دويتشه ﭭيله : لم يكن غياب أهم مؤسسات الإعلام العربي والعالمي عن تغطية الأحداث في سوريا سببا يمنع النشطاء السوريين من القيام بذلك. الناشطون و"المواطنون الصحفيون" ابتكروا أشكالا جديدة ومتعددة، كلفت البعض منهم حياته والبعض الآخر حريته.
0,,15958590_401,00.jpg
"الشارع" و"بداية جديدة" و"طلعنا عالحرية"، مسميات تعكس الواقع السوري الجديد على ضوء الحركة الاحتجاجية التي تشهدها البلاد منذ اكثر من 14 شهرا. إذ يبادر الصحفيون السوريون المحترفون أو ما باتوا يعرفون بـ "المواطنين الصحفيين"، إلى تقديم آخر الأخبار من بلدهم للعالم عبر مشاريع ابتكروها، رغم الصعوبات التي يواجهونها.
"مؤسسة الشارع" تضم مجموعة من الصحفيين والسينمائيين الشباب الذين أوجدوا مشروعهم الإعلامي الخاص. مدير المشروع الصحفي عامر مطر يشرح لموقع DW عربية أسباب انطلاقته بالقول: "الشارع السوري كان مغيباً على مدى أربعين عاما، وأي إعلام حقيقي لابد أن يستمد مادته من الشارع. فإعلام الثورة هو إعلام الشارع". "الشارع" بدأ نشاطه منذ أكثر من عامين، في مشروع إنساني لدعم النازحين بسبب الجفاف في سوريا خلال حملات صحفية ومعارض ضوئية. وبعد انطلاق الاحتجاجات في آذار/ مارس من العام الماضي حَولت المجموعة عملها للسياسة مع محافظتها على استمرار مشروعها الأول.
أما "بداية جديدة .. ثورة من أجل الحياة"، فهو شعار إذاعة باسم "بداية جديدة" تبث عبر الإنترنت. ويقدم حسام بدري مدير الإذاعة المشروع بالقول: "نحن مجموعة من أبناء سورية نرفض العنف والقتل. انتفضنا مع أبناء الوطن. توفي أصدقاء لنا واعتقل آخرون. وجودنا اليوم ليس من أجل معارضة النظام بقدر ما يهدف إلى المساهمة في بناء الوطن".
وفي الإعلام المطبوع ترى ليلى الصفدي، رئيسة تحرير جريدة "طلعنا عالحرية"، أن "الجريدة واحدة من المشاريع المدنية التي تلبي الحاجة المتعاظمة لخطاب عقلاني ومدني ينطلق من الشعب إلى الشعب. وهي منبر للناشطين ليعبروا عن آمالهم ووجعهم وأفكارهم الخلاقة. إنها نافذة لرسم بعض ملامح سوريا الجديدة".
غلاف من جريدة "طلعنا عالحرية"
إنتاج مكثف رغم الخطر
طلعنا عالحرية"، جريدة نصف شهرية تصدرعن لجان التنسيق المحلية في سوريا إحدى قوى المعارضة في الداخل. وهي تعتمد في تقاريرها على أعضاء التنسيقيات. الصفدي تشرح لموقع DWعربية آلية العمل بالقول: "الأعضاء ينقلون لنا واقعهمالجديد حتى وإن لم يمتلكوا كل الإمكانات الصحفية والمهنية. ومثلهم مثل كل جنودالثورة المجهولين لا يحظون بما يفترض أن تتيحه الصحافة من شهرة، بسبب الظروفالأمنية القاسية والخطر الذي يتهدد حياتهم".
في المقابل أنتجت مؤسسة "الشارع" سلسلة وثائقيات كان أولها أول فيلم عن "الثورة" بعنوان "تهريب 23 دقيقة ثورة"، الذي عرض على شاشة إحدى الفضائيات العربية المعروفة. والثاني فيلم "آزادي"، أي الحرية، الذي قدم صورة عن مشاركة الأكراد في الحركة الاحتجاجية. وهذا الأخير حاز على جائزة الصقر الفضي في مهرجان الفيلم العربي في مدينة روتردام في هولندا لعام 2011. بالإضافة لعشرات التقارير التي بُثت على قنوات فضائية عربية وعالمية. بالطبع لم تمر هذه الأعمال دون ثمن فقد تعرض أغلبية كادر "الشارع" للاعتقال أكثر من مرة.
