رشيد خشانة - الدوحة- swissinfo.ch : حققت الولايات المتحدة تقدّما مهِمّا في طريق تعميم تطبيق قانون الامتثال الضريبي على حسابات الأمريكيين الخارجية، المعروف اختصارا بـ FATCA (فاتكا)، عندما تصدَّر موضوع التهرّب الضريبي جدول أعمال اليوم الثاني من قمة مجموعة الثمان في إسينكلين بإيرلندا الشمالية الثلاثاء 18 يونيو الماضي.
ويُتيح القانون لواشنطن، الحصول على كافة المعطيات المصرفية للأشخاص الخاضِعين للجباية الأمريكية، وهو لا يقتصِر على المواطنين الأمريكيين المقيمين داخل الولايات المتحدة، وإنما أيضا المقيمين في الخارج، وكذلك الأجانب المقيمون في بلد آخر، والذين لديْهم ودائع أو مُمتلكات هامّة في الولايات المتحدة.
واعتبارا من السنة المقبلة، تعتزم الحكومة الأمريكية الطّلب من جميع المؤسسات المالية الأجنبية (مصارف، تأمينات على الحياة، صناديق استثمار، مؤسسات،...) بما فيها تلك التي لا تنشط فوق أراضي الولايات المتحدة، تسليمها أسماء وبيانات حُرفائها الخاضعين للجِباية الأمريكية.
ووجد الرئيس الأمريكي أوباما سنَدا قويا في رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون خلال قمّة الثمانِ، إذ اعتمد الأخير موقِفا متشدِّدا من مسألة هروب رؤوس الأموال إلى ملاذات ضريبية آمنة، وخاصة جزر كايمان وبرمودا.
وإذا ما سايرت الدول القوية المعنِية موقِف كامرون، ستُضطر جميع الملاذات الآمنة الحالية، إلى تبادل المعلومات في المستقبل، بالإضافة لإصرار كامرون على إنشاء سجِلات ترفَع النِّقاب عن مِلكية ما يُسمى بـ "شركات الواجهة".
دول الخليج وقانون فاتكا
من هنا، يكتسي تعامُل بلدان الخليج العربي مع قانون الامتثال الضريبي الأمريكي (فاتكا)، أهمية خاصة، بسبب كثافة المُعاملات المصرفية والمالية عموما، الأمريكية الخليجية. وسألت swissinfo.ch الخبير المصرفي القطري عبد الله الخاطر: هل سيشمل تطبيق قانون "فاتكا" بلدان الخليج؟ فأجاب بأنه "احتِمال وارِد جدا، بسبب العلاقات الحميمية (مع الولايات المتحدة). ولذلك، في حال طلبت سلطات الضرائب الأمريكية أو الحكومة كسُلطة عليا، تطبيقه على الأمريكيين المولودين في أمريكا أو المقيمين هناك، فسيُطبَّق على الجميع، وسيكون مُستحيلا إعطاء أفضلِية للمُقيمين في الخليج".
وقال، عن الانعكاسات المحتملة لتطبيق القانون على المواطنين الخليجيين الحاملين للجنسية الأمريكية أو للبطاقة الخضراء: "كثير منهم سيكون لديهم خِيار بين الامتثال للترتيبات الجديدة، أو التنازُل عن الجنسية أو البطاقة الخضراء".
وأضاف الخاطر: "هؤلاء هُم أصحاب ثروات، وقد يكونون من العائلات الحاكمة، وهم يحمِلون الجنسيتيْن، لأسباب منها الشعور بالاطمِئنان، على أساس أنه نوع من الملاذ الآمن بسبب تنوّع الخيارات، خاصة في حال حصول تغييرات جِذرية في العالم العربي أو مطالبات بتطبيق القوانين. وهذا القانون سيضعهم بإزاء وضْع قديم جديد، بحيث سيُضطرّون لدرس الأثر الإيجابي والسّلبي لحمْل الجنسية الأمريكية".
