القاهرة - أحمد محمد (الإتحاد) : تؤصل السنة النبوية قواعد الطب الوقائي التي اكتشفها العلم الحديث، فالعزل والحجر الصحي قاعدتان وضعهما الرسول صلى الله عليه وسلم لمنع انتشار الأوبئة، وقد سبق النبي العلماء في وضع القواعد الصحية، ونبه إلى ضرورة عزل المريض بمرض يخشى انتشاره خوفا من نقل العدوى إلى غيره وهو ما يسمى الحجر الصحي و«
الطاعون» هو أي مرض معدِ قابل للانتشار بسرعة.
وقد كانت الأوبئة الفتاكة والأمراض المعدية في العالم الإسلامي أقل بكثير منها في أوروبا في الفترة التاريخية نفسها، بل إن موجات الطاعون التي كانت تقضي على ربع سكان أوروبا، تنكسر حدتها عند حدود العالم الإسلامي، لأن الإسلام تفرد بوضع أسس الطب الوقائي التي أثبت العلم الحديث إعجازها، وزعم الغرب أنه مكتشفها، بينما هي متأصلة في جذور العقيدة الإسلامية، وفي الأحاديث النبوية الشريفة التي أرست قواعد الوقاية من الأوبئة من خلال سلوكات فردية مردودها يمس الصالح العام.
زمن النبي
في زمن النبي لم يكن لأحد علم بأي طريقة لانتشار الأوبئة أو أنه من الممكن أن يحمل الإنسان هذا الفيروس ويبقى من دون أن يشعر بوجوده، ولذلك فالمنطق يفرض في ذلك الوقت أن يأمر الناس أن يهربوا من الطاعون، ولكن يقول عليه الصلاة والسلام: «الطاعون بقية رجز أُرسل على طائفة من بني إسرائيل، فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارا منه، وإذا وقع بأرض ولستم بها فلا تهبطوا عليها»، وقال: «الطاعون كان عذابا يبعثه الله على من يشاء، وإن الله جعله رحمة للمؤمنين، فليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد»، وقال: «الطاعون غدة كغدة البعير، المقيم بها كالشهيد، والفار منها كالفار من الزحف».
والحجر الصحي من أهم وسائل مقاومة انتشار الأمراض الوبائية، ويظهر أن الأحاديث النبوية الشريفة حددت مبادئه، فهي تمنع الناس من الدخول إلى البلد المصاب بالطاعون كما تمنع أهل تلك البلدة من الخروج منها والحجر الصحي مفهوم حديث. ويقول الطب الحديث إن الشخص السليم في منطقة الوباء قد يكون حاملا للميكروب، ولكن ليس كل من دخل جسمه الميكروب يصبح مريضاً، فكم من شخص يحمل جراثيم المرض من دون أن يبدو عليه أثر من آثاره، وهناك أيضا فترة حضانة وهي الفترة الزمنية التي تسبق ظهور الأمراض منذ دخول الميكروب إلى الجسم وفي هذه الفترة يكون انقسام الميكروب وتكاثره على أشده ومع ذلك لا يبدو على الشخص في فترة الحضانة هذه أنه يعاني من أي مرض، ولكنه بعد فترة قد تطول أو قد تقصر على حسب نوع المرض والميكروب الذي يحمله تظهر عليه أعراض المرض الكامنة في جسمه، وقد تصل فترة حضانة التهاب الكبد الوبائي الفيروسي لمدة ستة أشهر، كما أن السل قد يبقى كامنا في الجسم لسنوات.
والشخص السليم الحامل للميكروب أو الشخص المريض الذي لا يزال في فترة الحضانة يعرض الآخرين للخطر من دون أن يشعر، لذا جاء المنع الشديد وكان الذنب كبيرا كالهارب من الزحف.
تقدم العلوم
هذه الأحاديث تمثل معجزة نبوية، وتمثل طريقة صحيحة في الطب الوقائي، ويمثل سبقاً علمياً يشهد على صدق النبي ورسالة الإسلام، وقد تقدمت العلوم، واكتشفت العوالم الخفية من الكائنات الدقيقة، وعرفت طرق تكاثرها وانتشارها وتسببها في حدوث الأمراض والأوبئة، وتبين أن الأصحاء الذين لا تبدو عليهم أعراض المرض في مكان الوباء هم حاملون لميكروب المرض وأنهم يشكلون الخطر الحقيقي في نقل الوباء إلى أماكن أخرى إذا انتقلوا إليها، وبسبب اكتشاف هذه الحقيقة نشأ نظام الحجر الصحي المعروف عالمياً الآن والذي يمنع فيه جميع سكان المدينة التي ظهر فيها الوباء من الخروج منها كما يمنع دخولها لأي قادم إليها. وجاء في بحث أعده الدكتور عبد الجواد الصاوي، الباحث بهيئة الإعجاز العلمي، أن المراجع الطبية تقول إن انتشار الأمراض يرجع إلى المخازن الحاوية للكائنات الدقيقة والطرق المؤثرة في نقل المرض للإنسان. ويعتبر تناول الأطعمة الملوثة من وسائل انتقال الأمراض كالتيفود، وشلل الأطفال، والالتهاب الكبدي الفيروسي، حيث تنتقل الجراثيم من المريض أو حامل المرض إلى الإنسان، عن طريق اليد أو الآنية، ونسبة حدوث ذلك تعتمد على مستوى نظافة الفرد والبيئة، وقد بث رسول الله صلى الله عليه وسلم الثقافة الصحية بين المسلمين قبل أن تكتشف الكائنات الدقيقة الممرضة ليقيهم أخطارها، فأمر بتخصيص يد للأكل والمصافحة، ويد لمباشرة الأذى والخلاء.
منعاً لانتشار الأمراض والأوبئة وضع الرسول صلى الله عليه وسلم قاعدتين تعتبران من أساسيات الطب الوقائي وهما،
العزل الصحي، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يوردن ممرض على مصح»، والحجر بعدم دخول الأرض التي فيها الطاعون، ودعا الرسول إلى التداوي، قال: «لكل داء دواء فإذا أصاب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل»، فيدل الحديث على مشروعية التداوي واستحبابه، وأن الله جعل لكل داء دواء.
مواقع النشر