بون - ألكسندر كوداشيف (دويتشه ﭭيله) : ينبغي أن يكون الأمل دائما هو آخر شيء يفقده الإنسان؛ لكن بالنظر إلى المصالح المتعارضة تماماً بين القوى الفاعلة لا يلوح في أفق الحرب السورية حالياً أي حل، حسب ما يرى ألكسندر كوداشيف رئيس التحرير بمؤسسة DW.
الحرب والقتل والموت في سوريا تتواصل بلا هوادة. إنها حرب لا تخمد نارها رغم دخولها عامها الخامس. إنها حرب تدار بقسوة لا يمكن تخيلها- خصوصاً بالنسبة للمعاناة والأعباء الواقعة على كاهل الشعب السوري، الذي تتخذه كافة الأطراف رهينة. والآن مات آخر أمل لكبح جماح هذه الحرب أو ربما حتى لوضع نهاية لها من خلال المفاوضات بين الأمريكيين والروس. فقد انقطع خيط المحادثات بين موسكو وواشنطن، وبذلك انطفأ آخر بصيص للأمل.
لا أمل في تسوية
فشل المحادثات، التي لا يعرف المرء ما إذا كان صحيحاً تسميتها بالمفاوضات، كان في الواقع أمراً متوقعاً. لأن المفاوضات تقوم على إدراك مصالح الآخر وأخذها مأخذ الجد، ومقارنتها مع المصالح الخاصة بك من أجل معرفة ما إذا كان هناك إمكانية للتوصل إلى تسوية. لكن كيف يبدو الأمر بالنسبة للمحادثات حول سوريا؟
الروس لديهم مصلحة عظمى: إنهم يريدون إبقاء الأسد في السلطة وبجانب ذلك إعادة تقديم أنفسهم كعامل في منطقة الشرق الأوسط يجب أخذه بالمزيد من الجدية عالمياً. ولذلك فإن أي وسيلة بالنسبة لهم، ولا سيما الوسائل العسكرية، لها ما يبررها. والأسد يريد قطعاً البقاء في السلطة، وليس لديه اهتمام بتقديم حلول وسط، لأن أي حل وسط سيعني في الحال نهايته من الناحية السياسية.
الكسندر كوداشيف رئيس تحرير DW
وتركيا لا تريد أن تكون هناك دولة كردية. وإيران تريد تعزيز الهيمنة الشيعية، وفي المقابل تريد السعودية منع ذلك. وكلهم جميعاً ضد ما يسمى بـ"الدولة الإسلامية" عندما تتاح لهم اللحظة المناسبة عسكرياً وسياسياً.
وماذا عن الغرب؟ وخصوصاً الولايات المتحدة؟ لديهم مصلحة لإنهاء الحرب، كما أنهم يريدون، ولأسباب أخلاقية في المقام الأول، أن تتوقف المعارك والمجازر والهجمات الجوية؛ لكن ماذا يريدون من الناحية السياسية؟ سوريا في حدودها القديمة؟ مع أو بدون الأسد؟ ودولة كردية أم لا؟ إجراء محادثات سياسية مع إيران أيضاً؟ اعتراف فاتر بمكانتها الجيوسياسية أم لا؟ ولأجل ذلك القيام بتهميش السعودية، كمعقل روحي للسلفية، بغض النظر عن العواقب الاقتصادية والسياسية، والتي كانت حتى الآن تشكل عامل استقرار وقف إلى جانب الغرب؟ أو ربما دعم العائلة المالكة في الرياض؟ لكن تصويت الكونغرس الأمريكي بالسماح لضحايا اعتداءات 11/09 بمقاضاة السعودية، رغم اعتراض أوباما، يظهر أن السعودية لم يعد بإمكانها أن تشعر بحظوة الشريك لدى واشنطن. هنا أيضاً، تتقدم الأخلاق على المصلحة الوطنية. وهكذا يبقى هناك هدف يكون أحياناً قليل الأهمية، ألا وهو محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية".
جمود حتى الانتخابات الأمريكية
علاوة على ذلك، فإن أوباما هو في المراحل الأخيرة من ولايته. وهو بالفعل "بطة عرجاء". ويظهر أنه قد أبعد الولايات الولايات المتحدة وبشدة عن دور شرطي العالم. أوباما لا يريد أبداً أن تدخل الولايات المتحدة عسكرياً، حتى وإن بدا التدخل معقولاً من الناحية الاستراتيجية. إنه قاد الولايات المتحدة بشكل غير ملحوظ تقريباً إلى سياسة التحفظ دبلوماسياً. واقتحم هذا الفراغ الروس أولاً، الذين أخطأ أوباما في النظر إليهم باستحقار واعتبارهم مجرد قوة إقليمية. وبدأ الروس من خلال عزم بوتين شديد الصرامة في استعادة نفوذهم في السياسة الدولية. وهم مصممون على المضي في هذا المسار بكل الوسائل، وفي المقابل لا يوجد لدى واشنطن "خط أحمر"، يتحتم عنده احتواء الروس.
لن ينطلق الصراع السياسي العالمي مجدداً إلا بعد انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد. وحتى ذلك الحين، يخلق بوتين حقائق في سوريا، لم يعد بإمكان أحد أن يتجاوزها. ومع ذلك، فإن موسكو ستظل أيضاً تتذكر دائماً أن التدخل العسكري في أفغانستان كان في البداية ناجحاً عسكرياً وسياسياً، قبل أن ترهق الحرب الروس تاركين أفغانستان بعد عشر سنوات وهم خاسرون ومستنزفون.
إذن فماذا سيحدث في سوريا إذا ما تحقق النجاح العسكري للروس وقوات الأسد؟ هل ستكون سوريا شيشان شرق أوسطية جديدة يلفها صمت المقابر؟ أم أفغانستان شرق أوسطية تغرق يومياً في بحر من الإرهاب؟ ومع ذلك، فحتى هذه اللحظة لا يبقى أمام الغرب، إذا لم يقرر على الفور في فرض "سياسة الاحتواء" على نحو استراتيجي - ولا تبدو حالياً أي بوادر على حدوث ذلك - إلا الوقوف كالمتفرج العاجز أمام القتل والموت في سوريا.
وهذا أمر بالتأكيد لا يُحتمل من الناحية الأخلاقية.
مواقع النشر