واشنطن (رويترز) - لقد كان يوما مروعا بالنسبة لفتاة لاقت حتفها في كهف بالمكسيك ربما منذ 13 ألف سنة إلا انه صار يوما مثيرا للعلماء الذين نجحوا في استنطاق أقدم هيكل عظمي في العالم الجديد ليبوح بأسرار مهمة إذ كان محفوظا بكامل حالته الوراثية.
قال العلماء يوم الخميس إن الفحوص الوراثية على رفات الفتاة -الذي كان محفوظا بحالة ممتازة بعد ان عثر عليه غواصون في الكهف- قدمت إجابات شافية عن أول بشر وطأوا النصف الغربي للكرة الأرضية والصلة التي تربطهم بالسكان الاصليين في أمريكا.
وردت نتائج هذه الدراسة -التي أشرف عليها المعهد الوطني للأنثروبولوجيا والتاريخ التابع لحكومة المكسيك وأيدتها الجمعية الوطنية الجغرافية- في دورية (ساينس).
وأكدت هذه النتائج ان إنسان العصر الجليدي الذي عبر لأول مرة الى الأمريكتين على جسر بري كان يربط في السابق بين سيبيريا والاسكا أسهم حقيقة في زيادة عدد السكان الأصليين في أمريكا بدلا من الفرضية التي شاعت فيما بعد بانهم وافدون جدد الى المنطقة.
وتطرقت أبحاث العلماء الى استكشاف مجاهل أدغال شبه جزيرة يوكاتان بشرق المكسيك ليكتشفوا رفات الفتاة تحت الماء الى جانب عظام تخص أكثر من عشرين من الحيوانات المتوحشة بما في ذلك النمور ذات الأنياب البارزة ودببة الكهوف وأنواع عملاقة من حيوان الكسلان وأحد أسلاف الفيلة.
وكانت جمجمة الفتاة وشفرتها الوراثية محفوظة كما هي بعد دفن رفاتها دهورا في مغارة مهجورة تغمرها المياه قبل اكتشافها عام 2007.
وينم رفات الفتاة عن صغر حجم جسمها ونحافتها ويبلغ طولها 1.47 متر ويعتقد انها توفيت عندما كان عمرها 15 او 16 عاما.
ويرجح ان الفتاة غامرت بحياتها وولجت الى المسارات المظلمة بالمغارة لتجد الماء العذب قبل ان تلقى حتفها في مصيدة وصفها عالم الآثار جيمس تشاترز من شركة أبلايد باليوساينس وهو أحد كبار المشاركين في هذه الدراسة بانه "فخ لا فكاك منه" يبلغ عمقه 30 مترا وهو عبارة عن حفرة تسمى بالاسبانية اويو نيجرو أي الثقب الأسود.
وقال تشاترز إن الغرفة التي عثر بها على رفات الفتاة تقع تحت سطح البحر بنحو 40 مترا وكانت بمثابة "كبسولة زمن تحفظ حياة البشر والبيئة" في أواخر العصر الجليدي.
وأطلق الغواصون على رفات الفتاة اسم (نايا) وهو يرمز لحورية الماء في الأساطير الإغريقية. وعاد أحد الغواصين ويدعي البرتو نابا بذاكرته الى الوراء لحظة اكتشاف نايا عندما كانت جمجمتها ترقد أعلى أفريز صخري وقال "كانت جمجمة صغيرة ترقد في وضع مقلوب وبها طاقم كامل من الأسنان ومحجران أسودان للعينين يرمقاننا من بعيد."
كانت الحفرة جافة عندما سقطت فيها الفتاة الا ان كتل الثلج الخاصة بالعصر الجليدي ذابت منذ نحو عشرة آلاف عام لتغمر المياه الكهف. وأوضحت الفحوص ان الفتاة كانت تعيش قبل 13 او 12 الف سنة.
وطالما ثار جدل بين العلماء بشأن أصل أول بشر وطأوا اراضي الأمريكتين ويرى كثير منهم ان صائدي الفرائس عبروا الجسر العتيق بين 26 الفا و18 الف عام وسرعان ما انطلقوا الى الأمريكتين منذ نحو 17 الف عام.
إلا ان أقدم رفات لإنسان العالم الجديد أصاب العلماء بالحيرة لانه كان يتميز -مثل نايا- بجمجمة أصغر وملامح أخرى تختلف تمام الإختلاف عن السكان الأصليين للأمريكتين.
وأدى ذلك الى إثارة تكهنات بان هؤلاء البشر الأولين في العالم الجديد ربما كانوا يمثلون موجة هجرة مبكرة وفدت من بقاع أخرى من العالم وليسوا أسلاف السكان الأصليين.
إلا ان المادة الوراثية التي تنتقل من الأم لابنائها والتي استخلصت من ضرس العقل لفتاة الكهف أظهرت انها تنتمي لنسل وراثي ينحدر من القارة الآسيوية ويمت بصلة للسكان الأصليين للأمريكتين.
وقال الباحثون إن ذلك يوضح ان الاختلافات المتعلقة بشكل الجمجمة والسمات الأخرى لرفات أول بشر وطأوا الأمريكتين ناشئة عن تغيرات تتعلق بالنشوء والإرتقاء التي ظهرت بعد ان عبر أول الوافدين الجسر العتيق.
مواقع النشر