير ذلك محقته ونكدته ) .
مواقع النشر