موسكو - أندرو أوزبورن (رويترز) - قضى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمقربون منه سنوات في انتقاد ما قالوا إنه تدخل عسكري مروع للأمريكيين في العراق عام 2003 واعتيادهم الضار على التدخل في شؤون الشرق الأوسط.



لكن في سبيل تسويق تدخل روسيا نفسها في المنطقة للمرة الأولى منذ الغزو السوفيتي لأفغانستان -بعملياتها العسكرية الحالية في سوريا- استعار الكرملين أساليب الحكومة الأمريكية لتكرار الحملة الإعلامية للرئيس السابق جورج بوش الإبن لكسب قلوب وعقول الأمريكيين.

وقد دأب الجيش الروسي على التزام الحذر في عملياته سواء في الشيشان أو جورجيا أو أوكرانيا. لكن في سوريا تحولت وزارة الدفاع الروسية إلى محطة أخبار تعمل على مدار الساعة وتقدم لقطات تلفزيونية بارعة لصواريخ وغارات جوية مدعومة برسوم توضيحية متحركة.

وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 أعلن بوش الحرب على الإرهاب. وفي روسيا تسوق موسكو التدخل الحالي في سوريا بالطريقة ذاتها. لكن الفرق الوحيد هو أن العدو هذه المرة هو تنظيم الدولة الإسلامية الذي يقول الكرملين إنه قد يأتي إلى روسيا ما أن يفرغ مما يفعله بسوريا.

وأمام تراجع اقتصادي متزايد وقلق من سماع أنباء المشاكل التي يعانيها الانفصاليون المدعومون من الكرملين في أوكرانيا يبدو كثير من الروس مستمتعين بالمشهد وتصديق رسالة الكرملين بأن تدخله دليل على صحوة عسكرية ودبلوماسية في البلاد.

ويرى الكرملين أن الحملة الدعائية -التي وصلت حد وصف مذيع تلفزيوني يقدم النشرة الجوية لأحوال الطقس بأنها مناسبة لشن غارات جوية- تؤتي ثمارها حتى الآن.

وقبل أقل من أسبوعين قال 14 بالمئة من الروس إنهم يؤيدون التدخل العسكري المباشر في سوريا. وهذا الأسبوع أظهر استطلاع رأي مماثل أجراه أيضا مركز ليفادا بولستر لاستطلاعات الرأي أن 72 بالمئة لديهم رأي إيجابي عن الغارات الجوية الروسية.

وقال ستيبان جونتشاروف من مركز ليفادا "حدث تغير حاد (في الرأي).

"في السابق اعتبر الصراع وكأنه يخص شخصا آخر. لكن وسائل الإعلام نجحت في تقديمه وكأنه تدخل محوري من قبل روسيا في المنطقة."


الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يجتمع مع وزير دفاعه سيرجي شايجو - وكالة الإعلام الروسية

ومع تساقط أولى زخات الثلج في شتاء موسكو قال جونتشاروف إن الصراع السوري يمثل وسيلة مفيدة للفت أنظار بعض الروس غير الراغبين في قضاء الليل يفكرون في ارتفاع الأسعار والعقوبات الغربية وتراجع ميزانيات العائلات.

وقال جونتشاروف "السياسة الخارجية تمثل عرضا مسرحيا هنا.. الناس يفتحون أجهزة التلفزيون والمهم بالنسبة لهم متابعة مشهد ما. الهجمات والقصف وإطلاق النار كلها عناصر في المشهد."



* سطوة التلفزيون
ورغم وجود الإنترنت فإن قنوات التلفزيون لا تزال مسيطرة في روسيا بتقديرات تشير إلى أن 90 بالمئة من الشعب يستخدمونها لمتابعة الأحداث الجارية.

ومنذ 30 سبتمبر أيلول حين بدأت روسيا عملياتها الجوية في سوريا تقدم للمشاهدين الروس لقطات أشبه بالأفلام لمقاتلات روسية تقصف أهدافا وسحب دخان تتصاعد في أعقاب ذلك وسفن حربية راسية في بحر قزوين تطلق صواريخ عبر إيران والعراق لتصيب سوريا.

وقال بوتين لوزير دفاعه في مشاهد بثت في نشرات الأخبار المسائية في نفس اليوم بينما احتفل الرئيس الروسي بعيد ميلاده الثالث والستين "قدرتنا على تنفيذ هذا من بحر قزوين من مسافة نحو 1500 كيلومتر وبأسلحة عالية الدقة وإصابة جميع أهدافنا تعكس الاستعداد الجيد لجيشنا."

كانت روسيا قد أعادت تحت قيادة بوتين العروض العسكرية التي اشتهر بها السوفيت في الميدان الأحمر لتعكس البرنامج الطموح لتحديث الجيش. وفجرت صور الصواريخ والطائرات وهي تنفذ مهامها مشاعر الفخر الوطني وقد تساعد كذلك في تعزيز مبيعات السلاح.

وقال بيتر بوميرانتسيف مؤلف كتاب "لا شيء حقيقي وكل شيء ممكن" الذي يركز على أساليب الدعاية الروسية إن في الحملة التلفزيونية رسالة أخرى.

وأضاف لرويترز "الرسالة هنا مفادها انظروا: إذا كنا قادرين على إطلاق صواريخ في سوريا فإننا بالتأكيد قادرون على سحق أي احتجاجات لذا لا تفكروا فيها حتى مجرد التفكير."

وباستخدام مواقع التواصل الاجتماعي تعمل وزارة الدفاع بسرعة على توزيع لقطات الفيديو والصور الخاصة بها. كما بدت لهجة انتصار في طريقة حديث المعلقين في المؤتمرات الصحفية.

وقال جيمس رودجرز وهو محاضر بارز في الصحافة بجامعة سيتي في لندن إن الروس شاهدوا كيف قدمت الحكومة الأمريكية ومعها الإعلام حروب واشنطن في الشرق الأوسط ويحاولون تقليدها.