القاهرة - ريهام مقبل (دويتشه ﭭيله) : تسعى المؤسسات الدينية المصرية لمواجهة التطرف وتجديد الخطاب الديني. وأعلنت وزارة الأوقاف المصرية حاجتها إلى متطوعات أزهريات للعمل الدعوي بالمساجد، فهل الهدف مواجهة الداعيات ذوات التوجه الإسلامي الحركي؟ DW تحاول الإجابة.
أعلنت وزارة الأوقاف المصرية حاجتها لمتطوعات أزهريات ومرشدات دينيات، وطلبت الوزارة بعدد من المستندات ومنها المؤهل الدراسي وشهادة الميلاد وصورة البطاقة، وتقديمها للمديريات. وفي وقت سابق دعا الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف "الباحثات الشرعيات والمعيدات وأستاذات جامعة الأزهر إلى توعية الناس بالمفاهيم الدينية الصحيحة"، وأكد دعمه "القوي" لدور المرأة ورغبته في "تمكينها من العمل الدعوي".
وهي خطوة يبدو في مجملها أنها ترمي إلى نشر الاعتدال والوسطية الدينية وتعزيز العنصر النسائي للعمل في المساجد، ولكن ما سبب توقيت هذا الإعلان وما مدى جدية وزارة الأوقاف في حاجتها إلى متطوعات؟ وهل القصد هو مواجهة الداعيات ذوات التوجه الإسلامي الحركي؟ وهل تنجح الأزهريات في تحقيق هذه المهمة؟ وهل يكمن الهدف في فرز المتطوعات غير الإخوانيات أو المتعاطفات معهن؟ وما هي آلية فعل ذلك؟ DW عربية تحاول الإجابة على هذه التساؤلات.
طبيعة عمل الأزهريات المتطوعات
يشرح الشيخ محمد عبدالرازق، وكيل أول وزارة الأوقاف ورئيس القطاع الديني، في حواره مع DW عربية، تفاصيل الإعلان عن العمل التطوعي للأزهريات. قائلاً: "الإعلان نُشر على موقع الوزارة منذ شهرين بعد أن طُلب من وزير الأوقاف فتح الباب لداعيات إسلاميات أزهريات، خاصة من قبل المجلس القومي للمرأة، للعمل التطوعي لوجه الله". وتابع: "تقدمت أعداد كبيرة للمسابقة، يردن العمل في مجال الدعوة الإسلامية، ويشترط حصولهن على مؤهل أزهري من إحدى كليات الأزهر وكلية الدراسات الإسلامية أو أن يكُنّ خريجات لمعهد الثقافة الإسلامية".
شيخ الأزهر دعا "الباحثات الشرعيات والمعيدات وأستاذات
جامعة الأزهر إلى توعية الناس بالمفاهيم الدينية الصحيحة"
أمّا عن طبيعة عملهن فيؤكد الشيخ عبد الرازق أنها تتمحور حول إلقاء الدروس للسيدات في المساجد أو الاشتراك في فصول محو الأمية أو فصول التقوية. ولا يعتبر عبد الرازق العمل التطوعي جديدا، ولكن الجديد هذه المرة الأعداد الهائلة التي تقدمت للعمل تطوعياً، والتي يقدرها بالآلاف، ومن تنطبق عليهن الشروط نحو 450 من المتقدمات.
ويفرّق عبد الرازق بين المرشدات الدينيات المعيّنات في الوزارة، اللواتي لهن راتب ثابت مثل الإمام، والواعظات الإسلاميات من الدرجة الثانية ولهن راتب شهري بالمكافأة. أمّا العمل التطوعي، فاعتبره نوعا ثالثا لعمل الأزهريات في الوزارة كونه تطوعي دون أجر. ولا يمانع الشيخ عبد الرازق من انتشار العمل التطوعي، خاصة لو أنه من منطلق الحرص على مصر ومصلحتها، والخوف من أن يُغرّر بالبعض في مثل هذه الأمور.
ولكن هل تنجح الأزهريات في نشر الاعتدال؟! يجيب عبد الرازق بالإيجاب. وبرّر ذلك بالقول: "المرأة هي كل المجتمع وليس فقط نصف المجتمع، ولا نستطيع أن ننسى دورها الفعال في الحروب ونشر العلم والثقافة". وأردف قائلا: "نحن نريد أن ندعم المرأة، لأن لهن تأثيرا كبيرا على الرجال قبل النساء".
"متطوعات لملء الفراغ الدعوي"
وفي السياق ذاته، يشير الشيخ أحمد ترك، مدير عام بحوث الدعوة بالأوقاف، في حوار مع DW عربية، إلى أهمية وجود مجموعة كبيرة من الواعظات والأزهريات. وأضاف: "إذا قُمْنَ بأدوارهن بشكل جيد، فسيسهم ذلك في نشر الاعتدال. وأكد على الحاجة الملحة لحضورهن في مصلَّيات السيدات وأماكن وجودهن". والسبب في ذلك، وفقاً لترك، يعود إلى ملء الفراغ الذي تركته الدعوة النسائية.
