رسوم الأراضي البيضاء
الضوابط والإجراءات التنظيمية
د. عبد الكريم الهويش
[align=justify]في مقال الأسبوع الماضي تحدثنا عن الآليات والحلول التنظيمية اللازمة لخلق موجة التصحيح في أسعار العقارات بين معدلات الطلب والعرض في السوق العقاري السعودي على الأراضي والمساكن على حد سواء، ومن بين هذه الحلول التنظيمية هو (فرض رسوم سنوية على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني). في هذا المقال سوف نحاول مناقشة بعض الضوابط والإجراءات التنظيمية اللازمة التي ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار لدى صانعي القرار عند إقرار وتطبيق هذا القرار.
الكل يعلم أن مجلس الشورى قد أصدر قرارا الأسبوع قبل الماضي يكلف فيه وزارة الشؤون البلدية والقروية بإعداد لائحة تنظم الضوابط والآلية اللازمة لفرض رسوم سنوية على الأراضي البيضاء التي تقع ضمن النطاق العمراني، واستكمال الإجراءات المطلوبة. هذا القرار (أو التوصية إن صح التعبير) قد أدخل الكثير من الجدل بين قطاع كبير من المتعاملين في سوق العقار السعودي وردود الأفعال بين مؤيد ومعارض في الشارع السعودي حول الآثار السلبية والإيجابية التي سوف تنجم من هذا القرار بعد تطبيقه، خاصة فيما يتعلق بمشكلة ارتفاع أسعار الأراضي، ففريق يرى أن من شأن هذا القرار وفي حال تطبيقه أن يحدث توازنا في السوق العقاري بين معدلات العرض والطلب على المدى القصير، وذلك من خلال زيادة المعروض في السوق السعودي، وبالتالي تسارع وتيرة انخفاض أسعار الأراضي والتي وصلت إلى أرقام فلكية خلال فترة زمنية قصيرة، أما الفريق الأخر فيرى عكس ذلك وله من المبررات ووجهات النظر التي تؤكد أن هذا القرار في حال تطبيقه سوف يحدث حالة من الارتباك في السوق العقاري تضاف إلى العشوائية وعدم التنظيم الفعلي والفعال الذي يشهده السوق العقار السعودي، والتي من شأنها أن تؤثر في شريحة كبيرة من المتعاملين في القطاع العقاري؛ مما سيؤدي إلى ارتفاع معدلات الأسعار العقارية في ظل الطلب المتزايد على العقار على المدى القصير والمتوسط.
من وجهة نظري المتواضعة وقبل البدء بمناقشة الإيجابيات والسلبيات وردود الأفعال بين مؤيد ومعارض حول الآثار السلبية والإيجابية التي سوف تنجم من هذا القرار بعد تطبيق، ينبغي أولا مناقشة الضوابط والإجراءات التنظيمية التي تحكم مثل هذا القرار وتعود بالنفع والفائدة للمواطن (بتوفير مسكن مناسب وبسعر مناسب) من جهة وتحفيز وإنعاش الاستثمار في سوق العقار السعودي (ثاني أكبر قطاع اقتصادي في الاقتصاد الوطني) من جهة أخرى. وبما أن وزارة الشؤون البلدية والقروية هي المناطة بإعداد الآليات التنظيمية لفرض هذه الرسوم، فمن المؤكد أنها ستولي هذا القرار ما يستحق من الدراسة والتمحيص والخروج بآليات وضوابط تنظم هذا القرار وتجعله قابلا للتطبيق والمراجعة والتدقيق بمدة زمنية قصيرة. هناك عدة سيناريوهات قد تلجأ إليها وزارة الشؤون البلدية والقروية في إعداد اللائحة التنظيمية من ضوابط وآليات لفرض هذه الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدينة أو القرية على حد سواء، من بين هذه السيناريوهات ما يلي:
السيناريو الأول: الميزة النسبية للأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني
لتحديد الميزة النسبية لكل أرض بيضاء داخل النطاق العمراني، قد تلجأ وزارة الشؤون البلدية والقروية لتحديد عدة معايير، من بينها (موقع الأرض، مساحتها، قيمتها، الخدمات والمرافق المتوفرة في الكتلة العمرانية التي تقع عليها الأرض، الطبيعة الاستثمارية للكتلة العمرانية التي تحيط بها الأرض البيضاء داخل النطاق العمراني للمدينة أو القرية، بالإضافة إلى عدد السكان والكثافة السكانية للمدينة أو القرية). بهذه الطريقة سوف يمكن تحديد ما يسمى "بالوزن المعياري" لكل قطعة أرض بيضاء داخل النطاق العمراني لكل مدينة وقرية من مدن وقرى المملكة، فكلما كانت الأرض ذات "وزن معياري" أو ميزة نسبية مرتفعة كانت ذات رسوم مرتفعة والعكس صحيح.. هكذا سوف نخرج بتدرج هرمي لجميع الأراضي البيضاء يقابله تدرج هرمي للرسوم التي ستفرض على تلك الأراضي. من إيجابيات هذا السيناريو هو إيجاد آلية تنظيمية واضحة، عادلة ومتوازنة لفرض الرسوم على الأرضي البيضاء داخل النطاق العمراني تعمل على تحفيز وإنعاش الاستثمار من خلال (إنتاج وحدات عقارية قابلة للاستخدام والاستهلاك) في سوق العقار السعودي من جهة، وتوفير مسكن للمواطن السعودي بسعر مناسب من جهة أخرى، أما سلبيات هذا السيناريو فتتلخص بـ (طول الفترة الزمنية والتكلفة الباهظة) لدراسة وتحديد الميزة النسبية للأرضي البيضاء داخل النطاق العمراني حسب التدرج الهرمي لها.
