الشرق الأوسط : «المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء» قول مأثور له معنى ومغزى صحي رائع ومفيد، فالحمية هي النظام الغذائي الصحي المتوازن الذي يقي الإنسان من مختلف المشاكل الصحية. وطالما أننا في الأيام الأولى من الصيام، فإننا نؤكد أن للحمية المتوازنة السليمة في شهر رمضان دورا مهما في تفادي الكثير من المشكلات الصحية التي قد يتعرض لها الصائمون.
توصيات للمصابين بحالات مرضية
تحدثت إلى «صحتك» الاختصاصية منال عباس سنبل - ماجستير في الغذاء والتغذية - وتطرقت للسلوكيات الغذائية الخاطئة والمضرة بالصحة في حياة الصائمين والتي تحرمهم من الفوائد الصحية المرجوة من الصوم. فالصائم لا يحتاج إلى غذاء أكثر في رمضان، بل على العكس تماما فهو يحتاج إلى كميات أقل من الأطعمة وخاصة أطعمة الطاقة كالنشويات والدهون وذلك عائد إلى قلة الحركة والجهد المبذول في هذا الشهر وبالتالي قلة الحاجة إلى السعرات الحرارية.
المائدة الرمضانية
أوضحت اختصاصية التغذية منال سنبل أن المائدة الرمضانية تعد مائدة متميزة بأصنافها وأكلاتها التقليدية الشهية، ويجب أن تكون متنوعة بحيث تحتوي على جميع العناصر الغذائية الأساسية المتمثلة في الكربوهيدرات (الخبز والحبوب والمعكرونة) والبروتينات (اللحوم والأجبان والبقول) والفيتامينات والأملاح المعدنية (الخضراوات والفواكه) وكميات معتدلة من الدهون النباتية والسكريات، حيث يحتاج جسم الإنسان سواء في شهر رمضان أو في بقية شهور السنة إلى غذاء صحي متوازن.
كما يجب أن تكون هناك ثلاث وجبات رئيسية في رمضان تعادل الوجبات الرئيسية (الإفطار والغداء والعشاء) على أن تكون هناك فترة زمنية مناسبة بين تلك الوجبات. وبما أن الصائم يقضي ساعات طويلة يمتنع فيها عن الطعام والشراب لذلك يجب ألا يفاجئ معدته أثناء الإفطار بكميات كبيرة من الطعام حتى لا يؤدي ذلك إلى مشكلات الهضم والتلبكات المعدية والمعوية.
وجبة الإفطار
يفطر الصائم على بضع حبات من الرطب أو تمرات كمصدر سريع للطاقة ثم يتناول رشفات من الماء لتعويض السوائل، مع عدم الإفراط، ثم يمنح المعدة وقتا للراحة ولتنشيط العصارات الهضمية المعدية والمعوية. بعدها، يمكن تناول وجبة الإفطار المتوازنة التي لا بد أن تحتوي على أي نوع من أنواع السلطات كطبق أساسي والقليل من الشوربة (شوربة الحب أو الخضار أو العدس.... إلخ) ونوع من السمبوسك باللحم أو الجبن في الفرن وبعض الخضار المطبوخة أو من 2 – 3 ملاعق فول أو حمص مع عدم الإفراط في الكميات المتناولة من جميع الأصناف. ويجب تجنب المقليات لأن الإفراط في تناولها يؤدي إلى الإصابة بحرقة المعدة وارتجاع المريء (الحموضة) وهذه من أكثر المشاكل الصحية التي يعاني منها الصائمون في هذا الشهر الفضيل.
وجبة خفيفة
وهي تعادل وجبة العشاء في بقية شهور السنة، ويفضل تناولها بعد الإفطار بثلاث أو أربع ساعات (أي بعد صلاة التراويح)، حيث يمكن تناول سلطة الفواكه الطازجة أو عصائر الفاكهة الطازجة أو التمر مع القهوة أو تناول بعض الحلويات الرمضانية الشعبية (الكنافة، القطايف، البسبوسة... إلخ) مع الحذر من الإكثار من تناول هذه الحلويات لتجنب زيادة الوزن.
