ألكسندر كوداشيف (DW) : في الوقت الذي يسعى فيه البعض إلى التفاوض في جنيف لإنهاء الأزمة السورية، تفرض روسيا والأسد حقائق على الأرض. ويبدو أن هذه التطورات تثلج صدر جهة معينة في المنطقة، بشكل خاص ستجعلها تخرج منتصرة، على ما يرى أليكسندر كوداشيف.
يبدو أن اللعبة شارفت على النهاية. في سوريا. بشار الأسد عاد لتصبح له اليد العليا من جديد، بمساعدة روسية وبدعم الغارات الجوية الروسية. وكذلك على الأرجح بدعم لوجيستي وتقني ضخم للجيش السوري على الأرض.
الصراع من أجل استعادة السيطرة على حلب يحمل طابع المعركة الحاسمة. وفي حال نجحت قوات الأسد في استعادة المدينة – حينها يكون الديكتاتور قد حقق نصرا أكبر من مجرد الانتصار في معركة. ذلك أنه من شأنه أن يعود ليكون مرة أخرى فاعلا حاسما في سوريا المحترقة المتفككة. أما بالنسبة للمواطنين فلم يبق لهم من مخرج سوى الهروب أو التكيف مع الوضع أو الموت.
من جهة أخرى: لم يعد باقيا من سوريا تقريبا إلا مجرد كلمة جغرافية مصطنعة. فسيفساء من مناطق وأماكن وقرى وجهات وكذلك من مدن تارة تكون فيها كلمة الفصل للحكومة السورية، وتارة لمختلف قوى المعارضة، وتارة أخرى لعصابات القتلة جبهة النصرة و ما تسمى بـ"الدولة الإسلامية". أما بالنسبة للناس في كل الأحوال، أي المواطنين في سوريا، فلا دور لهم في هذه الحرب الأهلية الدامية سوى دور الضحية، وحياتهم لا قيمة لها.
روسيا إلى جانب الأسد
الأسد عاد إلى الساحة من جديد بفضل الروس، الذين استغلوا الفراغ في السلطة. وبوتين دخل (في المعترك السوري) بكل عزم وإصرار وبدون تردد، وأحد أهدافه: الأسد يجب أن يبقى في السلطة. وكل شيء آخر فهو أقل أهمية في نظر الكرملين. وهذا ما يفسر هذا الإصرار العسكري العنيف. أما الهدف الثاني فيكمن في تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة؛ حتى من خلال حكم استبدادي.
لا أحد يتحدث الآن عن ربيع عربي أو حتى عن تلك الفكرة الجميلة بشأن ديمقراطية عربية. هذا الحلم تحول إلى وهم. لكن السؤال، الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن أن تصبح سوريا المتهدمة، ولو في أبعد الأحوال، فاعل استقرار؟ لا أحد يملك الجواب على هذا السؤال.
ألكسندر كوداشيف رئيس تحرير مؤسسة DW
الغرب بأسره، وخاصة الولايات المتحدة، أي باراك أوباما، ينظر (إلى ما يجري في سوريا) في حيرة وعجز قبل أي شيء. فهو (الغرب) يعرف أن التدخل العسكري لا يأتي بشيء وينطوي على مخاطر (إمكانية) أن ينتهي إلى توتر متصاعد بشكل أكثر فظاعة يشمل أطرافا أكثر. فمن هو الطرف الذي ينبغي على القوات الغربية أن تحارب بجانبه؟
حيرة غربية
ولهذا السبب يراهن السياسيون بكل عزم وإصرار على محادثات السلام في جنيف – حتى وإن كانت لن تستأنف إلا في نهاية شباط/ فبراير الجاري. هناك يأمل الغرب في التوصل إلى حل عبر طاولة المفاوضات – بينما يتم في سوريا فرض حقائق على الأرض.
بيد أن السؤال المصيري هنا هو: من يجدر به أن يحكم سوريا بعد مفاوضات السلام؟ المعارضة، التي ليس لها من يقف وراءها؟ أم الأسد، الذي يستند إلى حربات الروس؟ أم لنقلها بصراحة: الجهاديون الإسلاميون؟ وهل ستكون هناك سوريا كما عهدناها قبل عام 2010؟ الحيرة الغربية هي التي خلقت ذلك الفراغ في السلطة، الذي أتاح المجال المطلق لدخول العصابات الإرهابية وبوتين والأسد على الخط.
وتبقى الحرب بالوكالة، وبالتالي القوى الإقليمية: السعودية وإيران. ويبدو أن الرياض قد أدركت إشارات الزمن. ومن خلال التحفظ المتردد المتخوف تقريبا لا يمكن لأحد أن يتقدم. والولايات المتحدة ستدعم بل ستسند العائلة الحاكمة فقط بشكل مشروط. وبالتالي يجب الاعتماد على القوة الذاتية. والسعودية تعرض حاليا إرسال قوات برية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية". إنه تقريبا تغير ثوري في الوعي، ولد من أحشاء الخوف من النهاية. بيد أن الفائز الحقيقي في هذه الحرب القاتلة على النفوذ هو إيران. ذلك لأن إيران ستكون من خلال الحرب في سوريا وبعدها القوة الإقليمية النافذة في الشرق الأوسط. وهذا الأمر يثير القلق والمخاوف في القدس (الغربية). الجولة النهائية في سوريا بدأت (الآن).
مواقع النشر