اهــــ(الأحداث)ــــم

• طلب الكثير من الأعضاء إعادة تنشيط صندوق المحادثات • • تداول خسارة 139.27 نقطة عند 11,791.18 • بيع 100 مليون سهم الاتصالات • • القمة العربية الإسلامية • وقف عدوان اسرائيل • انهاء ازمة فلسطين
صفحة 8 من 8 الأولىالأولى ... 678
النتائج 71 إلى 73 من 73
  1. #71

    افتراضي

    الحلقة الثامنة والستون

    كان لي في تلك البناية ذكريات لا تنسى ..
    خاصة برفقة الأخوين الكريمين أحمد وسعود..
    مرت علينا فيها ساعات ألذ من الشهد..
    ومرت علينا فيها مواقف عصيبة كما هي الحياة.. دوما لكن ذكرياتها العطرة أكثر وعبيرها في النفس أبقى
    إن التأقلم مع الحياة الجديدة وفي جو جديد يحتاج لصبر ومثابرة..
    حاولنا جميعا أن نتناسى ما مضى ونبدأ حياتنا الجديدة وبهمة ونشاط
    أذكر أن أول شيء عانينا منه هو الاستيقاظ لصلاة الفجر!!
    هذا هو الواقع!!
    حينما كان يؤذن الريس وهو لقب مؤذن الجامع الكبير..
    كانت سماعات المسجد ترن في آذاننا فيقوم الطلاب جميعا..
    حيث أوصلت لمنائر السكن سماعات أمر شيخنا بوضعها ..
    فلا يبقى لأحد حجة على فوات الصبح..
    بل كان الشيخ رحمه الله إن رأى وهو في طريقة للمسجد .. نافذة مضاءة وظن أن أحدا غرفته ولم ينزل للصلاة
    يصعد إليه فيضرب عليه الباب ليوقظه للصلاة ..
    وكم مرة فوجئت بقرع الباب فأجد الشيخ أمامي!!
    فلا تهاون عند الشيخ في ذلك..
    أما هنا فالوضع مختلف!!
    يؤذن مؤذننا بارك الله فيه بصوت لا تكاد تسمعه..
    وكان رجلا مسنا ..
    ونحن غالبا نسهر للمذاكرة كعادة الطلبة..
    ومن المعيب أمام الله ثم عباده أن يظهر طلبة العلم أمام الناس
    بأنهم أكسل الناس عن صلاة الفجر ..
    اسمحوا لي أن اروي لكم إحدى معاناتي مع المنبهات..
    اشتريت لسكني الجديد منبها فكسرته مرارا وأنا نائم لا أشعر!!
    كانت تصيبني كآبة حينما استيقظ بعد خروج الناس من المسجد..
    وتزيد كآبتي حينما أرى شيخنا في الظهر فيقول لم أرك فجر اليوم!!
    فأرخي رأسي حياء وأخبره أنني نمت عن الصلاة!!
    فيعرض الشيخ عني معاتبا لتكرر ذلك مني!!
    كان الأخ سعود في أول الأمر أخفنا نوما ولكنه رجل حيي يطرق الباب بأدب ثم ينصرف.
    فلا يغني ذلك عني شيئا..
    وليته خلع الباب وأيقظني فلا ألومه..
    حينما تكررت الحال ..
    ذهبت لمحل الساعات فقلت للعامل..
    أعطني منبها قويا يصدر صوتا مزعجا !!
    كان رجلا لبيبا فيما يظهر..
    قال : أكيد عندك مشكلة في النوم !!
    عندي لك ساعة ممتازة تصدر صوت مزعج وإغلاق المنبه يحتاج لشخص مستيقظ!!
    يعني ماذا ؟؟
    قال : جرب وسترى!!
    نقدته 120 ريالا!!
    وأخذت ذلك المنبه السحري..
    حينما رن فجرا قبل الأذان أصدر صوتا مهولا يذكرك بجرس المدارس ..
    قفزت من فراشي وبحثت عن مكان الإغلاق في المنبه فلم أجده !!
    بقي المنبه يصم أذني وظننت أن الجدار سيسقط من صوته حتى هممت أن أرطمها به لتلحق صاحباتها!!
    ولكنني استيقظت وهذا هو القصد!!
    ذهبت للعامل ضحى وقلت له : كيف أغلق هذه الساعة يا رجل؟؟
    ضحك وقال: هنا وأشار لموضع الإغلاق حيث صنعت الشركة موضعا تحتاج لمعاناة ومشقة بضغط عدة أزرار وعلى كل فقد انتشرت ويعرفها من يعاني مثل معاناتي حينها!!
    يقولون إذا كثر المساس قل الإحساس ..
    بعد مدة اعتدت على صوت جرس تلك الساعة بحيث أنني لم أعد استيقظ على صوتها المروع !!
    فمن أين لي بساعة أخرى!!
    جلست مع سعود وأحمد وقلت لهما أنا عجزت في أمري رجاء ابحثوا لي عن حل ..؟؟
    فاشتكيا أنهما صارا يعانيان مثل معاناتي وبأنهما بسبب السهر والبرد تفوت عليهما الصلاة مرارا ..
    قررنا في تلك الليلة أن نربط الساعة بحبل فوق مروحة الغرفة!!
    ونجرب ذلك فمن يستيقظ أولا يوقظ الآخرين !!
    في اليوم التالي سمعت جلبة في الغرفة المجاورة
    فدخلت على جيراني
    فرأيت سعود وأحمد يقفزان كالمجانين كل يريد الوصول لتلك الساعة
    الرهيبة ليغلق صوتها الذي يصم الآذآن!!
    لا أنسى أبدا منظرهما المضحك وهما يصرخان ويولولان ..
    حتى انزلاها ..
    وقالا لي :خذ ساعتك هذه لا نريد أن نراها مرة أخرى ..!!
    سامحوني إخوتي فقصة الساعة والاستيقاظ تلك وجدتها ملقاة بالذاكرة أحببت
    ذكرها ليقرأها أبنائي ومن قد يهتم ..!!
    أذكر مرة أنني في الطائف قبل أن انتقل للقصيم أنني طلبت من إحدى
    أخواتي أن تربط يدي بالطاولة حتى لا أغلق المنبه الذي بجواري ..
    ظنتني جننت ولكنها أذعنت لطلبي..
    فنجحت تلك الفكرة لأيام قبل أن اكسر الطاولة!!
    وهذه حيلتي تلك الأيام والله المستعان على زمن الطاعة والتعبد!!
    وضعنا لنا سعود وأحمد وأنا
    برنامجا صارما في الدراسة ..
    كل بحسب رغبته وتوجهه وطريقته في التعلم ..
    أخونا احمد كان يجلس وقتا طويلا بمسجد الجعيفيري المجاور..
    يراجع محفوظاته وهو محب للعزلة من طبعه..
    وحصل محفوظات جيده ..
    وسعود انشغل بدراسته وكتبه وجامعته حيث كان طالبا بجامعة الإمام..
    وأنا أكملت برامجي التي اعتدت عليها وبحوثي
    كان اللقاء بيننا تقريبا على الطعام وجلسات بسيطة غير منظمة..
    لكن نبتت بيننا لحمة ومودة كبيرة نمت مع الأيام..
    ولا تخلوا أبدا من الخلاف والنزاع والهجر أحيانا !!
    وقد كنا جميعا في مقتبل العمر والحياة تجارب ولكن يعلم الله أنني أكن
    للأخوين سعود واحمد من المحبة والمودة مالا يمحوه الدهر ..
    وأحن لتلك الساعات والأيام كما تحن الأم على ولدها ..
    فسقى الله تلك الليالي والأيام..
    ومصدر الخلاف إن وجد فهو تافه ولا يذكر بوزن الآن..
    كانت تدور بيننا نقاشات علمية ومحاورات قد تتطور حتى تصل حد الخصومة..!!
    وهكذا هو جو طلبة العلم المستجدين حوار ونقاشات ..
    فيعود أحدنا لمراجعه وينقب عما يؤيد رأيه وفي اليوم التالي يلقي كل بما عنده فلا نصل لنتيجة ..
    فيبقى الواحد مخاصما لصاحبه لماذا لم يتبع رأيي!!
    كنا أغرارا وقليلو الخبرة وهكذا الحياة لا تتعلم منها سوى بعد فوات الأوان!!
    أذكر مرة أنه زار الأخ سعود أحد طلبة العلم في شقتنا ولم أكن اعرف الرجل من قبل وفي تلك الأيام انتشر في الأسواق كتاب للشيخ الألباني أثار ضجة هائلة بين طلبة العلم ..
    حول حكم تارك الصلاة..
    و كنت قد دونت بحثا أتعصب فيه لرأي شيخنا المشهور في المسألة وهو الحق الذي لا شك فيه عندي
    وتتبعت فيه أدلة الشيخ الألباني رحمه الله..
    ودونت تعليقات عليها وملاحظات ..
    فكنت مستوعبا للمسألة ومدركا لكثيرا من تفصيلاتها ..
    وكأني لمحت من الطالب ذلك انه يميل لرأي الألباني..
    وكان سعود محتفيا به فهو ضيفه ويعرف حدتي فلا يريد أن يفتح بابا للنقاش والذي يعرف حق المعرفة خاتمته..
    ولكنني اندفعت عليه وأخذت أسرد عليه من النصوص والشواهد والحجج ما جعله بتلجلج ويخرج من المجلس مغضبا ..
    فأخذ سعود في نفسه علي وقال لي: يا أخي ليس هذا وقته!!
    ومع ذلك فلم تكن تلك المواقف البسيطة والتافهة لتؤثر في حياتنا فلدينا
    من الذكريات والجلسات المفيدة والمواقف الحميدة ما لا يكاد يحصر
    لم يكن الأخ سعود وأحمد معتادان على الخلطة بالشيخ ..
    ولقد كنت خير سبيل لهما في ذلك ..
    كان شيخنا رحمه الله يدخل شقتنا في الشهر مرارا..
    وكان يدعونا دوما لبيته إن جاءه ضيف ..
    وكم عادنا إن مرض أحدنا وبعث لنا من طعامه وهداياه وصلاته التي لم تنقطع فقد عدنا جيرانه من وجهين ..
    جيرانه في بيته القديم والذي عاش فيه اغلب عمره ..
    وجيرانه في بيته الحديث والواقع في نهاية الشارع ..
    في إحدى زيارت الشيخ للشقة قلت له :ارغب يا شيخ في شراء وسائد
    لكي نتكيء عليها من برد الجدران وإن جاءنا ضيف تجملنا معه!!
    فقال : ليس هذا بضرورة !!
    ويكفيك أن تضع قماشا أو شيئا خلف ظهرك وبذلك تتكيء عليه!!
    رحمه الله ما أبسطه وأزهده بزخارف الحياة..
    ولكنه في النهاية سمح لي بشرائها !!
    ولم تمر شهور بعد ذلك حتى بدلنا المكان فصار يأتينا الزوار ويقولون لنا..
    كأنكم لستم بعزاب !!
    يتبع إن شاء الله



