بسم الله الرحمن الرحيم
يحدد المختصون أهداف وجود البنوك في المجتمع فيقولون: هي مؤسسات مالية تهدف إلى تسهيل المعاملات المالية للعملاء وحفظ الأموال وتشغيلها. وهو المكان المناسب لحفظ النقود والأموال فيه، إلى غير ذلك مما توسعت فيه البنوك.
وأهداف البنوك تجارية تهدف إلى الربح أسوة بغيرها من المؤسسات التي تأسست لهذا الغرض، وإن اختلفت المجالات.
وهي في ذلك تعمل وفق أنظمة محددة لضبط أعمالها وحفظ حقوقها وحقوق المودعين والمتعاملين معها.
كما أن البنوك مطالبة بأداء التزاماتها نحو جميع من تتعامل معهم، وبخاصة المجتمع الذي نشأت وازدهرت في كنفه، بل وبنت كياناتها من خلال حيازتها لعصب حياة أفراد المجتمع، الذي باتت جزءاً من تكوينه ونسيجه الاجتماعي.
وهذه البنوك كان من المستحيل أن تقوم لها قائمة ـ وبخاصة في مجتمعنا ـ لولا أن أفراد المجتمع توجهوا إليها بالثقة والإيداع وعموم التعاملات المالية، ذلك أنَّ من مقومات نجاح أيِّ بنكٍ متوقفةٌ على أعداد عملائه.
وحيث إن الوطن العزيز وساكنيه الأعزَّة وكذلك العالم برمته في منعطف تاريخي بالنظر إلى التقلبات المالية المتوالية، وبخاصة ما كان منها على المستوى المحلي إثر انهيار سوق الأسهم، وارتفاع معدلات التضخم، وانعكاسات الأزمة المالية العالمية، ففي خضم هذه الأحداث بات من المتعين أن يُفتح ملف البنوك المحلية للنظر في أي موقع تقف من هذه الأزمات، وماذا كان أثرها على المجتمع.
ومن المهم أن نحدد: هل كانت البنوك طيلة الفترات السابقة رافداً لرفاهية المواطنين ودعمهم في تيسير أمورهم الحياتية؟ أم أن الواقع يختلف عن هذا؟.
إنَّ نظرة غير متعمقة لأثر البنوك على معيشة المواطنين نجد أنها قد ساهمت في جوانب عديدة في تواكب المجتمع مع التطورات والتسهيلات التي شهدها القطاع المصرفي، وفي الجانب الآخر كانت البنوك تمارس دوراً تستدرج من خلاله عملاءها لتكبيلهم بالديون وإغراقهم بالقروض التي أحسنت البنوك في تزيينها وتمريرها مع أن فيها السُّم الزعاف.
فهل نقف عند الدور "التخاذلي" الذي مارسته البنوك نحو عملائها إبَّان أزمة الأسهم المنهارة، وما كان من موقفها في "التسهيلات" التي كانت وبالاً على عملائها الذين تورطوا بها.
أم نقف عند المعاملات المجحفة التي تزينها البنوك بيدٍ فيها الورود، وقد أعدت في اليد الأخرى الحديد و"الكلبشات" !!
أم نتحدث عن الاستغلال المقيت الذي حولت البنوك من خلاله كثيراً من الناس إلى "مديونين" يُقضُّ الدَّين مضاجعهم بالليل ويذلهم بالنهار.
أم نتوقف عند منهجية "الاسترقاق" التي تتبعها البنوك في التعامل مع من يحتاج لشيء من الخدمات المصرفية.
هذه بعض المساوئ التي تحولت معها بنوكنا وللأسف الشديد إلى مسالخ لكثير من الناس، فنهشت من خلال تعاملاتها كيان كثير من عملائها وسلختهم، حتى أحالت حياتهم إلى ألوان من التعاسة والشقاء، علاوة على تقصيرها نحو الوطن الذي ارتضعت خيراته، حيث التقصير في الوفاء بمسئولياتها الاجتماعية.
إن بنوكنا وللأسف الشديد قد تناست أخلاقيات المال، فهما استنزاف المال بأي صورة، فلا مجال للتيسير ولا التجاوز، ولا مجال للإنظار عند الإعسار.
إن هذه البنوك حين أرادت التسويق لأنفسها في المجتمع فأسست ما تسميه "المصرفية الإسلامية" لم تجلب مع هذه المنتجات ما يصاحبها من أخلاق المال التي حثَّت عليها الشريعة الغراء، كمثل ما أرشد الله تعالى إليه في قوله: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:280] إلى غير ذلك مما هو مفصَّلٌ في محله، بل كان منطقها منطق الجاهلية: إما أن تقضي، وإما أن تُربي، وإما السجن.
هكذا باتت البنوك مسالخ موحشة، ومما يؤسف له أنها لأجل وصولها لهذه المراحل الانتهازية فقد مهدت لأنفسها للولوج إلى رحم المجتمع عبر "هيئاتها الشرعية" وهذا ما أفصله في مقال لاحق بعون الله.
وفَّق الله الجميع لما فيه الخير ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
نشر بجريدة الاقتصادية الجمعة 24 شوال 1429هـ http://www.aleqt.com/article.php?do=show&id=10939
د. خالد بن عبد الرحمن الشايع
مواقع النشر