الجبيل
تأسست مدينة الجبيل في أواخر القرن 18 من قبل آل بوعينين والتي كانت مقرا لهم من بعد هجرتهم الأولى من دولة قطر كما كانت تعرف بـ «عينين» سابقا وتقع منطقة «عينين» جنوب المنطقة الصناعية وكانت الجبيل قرية صغيرة قائمة على صيد السمك واللؤلؤ وبعض الأنشطة الزراعية كما كانت تزخر بكثير من أنواع الحيوانات والطيور المهاجرة وقد شيد سكان الجبيل برجاً للاستطلاع وحماية المدينة لا يزال قائماً حتى يومنا هذا ويعرف باسم برج (
الطوية), ويقول المؤرخون إن مدينة الجبيل أنشئت عام 1910م على زاوية ساحلية في الشمال الشرقي من شاطئ الخليج، وتعتبر الجبيل من المناطق الأثرية وقد اكتشفت فيها عدة مواقع أثرية، كما أن ميناءها من أشهر الموانئ في المملكة إذ كانت قديما من أهم المراكز الرئيسية لصيد اللؤلؤ
أما الجبيل اليوم فتعتبر رمز الصناعات في المملكة, فالجبيل الصناعية انطلق منها العديد من الصناعات الأساسية والثانوية والمساندة والخفيفة وهى الآن تضم اكبر مجمع للبتروكيماويات والصناعات الأساسية كما أن وجود الهيئة الملكية للجبيل وينبع والتي تتولى مسؤولية تنويع مصادر الدخل والتخطيط والتشغيل والصيانة ساعد في توسيع القاعدة الصناعية والتقليل من الاعتماد على النفط الخام كمصدر وحيد لدخل المملكة،
تركيبة المجتمع
ارتبطت الحياة الاجتماعية في الجبيل ارتباطاً وثيقاً بمهنة الغوص مما أعطاها نمطاً وطابعاً فريداً ميزها عن جارتها وبسبب موقعها المطل على البحر ولوجود مرفأ بحري صغير نال شهرة واسعة في المنطقة ولتوسط الجبيل مركزاً مرموقاً جذب إليه العديد من الناس الذين أتوا من أماكن متعددة ليكونوا مع سكان الجبيل الأوائل تركيبة اجتماعية متجانسة والذي أدى إلى زيادة الكثافة السكانية بسبب تزايد الحركة التجارية التي شهدتها الجبيل في ذلك الوقت إضافة إلى نزوح سكان جزيرتي جنة والمسلمية إلى الجبيل وبوصولهم اتخذت التركيبة الاجتماعية بالجبيل طابعها من حيث التمازج السكاني وبقيت على هذه الصورة حتى الوقت الحاضر.
مسمى الجبيل
(اليوم) حاولت تسليط الضوء حول تاريخ منطقة الجبيل الذي ارتبط اسمها بالصناعة من اجل إيضاح أهمية ذلك الجزء الهام من تاريخ المملكة وكذلك من الناحية الجغرافية ومدى تأثيرها في الجانب الاقتصادي في المنطقة, فقامت (اليوم) بزيارة ومقابلة المهتمين بتاريخ المنطقة من الأهالي فكان لقاؤنا الأول مع راشد سالم البوعينين, الذي يعد من ابرز المهتمين بتاريخ الجبيل الذي أوضح سبب تسمية (الجبيل) بهذا الاسم, وهو نسبة إلى الجبل البحري الصغير الواقع في الزاوية الشمالية الشرقية من الجبيل الذي اختفت معالمه عند دفن مياه البحر لتجهيز وبناء ميناء الجبيل التجاري ويعتقد أنها سميت نسبة إلى تصغير كلمة جبل
ويقال إن الجبيل كانت في السابق تعرف باسم (
عينين) نسبة إلى عينين شهيرتين كانتا تقعان على بعد ثلاثة أميال من الجنوب الغربي للجبيل والتي اندثرت بسبب زحف الرمال ولم يبق من معالم الحياة حولها سوى أشجار الاثل التي تحيط بهما, ومن أهم الأحياء وأشهرها التي تم إنشاؤها في البداية العمرانية بالجبيل هما حيان يفصل بينهما شارع رئيسي وهو شارع (
الصفاة) شارع الملك عبدالعزيز حالياً حيث سمي الحيان نسبة إلى اتجاه الحي بالنسبة للشارع الرئيسي فسمي الحي الشرقي بـ (شرق) والحي الغربي بـ (
قبلة) نسبة إلى اتجاه القبلة والمعروف باسمه الدارج بين الأهالي بـ (
جبلة).
