بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف تحفظ القرآن الكريم؟
إني أحبكم في الله, ولهذا أحببت أن أعطيكم إجابة لهذا السؤال وهي عبارة عن مجموعة من النقاط التي ستساعدنا في حفظ القرآن الكريم بإذن الله تعالى. وقد إستخلصتها من محاضرة بنفس العنوان للشيخ الدكتور- راغب السرجاني جزاه الله عنا كل خير.
وقبل أن نلج مباشرة إلى هذه النقاط يجب أن نتوقف قليلاً مع هذه الوقفات:
ü ينبغي أن نعلم أن حفظ القرآن الكريم يسير على من يسره الله تعالى له.
ü قراءة القرآن الكريم فقط لها من الأجر العظيم ما لها فما بالك بالحفظ؟.
"اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ. قَالَ مُعَاوِيَةُ بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ". صحيح مسلم
المسئولية التي تقع على عاتق حافظ القرآن:
ü ينبغي على حامل القرآن أن يعمل به, لأنه بحفظه يقيم الحجة على نفسه.
ü الصلاة, "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ...".صحيح مسلم
ü الفتوى والشورى, عن بن عباس (رضي الله عنهما) قال: " ...وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا...".صحيح البخاري
ü الجهاد, فقد ورد أن القراء في موقعة اليمامة هم من كان يحمل اللواء وقد استشهد منهم حوالي 500شهيد. كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ.صحيح البخاري
والآن فلنأتي للقواعد العامة والتي قسمها الشيخ إلى قسمين سماهما: قواعد أساسية , وقواعد مساعدة.
القواعد الأساسية:-
أ) الإخلاص لله عزَّ وجلَّ: لا تبتغي به جاهاً أو سلطاناً أو أي عرض من أعراض الدنيا. "...وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ..." صحيح مسلم
ب) العزيمة الصادقة: إبدأ من اليوم وإياك والتسويف. "... وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا..." الإسراء
" عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ" سنن الترمذي
ت) إدراك القيمة: إذا أحسست بقيمة حفظ القرآن الكريم ستجد وستخلق الوقت الذي تحفظ فيه.
عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صل الله عليه وسلم) قال : لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ فَقَالَ رَجُلٌ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ. صحيح البخاري
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا. سنن الترمذي
وعن بن عباس (رضي الله عنه) قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ. سنن الترمذي
ث) العمل بما تحفظ: فمن غير المقبول أن تكون حافظاً لآيات تحرم الربا وتأتيه, وآيات تحض على غض البصر ولا تغض بصرك, وآيات تحض على الإنفاق وأنت شحيح!!.
"رُبَّ تَالٍ لِلقُرآنِ وَالقُرآنُ يَلْعَنُهُ" أنس بن مالك.
ج) ترك الذنوب: ومشهور قول الإمام الشافعي "شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي".
وقال الضحاك بن مزاحم رحمه الله وهو من التابعين: ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه لأن الله عز وجل يقول (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) الشورى. ونسيان القرآن من أعظم المصائب.
ح) الدعاء اللحوح: وهو أن تدعو الله عز وجل بإلحاح أن يمن عليك بحفظ القرآن ويخلص لك نيتك وأن ييسر لك العمل به, وتخير الأوقات المستجاب فيها الدعاء.
خ) الفهمُ الصحيح لكتاب الله عزَّ وجلَّ قدر المستطاع: لأنه كل ما عرفت معاني الكلمات والآيات وأسباب النزول وبالذات في السور التي تحتوي على القصص والأحكام يصير الحفظ أسهل, ولتحقيق ذلك يمكن الإستعانة بكتب التفسير المختصرة ( مختصر بن كثير – مختصر الطبري وغيرها).
د) التجويد المتقن: يجب أخذ التجويد عن طريق التلقي من شخص متقن.
"عَنْ عَائِشَةَ(رضي الله عنه) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ". صحيح البخاري
ذ) القراءة المستمرة: إجتهد أن تختم القرآن في كل شهر مرة على الأقل لأنك إذا لم تتعاهد القرآن تفلت منك بسهولة.
