السلام عليكم
لعلي هنا أورد بعض المنكرات والأخطاء في مجالسنا مبيناً مدى خطره على إيمان المسلم ومدى شناعتها في جعله متمرداً لا هياً بعيداً عن شرع الله واتباع أوامره واجتناب نواهيه وأول هذه المنكرات والأخطاء التي نراه في مجالسنا :
الغيبة:
وهي ذكرك أخاك بما يكره , وهي محرمة في الكتاب والسنة , فمن الكتاب قوله تعالى " ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم" ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلّم لمّا سأل عن الغيبة قال: " ذكرك أخاك بما يكره . قيل أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال صلى الله عليه وسلّم إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" رواه مسلم , وقد شاعت الغيبة في كثير من المجالس , ولا يخلو مجلس يجتمع فيه اثنان فما فوق إلا ويكون للغيبة فيه نصيب , فاستحلت بها الأعراض , ودنست بها الأطهار , وهدمت بها البيوت , والواجب على المسلم أن يحصن لسانه من لحوم الآخرين ولا يستحلها بقولٍ أو غيره , سوءا كان ذلك في المجالس أو غيرها .
النميمة :
وهي نقل الكلام من شخص إلى آخر لقصد الإفساد بينهما , وهي من أشر الشرور , وأقوى الفتن التي تمزق المجتمع المسلم , وتشتت أفراده , وقد حرمها الله في كتابه العزيز فقال " همازٍ مشاءٍ بنميم " قال ابن كثير رحمه الله يعني " الذي يمشي بين الناس ويحرش بينهم وهي الحالقة " وصاحب النميمة يسمى نماماً وهو بفعلته هذه لا يدخل الجنة صح عنه صلى الله عليه وسلّم قوله " لا يدخل الجنة قتات" , فينبغي لمن حُملت إليه النميمة أن لا يصدق حاملها , وأن ينصحه عن فعلته القبيحة تلك , وأن يبغضه في الله تعالى , وأن لا يظن في أخيه الغائب ظن السؤ , لذا كان لزاماً على المسلم أن يبتعد عن هذه الصفة الذميمة , وأن يسعى في محاربتها , لما فيها من المفاسد العظيمة المترتبة عليها والوزر العظيم من رب السماوات والأرض.
السخرية :
ويدخل من ضمنها السب والشتم والقذف والغمز واللمز وغيرها من الأمور التي نهى عنها الشارع الحكيم قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ... الآية , وقال صلى الله عليه وسلم " سباب المسلم فسق وقتاله كفر " متفق عليه , وأكثر ما تجد السخرية والاستهزاء في أماكن الاجتماعات كالأسواق والأعراس والمجالس , فتجد البعض يسخرون من مشية فلان , ويستهزأ أحدهم بكلام الآخر, ولا يكاد يسلم من المستهزئة أحد , وهكذا حتى تخرجه تلك الأفاعيل إلى سيئ القول وبذاءته , ومنكر الفعل ودناءته .
الكذب :
وهو من أقبح الصفات وأقذرها , والكذاب إذا علم بين مجتمعه بهذه الصفة كُرِه , وأصبح غير مرغوب فيه , لأن خيانته متوقعة , وشره حاصل لا محالة , فهو يغير الحقائق , ويبدل الوقائع , ومآل طريقه إلى الفجور , والمنتهى والعياذ بالله إلى النار , فهلا حاولنا أن نتخلص من هذه الصفة الذميمة , وهلاّ عاهدنا الله بأن لا نكذب أبداً , وأن يكون شعارنا الصدق , ومرادنا هو البر والمؤدي إلى جنات النعيم .
التناجي :
وهو الحديث الجانبي الحاصل بين اثنين بحضور ثالث وتسمى بالمهامسة وهي من الشيطان قال تعالى " إنما النجوى من الشيطان " ومعنى النجوى في الآية الكلام في السر, وقد حذر الإسلام منها مراعاة لشعور المسلمين , وإبعاداً عن حصول الشك والريبة بينهم , قال صلى الله عليه وسلّم " إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث " متفق عليه , وقال في حديث آخر " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه " متفق عليه , وكثيراً ما نرى في المجالس بروز البعض عن الآخرين , واستقلالية الحديث , وكان من المفترض أن يكون ذلك التناجي بعيداً عن الآخرين , احتراماً للمشاعر , وتقديراً للأمر الإلهي , ومتابعة لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلّم .
المزاح الخارج عن حدود الأدب :
سوءا كان ذلك بالقول كتداول النكت الساقطة , وتبادل الكلمات السافلة , والتي لا تزيد الشخص إلا الإهانة والعار , ولا تلبسه إلا العيب والشنار , أو كان بالفعل كالاعتراك بالأيدي بقصد إظهار القوة أو الضرب والدفع من باب إظهار الصداقة والميانة , والإنسان مسؤول عن نفسه في أقواله وأفعاله فليكن دائماً في الصورة الحسنة الجميلة , ولينزه نفسه عن كل منكر ورذيلة , ولا بأس بالمزاح المشروع الذي لا يؤدي إلى معصية , ولا يصل بصاحبه إلى الإثم المترتب عليها.
النصيحة الخاطئة :
من المعلوم أن المجتمع المسلم مجتمع مترابط يحرص كبيرهم على صغيرهم , ويوقر صغيرهم كبيرهم , ودائماً ما تسمع بين أفراده الوعظ والإرشاد , ومحاربة الفساد , وهذا أمر محمود في الشرع فالرسول صلى الله عليه وسلّم يقول " الدين النصيحة " فبالنصيحة تظهر المحبة , وتسود الألفة , وتتآلف القلوب , ولكن إذا خرجت من إطارها المحدود , وتجاوزت الحد المحدد لها فإنها لا تعد نصيحة , ولن يقبلها شخص , ولن يألفها مجتمع, ويكون ذلك عندما يقوم الناصح بتقديم نصيحته لشخص يعيّنه أمام الناس ويشهّر به , ويظهر بلاغته في الكلام على حساب ذلك المسكين عندها تكون النصيحة منكر عظيم لأنها تؤدي إلى التنافر بدلاً من التواصل , وإلى الكراهية بدلاً من المحبة , وكان الرسول صلى الله عليه وسلّم في نصحه لا يحدد , ولا يسمي أقوام بل كان يقول " ما بال أقوام ..." , وصدق الشافعي حين قال:
تعمدني النصيحة في انفرادي *** وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نــوع *** من التوبيخ لا أرضى استماعه
وهناك الكثير من المنكرات وأكتفي بما أوردته وأسأل الله العلي القدير أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه, وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه , وأن يهدينا إلى أحسن الأقوال والأفعال لا يهدي إلى أحسنها إلا هو , وأن يصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا هو , إنه ولي ذلك والقادر عليه سبحانه .
والحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم .
مواقع النشر