تجارة اللؤلؤ
وأفصح خليفة البوعينين, الذي يعد من الأوائل الذين شهدوا هبوط أول طائرة تحط في (الجبيل) سنة 1934م تابعة لشركة ارامكو, أن الجبيل بالرغم من صغر حجمها تعتبر مركزاً مهماً من مراكز الغوص وتجارة اللؤلؤ في منطقة الخليج العربي.. ففي موسم الغوص تعج الجبيل بالوافدين من المناطق المختلفة حيث يقصدها البعض من أواسط نجد والبعض الآخر من الشمال ومن الاحساء طلباً للرزق على مراكب صيد اللؤلؤ, حتى نال سكان الجبيل شهرة واسعة في مجال الغوص الذين كانوا يمتلكون أعدادا كبيرة من سفن الغوص باختلاف أنواعها وأحجامها، وبما أن مهنة الغوص كانت المهنة الرئيسية لسكان الجبيل. فقد كانت أمور الناس الحياتية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بموسم الغوص فقبل بداية الموسم ينشغل الجميع بترتيب وتجهيز أمور رحلة الغوص من مأكل ومشرب ومعدات الأمر الذي ينعكس على السوق المحلي الذي تسوده حركة غير عادية وذلك من خلال تعاقد ربابنة السفن (
النواخذة) مع أصحاب دكاكين الزاد لتزويد السفن بما تحتاجه من تجهيزات ضرورية ويكون ذلك في معظم الأحيان بالدين لحين انتهاء موسم الغوص وبيع المحصول من اللؤلؤ.
محافظة الجبيل
وأضاف البوعينين, أن محافظة الجبيل التي كان يطلق عليها سابقاً (
إمارة الجبيل) تأسست بعد ضم منطقة الاحساء إلى الدولة السعودية خلال حكم المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله في عام 1331هـ ويأتي تأسيس محافظة الجبيل بعد أربع سنوات من إنشاء الجبيل وكان اول محافظ للجبيل والذي يطلق عليه أمير في ذلك الوقت هو ابن محيا تلاه ابن بنيان تلاه ابن معمر تلاه سعيد الفيصل تلاه ابن ثنيان تلاه ابن إدريس تلاه الشويعر تلاه احمد المسفر ثم سيف القحطاني وحالياً سعادة المحافظ عبدالمحسن العطيشان.
برج طوية
وذكر محمد جمعة, مؤلف كتاب (جولة مصورة لدارنا الجبيل) وأحد المهتمين بتاريخ منطقة الجبيل, أن برج (طوية) هو احد المعالم الأثرية والتاريخية لمحافظة الجبيل الذي تم بناؤه من قبل قبيلة (البوعينين) بأمر من الملك عبدالعزيز رحمه الله عام 1348هـ من اجل حماية بئر ماء (طوية) الذي سمي ذلك البرج نسبة للبئر الذي يقع في الجهة الغربية من الجبيل وكان المصدر الرئيسي للمياه بالجبيل.