أنشطة تحفّها المخاطر
مصارف الظل لا تحتكم لقواعد تنظّم عملها
منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية، باتت المصارف تحت مراقبة لصيقة. ونتيجة لذلك تقوم هذه الأخيرة بنقل الأصول المحفوفة بالمخاطر والتي تقدّر بالترليونات إلى ما يسمّى بمصارف الظل، وهي نوع من البنوك التي لا تخضع لأية قواعد منظمة للقطاع المصرفي أو تلتزم بالكاد ببعضها. (SF/Eco-swissinfo.ch)
بين مقصلة الربيع العربي ومقصلة القرن الأمريكي
ومضى الخاطر شارحا "في السابق، كانوا يخشون من الضرائب، وخاصة ضريبة الوفاء وضريبة الدخل income tax، وكان يمكن للثرِي أن يتفاداهما بوضْع أمواله في بنوك سويسرية. وكثير منهم وجدوا أنفسهم بين المقصلتيْن، إذا أخذنا في الحسبان ارتِفاع قيمة الضرائب التي يُطالبون بدفعها، فهُم بين مِقصَلة الربيع العربي ومِقصلة القرن الأمريكي الجديد".
وتابع "مخاطِر التغيير بالنسبة لكثير من المستثمرين، أصبحت قريبة ومحسوسة، مما جعل قيمة الجنسية الأمريكية أكبَر من الماضي، لأنها توفِّر الأمان، لكن ظهر في الوقت نفسه هذا القانون، الذي يحمل أيضا مخاطِر على حامِل الجنسية. وأتوقّع أن هؤلاء سيفضِّلون، في غالب الحالات، التنازُل عن الجنسية الأخرى (الأمريكية)".
وتطرّق لظاهرة خاصة بمنطقة الخليج، وتتمثل في مجموعة من أصحاب الثروات الأمريكيين المُنحدرين من أصول إيرانية، موضِّحا أن تطبيق القانون على هؤلاء "سيكون صعْبا، لأن وضع إيران لا يسمَح بتطبيقه، ويُمكن لأصحاب الثروات الذين يحتفِظون بقِسم من ثرواتهم في إيران، أن يُفلِتوا من القانون، أما في الخليج فسيُطبَّق".
خياران.. أحلاهما مُـر
لكن السؤال كيف سيُطبَّق؟ يرُدّ الخاطر على هذا السؤال بقوله "كل شخص سيقوم بحساباته الخاصة. فإذا كانت المبالغ كبيرة، سيكون صعبا عليه عدم التخلّي عن الجنسية (الأمريكية)، خصوصا أن البلدان الأخرى كالبلدان الأوروبية مثلا، لا تأخذ منك ضرائب عندما تكون حامِلا لجنسيتها، ومُقيما خارج أراضيها، إلا إذا عُدْت إلى الإقامة فيها".
أما حامِل الجنسية الأمريكية، يضيف: "فيدفع الضرائب أينما كان، وبالتالي، من الصَّعب عليه، نفسِيا وماليا، الاحتفاظ بالجنسية الأمريكية. لكن هذا الحل، أي اللجوء إلى جنسية أخرى، لا يحلّ المشكلة، لأن القانون الأمريكي صعْب، وقد يفرِض عليك دفْع الضرائب بين فترة الحصول على الجنسية والتخلّي عنها. وأعرف حالات كثيرة، منها سيدة كانت متهرّبة من الضرائب، ولما مسكوها دفعت كل المستحقّات... فأفلست".
وتابع "أما إذا وجد المعني بالأمر طريقة للتخلّي عن الجنسية الأمريكية من دون وصول معلومات عن دخله وثروته إلى السلطات الأمريكية، فهذا مَخرَج ممكن. لكن الثابت، أن سلطات الضرائب الأمريكية ستسعى الآن إلى حمْل دافعي الضرائب على سَداد المتأخِّرات عن السنوات الماضية، وقد يكون هذا دافِعا لكثير من الناس للتخلّي عن الجنسية الأمريكية في أسرع وقت مُمكن، لتحاشي دفع الضرائب". وهكذا، فأمام المُستثمر خياران، إما تسديد المتأخِّرات أو دفع الضرائب مُستقبلا، فالأمر يعتمِد على كيفية تنفيذ القرار من قِبل الأمريكيين، لكن من خلال الخِبرة بطريقتهم، أعتقد أنهم سيُتابعون كل دولار، وقد يفرضون عِقابا على المتهرِّبين.