    !!!

  2. #72

    افتراضي

    الحلقة التاسعة والستون

    المواقف كثيرة فدعونا نحكي ما يعجل بالحكاية ويوصلنا لنهايتها على لا يدخل الملل على القراء الكرام..
    وقد يكون بعضكم يرغب أن أفصل أكثر وأن أجعلها كأنها مذكرات يومية ولكن هيهات..
    دون ذلك تنقطع الأعناق فوالله ما أدونه هنا يسقط من رأسي دون أن ارجع لشيء مكتوب ..
    فلا يلومني لائم في تقدم بعض الأمور وتأخر البعض فهذه حيلتي والله المستعان..
    اتسعت مكتبتنا يوما بعد يوم وهذا ما سهل علينا معاناة التنقل للمكتبة والبحث في المراجع..
    كنا نجتمع والإخوة الأفاضل سعود وأحمد في المكتبة فنراجع ويقرأ كل كتابه أو يراجع حفظه أو يدون بحثه ..
    ما أحلى تلك اللحظات الدافئة حينما نستيقظ في الصباح الباكر وخاصة في الإجازات فنشغل المدافيء في برد عنيزة القارص وينكب احدنا على كتابه فيغرق فيه فلا يرفع رأسه حتى أذان الظهر!!
    ونحن والله لا نشعر بالملل ..
    وليس ذلك بالدائم على كل حال !!
    فمراحل الفتور والضعف لا بد منها ..
    لا أنسى تلك الوجبات الدافئة من طعام الحنيني !!
    وهو من الوجبات الشعبية في القصيم والتي كنا نشتريها من المحلات وهي مغلفة وجاهزة..
    فنطبخها على موقد كهربائي متواضع فلنتهم تلك العجينة المخلوطة بالتمر والزبد والقشط فتعطيك الطاقة وتذهب الجوع وتشعرك بالدفئ ..
    فتبقى شبعان نشطا طوال نهارك!!
    أما عن أوقات الفراغ وما اقلها فكنا نقظيها سويا في زيارة المزارع المحيطة بعنيزة وما أكثرها فكنا نتنزه ونسير بين النخيل الباسقة والظلال الوارفة ..
    ذهبنا مرارا لمزرعة الشيخ عبد الله الجلالي والتي هي مفتوحة لكل من يريد دخولها..
    فنسبح في بركتها الكبيرة ..
    خرجنا في رحلات بسيطة واستأجرنا سيارة جيب سوزوكي!!
    أو كنا نستعير من أحد الإخوة سيارته فنخرج لصحراء عنيزة فنطعس فيها فلا تسل عن تطعيس أهل الحجاز في نجد!!
    لم تكن حياتنا تسير على رتابة واحدة فنحن بشر ..
    نعيش في جد وهو غالب شاننا والحمد لله ..
    ونخلطه بالهزل والاسترواح أحيانا ..
    كنت قرأت عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله انه كان يقول عن نفسه كنت أقرأ في تفسير الآية مائة تفسير فربما عسر علي من فهما فأخرج وأسير في المزارع أو قال في الطرقات وادخل المساجد المهجورة أو القديمة وأتمرغ في ترابها وابكي وأقول: يا معلم آدم علمني ويا مفهم سليمان فهمني..
    ولقد فعلتها مرارا كما كان يفعل الشيخ حيث كانت تضيق علي بعض المسائل ..
    فيفتح الله علي بذلك فتحا عظيما والحمد لله ..
    ولقد سألت شيخنا رحمه الله عن معنى قول الشيخ : مائة تفسير ..
    فقال : يقصد شيخ الإسلام مائة تفسير بمعنى مائة قول ..
    فمن المستبعد أن يقصد الشيخ مائة كتاب في الآية الواحدة فهذا ما يستحيل تخيله .. وهذا نظير قول العلماء عن حفظ الإمام أحمد انه حفظ ألف ألف حديث !!!
    فالمقصود هو الروايات والأسانيد لا عدد النصوص المروية ..
    والله اعلم ..
    زارنا في تلك الشقة المتواضعة إخوة كرام بقيت ذكراهم العطرة في الذاكرة حتى يومي هذا ..
    منهم الشيخ الفاضل مصطفى العدوي بارك الله فيه ولي مع هذا الرجل مواقف جميلة سأذكرها في حينها إن شاء الله ..
    ممن كان يعودنا دوما جارنا إمام المسجد الأخ عبد العزيز السليم وكم سمعته مرارا يقول للأخ سعود وأحمد : هل تأتي امرأة للمنزل فتنظفه لكم؟؟
    لما يراه من ترتيب وتنظيم فيها لم يعهده من العزاب!!
    هذه شهادة ..
    كنت مدمنا للبحث العلمي وقد شجعني شيخنا على ذلك بل كان يكلفني تقريبا كل يوم بكتابة بحث بسيط عن مسألة ثم يقرأ بحثي وقد يعلق عليه ويشرح..
    وخصوصا تخريج الأحاديث ..
    سمعته مرارا وقد قالها علنا في دروسه ..
    أنه ندم على عدم اشتغاله بعلم الحديث حيث لم يكن في نجد في تلك الفترة أي اهتمام يذكر بهذا العلم العظيم ..
    كنت اجلس في تخريج الحديث الواحد وجمع رواياته وأسانيده والحكم على كل سند ورجل وطبقة فأبقى اليوم واليومين حتى اسلم البحث للشيخ فيقرأه ثم يعلق عليه بالكتابة أو شفهيا فيقول : لا ،زده بحثا أو هذا يكفي أو نحو ذلك ..
    وكم كنت أغتبط حينما يعلق بالقبول على ما قلته ويؤكد ما توصلت إليه والحمد لله ..
    خير من استعنت به من طلبة الشيخ في هذا المجال هو الأخ زياد النشيري
    وهو شاب جمع الله مكتبة حديثية لا يوجد على ما أظن مثيلا لها في عنيزة بين طلبة العلم..
    كنت أعوده في غرفته الباردة دائما في السكن!!
    أو في عزبته الجديدة فيفتح لي مكتبته بارك الله فيه فأقلب مراجعها واستعين به إن فرغ فأجد بغيتي عنده ..
    كان الأخ زياد يتعجب مني أحيانا حينما يراني أكاد اقفز من الفرح حينما احصل بغيتي بعد عناء ومشقة !!
    شعرت مرارا أنا والأخ سعود وأحمد بضعفنا الكبير في جمع فقه الإمام احمد..
    حيث أننا نرغب في معرفة المذهب على الخصوص ..
    كنا ندرس لدى شيخنا رحمه الله فقه الإمام أحمد في الزاد ولكن يختلط علينا أحيانا مذهبه بالمذاهب الأخرى ..
    فحاولنا أن نجد طريقة لدراسته على انفراد على احد مشائخ عنيزة المعتبرين..
    قام الأخوين الكريمين بزيارات ومحاولات مع احد شيوخ عنيزة
    وهو الشيخ محمد بن عثمان القاضي ..
    وهو من تلاميذ الشيخ ابن سعدي ومن تلاميذ شيخنا أيضا .. ولكنه اعتذر ورفض!!
    وقال : لا أستطيع..
    وكم زرناه وتوددنا له ولكنه أصر بالرفض..
    ولعله ظننا غير جادين في المسألة ..
    كانت قضية ضبط المذهب لوحده أمنية لي لم تتحقق حتى هذه اللحظات والله المستعان ..
    رغم ما حصلته من علم شيخنا من شرح الزاد فهو خير والحمد لله ..
    في تلك السنة أو التي تليها ..
    حدث حفل السنة ..
    حيث أعلن في بريدة عن قرب تخريج عدد من طلبة العلم الذين حفظوا الكتب الستة !!
    حينما سمعت من طلبة العلم ممن يذهب لبريدة عن ذلك البرنامج ظننته مبالغة ..!!
    قلت في نفسي : البلوغ أو العمدة أما الكتب الستة فمن سيحفظه في هذا الزمن!!
    سوى ما سمعته عن الشيخ عبد الله الدويش رحمه الله .. فهو فريد زمانه.. هذا ما اعتقدته..
    أعلن عن حفل السنة قبل أسبوع ..
    وتسامع الناس بذلك ..
    وأذكر أن الحفل كان يوم ثلاثاء..
    قبل الحفل بيوم أو يومين قيل لشيخنا في الدرس : يوم الثلاثاء ليس هناك
    درس أليس كذلك ؟؟
    قال : ولم ؟
    قيل : حفل السنة!!
    قال الشيخ : لم ادع له!!
    وجم الطلاب وشعرت بخيبة في نفسي والله من هذا التصرف الغريب..
    فقد سمعنا من الاستعدادات لهذا الحفل والدعوات التي وجهت للعلماء
    الكبار في أقطار العالم وعلى رأسهم سماحة الشيخ ابن باز وغيره من جلة
    العلماء ثم نفا جيء أن الشيخ ابن عثمين لم يدع !!
    على كل الموضع له قصة سأحكيها بتفصيلها في الحلقة القادمة
    يتبع إن شاء الله..


    هذا آخر ما كُتب .. وقد كتبه يرحمه الله بتاريخ ( 29-11-2005 07:28 )


    المصدر :
    منتدى أنا المسلم
    http://www.muslm.net/vb/showthread.php?t=135394

    الساحات
    http://alsaha2.fares.net/sahat?230@4...TZ.0@.1dd7b296



    !!!

  3. #73

    افتراضي

    ملحق

    ( في وداع والدي أبي محمد رحمه الله )