وجبة السحور
وهي تعادل وجبة الإفطار التي نتناولها عادة في الصباح في غير شهر رمضان. لذلك يفضل أن تكون وجبة خفيفة نظرا لتناولها في ساعات متأخرة من الليل. ويمكن تناول ساندوتش (شطيرة) الخبز الأسمر مع البيض المسلوق أو صدر الدجاج المشوي الخالي من الدهون أو القليل من الفول أو العدس أو لبن الزبادي بالفواكه أو تناول بعض الفاكهة وخاصة الموز لاحتوائه على عنصر البوتاسيوم مما يقلل من الإحساس بالعطش في فترة النهار، مع الحرص على عدم تناول طعام يحتوي على كميات عالية من الصوديوم (ملح الطعام) لأن ذلك يؤدي إلى الشعور بالعطش أثناء فترة الصيام.
وتعد الأطعمة النشوية (كالأرز والمعكرونة) والأجبان واللحوم الحمراء ومعظم الوجبات السريعة من أسوأ اختيارات وجبة السحور لاحتوائها على كميات عالية من السعرات الحرارية والدهون.
شرب الماء والرياضة
ويجب ألا ننسى أهمية شرب الماء قبل الإمساك؛ إلا أنه ليس بأهمية شربه طوال فترة الليل، حيث لا بد للصائم أن يتناول كوبا من الماء كل ساعتين من وقت الإفطار وحتى وقت الإمساك لتعويض سوائل الجسم أثناء فترة الصيام نهارا.
ويجب ألا ننسى أهمية ممارسة بعض النشاط الرياضي في رمضان، وقد وجد أن أنسب وقت لمزاولة النشاط البدني هو قبل موعد الإفطار بمدة زمنية قصيرة لا تتجاوز الـ15 دقيقة لزيادة كفاءة الجسم في التخلص من السموم الناتجة عن عمليات التمثيل الغذائي إلى جانب تنشيط الدورة الدموية وزيادة الشعور بالراحة والاسترخاء (إلا أن هذا الوقت لا يناسب مرضى السكري لأنه قد يؤدي إلى انخفاض شديد في نسبة السكر لديهم). أما الوقت الثاني المناسب لممارسة الرياضة في رمضان فهو بعد وجبة الإفطار بما لا يقل عن ثلاث ساعات ولا يجوز بتاتا قبل ذلك الوقت لأن جهد وتركيز الجسم بالكامل يكون منصبا على إتمام عملية الهضم ليتم استخلاص الطاقة وإعادة شحنها إلى أعضاء الجسم الحيوية.
غذاء مرضى القلب
وتناولت الاختصاصية منال عباس سنبل هنا النظام الغذائي لأكثر الأمراض المزمنة شيوعا وتأثرا بالصيام.
يستطيع عادة مريض ارتفاع ضغط الدم الصيام، ولحسن الحظ فإن معظم أدوية الضغط تعطى مرة أو مرتين في اليوم، فيمكن للمريض تناولها عند الإفطار ووقت السحور. وتعتبر حمية مريض الضغط في رمضان مشابهة لما كانت عليه قبله، حيث يجب تحديد كمية الصوديوم (ملح الطعام) في الطعام وتجنب السكريات والحلويات والدهون وخاصة الحيوانية منها والاعتماد على الخضراوات والفواكه الطازجة أكثر في غذائه.
وبالنسبة لمرضى القلب والأوعية الدموية فعليهم تجنب الدهون وخاصة الحيوانية والمقليات، والاعتدال في تناول النشويات كالأرز والمعكرونة والمعجنات. والتخفيف من تناول السكريات والحلويات عند الإفطار حيث وجد أن الأغذية ذات المحتوى السكري العالي تؤدي إلى زيادة في نسبة المواد المسببة لتجلط الدم وإحداث تصلب الشرايين. وكذلك تجنب الأطعمة الغنية بالبوتاسيوم لأن ارتفاع مستوى بوتاسيوم الدم له تأثيرات خطيرة جدا على الجسم والحياة وقد يؤدي إلى توقف القلب.
