فجّر الاقتصاد الأمريكي مفاجأة سارة للرئيس باراك أوباما وفريقه الاقتصادي بتسجيله نمواً بلغ 4.1% للفصل الثالث من هذه السنة، وهي الأعلى منذ نهاية 2011، وثاني أعلى نسبة منذ تولي أوباما الحكم مطلع 2009، ودفعت تقارير النمو الصادرة عن "مكتب التحليلات الاقتصادية" التابع للحكومة الفيديرالية،
سوق الأسهم الأمريكية إلى الارتفاع إلى مستويات قياسية، وترافق ذلك مع مؤشرات اقتصادية إيجابية أخرى، مثل تلك التي أشارت إلى أن نسبة البطالة انخفضت في 27 من أصل الولايات الخمسين، فيما تجمع التوقعات على مزيد من الانخفاض في نسبة البطالة على مستوى البلاد ككل إلى ما تحت نسبة 7% التي تسجلها حالياً،،
كل هذه التقارير الإيجابية دفعت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد إلى القول إن الصندوق سيعيد النظر في نسبة النمو المتوقعة للاقتصاد الأمريكي للعام المقبل، والتي يقدرها حالياً بـ2.5%.
وأوضحت أن النهوض الاقتصادي الأمريكي سينعكس إيجاباً على الاقتصاد العالمي، لكنها لم تحدد نسبة التوقع الجديدة للاقتصاد الأمريكي للعام المقبل. واعتبرت غالبية الخبراء أن "الرقم السحري" المرجو لنمو الاقتصاد الأمريكي هو 3%، وأن تحقيق نمو بهذه النسبة أو أكثر قد يشير إلى أنه عاد إلى النمو في شكل طبيعي لأول مرة منذ الأزمة المالية منتصف أيلول (سبتمبر) 2008.
بالنسبة لأوباما، فإن "الأخبار الجيدة" تكمن في أن النمو الذي يتحقق اليوم يأتي فيما دأبت الحكومة الفيديرالية، على مدى العامين الماضيين، على عصر النفقات وتقليص العجز، ما من شأنه نظرياً أن يؤدي إلى انكماش اقتصادي، أو أن يؤثر سلباً في النمو. أما النمو الأمريكي الحالي الذي يأتي في خضم تقشف الحكومة، فيعني أن الاقتصاد يتعافى فعلاً، وأن النمو يقوده القطاع الخاص، بصرف النظر عن مستويات الإنفاق الحكومي.
وترافقت التقارير عن نسبة النمو المرتفعة للفصل الثالث من هذه السنة مع أخرى أشارت إلى نمو في الصادرات، فاق النمو في الواردات، ما أدى إلى تقلص في العجز التجاري وتحسن في ميزان المدفوعات. وأشارت التقارير إلى عودة المستهلك الأمريكي إلى شهيته السابقة في الإنفاق، مع العلم أن الإنفاق الاستهلاكي يشكّل أكثر من ثلثي الناتج. الاقتصادي الأمريكي سنوياً.
وعلى رغم التقشف الحكومي، إلا أن النمو الاقتصادي خلق ثقة لدى الأمريكيين عموماً، والاحتياط الفيديرالي خصوصاً الذي أعلن نيته بدء الإنهاء التدريجي لبرنامج شراء السندات وضخ السيولة النقدية في الأسواق بمعدل 85 بليون دولار شهرياً. وكانت تلميحات مسؤولي الفيديرالي حول إنهاء هذا البرنامج في الماضي أدت إلى زعزعة الثقة وإلى هبوط في أسواق المال. إلا أن معدلات النمو الحالية صارت تفسح المجال للاحتياط الفيديرالي بإنهاء البرنامج تدريجاً من دون الخوف على مصير سوق الأسهم، أو على عملية التعافي التي كانت متأرجحة حتى الأمس القريب.
لكن طريق أوباما إلى دخول نادي الرؤساء الأمريكيين الذين يذكرهم التاريخ بسبب النمو الاقتصادي والبحبوحة في عهودهم لا يزال طويلاً ومعقداً، فأوباما حتى الآن ما زال الرئيس الذي شهدت البلد في خمس سنوات من حكمه أدنى مستويات نمو اقتصادي منذ عهد الرئيس الراحل هاري ترومان، إذ بالكاد بلغ معدل النمو في زمن أوباما 1.6%، أدنى حتى من معدل مستوى النمو الاقتصادي في زمن سلفه جورج بوش، والذي بلغ 1.7% بين 2000 و 2008.
ويتصدر الرئيس الراحل جون كينيدي ونائبه وخلفه ليندون جونسون الرؤساء الذين شهد الاقتصاد الأمريكي أعلى نسبة نمو في عهدهم منذ الحرب العالمية الثانية، إذ بلغت 5.2%، تلاه بيل كلينتون بمعدل نمو بلغ 3.7%، فجيمي كارتر بـ3.4%، فرونالد ريغان بـ3.3%، فريتشارد نيكسون ونائبه وخلفه جيرالد فورد بـ2.7 %، فدوايت آيزنهاور بـ2.3 %. وفي نادي الرؤساء الذين لم يبلغ معدل النمو في حكمهم الـ 2% جورج بوش الأب بـ1.9%، وترومان بـ1.8%، وبوش الابن بـ1.7%. وما زالت أمام أوباما فرصة لتحسين صورته، فأمامه ثلاث سنوات، أو 12 فصلاً، وإذا صحت التوقعات واستمر معدل النمو بنسبة 3% أو أكثر، يمكن معدل أوباما أن يرتفع من 1.6 حالياً إلى 2.1 % مستقبلاً، وهو ما من شأنه إخراجه من نادي الرؤساء ذوي الأداء الاقتصادي المزري
أما على أرض الواقع، فنسبة نمو بمعدل 3% من شأنها أن تخالف نظريات عدة قدمها اقتصاديون تشير إلى أن النمو ينخفض بنسبة 1% عقداً بعد عقد، وأنه انخفض من 4% في الثمانينات، إلى 3 في التسعينات، فـ2% في العقد الماضي، ثم إلى حوالي 1.5% منذ وصول أوباما إلى الحكم.
النمو الأمريكي أعادت بعض الثقة إلى الأمريكيين وحكومتهم، وقلصت الإحباط الذي أصابهم بسبب ما تصوره البعض نهاية قوتهم الاقتصادية وصعود قوى أخرى حول العالم منذ عام 2008 "إياكم أن تراهنوا ضد الولايات المتحدة"، هو القول المعروف لثاني أغنى رجل أمريكي البليونير المعروف وارن الذي حقق معظم ثروته من نجاحه في قراءة الأسواق المالية ومضاربته فيها.
اخبار السوق - شركة CMS-TRADER
مواقع النشر