    http://saaid.net/gesah/158.htm




    بسم الله الرحمن الرحيم
    قبل عدة شهور..
    كنت أتنزه على شاطئ البحر
    حيث تهب الرياح القادمة من الساحل متناغمة مع موج البحر الدافئ ..
    كنت حينها منغمسا في همومي وأحزاني ..
    فقد بلغ بي الحنين لطفلي الصغيرين معاذ وحنان وأمهما ..
    اللذان يبعدان عني آلاف الأميال..مبلغا عظيما..
    لقد كان القهر والغيظ يكوياني لعجزي عن الوصول إليهم..
    وزاد الأمر سؤا فقدي لعزيز على قلبي..
    إنه والدي عليه سحائب الرحمة والغفران..
    الذي قتل في حادث مأساوي .. بين ..مكة والطائف
    ألا ما أضعف الإنسان..
    لو شق صدري في ذلك اليوم لما وسع الناس ما فيه من أسقام وأوجاع..
    هذا ما كنت أظن طبعا!!
    كنت في تلك اللحظة وأنا أراقب غياب الشمس..
    أتأمل البحر..
    خطرت لي حينها فكرة غريبة:
    ياترى لو ألقيت نفسي في هذا البحر المخيف..
    المليء بالظلمات والمهالك..
    وسبحت عددا من الأميال..
    حتى أجد سفينة تحملني للبلاد التي يعيش فيها أبنائي..!!
    هل سأنجو؟
    كم من القصص الخيالية قرأت!!
    والتي ينجو فيها البطل بمغامرة جنونية..!!
    لا تلوموني فقد كدت أجن بل جننت فعلا!!!
    لقد بلغ بي التيه و الاشتياق أن فكرت في الأمر جديا..!!!
    وما منعني من ذلك والاستغراق في نسج الخطة سوى أن لمعت لي في تلك اللحظة...
    قارورة تخفق في الماء علوا وهبوطا...
    كنت أراها من بعيد ..
    لم أبالي بها كثيرا في أول الأمر..
    لكن وفي أقل من لمحة،شاهدت شيئا مميزا في هذه القارورة..
    حمسني ذلك وألهاني عن جنوني!!!
    لمحت أنها مغلقة بإحكام..!!!
    ولفت بشريط حريري جميل..!!
    وطويت بشكل بديع في قماش جميل للغاية يبهر النظر..
    يميل إلى البياض المشرب بحمرة..
    لفتت نظري وألهبت مشاعري وظننت في تلك القارورة الظنون..!!!
    فلربما حوت كنزا ..!!
    أو أي شيء يدور في مخيلة شخص مثلي..
    سرت بمحاذاة الشاطئ محاولا الإمساك بها
    اقتربت منها ،لكن لم أجرؤ أن أمد يدي لسحبها فالماء عميق ومخيف..
    استمرت المطاردة برهة من الزمن..
    وأخيرا أمسكت بها وقد حشرت في جدار صخري..
    رفعتها وكان الظلام قد هبط تقريبا..
    سمعت إقامة الصلاة للمغرب..
    ذهبت للمسجد وصليت المغرب مع الجماعة..
    كنت في صلاتي أفكر في تلك القارورة وقد فعل في عقلي خنزب الأفاعيل..!!!
    بعد سلام الإمام وانصراف الناس..
    خطرت في رأسي خاطره...
    ماذا لو كانت هذه الزجاجة عقدة سحر !!
    ماذا لو كان في القارورة شرا ينتظرني!!

    ..

