باريس - كرستن كنيب (م. أ. م) : روسيا تقاتل إلى جانب الرئيس السوري الأسد بقوة مقاتلي المعارضة في سوريا وخصوصا في مدينة حلب. ويتضح جليا مع مرور الزمن أن الحملة العسكرية الروسية لا تقتصر على سوريا وحدها، بل إن لموسكو أهدافا أخرى.



25 قتيلا في حلب و24 ضحية في حماة و5 آخرون في دمشق. نظرة على الموقع الإلكتروني لـ "المرصد السوري لحقوق الإنسان" تشبه النظرة إلى مقياس فواجع الحرب السورية. فالمرصد السوري المقرب من المعارضة السورية المعتدلة والمعترف به كمركز مراقبة موثوق به دوليا، يدون منذ سنوات أرقام القتلى. وهذا ما قام به المرصد في الأيام الأخيرة على ما يبدو في وتيرة سريعة لمواكبة قوة القصف الجوي السوري الروسي المتكرر.

فبعد فشل الاتفاقية الأمريكية الروسية لوقف إطلاق النار، يشن الجيش السوري وحلفاؤه حملة عسكرية أكثر شراسة ضد مقاتلي المعارضة. والواضح أن النظام السوري يريد كسب الأرض. كما أنه من الواضح أنه لن ينجح في تحقيق ذلك من الجو فقط. فطائرات الهيلكوبتر تقصف هي الأخرى، والمخطط يرمي إلى تقطيع المدينة (حلب) إلى أجزاء صغيرة لعزل المقاتلين فيها.

رسالة حلب
والحملة العسكرية الشرسة لا تعني فقط اقتلاع حلب بكل الوسائل دون رد أي اعتبار للمدنيين من يد مقاتلي المعارضة، بل هي تنطوي على رسالة من روسيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. روسيا توطد مكانتها في سوريا، وبأنها جاءت للبقاء. وفي ميناء طرطوس ترسو أيضا سفن البحرية الروسية، وفي مطار اللاذقية يتمركز سلاح الجو الروسي الذي جلب إلى سوريا أنظمة الدفاع الجوي من نوع إس 300 وإس 400 التي لا تُستخدم فقط ضد الطائرات، بل هي قادرة أيضا على اعتراض الصواريخ، وبذلك تسيطر روسيا على المجال الجوي السوري.

والتخمينات الأمريكية لفرض مناطق حظر الطيران لا تتعدى أن تكون مخططات تجميلية. وحتى التفكير في تسليح مقاتلي المعارضة لم يعد مجديا. "فبعد مئات الآلاف من القتلى لا يمكن للأمريكيين أن يقاتلوا الروس حتى آخر سوري"، هذا ما كتبه المحلل السياسي مروان بشارة على الموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة.

ويبدو أن سوريا قد تتطور إلى أرض لحرب بالوكالة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. ولن يتطور الأمر إلى مواجهة مباشرة بين الطرفين، كما يعتبر مروان بشارة.

حملات دبلوماسية في الشرق الأوسط
ويبدو أن سوريا لا تمثل في هذا السيناريو سوى لبنة لتقوي روسيا وجودها مجددا في الشرق الأوسط. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين زار تركيا مؤخرا بعد فترة فتور استمرت زهاء سنة واحدة للتوقيع مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان على بناء خط أنابيب نفط بين البلدين. ومع مصر الحليف السابق من أيام جمال عبد الناصر يُتوقع إجراء مفاوضات حول تعاون أمني. وحتى مع إسرائيل حسنت روسيا علاقاتها، بل يتم الحديث حاليا عن تنظيم جولة مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين في موسكو.


فلادمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب اردوغان في أنقرة

وروسيا تقيم على كل حال من خلال الحملة العسكرية المشتركة في سوريا علاقات وثيقة مع إيران. والتفاهم الذي أحرزته إيران مع الدول الغربية حول برنامجها النووي يمكنها من توطيد تقاربها مع موسكو. ويبدو أن طهران غير منزعجة من أن تجري موسكو محادثات مع عدوها اللدود السعودية حيث يُسجل أن الغرب يعرب عن انتقاد متزايد للتحالف الدولي الذي تقوده السعودية في اليمن.

ونظرا لأكثر من 10.000 ضحية التي تسببت فيها تلك الحرب التي تفجرت قبل سنة ونصف السنة، يتم الحديث في بريطانيا عن حظر لصادرات الأسلحة إلى المملكة السعودية. وعلى هذا الأساس ينصب اهتمام الرياض على البحث عن شركاء ومصدري أسلحة جدد.

إغراء النفط
ولاحظ بوريس رايتشوستر الخبير في شؤون روسيا أن الرئيس بوتين يتفوق على منافسيه في سوريا وبقع أخرى، وقال إن أوباما وأتباعه لم يعودوا فاعلين، بل يردون فقط. ويبدو أن ممارسة القوة المصحوبة بحملات دبلوماسية تأتي بالثمار في الشرق الأوسط. وإلى حد الآن كان يُفترض فقط أن روسيا تريد تقديم نفسها من جديد كقوة عالمية. لكن يظهر مع مرور الأيام أن الرئيس بوتين يتطلع إلى ما هو أكثر.

فصحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" الألمانية الرصينة كتبت أن "روسيا تريد التموقع مجددا كقوة رائدة في الشرقين الأدنى والأوسط". والفرص جيدة لذلك أكثر من ذي قبل منذ تراجع التزام الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة. وحتى أسباب روسيا لتطبيق ذلك واضحة. فالمنطقة المتاخمة لأوروبا وإفريقيا وآسيا ليست لها أهمية من الناحية الإستراتيجية فقط، بل هي على مستوى العالم أكبر خزان للموارد الطبيعية في العقود المقبلة.