غلاف من جريدة "طلعنا عالحرية"
من جانبها ترى الصفدي أن الجريدة المطبوعة هي الوسيلة الملائمة للوصول لمن ليس لديهم القدرة على التواصل من خلال الوسائل الحديثة وهم حاليا غالبية الشعب السوري، وتزيد على ذلك بالقول: "لرائحة الورق وملمسه نكهة لا تشبه غيرها من وسائل الإعلام حتى وان فقدت في السنوات الأخيرة شيئا من حظوتها بسبب اتساع فضاء الانترنت ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة".
خصوصية في العمل
آليات العمل مبتكرة ومرنة تتأقلم مع الظروف التي تخضع لها، هكذا يقول الناشطون. فعمل "الشارع" سري، وتتم منتجة المواد المصورة في بيوت، كذلك لا تنشر المواد المرسلة للبث على القنوات العربية والعالمية باسم صاحبها وذلك حرصاً على سلامة الفريق. ويضيف مطر بأن "هذا العمل قاس ومحزن، موادنا منزوعة من الموت والرصاص والقبور، وعلاوة على ذلك نتنازل عن حقوقنا بالنشر بهدف أن نستمر في إيصال صوت الشارع السوري للعالم".
العمل في الإذاعة يبدو أسهل من الناحية الأمنية لأن فريق العمل الأساسي غير موجود بالداخل السوري فقط المراسلون موزعون في المدن السورية. ويقول مدير الإذاعة: "نتواصل يومياً مع مجموعة من المتطوعين الذين يقدمون لنا آخر التطورات ضمن فترات بث يومية بعنوان (صوت ولاد البلد ) وبرنامج (كل الأخبار)، كذلك (برنامج سليم ومعقول) الذي يرصد التغيرات الاجتماعية فيسورية".
مؤسسات أم مشاريع؟
شعار "مؤسسة الشارع"
يصف عامر مطر "الشارع" بالمؤسسة. ويضيف قائلا: "لدينا مقومات المؤسسة، من كادر وإدارة وتسويق، وإنتاج وأرباح"، مشيراً إلى عملية التمويل الذاتية من خلال بيع المواد الإعلامية المصورة التي ينتجها فريق العمل. والحال في إذاعة "بداية جديدة" أفضل بقليل، ففريق العمل الرئيسي يتقاضى مبالغ نصف شهرية تحقق له شرط الاستمرار في العمل.
ويضع مشرفو المجموعات والمشاريع خططا للمستقبل القريب على حد قولهم. نفذ "الشارع" جزءا منها كإقامة شراكات مع مؤسسات إعلامية أخرى من مؤسسات "الثورة". وحتى أن يصبح لمشروع " للشارع " محطته وجريدته الخاصة، أمر لا يستبعده مديره من قائمة المشاريع الطويلة التي تحدث عنها. أما رئيسة تحرير "طلعناعالحرية" فتجد أنه من الصعب التكهن بمصير المشروع، إلا أنها تضيف قائلة: "بما أنها جريدة لجان التنسيق المحلية، فهي ستستمر طالما أن اللجان مستمرة في عملها".
لرابطة الصحفيين السوريين الوليدة مؤخراً رأيها بالمشاريع الجديدة إذ يقول محي الدين عيسو، أمين سر الرابطة: "بالرغم من عدم توفر الإمكانيات المناسبة وضعف خبرة الكوادر الإعلامية التي تعمل في تلك المؤسسات إلا أنها استطاعت في فترة قصيرة أن تكون منبرا حرا للكثير من الأصوات والأقلام ونقل صورة الواقع المعاش بأدق تفاصيلها بعيدا عن الفكر الواحد والحزب الواحد والقائد الواحد".
هذه المشاريع أوجدتها الحاجة في سوريا، كما تقول الإعلامية اللبنانية جمانة نمور لموقع DWعربية. وتضيف نمور بالقول: "يمكن لهذه المشاريع أن تستمر وتتطور وتتمأسس، ولكنها لن تشكل إعلاما بديلا، وإنما عليها أن تتعايش مع الإعلام الذي سيرافق الشكل السياسي القادم إلى سوريا، إذ أنه من المنطق أن يوجد دائما إعلام قريب من نظام الحكم السائد".
مواقع النشر