    أصابتني هذه الفكرة برهبة حقيقية..
    وما يدريني ما هي النتائج إن كانت هذه القارورة تحوي عفريتا أو شيطانا مريدا أو!!!
    وبعد تفكير بسيط عزمت على اكتشاف سر هذه القارورة السحرية وليكن ما يكن..
    لقد بلغ بي اليأس حدا جعلني لا أبالي بأي شيء..
    وهكذا الإنسان إذا مسه الشر يؤسا..
    انتظرت قليلا حتى يخرج المصلون من المسجد..
    وحين اطمأننت..
    فتلت الشريط..
    نزعت القماش الحريري..
    يا الله...
    ما أبرد ملمسه وأنعمه..
    أدرت الغطاء ..
    فاحت من القارورة رائحة زكية..
    لم أشم عطرا كهذا في الدنيا أبدا..
    لا والله ما هذه الرائحة برائحة دنيا!!
    عجيب !!
    ما هذه الخزعبلات!!
    أخاطب نفسي..!!!
    من شدة شوقي لما في داخل القارورة هممت بتكسيرها استعجالا لما قد يكون فيها..
    هززتها مقلوبة ..
    بالكاد تستطيع النظر لما في داخلها..
    ويا لخيبة أملي..
    لقد كانت شبه فارغة..
    سوى من صحائف رقيقة طويت بإحكام.. وحشيت بطريقة لطيفة بداخل القنينة..
    أصبت بخيبة أمل لأني بلغ بي الطمع البشري حدوده..
    وما عساني أن أحلم بغير الدرهم والدينار.. !!!
    عانيت في استخراج الأوراق المطوية...
    استعنت بقلمي لأخرجها..
    آه..!!
    كانت الرائحة الزكية تصدر من تلك الأوراق..إذا!!
    ذكرتني تلك الرائحة بريح المسك والكافور الذي يوضع على الميت..
    سبحان الله..!!
    إن ذكرياتي في تلك الأيام لا تنقطع عن الموت وما يتعلق به.!!
    والظاهر أن ذلك من نتائج الفجيعة بفقد والدي العزيز....
    فهي مرحلة تصيب المكلومين..
    ومن ذا يعز علي أكثر من والدي رحمه الله
    ووالدتي أطال الله عمرها على الطاعة ورزقني برها..
    لقد قام المغسل كما هي السنة بإحضار الكافور والسدر المدقوق..
    ليخلطهما بالماء الذي يغسل به الميت..
    كنت حينها واقفا على رأس أبي عليه رحمة الله..
    أساعد المغسل في تغسيل والدي ..
    كانت الغرفة مليئة برائحة الموت الزكية!!!
    وحدث أن صارت كلما فاحت رائحة عطر من أي كان..
    تذكرني بتلك العطور التي وضعت على أبي..
    دعونا من الموت الآن..!!
    ما سر هذه الأوراق..؟؟
    وما سر هذه القارورة..؟؟
    حين استخرجت لفافة الأوراق..
    اتكأت على جدار المسجد وفتحتها ..
    لم يبد عليها أنها مكثت كثيرا بداخل القارورة..
    ولم يظهر عليها أثر رطوبة أبدا..!!
    واضح أنها ألقيت في البحر قبل زمن قريب..
    في أعلى الصفحة الأولى.. وبعبارة واضحة كالشمس!!!
    وأنا أحملق فيها !!
    لقد بهت وصدمت حينما رأيت المكتوب..:
    تسلم هذه الصحيفة لأبنائي..
    صالح وعبد المحسن ومازن ووليد ومحمد وأم شهد وأم هشام وأم باسل ورباب..!!!
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...!!!!!
    قفزت من شدة الهول..!!!!
    ارتعبت ..!!!
    وقفت الدماء في عروقي..!!!
    غلا دماغي خوفا ورعبا !!!
    صعقت صرخت ياالهي..
    ..بسم الله الرحمن الرحيم..
    ما هذا الذي أرى؟؟
    هذه أسماء إخوتي وأخواتي!!!!
    رميت تلك الأوراق من يدي..
    زحفت للخلف وأنا التفت يمينا وشمالا ..
    ياترى هل يراني من احد فيظنني مختلا في داخل المسجد..!!!
    أصابتني رجفة وارتعاد..
    بقيت شارد الذهن لفترة من الزمن..
    ماذا سأفعل..
    هل أنا أحلم ..
    رفعت يدي نظرت إليها نفخت فيها..
    بصقت على يساري ثلاث
    بعثرت شعر رأسي..
    كل شيء حولي يدل على الحقيقة..!!!
    ياللهول ما هذه الرسالة ؟؟
    من كتبها؟؟
    ولماذا وجدتها أنا في البحر؟؟
    ولماذا كتب تسلم لأبنائي؟؟؟
    أبي قد مات من شهر..
    وأمي بالكاد تكتب..
    وجدي قد خرف..
    من هو ..؟؟
    من كاتب هذه الرسالة؟؟
    آلاف التساؤلات مرت كلمح البصر على ذهني..
    رقرقت عيناي .. بالدموع..
    بكيت ...
    تذكرت والدي..
    ما أصعب أن يفقد الإنسان عزيزا فجأة بلا مقدمات..
    لم أحزن على فقد أحد كما حزنت عليه..
    لقد خطفت المنية والدي أحمد من بيننا .. خطفا..
    كما تسرق الحدأة فريستها من على مائدة الطعام..
    هكذا .. بلا مقدمات..
    ولا إنذار..
    حينما نقل إلي خبر الحادث ظننت انه لم يمت ..
    حيث لم يشأ الناقل أن يفجعني..
    قلت في نفسي ..
    سألقى والدي وأقول له.. بصدق..
    لا طعم للحياة من بعدك يابو محمد..
    اقتربت بحذر من تلك الأوراق.. المبعثرة..
    عزمت على اكتشاف السر الغامض..
    استجمعت قواي..
    وقلت في نفسي ..هه..
    وما ضرني!!!
    فأنا منذ شهور وأنا أتلقى الأخبار المحزنة والكوارث حتى ..
    أصبح قلبي حجرا لا مكان للحزن فيه..
    حزنت وحزنت حتى لم يعد للحزن معنى!!!
    يقول كاتب تلك الأوراق..
    إلى أبنائي الأعزاء..
    أنا والدكم أحمد بن محمد الغامدي ..
    قد توفاني الله تعالى في الثالث من شهر ذي الحجة ..
    وذلك بعد غروب الشمس يوم الجمعة..
    بعد أن صليت صلاة المغرب والعشاء قصرا وجمعا ..
    وذلك في جبل الهدا في الطائف ..
    برفقة ابنتي الحبيبة رباب ..
    اكتب لكم هذه الرسالة أيها الأبناء وأنا بعيد عنكم..
    بعيد عنكم بعدا لا يوصفه مقياس ..
    فأنا الآن في دار البرزخ ..!!!
    حيث يكون الميت في دار انتقال للآخرة..
    بل بدأت آخرته حقا..
    إنني أعيش في حفرة مظلمة لا رفيق لي فيها ولا أنيس..
    إلا ما قدمت لنفسي.. من عمل صالح..
    لا أدري هل ستصدقون أن والدكم يكتب لكم بعد موته..!!!
    لا ألومكم يا أبنائي..
    لم يسبق لكم أن مررتم بمثل هذه التجربة الغريبة..
    وما من ميت مثلي خلف أولادا في سنكم وحالكم...
    إلا ويتمنى أن يفعل ما أفعله ..
    إنها آهات يا أبنائي..
    إنها كلمات أردت أن أخطها لكم بقلمي ..
    وابعثها لكم لتستفيدوا منها..
    وتعتبروا بما فيها..
    إن آخر واحد منكم رأيته هي ابنتي الصغيرة رباب..
    أتذكرين يارباب ..
    أتذكرين ياعصفورتي الصغيرة..
    حينما نظرت إليك قبل لحظات من الوداع..
    أتذكرين تقاسيم وجه أبيك..
    لقد أردت ياحبيبتي أن أقول لك كلمة ..
    أردت أن أحملك رسالة..
    ولكني أشفقت عليك..
    أن أحمل جسمك الضعيف ..
    أمرا ثقيلا تعجز عنه الجبال!!!
    ولكن..
    لقد كفاني يارباب تلك الضمة الأخيرة ..
    ضممتك لصدري لأشم عبيرك يابنتي ..
    لقد مضت مشيئة الله أن أرحل من دونك ...
    ثم حصل ما حصل من قدر الله..
    أتعلمين يابنتي.. الصغيرة..
    أنني بعد الحادث لم أمت مباشرة..
    لقد استيقظت بعد لحظات بسيطة من الحادث..
    كان كل همي أن أراك.. والله
    وأطمأن عليك..
    زحفت متثاقلا وأنا الكهل ابن الستين سنه...
    وقد انفلق رأسي..
    وسالت دماء جسدي النحيل من حولي..
    لقد أيقنت ياصغيرتي أنها النهاية..
    لقد زحفت يارباب أبحث عنك ..
    حاولت يابنتي أن أصل إليك..
    أردت أن اسبق الزمن إليك ولكن هيهات هيهات..
    وقف ملك الموت على رأسي..
