الباحة - واس : تظل قرية ذي عين التراثية بمنطقة الباحة التي يعود تاريخها إلى مئات السنين، واحدة من أجمل وأبرز المواقع الأثرية على مستوى المملكة، نظراً لما تتمتع به من جمال في طريقة بنائها، وما تزخر به من مزارع شاسعة تغذيها عين القرية التي لم تتوقف على مر الزمان.
وتضم القرية التي تقع على سفح تل من المرمر الأبيض 59 بيتاً ذات ارتفاعات مختلفة تتراوح من دور واحد إلى أربعة أدوار، يربطها عدد من الممرات التي تم اختيارها بعناية لتسهيل حركة المارة، في حين يأخذ مسجد القرية مكان الوسط بين البيوت ومزارع الموز والليمون والكادي.
وتقع ذي عين في منحدر طريق عقبة الملك فهد الذي يربط سراة منطقة الباحة بتهامتها على مسافة 20 كيلو متراً من مدينة الباحة، وهي قرية مبنية من الحجارة مسقوفة بأشجار العرعر التي نقلت إليها من الغابات المجاورة، زينت شرفاتها بأحجار المرو (
الكوارتز) على شكل مثلثات متراصة، ويوجد بها بعض الحصون الدفاعية التي أنشئت قديماً لحمايتها من الغارات أو لأغراض المراقبة.
ويوصف مناخها أنه حار صيفاً معتدل شتاءً كونها في منطقة منخفضة ضمن الجزء الذي يسمى بمنطقة تهامة العليا من منطقة الباحة، وترتفع عن مستوى سطح البحر بحوالي 1,985 متراً، وتمتاز بغزارة الأمطار في فصل الصيف وتهطل بمعدل كبير بسبب موقعها بين كتلة من الجبال ما يؤدي إلى تكثف الغيوم وهطول الأمطار الرعدية، فيما يكون هطول الأمطار متوسط على القرية في فصل الشتاء.
وما يميز قرية ذي عين الأثرية عن غيرها من القرى التراثية المتناثرة في منطقة الباحة التوليفة التي تحتويها من مباني تراثية ومدرجات زراعية يتم تغذيتها عبر عين الماء التي تجري على مدار العام، وهي التي يتقاسمها المزارعون وفق نظام تم إقراره من قبلهم وهم ملتزمون به حتى اليوم.
وتسعى الهيئة العامة للسياحة والآثار إلى حماية آثار القرية التي لحق ببيوتها خلال العقود الثلاثة الماضية الإهمال بسبب هجر أهلها لها وضعف ثقافة الزوار، إضافة إلى تأثير العوامل الطبيعية، عبر عدد من المشروعات التأهيلية والتطويرية والإنقاذية.
ففي بداية الأمر نفذت الهيئة مشروعاً لإعادة ترميم وتأهيل القرية بقيمة تفوق الـ 4 ملايين ريال، شملت ترميم المسجد وعمل متحف للقرية وممرات مرصوف بالحجارة وغيرها من الأعمال التأهيلية، صاحبه مشروع تحسين القرية ونفذته أمانة المنطقة بمبلغ 4 ملايين ريال، وتضمن إنشاء حديقة نموذجية، ومسطحات خضراء، وسفلتة الطريق الدائري للقرية، مع إنشاء قناة لتصريف مياه الأمطار وأعمال الإنارة.
بعدها بدأت الهيئة في تنفيذ المشروع الإنقاذي للمباني الآيلة للسقوط بقرية ذي عين التي تسبب خطورة على مرتادي القرية وتسبب عدم تجانس في الرؤية البصرية، حيث أسند المشروع لإحدى المؤسسات الوطنية بتكلفة بلغت أكثر من 6 ملايين ريال. وتم إنجاز الكتلة الأولى من المباني، والعمل جار حالياً لاستكمال ما تبقى من المشروع، الذي يأتي ضمن الجهود المبذولة التي توليها الهيئة في سبيل تأهيل وتطوير قرى التراث العمراني لتبقى مصدراً للاعتزاز ومورداً ثقافياً واقتصادياً للمجتمعات المحلية.
ويمثل تأسيسي جمعية ذي عين التعاونية العام 1431هـ، أحد أبرز ما حظيت به القرية خلال السنوات الماضية، حيث حققت لأهالي القرية مصدرًا للرزق عبر مشاركتهم بالمساهمة في استثمارها سياحياً، علاوة على توظيفها لأبناء القرية في مرافقها المتنوعة.
وتعد جمعية ذي عين الأولى من نوعها في العناية بالتراث العمراني وإدارة الوجهات السياحية على مستوى المملكة، حيث تعمل على تنمية القرية وإعادة تأهيلها ليستفاد منها سياحياً، وبما يحقق منافع اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية للمجتمع المحلي للقرية.
وتهدف الجمعية التي تنضوي تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية، إلى المحافظة على أملاك أهالي القرية واستثمارها وتسويقها سياحياً، مع إدارة وتشغيل استثماراتها، وكذا إعادة تأهيل المباني الأثرية بها واستثمارها لصالح الأهالي، إلى جانب إيجاد فرص عمل لأبناء القرية والأسر المنتجة وتحقيق عوائد مالية مجزية لملاكها وإحياء الحرف اليدوية والمنتجات الزراعية وتبني جميع المشاريع داخل القرية وفي محيطها.
وتعمل الجمعية حالياً مع الهيئة العامة للسياحة والآثار، في الحفاظ على هوية القرية التراثية، من خلال مشاركة ملاك القرية الذين يعدون المرشدين الأساسيين أثناء عملية الترميم والتأهيل وذلك لخبراتهم بالعناصر المعمارية لكل مبنى.
يذكر أن بلدية محافظة المخواة قامت مؤخراً بإضاءة القرية التراثية بأكثر من 100 كشاف، ما أظفى على القرية جمالاً ورونقاً أخاذاً، في حين أنها استقبلت منذ تأسيس الجمعية في 1431هـ وحتى نهاية شهر شعبان الماضي نحو 83,231 زائراً.
مواقع النشر