د: سلطان بن سعد السيف (الرئاسة) : هي شعيرة من شعائر الدين نالت بها الأمة المسلمة الخيرية وعدها بعض أهل العلم من أركان الإسلام، لها دور كبير في حفظ الأمن بشتَّى أنواعه الفكري، والسياسي، والأخلاقي، والاجتماعي، والنفسي، والاقتصادي، وفي حفظ الكليات الخمس، وفي الوقاية من الجرائم ومكافحتها، وفي ترابط المجتمعات، وفي إشاعة الخير، ونشر الفضيلة، وردع الرذيلة. إنها شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورغم مكانتها وخصوصيتها ودورها العظيم في حفظ الأمة مما توعد به الله الأمم التي لم تقم بها.. رغم ذلك نجد المجتمعات الإسلامية تتهاون في القيام بهذه الشعيرة العظيمة ولا تعظمها بل وتثار الشبهات حولها وقد كان هذا الموضوع المهم هو محور حديث فضيلة الدكتور سلطان بن سعد السيف عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود.
شُبهة تحاول تعطيل قطار الحسبة
متابعة سليمان الصالح
• من الشبهات التي تثار حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظن البعض أن ذلك مسؤولية الأجهزة المعنية بهذا الأمر فقط.
• تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يتواصَ بالحق ولا بالصبر كما أمرت بذلك النصوص الصريحة.
• لا عودة لخيرية هذه الأمة وفضائلها وتميزها على الأمم وظهورها إلا بالقيام بواجب الحسبة.
من فضائل هذه الشعيرة
في البداية ذكر الشيخ بعضًا من فضائل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومما ذكره:
- أنها سبب خيرية هذه الأمة. قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ..﴾ [آل عمران: 110] الآية.
- أنها تجارة رابحة مع الله عزَّ وجلَّ، وثمرتها الجنة. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ...﴾ إلى أن قال: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
- أنها سبب رئيس من أسباب التمكين في الأرض. قال تعالى ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ مَنْصُورُونَ وَمَفْتُوحٌ عَلَيْكُمْ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ فَلْيَتَّقِ الله وَلْيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ».
- أنها أمان للأمة من العذاب العام المهلك.
- أن المحافظة عليها سبب صلاح المجتمعات وتقويمها وهدايتها لإقامة الشعائر الأخرى.
شبهاتٌ بعضُها فوق بعض
ثم تحدث الدكتور السيف عن أسباب العزوف عن القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رغم الأهمية والمكانة العظيمة التي حظيت به.. فلا زال كثير من الناس فرادى وجماعات في مجتمعاتنا يتهاونون في القيام بها، والتخاذل عنها فيما يخصه وتحت إمرته ناهيك عمَّا يكون في المجتمع عمومًا.
ومن أسباب هذا العزوف تلك الشبهات التي تثار ويتأثر بها كثير من الناس ومما ذكره الشيخ من هذه الشبهات:
- الجهل بحكمها الشرعي، والتأثر بالمقولات الفاسدة كقولهم: «دع الخلق للخالق»، وقولهم: «لست وكيلًا على بني آدم»، «أو لهم رب» ونحو ذلك.
فالبعض -للأسف- يظن أن القيام بهذه الشعيرة تطفُّل على عباد الله، وتدخُّل في خصوصياتهم، وتعدٍ على حرياتهم، وأضحى السكوت عن المنكر لديهم وإقراره وقارًا وحكمة.
ويشدد الدكتور السيف على أن كل هذا باطل ومخالف صراحة لما في كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عليه صحابته رضوان الله عليهم، وسلفها الصالح، ولا يوجد ما يشهد له من قريب ولا من بعيد، بل هو من تلبيس إبليس، فإن الخالق هو من أمر بهذه الشعيرة وإقامتها، وتوعد تاركيها بالعذاب، وجعلها من أخص صفات المؤمنين الذين توعدهم برحمته: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
فلا شك أن في الأخذ بهذه العبارات، والدعوة إليها تعطيلًا واضحًا لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجناية على دين الله، وتكذيبًا للنصوص الشرعية، واستدراكًا على أحكامها، وتنقصًا لما عليه الأنبياء والمرسلون، وما سار عليه الخلفاء الراشدون ومن بعدهم من سلف الأمة.
خطأ في تفسير النصوص
ومن المعوقات والشبه التي بيّنها الدكتور السيف وتؤدي إلى العزوف عن القيام بواجب الحسبة، الخطأ في تفسير بعض النصوص الشرعية، وكما يقول: فإن بعض الناس يعمد إلى ترك هذه الشعيرة متعلقًا بظاهر أحد النصوص الشرعية دون النظر إلى باقي النصوص الأخرى المتعلقة بهذه الشعيرة. فعلى سبيل المثال يتعلق بعضهم بظاهر قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ على سلامة موقف مَن اكتفى بإرشاد نفسه وهدايتها دون السعي لهداية وإرشاد الغير ممن ضل.
والحقيقة أن تفسير الآية بهذا خاطئ من عدة أوجه:
الأول: أن مَن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يسْعَ لهداية الناس لم يهتد، كما ذكر ذلك جمع من الصحابة، والتابعين، والمفسرين. فقد قال جمعٌ من المفسرين قولَه ﴿إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾، والهدى هنا: «هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
الثاني: ورود التفسير الصريح لتصحيح هذا المعنى عن أبي بكر رضي الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد خشي أن تفهم الآية على غير مرادها فقام خطيبًا في الناس فقال: «يا أيُّها النّاسُ إنّكُم تقرءُون هذه الآية، وإنّكُم تضعُونها على غير موضعها، وإنّي سمعتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: «إنّ النّاس إذا رأوا المنكر، لا يُغيّرُوهُ، أوشك اللهُ أن يعُمّهُم بعقابه».
ثالثًا: أن مَن قال بهذا قد عَطَّل النصوص الواردة في الأمر والتأكيد على شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحلول العقاب والهلاك لمن تركها كقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
رابعًا: أن الله عزَّ وجلَّ أقسم بخسارة الإنسان إلا من استثناه منهم في قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ • إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ • إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ وتارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يَتواصَ بالحق ولا بالصبر فهو ممن عده الله في عداد الخاسرين.
خامسًا: أن تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارك للتعاون على البر والتقوى المأمور به في قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.
عواقب الترك والتخاذل
ومن معوقات الحسبة كما يبيّن الدكتور السيف، الغفلة عن العواقب والأضرار الفردية المترتبة على تركها أو التخاذل عنها، والتي من أبرزها: تحقق الضلال وعدم الاهتداء، قسوة القلب، حرمان إجابة الدعاء. انتشار المعاصي والموبقات المسببة لهلاك المجتمعات رغم وجود الصالحين، تحقق الاختلاف والتناحر، زوال وصف الخيرية عن هذه الأمة، ذهاب البركات والخيرات، انتشار الأمراض، أو الأضرار الطبيعية من قلة الأمطار، وحلول الجدب في الأرض. فضلا عن العذاب الأخروي المترتب على هذا الترك ولا شك أن انتفاء الجهل بهذه العقوبات وإدراك المسلم لهذه المعوقات سيعيد الناس إلى جادة الصواب والالتزام بأوامر الله وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي منحت الأمة خصوصيتها وخيريتها في خير القرون التي ينبغي أن نستحضرها ونقتدي بها.
مواقع النشر