    شامخا كالطود العظيم..
    أشار إلي إشارة فهمتها وقال لي..
    كفى ياأبا محمد كفى أيها الرجل الصالح..
    إنه أمر الله..!!
    نظرت إليه بنظرة توسل..
    ولمن حوله من ملائكة الرحمة..
    الذين امتدت منهم الطرقات مد البصر ..
    أي والله هذا ما رآه أباك ياعزيزتي..
    توسلت إليه قائلا..
    أيها الملك الصالح..
    أيها الملك الصالح..
    إنها ابنتي..
    نظرة واحدة تكفيني لأطمأن عليها..!!
    نظرة واحدة..؟؟
    ضمة واحدة.. أرجوك..؟؟
    طأطأ برأسه وقال...
    يا أبا محمد .. إنني عبد مأمور.. ولا راد لأمر الله...
    الحمد لله على قدره ..
    سمعت صوتك يارباب ، سمعت استغاثاتك..
    أبي، أبي ،أبي...
    لم استطع إجابتك يابنتي فقد كنت أنازع الروح...
    أحاطت بي ملائكة الرحمة ..
    فخرجت روحي من جسدي.. كما يخرج الماء من في السقاء..
    وداعا يابنتي العزيزة وليرعاك الله ويحفظك ويجعلك من الصالحات العفيفات..
    أيها الأبناء ..
    لكم تمنيت أن يزيدني رب الجلالة في العمر ساعة أو ساعتين ..
    لأعود إليكم واجتمع بكم .. للحظات..
    لحظات أو دقائق.. فقط!!
    لتشفي شوقي وألمي لفراقكم المفاجئ...
    أردت أن أعود إليكم لأقول لكم وداعا ، وداعا..
    لأمسح رؤوس..أحفادي..
    لأوزع ابتسامات صادقة لأبنائي..
    لأهمس في أذن كل واحد منكم بتوصيات تصلح أمر دينه ودنياه..
    آه ..آه ما أشد مرارتي ..
    اشتقت لأم محمد..
    زوجتي الغالية..
    رفيقة دربي لأربعين سنة..
    آه يا أم محمد ..
    أنا أدرى الناس بك وبحزنك على فراقي..
    أدرك كم تجدين من وجد علي وهذا والله حالي معك..
    ياأختاه لقد تعذبت بألم فراقك كما تتعذبين..
    ولكن صبرا فإن موعدنا الجنة إن شاء الله..
    لو كنت أعلم في تلك اللحظة حينما جلستي أمامي..
    قبل ساعة أو أقل من رحيلي من هذه الدنيا..
    ووضعت يديك على ركبتي ...
    حينما قلتي لي..
    أنا لا أذهب بغير إذنك يابو محمد..
    لو كنت اعلم بقدر الله تعالى ..لضممتك كما يضم الشاب الغر صبيته...
    أتذكرين يا أم محمد ..
    كم عشنا في هذه الحياة حلوها ومرها..
    في الطائف والباحة والرياض وجده ..
    قصص لا تنسى وذكريات تتعطر بها المجالس..
    لن تحرمي منها أبنائنا وأحفادنا..
    حدثيهم ولو قدر لي لحدثتهم عنك ..
    أحدثهم عن صبرك وتحملك ..
    أحدثهم عن أربعين خريفا مرت بذكريات عطرة ..
    لا يعلم خباياها سوانا بعد الله عز وجل..
    وأنت يازوجتي الأخرى..
    يامن كنت تنتظريني في جده..
    رحمتك والله وشفقت عليك..
    اسأل الله تعالى أن يعوضك خيرا مما أخذ منك..
    أريد يا أبنائي لو استطعت..
    أن أزوركم في مجلسنا المعتاد..
    اجتمع بكم في صالة بيتي في مدينة الطائف في مخطط السحيلي..
    الذي لم يعد بيتي بعد اليوم..!!!
    أتذكرون يا أبنائي والدكم ذلك الشيخ الكهل الذي اشتعل رأسه شيبا..
    أتذكرون..أباكم..
    حينما يدخل عليكم في صالة البيت..
    أو أجلس أمام دكة جارنا سعيد القحطاني مع الأحباب والأصحاب من أترابي..
    أو حينما أحمل الفول والتميس كل صباح من الدكان برفقة هشام أو يزيد..
    أو حينما أرجع بعد صلاة الظهر محملا بالجرائد وأنا مرهق تعبان..
    أتذكرون جلسات العصر اليومية وشرب القهوة والشاي..
    صدقوني..
    لا معنى لتلك اللحظات في حينها ولكنها الآن ...
    نار تحترق في فؤادي..
    إنني أتمنى أن تعود تلك اللحظات لمرة واحدة..
    لمرة واحدة فقط..
    لأرى شمل العائلة حين يجتمع..
    أريد أن أقبلكم واحتضنكم واحدا واحدا..
    كبيركم وصغيركم..
    كلكم في نظري صغار.. ولو كان عمر الواحد منكم أربعين سنه..
    اشتقت لأحفادي ..
    يزيد حينما يجري في البيت ويلعب ..
    هشام رفيقي في روحاتي للبقالة ..
    إبراهيم وعبد الله رفاقي للمسجد..
    عبد الرحمن ذلك الولد الشقي..
    أسماء ولجين وجنا إنهن رياحيني في الدنيا..
    احمد وباسل وبسام ووليد وفارس..
    آه ما أعظم لوعتي ...
    إن أصعب اللحظات يا أبنائي أن يتمنى المرء شيئا يحبه..
    ولكنه يعجز عنه...
    لا أدري كيف ابدأ.. وماذا أقول..
    فمشاعري مضطربة للغاية ..
    والشوق يحدوني لأسجل آلاف الذكريات في هذه الرسالة..
    ولكن لن يسمح لي يابنائي سوى بتدوين بضع صفحات فقط..
    سأنجزها بأقل العبارات وأصدقها..
    أيها الأبناء الأعزاء:
    إن أول شيء أوصيكم به أن تتقو الله تعالى ..
    يا أبنائي إن من خبر ليس كمن سمع..!!
    ليس من يحدثكم وهو يرى كمن يحدثكم من كتاب ..
    يا أبنائي إن خير الزاد التقوى..
    إن خير حمل يحمله الإنسان في هذه الدنيا هي طاعة أو قربة للمولى جل وعلا..
    والله الذي لا إله سواه لحسنة واحدة لنا يا أبنائي وفي حالنا خير لنا من كل ما في الدني
    من بيوت وكنوز وقصور وسيارات فارهة وبنوك وسواه..
    صدقوني يا أبنائي لو كان لي من الأمر شيء وعدت للعمل لملأت الأرض صلاة وتسبيحا
    وقرءانا.. الحمد لله على ما قضى ويسر..
    إنني في غبن شديد على ساعات وأيام وشهور لم أقضها في شيء ينفعني يوم الدين ..
    ولكن العوض فيكم.. إن شاء الله
    لقد رأيت كيف ينفع عمل الولد والده..
    يا أبنائي نحن في الآخرة في حاجة للحسنة الواحدة
    بتسبيحية
    أو كلمة معروف
    أو ذكر أو صلاة.. وقراءة قرءان..
    يا أبنائي لو رأيتم ما رأيت لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا..
    لو رأيتم ما رأيت لما انتفعتم من الدنيا بشيء..
    لو رأيتم الدود والظلمة في القبر وما يمر به المؤمن من أهوال فكيف بالعاصي..
    أبنائي الأعزاء ...
    إن أول أمر أوصيكم به بعد تقوى الله هي الصلاة..
    إن الصلاة كالسور يحميك من النار..
    إنها الصلة التي تصلك بربك في الدنيا .. وتؤنسك في قبرك في الآخرة..
    أوصيكم يا أبنائي أن تحذروا من أمور
    أحذروا من ألسنتكم.. فإما أن تقولوا خيرا أو اصمتوا..
    أحذروا من آذانكم أن تسمعوا حراما أو تتجسسوا ..
    أحذروا من مال الحرام يا أبنائي ..
    الربا أموال الأيتام ، أموال الناس بالباطل .. مال الحرام كله .. الحذر الحذر من ذلك..
    أخيرا يا أحبابي ..
    أوصيكم أن تجتمعوا ولا تتفرقوا.. فإن الشيطان يجرؤ على من شذ ...
    ولا يقترب منكم مجتمعين...
    إنها مئات بل عشرات الوصايا الثمينة التي أعلم نفعها لكم إن شاء الله..
    أوصيكم بطاعة الله وتقديمها على طاعة كل البشر من عظم ومن احتقر..
    كما أن لي طلبا هو حق لي عليكم..
    لا تحرموني ياأولادي من عمل صالح بمالي الذي قد ملكتموه..
    لا تحرموني من دعوة صادقة يا أولادي..
    لا تحرموني من صدقاتكم وبركم ..
    فأنا والله كالغريق يبحث عن كل شيء ينقذه من الهلاك..
    أسأل الله تعالى أن يصلح حالي وحالكم وأن يهيئ لكم من أمركم رشدا..
    وأن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ..
    وأن يجعلني من ورثة جنة النعيم..