المناطق الأثرية
وأضاف جمعة, إن موقع الجبيل الجغرافي ساهم في أن تكون احد أهم المواقع التي تحيط بها عدة مواقع أثرية ذات أهمية كبرى حيث أثبتت بعض الدراسات العلمية ان الجبيل يوجد بها أكثر من 25 موقعاً اثرياً ومن أهمها سبخة الرياس جنوب جزيرة أبو علي وسبخة الفصل شمالاً إضافة إلى المناطق الساحلية مثل منطقة شعاب والظلفين ورأس باسط والدوسرية والحويلات وكذلك منطقة ابوشريف والمباركية والعبا وتعتبر تلك المواقع ذات أهمية كبرى من الناحية التاريخية التي عثر بها على الكثير من المخلفات الأثرية كالفخار والزجاج.
الجٌزر
وأكد ال خالد الخالدي, الذي يعمل معلما ولديه اهتمام كبير بتاريخ الجبيل, أنه يوجد على سواحل الجبيل الكثير من الجزر الطبيعيه التي كان بعضها مأهولا بالسكان إلى حد قريب ومن أهمها جزيرتا جنة والمسلمية واللتان تعدان الأكبر مساحة مقارنة بباقي الجزر الأخرى ومنها جزيرة أبو علي, وجريد, جنا, وكران, وكرين, وحر يقيص وجزيرة عربية, وتعتبر جزيرة "جنة" اكبر تلك الجزر التابعة لمحافظة الجبيل والتي تسمى في السابق بـ (العماير) وتسمى أيضا بـ (اللؤلؤ) وتتميز تلك الجزيرة بالخضرة وجمال شواطئها وتربتها والتي تقع على الشاطئ الشرقي من الخليج العربي على بعد 35 كلم شمال مدينة الجبيل وعلى بعد 22 كلم شرق الخرسانية ويفصلها عن الساحل 1,5 كلم وتقدر مساحتها بأكثر من كلم2.
كان يسكنها جماعه من بني خالد (العميري) وتمتاز الجزيرة بإستراتيجية موقعها ومناخها المعتدل فهي قد جمعت بين البر وقت الربيع والبحر في الصيف وهي أيضا معبر للطيور التي تأتي من جهة الشرق فهي جزيرة سياحية حيث يرتادها السائحون في فصل الصيف لغرض الصيد والسباحة وأما في وقت الربيع فتكون الأرض مخضرة ويكثر فيها الكمأة (الفقع) ويكثر فيها صيد الأرانب والقنص وكذلك تمتاز بوفرة المياه العذبة والتي يمكن الوصول إليها من خلال حفر الآبار ويوجد في الجزيرة الكثير من الفخارات والخزف والذي يعود الى فترات اسلامية متأخرة ما يدل على أهميتها من الناحية التاريخية.. كما انه تم إعادة إعمار الجزيرة من قبل اهلها الأصليين من (بني خالد) الذين كانوا يسكنونها في السابق وتعتبر الآن مركز إمارة تابعا لمحافظة الجبيل إداريا.
التعليم
وأضاف الخالدي, أن التعليم قديماً في الجبيل كان يتم عن طريق الكتاتيب وهي حلقات تعليمية يتولى التدريس بها معلمون لهم معرفة تامة بالعلوم الدينية ويدعون (المطاوعة) حيث يقومون بمهمة تحفيظ القرآن الكريم والتجويد كل حسب سنه وقدرته على الحفظ إلى أن تم افتتاح المدرسة الأميرية في عام 1356هـ وهي اول مدرسة نظامية تولى إدارتها في ذلك الوقت الشيخ يعقوب بن يوسف وفي عام 1375هـ تم افتتاح مدرسة متوسطة في الجبيل واول مدرسة ثانوية تم افتتاحها في عام 1396هـ وكان اول مدير لها الأستاذ حبيب سعد الخالدي ومن ثم اخذ عدد المدارس بمختلف مراحلها بنين وبنات يتزايد مع زيادة النهضة الحضارية التي عمت المملكة.