وفي الماضي، كان هناك خِلاف مع حوالي 50 ألف شخص وتوصّلوا إلى اتِّفاق مع الأمريكيين، يقضي بإعفائهم من العقوبات مع دفع الضرائب المتخلِفة. لكن الآن، بعد فتح البنوك السويسرية أمام المشرع الأمريكي، بات من الوارد أن تكون هناك عقوبات إلى جانب دفْع كل الضرائب المتأخِّرة، بعد الاتفاق مع البنوك السويسرية".
وأوضح الخاطر أنه "من دون وجود معلومات عن سنوات التأخير، من الصّعب معرِفة الآثار السلبية على مجموعة الأثرياء ممّن يحمِلون الجنسية الأمريكية أو البطاقة الخضراء، وستكون هناك لحظات غيْر سعيدة لكثير من الناس، وقد يلجأ الأثرياء في العالم والمِنطقة، لرفع دعاوى قضائية على البنوك، خاصة في ضوء طبيعة فتح الحسابات. فإذا كان العقد ينُصّ على السرية مثلا، يمكنهم أن يرفعوا دعاوى قضائية ويُمكن أن يسترجِعوا أموالهم، وهذا أثَـر سلبي في كل الحالات.
أما عن الأثر المتوقّع على البنوك السويسرية، فيتكهَّـن الخاطر بأن يكون الأثَـر السّلبي محدودا عليها، إذا ما استمر النظام المصرفي في سويسرا مُتمسِّكا بعدم إفشاء الأسْرار المصرفية. ويتوقع أيضا أن تكون هناك ردّة فعل لدى الأثرياء الخليجيين، فينقلوا حساباتهم إلى سنغافورة مثلا، وقد يكون هذا الحل، أي الانتقال إلى الملاذات الآمنة، أحد الخيارات المتاحة.
ألف مليار دولار سنويا
قدّرت منظمة "أفاس"، وهي إحدى الجمعيات الشهيرة العاملة في مجال مكافحة التهرّب الجبائي، حجم المبالغ الموضوعة في الملاذات الجبائية الآمنة، بألف مليار دولار سنويا، مؤكِّدة أن هذا المبلغ يُساهم في تعميق العَجْز في مُوازنات الدول وتمويل الجريمة المُنظَّمة.
وتلعب المُنظمات غيْر الحكومية، دورا بارزا ونشِطا في مكافحة غسيل الأموال والتهرّب الضريبي والشركات الوهمية، ومن تلك المنظمات "غلوبل ويتنس" Global Witness، التي يُديرها غافين هايمانGavin Hayman والذي اتّهم الولايات المتحدة في تصريحات أدلى بها على هامِش قمة الثمان، بكونها تستضيف أكبَر تجمّع للشركات الوهْمية في منطقة ديليوار Delawar.
طيّ حِـقبة السر المصرفي؟
وعن سؤال حول الملاذات الآسيوية، ومنها سنغافورة التي ستَطالها أيضا الذِّراع الأمريكية الطويلة، فأجاب بأن "الأثر الأهَم للفاتكا في النهاية، هو طيّ حِقبة السِرّ المصرفي. فقد أصبحت تلك المرحلة في عِداد الماضي ولم يعُد العالم يحتمِلها في زمن مثل هذا، طغت فيه شبَكة المعلومات وصار الاقتصاد العالمي واحدا، وبالتالي، بات من الصعب على أية مؤسسة أو بلد أن يبقى خارج المنظومة القانونية العالمية. فنحن اليوم، لم نعُد نتحدّث عن قرية كونية، وإنما عن سوق واحدة، فالنَّأي بالنفس عن بقِية العالم، لم يعُد خِيارا، ولذلك، من المفروض أن تعمل البنوك العالمية وإدارة الأصول والثروات الخاصة، على أساس أن البيئة الاستثمارية أصبَحت شفّافة".
وختم بقوله "الخِيار الآخر، هو أن تتِم العمليات من خلال تجمّع شركات trust، فلا تعود هناك حاجة إلى البِطاقة الخضراء، فتقوم بجميع العمليات عبْر ذلك التجمّع وتدفع ضرائب على عمليات البيْع والشراء وعلى الأرباح، لكن لا تَطًالك السلطات الأمريكية ولا أصحاب المُطالبات، ولهذا السبب، سيعود الناس إلى "تروست"، لأن البديل يُعرِّضهم لملاحقات قانونية، وإلغاء السِرّ المصرفي، سيجعل المطالبات تأتيهم من كلّ الجهات".
مواقع النشر