الرياض - محمد بن سعد (درة) : اليسع عليه السلام هو من العبدة الأخيار (العمر مجهول) ورد ذكره في التوراة، وورد ذكر في القرآن مرتين، يذكر أنه أقام من الموت إنسانا كمعجزة بعد عصيان قومه بمدينه (بانياس) بالشام، ولم يذكر المكان الذي اتجه اليه.
سيرته عليه السلام: من أنبياء الله تعالى، الذين يذكر الحق أسمائهم ويثني عليهم، ولا يحكي قصصهم. نبي الله تعالى اليسع. قال تعالى في سورة (ص): {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ}، قال جل جلاله في سورة (الأنعام) : {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}
نسبه عليه السلام
لم يتفق المؤرخون على نسبه،، فقيل هو: إلياس واليسع من بني إسرائيل، ومن ذرية إبراهيم عليه السلام، ولكن إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون، فهو على هذا من ذرية هارون عليه السلام، وهكذا يذهب نسبه صاعداً إلى إبراهيم عليه السلام، ونسبة في تاريخ الطبري: اليسع بن أخطوب، ويقال أنه ابن عم إلياس النبي عليهما السلام، نسبة في تاريخ الحافظ ابن عساكر: اسمه أسباط بن عدي بن شوتلم بن أفرائيم بن يوسف الصديق عليه السلام ،، من أنبياء بني إسرائيل، أوجز القرآن الكريم حياته، لم يذكر عنها شيئاً، اكتفى بعده في مجموعة الرسل الكرام الذي يجب الإيمان بهم تفصيلاً.
بلغ الدعوة بعد إلياس وقام يدعو إلى الله مستمسكاً بمنهاج نبي الله إلياس وشريعته، زكثرت في زمانه الأحداث والخطايا وكثر الملوك الجبابرة فقتلوا الأنبياء وشردوا المؤمنين فوعظهم اليسع وخوفهم من عذاب الله، لكنهم لم يأبهوا بدعوته
توفاه الله، وسلط على بني إسرائيل من يسومهم سوء العذاب كما قص علينا القرآن الكريم، يذكر مؤرخون أن دعوته في مدينة بانياس، إحدى مدن الشام، لا تزال حتى الآن موجودة قرب مدينة اللاذقية.
ربما أن اليسع هو (اليشع) الذي تتحدث عنه التوراة، ويذكر القديس برنابا أنه أقام من الموت إنسانا كمعجزة.
اليسع وذو الكفل:
بعض العلماء يروون قصة في زمن اليسع عليه السلام؛ يروى،، أنه لما كبر اليسع، قال: لو أني استخلفت رجلاً على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل، فجمع الناس فقال: من يتقبل لي بثلاث استخلفه: (يصوم النهار)، و(يقوم الليل)، و(لا يغضب) ؟!!
فقام رجل تزدريه العين، فقال: أنا، فقال: أنت تصوم النهار، وتقوم الليل، ولا تغضب؟ قال: نعم، لكن اليسع ردّ الناس ذلك اليوم دون أن يستخلف أحدا.
وفي اليوم التالي خرج اليسع على قومه، وقال مثل ما قال اليوم الأول، فسكت الناس، وقام ذلك الرجل فقال أنا، فاستخلف اليسع ذلك الرجل.
جعل إبليس يقول للشياطين: عليكم بفلان، فأعياهم ذلك، فقال دعوني وإياه فأتاه في صورة شيخ كبير فقير، وأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام الليل والنهار، إلا تلك النّومة، فدقّ الباب، فقال ذو الكفل: من هذا؟ قال: شيخ كبير مظلوم، فقام ذو الكفل ففتح الباب، فبدأ الشيخ يحدّثه عن خصومة بينه وبين قومه، وما فعلوه به، وكيف ظلموه، وأخذ يطوّل في الحديث،،، حتى حضر موعد مجلس ذو الكفل بين الناس،، وذهبت القائلة. فقال ذو الكفل: إذا رحت للمجلس فإنني آخذ لك بحقّك.