    أبوكم أحمد
    يعلم الله تعالى قدر تأثري من تلك الرسالة فقد انفجرت باكيا ما كتب فيها ..
    التف مجموعة من أهل المسجد حولي حينما سمعوا نحيبي ..
    أخذوا يهدؤون من روعي ويذكروني بالله..
    قم يا عبد الله
    قم وأنا أبوك
    قم قم بسم الله عليك
    ايش فيك تبكي.. !!!
    نظرت من حولي فإذا أمي فوق رأسي توقظني من النوم ..!!!
    لقد روعها بكائي .. فاستيقظت من نومها..
    وجاءت توقظني..!!
    قم ياولدي قم ..
    جلست ومسحت وجهي ..
    اجتمع حولي من استيقظ من نومه.. من الصبية والأخوات...
    لم اصدق ما يدور حولي..
    فقد كنت كالتائه..
    طلبت الماء ...
    وحينها ...
    رن جرس التلفون ..
    رفعت والدتي السماعة.. فهتف المتصل..
    السلام عليكم
    وعليكم السلام ..
    هل هذا منزل الأستاذ أحمد الغامدي..
    نعم تفضل..
    هل ولده (فلان ) موجود..؟؟
    نعم موجود ... من يبغاه؟؟
    معاكم إدارة المباحث في الطائف؟؟؟
    ارتعبت الوالدة وخافت ..فشعر المتحدث بذلك.. فقال لها...
    لا تقلقي يا أختي القضية أن مكتب الأمير محمد بن نايف يبحث عن ابنك في موضوع ...
    انتهى الفصل الأول..
    في وداع والدي أبي محمد الفصل الثاني
    تعصف بالإنسان كثير من المشاكل..
    وقل في هذه الدنيا من سلم منها..
    وقد كان لي منها بحمد الله حظ وافر..!!!
    فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه..
    لقد سمعت كثيرا بالأمير محمد بن نايف..
    وأذكر أنني سمعت به لأول مرة على لسان أحد مشائخنا عليه رحمة الله..
    فقد سمعته يثني عليه مرارا..
    وقد خدمني هذا الشاب عن طريق شيخنا المذكور في قضية سابقة..
    وفي قضيتي هذه حدثت مواقف لي أذكرها من باب التحدث بالنعم ..
    ومن باب تفريغ شحنات القهر والغيض !!

