محمد جمجوم - (CNN) : إنه أمر استثنائي ذلك الذي يحدث الآن في المملكة العربية السعودية. وربما تقولون إنه كان يتعين علي أن أتوقع ذلك فأنا ولدت هناك، وعشت نصف حياتي على أرضها، وأتحدث لهجتها وأفهم تقاليدها. ومؤخرا، بتّ أشعر بالتواضع والاندهاش إزاء ما أنا بصدد مشاهدته: نساء سعوديات شجاعات، وأكثر اندفاعا مقارنة بأي وقت مضى، من أجل تغيير مجتمعهن، رغم أنّ المعطى المؤسف لكونهن مازلن محرومات من قيادة السيارات.
وفي الوقت الذي يبدو فيه صحيحا أنّه لا يوجد رسميا قانون يحظر على الإناث قيادة السيارات في المملكة المحافظة، إلا أنه أيضا وبكل المقاييس صحيح أيضا أنهن فعلا ممنوعات من ذلك. وللأسف لطالما سارت الأمور على هذا الشكل في مجتمع يتم فيه تأويل النصوص الدينية على نحو يجعل من قيادة المرأة السيارة أمرا غير قانوني.
لقد اشتغلت عدة قصص إخبارية حول هذا الموضوع لسنوات وعلي الاعتراف بأنه موضوع شخصي بالنسبة إلي. فأحد الأسئلة الجوهرية الشخصية التي لطالما فرضت نفسها علي بقوة هو لماذا يمكن لوالدتي الأمريكية أن تقودني في جولة في مدينة أوكلاهوما على متن السيارة أثناء عطلات الصيف، في الوقت الذي كانت ممنوعة من ذلك في جدة التي نقضي فيها بقية شهور السنة؟
وحتى أكون صادقا، بدأت تلمس الخطوط التي قد تقودني إلى فكّ هذا اللغز منذ كنت في الرابعة من العمر عندما كان والدي يضطر إلى السفر خارج إلى خارج المملكة لأسباب مهنية، وصادف في إحدى المرات أن كان سائق العائلة في إجازة ورغبت في تناول مثلجات.
في الولايات المتحدة، كان الأمر يسيرا على والدتي وعلي لامتطاء سيارتها والخروج للحصول على المثلجات بالموز. وكل ما رغبت في معرفته هو لماذا يعدّ مثل هذا الأمر ممنوعا في المملكة العربية السعودية؟
والآن مع هذه الحملة الجديدة التي تشجع السعوديات على قيادة السيارة، تذكرت كم أثّر هذا الموضوع في حياتي الشخصية.
لقد عادت بي الذاكرة إلى إحدى أمسيات جدة الأشد حرارة عندما كنت لا أتجاوز السادسة من العمر. وعندما كنت ألهو في ساحة المنزل الأمامية، شاهدت جارتي التي كانت في الخامسة عشرة من العمر تتسلل إلى خارج منزلها وقد ارتدت ثيابا مثل والدها السعودي. بل إنها لم تكن قد ارتدت ثياب الرجال فحسب، بل إنها وضعت أيضا شاربا على وجهها فيما كانت تحمل بيدها مفاتيح السيارة.
لقد كانت مهمتها يسيرة ولكن خطيرة أيضا: أن تقوم بجولة بسيارة والدها في الجوار فيما كان هو بصدد أخذ قيلولة. وفي أي دولة أخرى، كان الأمر سيعد مجرد علامة على تمرد، لكن في المملكة العربية السعودية، يمكن، بل إنه أدى فعلا إلى إيقاف نساء.
وقبل أيام، عندما كنا بصدد تصوير آخر تقرير لنا حول الموضوع، سألت الصحفية السعودية البارزة بثينة النصر حول ما إذا كانت قد قامت بأمر مماثل، فردت بابتسامة تشير إلى أن الموضوع أثار ذاكرتها وردّت بالاعتراف بأن ذلك حصل مرة عندما كانت في الرابعة عشرة من العمر، عندما استلفت سيارة شقيقها الأكبر وقامت بجولة على متنها في مزرعة العائلة بعيدا عن أعين الشرطة وطرقات المدينة.
وشرحت بثينة كيف أنّها وبقية رفيقاتها كانت الرغبة تهزهن في قيادة السيارات، مضيفة أنهن كنّ أيضا يرغبن في امتطاء الدراجات أو حتى التجول "بحرية" وهي سلوكات أخرى يمكن أن تجابه في المملكة بالامتعاض مما يجعل من السبيل التي يمكن أن تحقق تلك الرغبة سبيلا واحدة: أن يتنكرن في ثياب الذكور.
وقالت بثينة "لقد كان ذلك يشعرنا بالمرح واللهو." ورغم أن ذلك جعلني أضحك إلا أنه أثار في حزنا عميقا، فكما ترون فإن قريباتي السعوديات كنّ يكررن هذه الكلمة أمامي مرارا وتكرارا وهو كل ما كنّ يرغبن فيه. لقد كان اللهو هو السبب وراء "استيلاء" جارتي على سيارة والدها حتى يمكنها القيام بجولة مرح لا غير، وهو أمر كان يمكنها القيام به من دون أن تكون عرضة للمشاكل.