فخرج الشيخ وخرج ذو الكفل لمجلسه دون أن ينام، لكن الشيخ لم يحضر للمجلس، وانفض المجلس دون أن يحضر الشيخ، وعقد المجلس في اليوم التالي، لكن الشيخ لم يحضر أيضا، ولما رجع ذو الكفل لمنزله عند القائلة ليضطجع، أتاه الشيخ فدق الباب،، فقال: من هذا؟ فقال الشيخ الكبير المظلوم، ففتح له، فقال: ألم أقل لك إذا قعدت فاتني؟ فقال الشيخ: إنهم اخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا لي نحن نعطيك حقك، وإذا قمت جحدوني. فقال ذو الكفل: انطلق الآن ،، فإذا رحت مجلسي فأتني.
ففاتته القائلة، فراح مجلسه وانتظر الشيخ فلا يراه وشق عليه النعاس، فقال لبعض أهله: لا تدعنَّ أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام، فإني قد شق عليّ النوم.
فقدم الشيخ، فمنعوه من الدخول، فقال: قد أتيته أمس، فذكرت لذي الكفل أمري، فقالوا: لا والله لقد أمرنا أن لا ندع أحداً يقربه.
فقام الشيخ وتسوّر الحائط ودخل البيت ودق الباب من الداخل، فاستيقظ ذو الكفل، وقال لأهله: ألم آمركم ألا يدخل علي أحد؟ فقالوا: لم ندع أحدا يقترب، فانظر من أين دخل. فقام ذو الكفل إلى الباب
فإذا هو مغلق كما أغلقه؟ وإذا الرجل معه في البيت، فعرفه.
فقال: أَعَدُوَّ اللهِ؟ قال: نعم أعييتني في كل شيء ففعلت كل ما ترى لأغضبك، فسماه الله ذا الكفل لأنه تكفل بأمر فوفى به!
قال ابن إسحاق: عن قتادة، عن الحسن، قال: كان بعد إلياس اليسعُ عليه السلام، فمكث ما شاء الله أن يمكث يدعوهم إلى الله مستمسكاً بمنهاج إلياس وشريعته حتى قبضه الله عز وجل إليه ثم خلف فيهم الخلوف وعظُمت فيهم الأحداث والخطايا وكثرت الجبابرة وقتلوا الأنبياء، وكان فيهم ملك عنيد طاغ، ويقال إنه الذي تكفل له ذو الكفل إن هو تاب ورجع دخل الجنة فسمي ذا الكفل.
قال محمد بن إسحاق هو اليسع بن أخطوب. وقال الحافظ ابن عساكر: اليسع وهو الأسباط بن عدي بن شوتلم بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل. ويقال هو ابن عم إلياس النبي عليهما السلام ويقال كان مستخفياً معه بجبل قاسيون من ملك بعلبك ثم ذهب معه إليها، فلما رفع إلياس خلفه اليسع في قومه ونبأه الله بعده.
قال ابن جرير وغيره: ثم مرج أمر بني إسرائيل، وعظمت منهم الخطوب والخطايا، وقتلوا من قتلوا من الأنبياء، سلط الله عليهم بدل الأنبياء ملوكاً جبارين، يظلمونهم ويسفكون دماءهم، وسلط الله عليهم الأعداء من غيرهم أيضاً، وكانوا إذا قاتلوا أحداً من الأعداء يكون معهم تابوت الميثاق الذي كان في قبة الزمان، كما تقدم ذكره، فكانوا يُنصرون ببركته، وبما جعل الله فيه من السكينة والبقية مما ترك آل موسى وآل هارون.
فلما كان في بعض حروبهم مع أهل غزة وعسقلان غلبوهم وقهروهم على أخذه فانتزعوه من أيديهم، فلما علم بذلك ملك بني إسرائيل في ذلك الزمان مالت عنقه فمات كمداً. وبقي بنو إسرائيل كالغنم بلا راع حتى بعث الله فيهم نبياً من الأنبياء يقال له شمويل، فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكاً ليقاتلوا معه الأعداء، فكان من أمرهم ما سنذكره مما قص الله في كتابه.
تاريخيا، ليس صورة صحيحة كاملة عن حياة إلياس واليسع عليهما السلام إلا انه يمكن استخلاص ما عقب ملك سليمان عليه السلام.