"عَنْ عَائِشَةَ(رضي الله عنه) قَالَتْ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقْرَأُ فِي سُورَةٍ بِاللَّيْلِ فَقَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا". صحيح البخاري
"عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنْ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا". صحيح مسلم
ر) الصلاة الخاشعة بما تحفظ: من الأفضل أن تكون الصلاة صلاة قيام بالليل- واجعل لنفسك ورداً لكل ليلة- وإذا كنت تصلي مع إمام فتابع مع قراءته.
وهكذا نكون قد أكملنا القواعد الأساسية لحفظ القرآن الكريم وهي عشرة, وننتقل الآن إلى القواعد المساعدة لحفظ القرآن الكريم وهي ايضاً عشرة:-
القواعد المساعدة:-
أ) الخطة الواضحة: يجب أن تضع لك خطة واضحة لتعينك على الحفظ وتشتمل الخطة على( الهدف – مقومات نجاح الخطة – الوقت) وأهم شيئ هو الإلتزام بهذه الخطة.
فمثلاً إذا افترضنا أنك ستحفظ ربع حزب في كل أسبوع فهذا يعني حفظ 48 ربع أو 6 أجزاء في 11 شهر ويبقى شهر في السنة فلتجعله لمراجعة ما حفظت خلال العام وياحبذا لو كان هذا الشهر هو رمضان, وهكذا ستجد أنك حفظت القرآن بإذن الله في خمس سنوات فقط.
ب) لابد أن ترتبط بواحد أو مجموعة في عملية الحفظ: لأنه إذا كنت بمفردك فمن الممكن أن يتسلل الفتور إليك أما إذا كان معك شخص آخر فإنه سيعينك وتعينه.
"...الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ..." سنن الترمذي
ت) إحمل دائماً مصحفاً صغيراً في جيبك واستغل الفراغات البينية في حياتك: وهذه الفراغات كثيرة (في المواصلات, إنتظار في المرافق العامة, أوقات الإستراحة في أماكن العمل, ...إلخ).
ث) إحرص على متابعة الإمام في الصلوات الجهرية: وهنا لابد من التنويه بأن تبحث عن المسجد الذي فيه إمام حافظ ومجود لكي تتابع معه.
ج) إبدأ بالأجزاء السهلة والسور المحفوظة وإن لم تكن متتابعة, والسور التي عليها تحديد خاص من النبي (ص) كسورة الكهف, يس, الملك, وغيرها.
ح) حافظ على رسم واحد للمصحف سواء صغيراً أو كبيراً : فطبعات المصاحف مختلفة وكثيرة ولكل مصحف شكل وطريقة خاصة في الكتابة وهذا يؤثر على عملية الحفظ. ونوصي هنا بإقتناء نسخة من مصحف المدينة – في بيتك ومكان عملك وسيارتك وجيبك – لأنه شائع جداً وحسن الترتيب وله رسم ممتع وسهل.
خ) لا تتجاوز مقرر الحفظ في الفترة المقررة إلا بعد أن تتقنه.
د) أن تربط أول السورة بآخرها قبل أن تنتقل إلى غيرها: فمن المعلوم أن السور الكبيرة ستجزأ ليسهل الحفظ, وعند الإنتهاء من حفظ هذه الأجزاء راجعها كلها كوحدة واحدة.
ذ) إعتني بالمتشابهات من الآيات والكلمات: لأنك إذا اخطأت فستنتقل مباشرة إلى سورة اخرى غير التي تقرأها.
مثال لهذه المتشابهات
(وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) الأنعام
(وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) الإسراء
# ينصح للمبتدئين في الحفظ تجنب حفظ السور التي فيها متشابهات قرب بعضها.
ر) إشترك في مسابقات حفظ القرآن الكريم: لا للجانب المادي منها ولكن لأنها تعطيك دافع لأن لها وقت محدد وفيها تنافس.
وأخيراً
" عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ (رضي الله عنه)
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالْأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ وَالَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا" </b></i>
مواقع النشر