وبالنسبة إلي، عندما أتذكر كم كان الأمر ينطوي على مغامرة فإنها باتت بطلة في نظري. وقد استغرق الأمر طويلا حتى أفهمه في النهاية، فقد كان لديها تجربة مرح وحرية بسيطة ولكنها رائعة حيث أنها جربت أمرا لم تحصل عليه غالبية مواطناتها. لقد عانت من أجل هذه التجربة التي باتت أكثر صعوبة يوما إثر يوم لدرجة أنها أصبحت مرة أكثر منها حلوة.
في المملكة العربية السعودية، لا تحرم النساء فقط من رخص قيادة السيارات، ولكن يتعين عليهن أيضا الالتزام بقيود أخرى بما يجعلهن عمليا لا تملكن مصير أمورهن الخاصة والشخصية. والآن تتعالى الكثير من الأصوات، نساء ورجالا، من أن تغيير مثل هذه القيود.
ومن ضمن هؤلاء، عبد الله العلمي وهو ناشط سعودي بارز يدعم حملة تشجيع النساء على قيادة السيارات. ويقول العلمي "هناك مجموعة من المحافظين جدا سيقومون بكل شيء من منع النساء من الاستمتاع بحقوقهن مثل القيادة والتعليم والعمل والسفر من أجل الدراسة والعمل وتلقي العلاج الطبي. ولكن العديد من الرجال الذين أعرفهم وأنا معهم نشعر بأنه أمر حيوي أن ندعم النساء للقيام بهذا."
أثناء سنوات التعلم، كنت محظوظا لأمضي الوقت مع نساء شجاعات وذوات شخصيات قوية ومستقلات. وكانت والدتي الأمريكية وعماتي وقريباتي السعوديات يناقشن حقوق المرأة طول الوقت، مما سمح لي بالاستماع لنقاشات لا تنتهي كانت تخلص في النهاية إلى أنه سيكون من المستحيل أن يستمر منع السعوديات من قيادة السيارات إلى الأبد. وهن يعتبرن أن الأسباب عديدة: فمنعهن سيكون عديم الجدوى على الصعيد الاقتصادي وأنه سيكون عبئا ثقيلا متزايدا على العائلات لتوظيف السائقين وأن المجتمع السعودي بصدد التقدم.
إلى ذلك كانت هناك قصة رعب حقيقية سردتها إحدى عماتي تتعلق بجارة لها. فقد كان زوجها في العمل والسائق بصدد قضاء حاجة، فيما ابنها أصيب بجروح. ولم يكن لها بالتالي طريقة أخرى لإيصال ابنها المصاب إلى المستشفى في الوقت الملائم.
قالت تلك النسوة إنه لا سبيل إلا إلى تغيير تلك القوانين، بل إنهن توقعن أن لا يستغرق ذلك سوى ما بين 5 إلى 10 سنوات. لقد استعمت إلى ذلك قبل 33 سنة قبل أن ننتقل إلى العاصمة الرياض.
ظللت أستمع إلى نفس القصة حتى 1991 عندما اعتقدت أن الأمر سينتهي عندما تظاهرت 47 امرأة ضد منع النساء من القيادة في شوارع العاصمة. لقد انتهى الأمر بفضيحة مع اعتقال العشرات منهم ومنعهن من السفر وتم تعليق وظائفهن.
ظهر يوم آخر من الأمل في مايو/أيار 2011 عندما نشرت الناشطة منال الشريف فيديو لها وهي تقود السيارة على موقع يوتيوب، مما أفضى بها إلى السجن لمدة تسعة أيام. ولكن إثر ذلك بشهر لقيت منال الدعم من عشرات النساء فتحدين ذلك وصورن أنفسهن وهن يقدن السيارات ووضعن صورهن على الانترنت، ورغم ذلك لم يتغير القانون.
والآن جاء وقت الذروة، ومع تظاهرة تشجيع النساء على قيادة السيارات والي تلقت الدعم من 16 ألف امرأة وقّعن وثيقة الدعم على الانترنت، كان من الواضح أنهن لا ينتظرن موعد 26 أكتوبر/تشرين الأول، فالكثير منهن خرجن علنا وهن يقدن السيارات ووضعن ذلك على الانترنت في لافتة لا تصدق.
وشرحت بثينة النصر، التي تعيش في لبنان، شرحت لي، لماذا هي مقتنعة بأن السلطات بحاجة لأن ترفع الحظر "فالمملكة هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تسمح للنساء بقيادة السيارات."
وبعد أن أوصلت ابنها ذا الثماني سنوات إلى مدرسته، عبّرت لي بثينة عن كم الرغبة التي تمتلكها في أن تقوم بالأمر ذاته في بلدها المملكة العربية السعودية من دون أن تتنكر في ثياب رجل وتعترف بأنّها تحلم بذلك رغم أنّ الحلم سخيف "فحلم أي فتاة صغيرة ينبغي أن يكون الوصول إلى القمر لا أن تقود سيارة."
طالع نسخة من هذا المقال بالانجليزية هنا
مواقع النشر