سنة 933 ق. م انقسمت مملكة بني إسرائيل إلى قسمين:
الأول: خضع لملك سلالة سليمان بن داود أول ملوكهم رُحُبْعام بن سليمان، ويشمل سبطي يهوذا وبنيامين
الثاني: خضع لملك (جربعام) بن ناباط ومن بعده
قالوا: جاءهم (جربعام) من مصر،(من سبط أفرايم بن يوسف) وبايعه سائر أسباط بني إسرائيل العشرة، وحكمت هذه الأسرة من 933 - 887 ق.م، مدّة 46 سنة.
سبب شقاق الأسباط العشرة عن (رُحُبْعام) بن سليمان أنه رفض إعفاءهم من الضرائب التي كانت عليهم
بعد أسرة (جربعام) الحاكمة على أسباط بني إسرائيل العشرة قامت أسرة (عُمْري)؛ وملكت من 887 - 843 ق.م، مدة 44 سنة
أثناء هذا (أخاب) أحد ملوك تلك الأسرة وزوجته إيزابيل بنت أثعيل ملك صور، سمح لزوجته أن تقوم بنشر عبادة قومها في بني إسرائيل، فشاعت العبادة الوثنية فيهم،، وصار لهم صنم يعبدونه يسمونه (بعلاً)، فأرسل الله إليهم نبيه إلياس عليه السلام، يسمى عند المؤرخين: إليشاه أو إيليَّا، فنهاهم عن عبادة الأوثان، وأمرهم بعبادة الله وحده، والرجوع إلى الشريعة الصافية التي جاء بها موسى ومن بعده من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام، ونصح بذلك ملكهم (أخاب) فلم يستجب له وأصرّ على عناده وعلى انحرافه عن الإسلام الخالص من شوائب الوثنية.
فانتقم الله منه، فأزال ملكه وملك أسرة عمري على يد (يهوشافاط) وهو من سبط (مِنسَّا) بن يوسف عليه السلام
آمن بإلياس رجل صالح من بني إسرائيل اسمه: (اليسع - اليشع)، فصاحبه مدة حياته في الأرض ثم أرسله الله من بعده في بني إسرائيل.
جاء في تاريخ الطبري عن ابن إسحاق ما ملخّصه: أن إلياس عليه السلام لما دعا بني إسرائيل إلى نبذ عبادة الأصنام والاستمساك بعبادة الله وحده، رفضوه ولم يستجيبوا له، فدعا ربه فقال: اللَّهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر بك، والعبادة لغيرك، فغيِّر ما بهم من نعمتك. فأوحى الله إليه: إنا جعلنا أمر أرزاقهم بيدك، فأنت الذي تأمر في ذلك، فقال إلياس: اللَّهم فأمسك عنهم المطر، فحبس عنهم المطر، فحبس عنهم ثلاث سنين حتى هلكت الماشية والشجر، وجهد الناس جهداً شديداً. وكان إلياس لما دعا عليهم استخفى عن أعينهم، وكان يأتيه رزقه حيث كان، فكان بنو إسرائيل كلما وجدوا ريح الخبز في دار قالوا: هنا إلياس، فيطلبونه وينال أهلَ ذلك المنزل منهم شرٌّ.
وقد أوى ذات مرة إلى بيت امرأة من بني إسرائيل، لها ابن يقال له، (اليسع بن أخطوب) به ضرٌّ، فأتوه وأخفت أمره، فدعا الله لابنها فعافاه من الضرّ الذي كان به، واتبع إلياسَ وآمن وصدقه ولزمه، فكان يذهب معه حيثما ذهب، وكان إلياس قد أسنّ وكبر، وكان اليسع غلاماً شاباً.
ثم إن إلياس قال لبني إسرائيل: إذا تركتم عبادة الأصنام دعوت الله أن يفرج عنكم، فأخرجوا أصنامهم ومحدثاتهم، فدعا الله لهم ففرج عنهم وأغاثهم، فحييت بلادهم، ولكنهم لم يرجعوا عما كانوا عليه، ولم يستقيموا، فلما رأى ذلك إلياس منهم دعا ربه أن يقبضه إليه فقبضه ورفعه. والله أعلم.
هذا ويجب علينا التيقن مما دونته لكم باللون الرمادي
مواقع النشر