بسم الله الرحمن الرحيم
زياد بن عابد المشوخي
في عام 2002م طرحت المبادرة العربية السلام، وحاول العرب إعادة تفعيلها مرة تلو أخرى، ولطالما عبروا عن السلام بأنه "الخيار الاستراتيجي"، أما الصهاينة فقد أعلنوا الرفض تارة، وعدم الرد والحذر تارة والتحفظ تارة أخرى.
أما اليوم فيبدو أن قادة الكيان الصهيوني قد خرجوا سباتهم ليتذكروا أن هنالك مبادرة للسلام ، فالرئيس الصهيوني شمعون بيريز يقول: "إن على إسرائيل أن تمد يدها إلى كافة الدول العربية لإقامة سلام معها استنادا إلى مبادرة السلام العربية التي أعلنت عام 2002".
أما وزير الدفاع الصهيوني إيهود باراك فأعلن : "أن القادة الإسرائيليين بصدد مناقشة مبادرة السلام التي طرحتها المملكة العربية السعودية منذ ست سنوات".
أما وزارة الخارجية الصهيونية فهي مشغولة هذه الأيام بهدف التوصل إلى اتفاق "لا حرب" طويل الأمد مع لبنان ومنع اشتعال الحدود بين الجانبين، ويتضمن ذلك إعادة مزارع شبعا وقرية الغجر وإجراء تعديلات طفيفة على الحدود .
لم تكن هذه التغيرات في الموقف الصهيوني بمنأى عن الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ، أزمة بدأت ولم تتوقف، ولا يعلم أحد حتى الآن كيف ستصبح خريطة العالم ؟ ولا حاجة لنا لنسأل كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية عما بشرت به سابقاً " الشرق الأوسط الجديد" أو " الفوضى الخلاقة " أو " تغيير خريطة المنطقة "، إذا يبدو أن خريطة أمريكا أقرب للتغير من غيرها !
ويكفي أن نعلم أن حجم التبرعات الكبيرة التي كانت تنهال على المشاريع في الكيان الصهيوني بدعم من المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة قد تراجع بل أعلن اتحاد المنظمات اليهودية في نيويورك أنه سيستخدم احتياطاته من أجل تلبية الاحتياجات المتضخمة لنشاطاته، وكانت صحيفة هارتس العبرية قالت أنه مع تصاعد الأزمة الاقتصادية الأميركية، فإن منظمات يهودية تواجه حاجة مالية متزايدة لمواصلة خدماتها، بينما تواجه انخفاضا في التبرعات، الأمر الذي سيعني انعكاسا حادا ومؤثرا على التبرعات التي تنهال على المشاريع اليهودية في الخارج، وعلى رأسها في الكيان الصهيوني.
أما رئيسة اتحاد المنظمات اليهودية في واشنطن الكبرى سوزي غيلمان فقالت: "نحن لا ننسى إسرائيل، بالتأكيد لا. لكن لدينا وضع جديد الآن، ويجب علينا الاعتناء بأنفسنا، ومواردنا محدودة".
أما مدير مكتب واشنطن للتجمعات اليهودية المتحدة، وليام داروف فقال: "إن المنظمات اليهودية تعاني الآن من ضربة ثلاثية: فهناك عدد أقل من الناس يمكنهم تقديم التبرعات، والمؤسسات التي تضررت بسبب انهيار وول ستريت، وعدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات اجتماعية آخذ بالتصاعد".
إذا فالحديث عن السلام أو القبول بالمبادرة العربية تحديداً مرتبط بوضع اقتصادي قادم ، ولذا فقد صرح باراك بأن السلام الإقليمي ينبغي أن يقوم على بنية تحتية اقتصادية.
على الجانب العربي ينبغي أن يدرك المسؤولون أننا نعيش اليوم أجواء فرصة تاريخية لتحرير فلسطين من براثن الاحتلال ، إنها فرصة حقيقية لإحلال السلام في القدس، فأي سلام أعظم للقدس من عمارتها بالصلاة والعبادة والطاعة ، وأي سلام أعظم من طرد أولئك الذين دنسوا المقدسات وانتهكوا الحرمات وسفكوا الدماء ، أي سلام أعظم من تطهير القدس من أظلم الناس ، قال تعالى : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (البقرة:114)
إنها فرصة تاريخية فلم تكن المقاومة الفلسطينية في أي يوم من الأيام بمثل قوتها اليوم ، ولم يكن الوعي الشعبي في كل أنحاء العالم الإسلامي بالقضية وأبعادها بمثل ما هو عليه اليوم، يقابل هذا كله الهزيمة النفسية وضعف الثقة لدى الصهاينة ليس في فكرة ما يسمى بـ" إسرائيل الكبرى" بل في حتى في بقاء الدولة، مع ضعف الحبل الأمريكي بل انقطاعه قريبا بإذن الله بسبب الأزمة الاقتصادية .
وليس من المبالغة القول بأن أجيالاً من الأمة ستأتي وتتمنى أن لو أدركت هذا الوقت لتقطف الثمرة ، وتحقق النصر ، وإذا كان العرب يطرحون مبادراتهم في السابق من منطلق الضعف ، فقد آن الأوان لطرح حلول إلزامية تحفظ الحقوق وتعيدها لأهلها ومن منطلق القوة ، وليس أقل من اشتراط ترميم القدس وأساساته من قبل هيئات إسلامية والسماح للمسلمين من فلسطين وغيرها بزيارة القدس ، وإيقاف تهويد القدس وتهجير سكانها ، بل إعادتهم والسماح لهم ببناء منازلهم قبل البدء بأي حديث عن السلام والمفاوضات.
على رجال أعمال الأمة وتجارها مؤازرة إخوانهم المقدسيين من خلال الجمعيات والمؤسسات العاملة في القدس وتعزيز صمودهم.
ومن بقي يراهن على أظلم الناس فليتذكر: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (محمد: 48).
أنتهى.
التعليق:
لعلها بوادر سقوط دولة صهيون بعد أختلال موازين القوى.
مواقع النشر