حوت العنبر عطر نادر في الأعماق
(الخليج) : يقول الباحث الأمريكي كريستوفر كيمب، وقفت أحمل في يدي ما ظننت أنه غريب . شيء شاحب جمع بين الخضرة واللون الرمادي الخضرة، يشبه في شكله ثمرة البطاطا. رجحت أن يكون ساق إحدى الأعشاب البحرية المتحللة، أو قطعة من الأخشاب المشبعة بالمياه أو قطعة ذابلة من الإسفنج. ويضيف، اقتربت منه بأنفي، لا شيء يميزه باستثناء أثر الماء المالح.
كان ذلك بعد أن وصل كيمب إلى الشريط الرملي شمالي مدينة دنيدن في نيوزيلندا، للبحث عن مادة لم يسبق له أن شاهدها من قبل، هذه المادة النادرة مصدرها حوت العنبر، وذلك بعد أن قرأ في إحدى الصحف المحلية، تقريراً مطولاً عن تلك المادة التي تستوطن أجسام هذا النوع من الأسماك. وما أثار اهتمامه في العنبر أيضاً، ما شاهده في واحدٍ جرفته الأمواج إلى شواطئ خليج ولنجتون منتصف عام 2008.
ومن خلال بحثه على الانترنت، تعلم كيمب بعض الأمور المهمة، أولها أن حوت العنبر يفرز مادة من الأمعاء تنجرف إلى الشاطئ بفعل المد والجزر ولها رائحة معقدة يصعب وصفها. هذه المادة استخدمت منذ سنوات طويلة كعنصر مكون لأفخم أنواع العطور، وأيضا كدواء وبخور، وعلى الرغم من أن القدماء لم ينسبوا مادة Ambergreen لحوت العنبر، إلا أن قيمتها أعطتها اسماً آخراً هو الذهب العائم لندرتها وقيمتها، حيث يصل سعر الجرام إلى 20 دولاراً، ويتراوح السعر اعتماداً على نوعيتها، إذ في بعض الأحيان تفوق الذهب قيمة.
يقول كيمب: ذلك الحوت كان أسطواني الشكل تقريبا، كبر حجمه وشكله يوحي بأنك أمام خزان نفط ضخم، حينها قدرنا وزنه بنحو 500 كيلوجرام، وكانت تتدفق منه مادة دهنية الملمس تميل إلى اللون الأبيض.
بعد فترة بسيطة من ذلك الحادث بدأت الشائعات تنتشر بسرعة وسط المجتمع المحلي لاسيما المهتمين بمجالات البحوث البحرية . بعضهم قال إن تلك المادة كانت قطعة كبيرة من الدهن . واتضح أن آخرين أخذوا أجزاء كبيرة منها ونقلوها إلى منازلهم، ولكنهم اكتشفوا بعد ثلاثة أيام أنها تذوب بمجرد غسلها بالماء لدرجة أنه لم يتبق منها شيء .
هذه الحادثة، حفزت كيمب للسفر إلى نيوزيلندا لإجراء بعض البحوث عن هذا الكائن الغريب، ولكن قبل ذلك ولج إلى شبكة الإنترنت ليختصر الطريق إلى معرفة أسرار حوت العنبر، فقد اعتاد على الوصول إلى أي معلومات يريدها وفي غضون دقائق، ولكنه هذه المرة، ولم يجد أي معلومات مفيدة سوى ورقة علمية في الغالب كانت دراسة طبية في القرن الثامن عشر.
وأشارت إحدى الدراسات العلمية التي أجريت على حوت العنبر، ونشرتها مجلة هيرالد النيوزيلندية في مايو/أيار 2006 إلى أن طفلاً يبلغ من العمر 10 أعوام، كان يمشي كلبه على شاطئ لونغ عندما وجد شيئاً على الرمال. والغريب هذه المرة، أن القطعة التي عثر عليها الطفل النيوزيلندي وأخذها معه إلى المنزل، كانت تفوح منها رائحة قوية وغير عادية. وعاد والد الطفل بابنه إلى الشاطئ بعد يومين، ليستكشف الموضوع، وخلال جولته معه، أدرك أن القطعة التي عثر عليها الصبي، يمكن أن تكون من حوت العنبر . وفي اليوم الثاني، وجدوا أكثر من قطعة.
حقائق وأرقام
حوت العنبر هو أكثر المائيات قدرة على الغطس إلى الأعمق، فعلى الرغم من أنه يعيش على السطح، إلا أنه يغوص لاصطياد الحبار العملاق الذي يستوطن المناطق الضاربة في العمق. وقد يغوص بعمق لأكثر من 3000 متر، ويمكنه الاستغناء عن التنفس لمدة ساعة تقريباً. وهو قادر على السباحة بسرعة تتراوح بين 5 إلى 14 كيلومتراً في الساعة، وقد يتخطى هذه السرعة في حال الشعور بالخطر ليصل إلى ما بين 34-43 كم في الساعة.
وأوضح الأمريكي كلارك روبرت المتخصص في تصوير المحيطات، في ورقة تناول فيها صفات حوت العنبر عام، 2006 أن إنتاج مادة العنبر يتطلب عمليات غير طبيعية. وقال: في بعض الأحيان، تعتمد على كمية من المواد المعنية التي قد تجد طريقها إلى أمعاء الحوت، هذه الموادة توصف بالخشنة ومعروفة بتهييج بطانة الأمعاء، الأمر الذي يزيد من طول الأمعاء وتقويتها إلى أن تصبح صلبة وقوية، تدعم عمل بقية أجزاء الجهاز الهضمي من خلال زيادة امتصاص الماء في جزئها السفلى وتدريجياً تصبح المواد المهضومة كتلة متحجرة كالصخرة وتبدأ في الخروج من دون أن يمتصها الجسم . وتتكرر العملية التي تحدث في واحد من 100 حوت عنبر، وهو ما يفسر لنا سبب ندرة مادة العنبر.
مواقع النشر