هجرة الغوص
وأوضح علي بن راشد الغنام, وهو من كبار الصيادين في المنطقة, أنه عندما بدأت شركة ارامكو ومنذ الأيام الأولى قامت على استقطاب أعداد من شباب المنطقة الشرقية للالتحاق بها، وكان سكان الجبيل من السباقين في الالتحاق بارامكو في أيامها الأولى تاركين مهنة الغوص والعمل في مهن مختلفة في الشركة حيث عمل الكثير منهم على مراكب ارامكو البحرية نظراً لخبرتهم السابقة في هذا المجال, وقد واجه بعض منهم صعوبة تتمثل في ترك بلدتهم وهجر مهنة الغوص مهنة آبائهم وأجدادهم ولكن الكثير وجد في العمل في ارامكو فرصة سانحة لبناء مستقبل جديد وحياة جديدة مختلفة تماماً عن حياتهم في السابق.
الجبيل الصناعية
عادت الجبيل مرة أخرى للظهور بعد أن أصيبت تجارة اللؤلؤ بالكساد بسبب ظهور اللؤلؤ الصناعي في اليابان ولكن ذلك الظهور كان في مجال الصناعة الذي جعلها كمركز حيوي لصناعة البتروكيماويات بعد أن تم تأسيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع بموجب المرسوم الملكي رقم (م/75) وتاريخ 16/9/1395هـ. وقد منحها هذا المرسوم الكريم سلطات كاملة لإنشاء وتشغيل وتطوير التجهيزات الأساسية في كل من مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، مع تخصيص ميزانية مستقلة لها استقلالاً إدارياً، مما جعلها مؤسسة حكومية فريدة من نوعها, التي قامت على تشييد المنطقة السكنية في مدينة الجبيل الصناعية، على طراز حديث، يجمع بين القيم الإسلامية السمحة، والتقاليد العربية السعودية العريقة، من جهة، ووسائل المعيشة العصرية المتقدمة من جهة أخرى, كما وضعت خطة متكاملة وشاملة توضح مراحل إنشائها وتطويرها إضافة إلى تخصيص الأراضي وكيفية استخدامها، وتحديد مواقع مرافق الخدمات العامة كالمساجد، والمدارس، والأسواق، والمرافق الترفيهية، والشواطئ وتخطيط الطرق.
المنطقة السكنية
وتقع المنطقة السكنية في مدينة الجبيل الصناعية، شمال المنطقة الصناعية، وهي محاطة بحزام أخضر من المناطق المشجرة، وتبلغ مساحتها ثمانين (80) كيلومتراً مربعاً، في موقع فريد على هيئة شبه جزيرة، ويتوسطها شمالاً خليج بحري يقسمها إلى قسمين، في حين يمتد من شطرها الأيمن لسان بحري باتجاه الشرق في مياه الخليج العربي، مكوناً بذلك منطقة ساحلية تتميز بجمالها الطبيعي، وعلى امتداد شاطئ متصل يبلغ طوله خمسة وأربعين (45) كيلومتراً، ويقع مركز المدينة الاجتماعي والتجاري عند مدخل شبه الجزيرة، التي يفصلها حزام صحراوي عريض من المنطقة الصناعية.
وتتميز مدينة الجبيل الصناعية ببنيتها التحتية عالية المستوى وتوافر الخدمات المساندة ويساهم ذلك بشكل فاعل في تسهيل إقامة المشاريع السياحية والترفيهية حيث أصبحت المدينة ذات طابع سياحي مميز على مستوى المنطقة الشرقية بشكل عام، وتسعى الهيئة الملكية في تخطيط وتنظيم هذا الجانب وإضافة المزيد منه حسب خطة معتمدة يتم مراجعتها بشكل مستمر بهدف التنوع والتطوير لجعل مدينة الجبيل الصناعية مركزا ترفيهياً سياحياً ذا مواصفات عالية تساعد على رفع مستوى المعيشة لسكانها وزوارها.
اليوم -
محمد حبيان - الجبيل
مواقع النشر