أبها - واس : عبقرية المكان والزمان التقتا في "
وادي عياء" بمنطقة عسير، حصون وقلاع مهيبة، مياه رقراقة دائمة الجريان، في منظومة بيئية متنوعة، وطرق متعرجة، ومزارع ومساجد ومقابر أثرية وساحات أسواق تعكس جميعها حضارة موغلة في جذور التاريخ لا زالت شواهدها قائمة حتى اليوم.
وتصافح العيون وأنت تدلف من عدوة الوادي باتجاه الغرب، مناظر الطبيعة البكر، حيث تعود بك الذاكرة سريعاً إلى الوراء حينما تقف أمام هيبة طرز معمارية منذ مئات السنين، متعددة الأدوار والمنافع، اتخذت من جنبات الوادي وأعالي المرتفعات موقعاً لها، وتتناثر أبراج الحراسة على امتداد تلك الأماكن، فيما تنتصب المئات من أشجار السدر المعمرة وقد أخضعتها أسراب النحل التي تنتج العسل في دائرة مملكتها.
ويعد "
وادي عياء" من أشهر الأودية في منطقة عسير، حيث يقع بين مركزي بللحمر وبللسمر ويتبع إدارياً محافظة خميس مشيط، كما أنه يبعد عن مدينة أبها أكثر من 80 كيلو متر.
ويخضرّ الوادي دائماً مع وجود مجرى مائي دائم منذ عشرات السنين، كما يشتهر بكثرة القصور الحجرية (
الحصون) التي يتراوح ارتفاعها ما بين 15 إلى 20 متراً، وتم بناؤها بالحجارة المتوفرة في الجبال، كما زيّنت نوافذها بحجر المرو الأبيض لتشكل مربعات ومثلثات دوائر، مما أكسبها ألقاً وجمالاً هندسياً بارعاً، بالإضافة إلى تميزها بدقة هندسية متناهية، تؤكد أن إنسان ذلك الوادي -في حينه- كان يتمتع بمواهب متعددة، ورؤية ثاقبة، إذ استغل ما يزخر به المكان من أدوات وإمكانات ليطوعها من أجل إعمار الأرض، ودورة عجلة الحياة في المسكن والعيش والتواصل الاجتماعي وخلق الفرص الاقتصادية.
ويجانب تلك الحصون الكبيرة، مساجد صغيرة، وساحات مفتوحة، لاجتماع الناس وتسوقهم، بالإضافة إلى مباني متعددة كانت تستخدم حظائر للأغنام والأبقار والإبل، وتنتشر في جنباتها أراضٍ زراعية قديمة كانت تنتج القمح والذرة، وتشاهد النخيل صامدة على مر السنين.
ويستظل "
وادي عيا" بأشجار السدر والطلح المعهودة بكثافتها وظلها الوارف وجمالها وتوزيعها على امتداد الوادي، بالإضافة إلى بعض النباتات الحولية والطحالب المائية التي تكثر في الوادي، المشهور بالمياه السطحية دائمة الجريان منذ عشرات السنين، والتي تزيد أحيانا ً حتى تصل لحجم السيل، وتنقص حتى تكون مجرى مائياً جارياً، فيما يضيق تارة ويتسع تارة أخرى، ونادراً ما يتوقف، ويتراوح المجرى في العمق حسب نوع البيئة التضاريسية التي يتميز بها، مما جعل تلك المياه تكون بيئة متكاملة من النباتات والحيوانات والكائنات الحية المصاحبة الأخرى، في مشهد قل ما يوجد في مكان آخر بالمنطقة.
ونصبت الهيئة العامة للسياحة والآثار ووزارة الزراعة مؤخراً، لوحات دلالية على امتداد الوادي لتنبيه الزوار ومرتاديه، بأن تلك الأماكن الأثرية في موضع الحماية والاهتمام، وربما إعطاء المزيد من الدراسة والبحث عن تاريخ وآثار ذلك الوادي.
مواقع النشر