السيناريو الثاني: تصنيف البلديات
يوجد ما يقارب 272 جهازا بلديا تابعا لوزارة الشؤون البلدية والقروية تم تصنيفها إلى خمسة فئات (بلدية فئة أ، ب، ج، د، هـ)، بالإضافة إلى 15 أمانة موزعة على مناطق المملكة حسب معايير علمية تمت دراستها وتحديدها، ومن ثم تقييمها من قبل الوزارة والفروع التابعة لها ضمن منظومة العمل البلدي للوزارة. فمن المنطقي أن تلجأ وزارة الشؤون البلدية والقروية إلى هذا التصنيف عند إعداد الآلية التنظيمية لفرض الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني، بحيث تكون الأراضي البيضاء الواقعة ضمن النطاق العمراني للبلديات ذات الفئات (أ، ب، ج) ذات رسوم أعلى من الأراضي البيضاء الواقعة ضمن النطاق العمراني للبلديات ذات الفئات (د، هـ)، بحيث يكون هناك تدرج هرمي لرسوم الأراضي البيضاء حسب فئة البلدية التابعة لها الأرض المراد تحصيل الرسوم عليها. يتميز هذا السيناريو بالكفاءة العالية والتكلفة المنخفضة وسرعة الانجاز من قبل وزارة الشؤون البلدية والقروية لهذا القرار وتطبيقه على أرض الواقع، أما سلبياته تكمن بعدم شمولية هذا السيناريو جميع المراكز العمرانية في المملكة، خاصة القرى منها.
السيناريو الثالث: تصنيف المراكز العمرانية لمدن المملكة وقراها
حسب تقرير مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات (النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن 1431هـ) يوجد نحو 15800 مركز عمراني منها نحو 219 مدينة "5000 نسمة فأكثر" والباقي قرى ذات عدد سكان "أقل من 5000 نسمة". وبحسب الاستراتيجية العمرانية الوطنية فقد تم تصنيف المراكز العمرانية الحضرية "المدن" إلى ثلاثة مستويات (مراكز تنمية وطنية، مراكز تنمية إقليمية، ومراكز تنمية محلية)، بالإضافة إلى التصنيف الوارد في المخططات الإقليمية لمناطق المملكة الثلاث عشرة لوكالة الوزارة لتخطيط المدن والتي صنفت المراكز العمرانية الريفية "القرى" إلى أربعة مستويات (مراكز تنمية قروية، مراكز خدمة قروية، قرى خدمة، وقرى تابعة) شاملة لجميع قرى وهجر المملكة، هذه التصنيفات للمراكز العمرانية الحضرية والريفية ليست وليدة اليوم ولم تأتِ بمحض الصدفة، بل تمت حسب معايير دقيقة ودراسات وأبحاث متخصصة قامت بها وزارة الشؤون البلدية والقروية منذ فترة ليست بالقصيرة. لذلك وقد يكون من البديهي والمنطقي أن تأخذ وزارة الشؤون البلدية والقروية بهذه التصنيفات بمثابة الخطوة الأولى لرسم السياسات التي تندرج منها الآليات والضوابط التنظيمية عند إعداد الآلية التنظيمية لفرض الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني.
أخيرا، ما ينبغي التأكيد عليه هنا هو أن الهدف الرئيس لهذا القرار من فرض رسوم على الأراضي البيضاء ليس دعما لميزانية الدولة أو "الانتقام من ملاك هذه الأراضي واستنزاف أموالهم"، بل هو قرار يهدف في المقام الأول إلى إيجاد آلية تنظيمية يتم من خلالها تحويل هذه الأراضي البيضاء إلى وعاء استثماري عقاري يعمل على زيادة المعروض من وحدات عقارية (سكنية وتجارية)، وبالتالي تسارع وتيرة انخفاض أسعار الأراضي والعقار على المدة القصير، وزيادة الميزة التنافسية لسوق العقار السعودي على المدى البعيد.[/align]
مواقع النشر