    قصتي هذه وقعت أحداثها قبل أكثر من عام ..
    وذلك أن جواز سفري غرق جزء منه في حوض علاج طبيعي .. في دولة ما!!!
    قمت بتنشيفه بقدر المستطاع ..
    ولكن يظهر أنه بتعرضه للهواء مع الرطوبة أصبحت أوراقه مبعثرة وتلفت النظر!!
    وبشكل طبيعي وبسبب هيئتي وجنسيتي أوقعني حال الجواز..
    في مواقف أحرجتني في مطارات دولية ..
    فقد مررت تقريبا بالتحقيق في كل غرفة مطار أمر به ..!!
    وهذا لا شك أمر محرج ..
    وفي دخولي الأخير للملكة .. توجهت في اليوم التالي لجوازات مدينة الطائف..
    فأريتهم الجواز.. فاختلفت آراء الضباط...!!
    فمن قائل : يمكنك السفر به على هذا الحال!!
    ومن قائل : لو مررت بي في منفذ لما سمحت لك بالسفر!!

    حينها عزمت على تبديله..!!
    وليتني ما فعلت!!
    فإنه للأسف قد صور الموضوع على أنني..
    قد تعمدت محو بعض المعلومات المشبوهة من الجواز!!!
    ولا أدري بالضبط من هو العقل الجبار الذي لبس لي هذه التهمة الجيدة!!
    حاولت مرارا وتكرارا مع جوازات الطائف لأقنعهم بعدم مسئولية هذا الكلام..
    وأنه مبني على حجج فارغة .. وأنني إنسان معروف بسلامة الحال!!
    فلماذا ألبس ثوبا غير ثوبي!!
    طالت المسألة شهرا كاملا .. وحاولت مرارا وتكرارا أن أنفي ذلك بكل الطرق..
    أثبت لهم بالتحقيق أنه لم يحذف من الجواز ورقة واحدة أو معلومة واحدة..
    ولكن يظهر أن من حقق معي قد عزم على شيء الله حسيبه عليه..!!
    فبعد عدة مقابلات معه ..