غذاء مرضى الكلى
معظم مرضى الفشل الكلوي الذين يعالجون بالغسيل الكلوي يمكنهم الصوم دون أن يؤثر ذلك على حالتهم الصحية على أن يفطر المريض في الأيام التي يتلقى فيها جلسات الغسيل الكلوي إذا كانت هذه الجلسات تجرى في أوقات النهار وبالطبع يستطيع قضاء ما عليه من أيام أفطر فيها بعد شهر رمضان.
وعلى مريض الكلى مراعاة كمية السوائل المتناولة (الماء – الشوربة – الشاي – القهوة... إلخ) على ألا تتجاوز كميتها لترا ونصفا في اليوم، والإقلال من شرب القهوة العربية، كما عليه أن يتجنب تناول الأطعمة الغنية بالبوتاسيوم كالموز والمشمش والتين وقمر الدين والطماطم والعدس واللبن والتمر بحيث يتم تحديد كمية التمر في اليوم بحبة أو اثنتين وذلك تفاديا لحدوث زيادة شديدة في نسبة البوتاسيوم في الدم. ويمكن أن يبدأ فطوره بكأس من الماء وشوربة أو عصير تفاح.
وبالنسبة لمرضى الفشل الكلوي الذي يعانون من مرض السكري فيفضل الإفطار خاصة إذا كانوا ممن يستخدمون حقن الأنسولين وذلك لما للصوم من أضرار صحية على حالتهم وزيادة احتمالات تعرضهم للغيبوبة من جراء انخفاض أو ارتفاع نسبة السكر في الدم.
أما مريض السكري المصاب بفشل في بعض وظائف الكلى فعليه الالتزام بحمية خاصة إذا نوى الصيام فهي أهم عامل في علاج مرض السكري وهي ليست صعبة ولا معقدة كما يظن الكثير من الناس فهي وجبة صحية عادية ومثالية تهدف إلى الوصول للوزن الأمثل. كما ينصح هؤلاء المرضى بالإقلال من تناول العصائر المعلبة والمحلاة بالسكر بقدر الإمكان واستبدالها بالماء والعصائر الطازجة من دون سكر وبكميات معتدلة. وعليهم كذلك تجنب تناول المعجنات المقلية بالدهون والاستعاضة عنها بالمعجنات المخبوزة بالفرن ودون استعمال الدهون مع الاعتدال في تناول النشويات كالأرز والمعكرونة، والحد من الإفراط في تناول اللحوم الحمراء وتحديد كمية الملح بالطعام.
غذاء مرضى الربو والسكري
يمكن لمريض الربو الصيام إذا كانت حالته مستقرة مع ضرورة تناوله لكميات قليلة من الطعام لمنع الضغط على الحجاب الحاجز وأن يكون الغذاء متوازنا محتويا على الفاكهة والخضراوات الطازجة وكميات كبيرة من البروتينات لتقوية الجهاز المناعي. والإكثار من شرب الماء والعصائر الطبيعية كالليمون والبرتقال أثناء فترة الفطور للتخلص من المخاط. كما يمكنه تناول ملعقة من العسل مع التمر أثناء الإفطار لتلطيف الغشاء المخاطي. وعلى مريض الربو تجنب الأغذية المهيجة لحالات الربو وتلك المسببة للغازات والانتفاخ كالكرنب والقرنبيط. ويمكن إضافة البصل والثوم إلى السلطة الخضراء لتقليل الأزمات الربوية.
أما لمرضى السكري فيجب أن يتم تحديد الغذاء من قبل اختصاصي التغذية والالتزام به من قبل المريض حتى يتجنب مخاطر انخفاض السكر في الدم أثناء الصيام. ويمكن تقسيم كمية الطعام المناسبة لمريض السكري على وجبتين أو ثلاث خلال فترة الإفطار وكل حسب حالته كما يقرر لهم اختصاصي التغذية.
بقلم : د. عبد الحفيظ يحيى خوجة - جدة - الشرق الأوسط
مواقع النشر