مظاهرات لنصيرات مرسي ضد السيسي في مصر: بعد إسقاط الجيش المصري
للإخوان المسلمين من الحكم في مصر لم يود الجيش أن تبدو أعمال القمع ضد
أنصار مرسي كحرب موجهة ضد الإسلام، بل كحرب في مواجهة "منظمة
إرهابية تقدم مصلحة جماعتها على مصلحة الوطن".
أما من ناحية التأكّد من توجهاتهن، فيقول الشيخ جابر طايع، وكيل وزارة الأوقاف: الأزهريات درسن أكثر من 18 سنة في الأزهر، وبالتالي فكرهن وسطي ولديهن حد أدني من الفهم والشريعة". وشدّد على أهمية ضمان سلامة الفكر، منوهاً إلى أن عدد الواعظات لا يتناسب مع الحجم المطلوب".
"الأخوات المسلمات لا يسيطرن على العمل الدعوي"
الطبيبة أ.ش –التي طلبت عدم ذكر اسمها وتعمل داعية في إحدى مساجد القاهرة، ودرست أصول الدين في الأزهر الشريف- تقول في حديثها لـ DW عربية، إن عملها دعوي منذ أن كانت طالبة في الأزهر، وقد عملت كداعية متطوعة منذ عام 1990، بتصريح من وزارة الأوقاف. وأكدت أن العمل الدعوي طيلة هذه السنوات لم يتغيّر، لأن الكتاب والسنة واحد، وأي اجتهاد يكون عبر دار الإفتاء وليس في العمل الدعوي.
يشير الشيخ أحمد ترك إلى أهمية وجود مجموعة كبيرة من الواعظات والأزهريات، لملء الفراغ النسائي الدعوي.
ونوهت إلى عدم تعرضها وزميلاتها لأية قيود أو صعوبات. أما عن أية اختلافات بينها وبين حاملي وجهات النظر المختلفة، فتقول: "أرحّب بالجدال لنصل إلى نقطة التقاء". ولا تعتبر أن هناك أية نظرة دونية من المجتمع لهن كداعيات، بل تقول إن هناك تقديرا وترحيبا بعملهن. وتفسّر تزايد عدد الراغبات في العمل الدعوي بحب وشغف الأزهريات بالعمل الدعوي، وتعتبر هذا الأمر ليس جديدا. أما رغبة الأوقاف في الحاجة إلى المتطوعات، فتفسره بالحاجة الملحة لمواجهة الأفكار المتطرفة. وتنفي بشدة سيطرة "الأخوات المسلمات" على العمل الدعوي.
ولكن هل تتقبل السلفيات وجود داعيات أزهريات في المساجد؟! رشا يوسف، مدرسة تربية فنية، "سلفية"، تقول إن هذه خطوة جيدة وترحب بها. وتابعت: "نحن في حاجة إلى دارسي الدين لتصحيح مفاهيم خاطئة، ووجودهن يقطع الطريق على من يحاول الإفتاء في الدين". ولكن ماذا لو تعارضت الأفكار مع الأزهريات؟! تقول رشا يوسف: "لا يوجد لدي مانع في أن أتحاور مع الأزهريات، ولكني مقتنعة بما أؤمن به". وتستطرد بالقول: "الأهم أن تكون دارسة الدين جيدة، لأن هناك حاملي شهادات للأزهر لا يفقهون شيئا ولا يعرفون اللغة العربية جيداً".
"تجييش الإخوان للداعيات"
وفي رؤية تحليلية، يقول الباحث في الشأن الديني أحمد بان إن الأزهر يتصرف بردة الفعل ويظهر غياب استراتيجية في التعاطي مع القضايا الكبيرة ومنها الفراغ الدعوي. ويردف قائلا: "الحركات الإسلامية عملت منذ فترة طويلة على تحريك شريحة النساء، باعتبارهن الرقم الأكبر في أصوات الناخبين، لذلك أسست جماعة الإخوان المسلمين قسم الأخوات منذ عقود منصرمة، إدراكاً منها لأهمية النساء".
ويتابع: "جزء من اهتماماتها "تجييش" الداعيات والمعلمّات لاستهداف الجمهور العام". ويستطرد قائلا: "أدرك الأزهر خطورة ذلك مؤخراً، وفتح الباب لتقدم متطوعات للعمل الدعوي".
يقول الباحث في الشأن الديني أحمد بان إن الأزهر يتصرف بردة الفعل ويظهر غياب استراتيجية في التعاطي مع القضايا الكبيرة ومنها الفراغ الدعوي.
ويتخوف بان من قدرة مجموعات الإسلام الحركي الدخول على هذا الخط، وأخذ رخصة رسمية "ليعيد الانتشار من جديد في المجتمع المصري". ويتابع قائلا: "بطبيعة أنه خاضع لتكليفات من أعضاء هذه التنظيمات، في إطار خطة الاختراق في المجتمع من جديد بعد انتهاء حكم الإخوان المسلمين".
ويشدد في الختام على أهمية وضع ضوابط للاختيار، ولا يعني هذا تغليب المنطق الأمني. وتتضمن هذه المعايير، قياس السلامة النفسية وسلامة الحواس والابتعاد عن أي مجموعات مُسيَّسة، بحسب بان.
مواقع النشر