    أدعى المذكور أن علي في ملفي الخاص ملاحظة أمنية !!!
    لم يفسر لي معنى هذه العبارة .. ولم يحلني على جهة تتحمل المسئولية..
    قال هذه أسرار ولا يمكن اطلاعك عليها!!
    علمت بأن القضية تعقدت وأن الموضوع خلط بقضية أخرى!!
    أشار علي أحد الإخوان بمقابلة الأمير محمد بن نايف..
    فهو معروف بين الناس بأنه لا يظلم عنده أحد !!
    وكم من مكروب كان سببا في تفريج كربته ..
    فأنا بعيد عن أولادي وزوجي .. وعملي خارج البلاد يتحتم علي سرعة الحضور..
    وهذا ما كان..
    توسطت عن طريق أحد المعارف للدخول على الأمير..
    وذلك في حياة الوالد عليه رحمه الله..قبل شهر رمضان عام 25 للهجرة..
    وجهني صاحبي لشخص سيخدمني وقد أوصاه بي خيرا..
    دخلت على ضابط برتبة مقدم ..
    استقبلني بوجه طلق..
    قلت له هل أنت فلان ..
    قال نعم....
    قلت له لقد روحني لك فلان لتدخلني على الأمير محمد بن نايف..
    قال : ونعم فيك وفيمن روحك ايش موضوعك؟
    أكيد زواج ؟؟أنتم المطاوعة تحبون الزواج؟؟
    قلت له لا, الموضوع هو الحصول على جواز...
    لا أدري هل فهم عبارتي أو لا ...
    ومع أنه قرأ الخطاب المعد إلا أنه كرر كلمة الزواج مرارا.. !!
    لقد كان همي حينها أن أحصل على الجواز .. فقط
    فقد مضى علي عنهم شهورا عدة وزوجتي على وشك الوضع..
    أذن علينا الظهر ..
    فخفت أن أتزحزح من مكاني للصلاة ..!!
    ثم لا استطيع الدخول مرة أخرى على الأمير..
    فقد رأيت من الزحام عند البوابة ما يجعلني أفكر بذلك حقا!!!
    كل هؤلاء جاءوا لمقابلة محمد بن نايف ..
    كهولا وشبابا ونساء وحتى أطفالا ومعاقين..
    علما أنه لا يقبل في الجلسة سوى ثمانين شخصا فقط في الأسبوع مرة واحد ة..!!
    وهو قليل للغاية لمجتمع كبير ومشاكله كثيرة!!
    وللأسف الواسطة مقدمة على الحاجة في كل أمورنا..
    على كل.. كان في الغرفة معي أربعة أشخاص وكلهم جاءوا بواسطة الضابط المذكور..
    تحرجنا جميعا أن نقوم لأجل الصلاة خوفا من أن تبدأ الجلسة أو أن يغيب الضابط..
    قال أحد الحضور وهو كبير في السن نحن جئنا من أماكن بعيده ونحن مسافرون ..
    فيجوز لنا الجمع..!!
    تنفست الصعداء ...
    وفرحت بهذه الحجة وأيدته فورا!!!
    انتظرنا حوالي الساعة نراقب الداخل والخارج..
    بعد ها نادى الضابط شخصا مدنيا وهمس في أذنه بكلمات..!!
    وقع في نفسي شك فلربما أراد الرجل تصريفنا وتحرج منا فقد كنا أربعة...
    قال لنا قوموا مع الأخ ..
    شكرته وودعته وأنا محتار..!!
    نزلنا من الدرج من الطابق الأول أو الثاني لا أذكر..
    لما وصلنا للأسفل أجلسنا مضيفنا الجديد على المقاعد المرصوصة في بهو الوزارة الفسيح..
    أخذت أتبادل النظرات مع أصحابي: هل ياترى عدنا من الصفر؟؟
    هل يجب أن نسجل مع المجموعات الهائلة؟؟
    حينما رأيتهم صامتين مطمئنين ارتحت وبردت أعصابي ..
    فالظاهر أنهم قد جربوا الأمر مرارا..
    شاهدت مئات البشر يصفون في صفوف غير منضبطة وفي أيديهم الملفات والأوراق..
    ويقف أمامهم ضباط لتسجيل الأسماء وتوزيع الأرقام..
    وكما قلت فالطلب كبير والمعروض نزر يسير..
    كنت أرى وأنا منهم طبعا!! كيف يتوسط الناس مع مسئولي المراسم..
    لمن جاء بواسطة فلان وفلان..
    وما أسهل أن يقول الضابط لمن يقف أمامه تعال الأسبوع الجاي!!
    طيب هل يعرف هذا المسئول من أين جاء هذا المسكين !!
    إن بعضهم يأتي من مئات الأميال .. من شمال المملكة وجنوبها..
    ويا ليت الأمر أنه يضمن مقابلة الأمير في الأسبوع التالي..
    بل يجب عليه أن يسجل من جديد..
    وقد يقابل الأمير وقد لا يقابله ..!!!
    وقد يعتذر الأمير من جلسة ذلك الأسبوع إلى أجل غير منظور!!
    إن هذا لشيء مؤسف والله ،فكم من صاحب حاجة ولا حيلة له..
    ولكن إذا لم يكن إلا الأسنة مركب فما حيلة المضطر إلا ركوبها..
    بعد لحظات تمركز مجموعة من حرس المراسم في مواقع محددة من البهو..
    بحيث لا يسمح لأحد من الناس بالمرور من تلك المراكز..
    وقد كنا نحن في وسط المنطقة ..
    ارتحت جدا وفرحت بالخصوصية التي نلتها بالواسطة..!!!
    والعلم بيد الله وحده فقد يكون ممن منعوا من هم أحوج مني آلاف المرات !!!
    ظننت في البداية أننا سنستقبل الأمير في البهو..
    ولقد خاب ظني طبعا فالذي أنا فيه هو البداية فقط ..
    فنظام البروتوكول معقد وفوضوي للغاية..!!
    كما هو حال شعبنا للأسف!!
    صرخ فينا ضابط وقال ادخلوا المجلس ..
    كانت الكراسي فاخرة للغاية ..
    وبطرفة عين امتلأت المقاعد..!!!
    ولم أجد مكانا للجلوس..
    كانت هناك عدة غرف جانبية تحيط بالمجلس الكبير ..
    وقد حشيت حشوا بالناس..
    ويظهر أن بعض الغرف هي لكبار الضيوف !! أظن هذا!!
    مرت أكثر من ساعة أو ساعتين تخللها توزيع مياه للشرب ..
    ومجلة لا أذكر اسمها لكن أتذكر عليها صورة الأمير نايف.. وزير الداخلية..
    وكنت كلما لا حظت حركة واضطرابا من الناس والعسكر أظن الأمير وصل..!!
    ولكن تمر الدقائق ثقيلة ولم يحضر أحد..
    بعد فترة من الزمن أمر الضباط مجموعة من الجلوس بالقيام والدخول في سيب صغير..
    وقد رصوا صفا واحدا بطريقة فيها شيء من الإهانة كما أشعر..
    كانت إضاءة السيب ضعيفة وفي طرفه الأيسر بوابة تدخل منها لمكتب يستقبل فيه الأمير
    الناس.. وكل دقيقة يمر ضابط ليتأكد من استواء الصفوف وانضباطها،
    فتراه يقدم ويؤخر وهو متنرفز بشكل واضح..!!
    ولا أدري لما النرفزة !!
    فالأمر أهون بكثير ولا يحتاج للقلق ..
    ثم إن من الناس الوقوف ،من هم من هو في مناصب يجب أن تحترم ..
    ففيهم الأكاديميون على أعلى التخصصات وشيوخ القبائل..
    وفيهم التجار والأثرياء ونحوهم..
    والواجب أن يحترم الإنسان مهما كان وضعه ..
    ولا شك أن حسن التدبير مما يضفي على الجلسة والأمير بهاء وتقديرا..
    أشغلت تفكيري حول البوابة التي سيأتي منها الأمير..!!
    وفعلا حيرتني ..!!
    على كل وأنا في حيرتي وتفكيري وطول الانتظار أخيرا..
    جاء الأمير..
    هو بشر مثل البشر !!!
    طويل متوسط الطويل معتدل البنية عليه سيما التهذيب واللطف !!
    مع صرامة لا تخفى على ناظر.. فهو بالتأكيد رجل أمن....!!
    لا تلوموني ياأخوتي على أوصافي فأنا صاحب حاجة ولا بد أن أتفرس فيه..!!
    جاء يمشي سريعا في حركته بشكل ملفت!!
    وهكذا الرجال الجادون !!
    وقف أمام صف المعاقين (وكانوا قليلا )في البهو الخارجي..
    استمع لكل واحد منهم وأخذ الأوراق وسلمها لشخص بجواره..
    ثم دلف علينا..
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
    هكذا حيانا الأمير..
    رددنا عليه السلام ثم دخل المكتب من البوابة الأمامية من المجلس..
    وفورا بدأ الناس في الدخول على الأمير..
    يستقبل الأمير الناس وهو واقف..
    وبعض المتكلمين يطيلون الحديث معه وبعضهم مثلي ..
    يقتله الحياء والمهابة من أن يطلب حاجته بشكل مرض..
    وعندما وصلت للسيب المظلم أمرنا العسكري بالجلوس ..
    واختار الأربعة الأوائل في الصف ليقفوا بجوار البوابة ..
    فالدخول يكون بمجموعات أربعة أربعة,, وهكذا ..
    كانت بخور العود يملأ المكان والظاهر أن هذا من عادة الأمراء..
    أن تبخر المجالس بحضورهم..
    حينما وقفت على الصف أصابتني قشعريرة ..
    فقد كنت أفكر في جواب الأمير ..
    وماذا سأقول له..
    ولم تمض دقيقة حتى صرت في الصف قريبا منه ..
    تحدث صاحبي الذي أمامي ..
    بالغ في السلام والكلام مع الأمير مما هو معروف ..
    ولا حظت أن الأمير يقرب أذنه بشكل مهذب للغاية للشخص المتحدث..
    ويتركه يتحدث وينصت له حتى ينتهي ثم ينظر في عيونه ويبتسم في وجهه..
    ويقول له: ابشر إن شاء الله تقضى حاجتك أو نحو هذا الكلام..
    ثم يلتفت الأمير لمن بجواره ويهمس في أذنه بكلام لا يسمع..
    ولكن المرافق..يدونه فورا في مذكرة بيده..
    وبعدها جاء دوري ، صافحت الأمير .. وحييته:
    السلام عليكم ورحمة الله..
    وعليكم السلام ورحمة الله .. تفضل ..
    قلت له أيها الأمير ..
    أنا قضيتي غريبة ، فمنذ شهور سحب جوازي مني لأنه غرق في ماء..
    وزوجتي وأطفالي خارج المملكة..
    وعملي خارج البلاد قد تأذى كثيرا بسبب عدم حصولي على الجواز.. الخ الكلام..
    قال هل هناك دولة تطلبك ؟؟
    قلت أبدا فقد راجعت عدة جهات أمنية من المباحث للداخلية للجوازات وكلهم أكدوا
    أن ملفي نظيف لا مرية فيه..
    وبشكل مفاجئ قاطعني الأمير وأمسك بكتفي وقال اصبر شوي!!
    وأخذ يهمس في أذن مرافقه !! والظاهر أنه تذكر شيئا بخصوص الشخص الذي قبلي

    فأراد أن يملي على صاحبه قبل أن ينسى..
    ثم التفت إلي وقال هل معلوماتك ورقم هاتفك مسجله على الخطاب..
    فقلت نعم ..
    قال لي ثق تماما سنتصل عليك..
    ثم ودعته وانصرفت!!
    لم تستغرق القضية دقائق!!
    لا أخفيكم أنني خرجت خائبا للغاية ..
    هل هذا كل شيء ؟؟ كل هذا الانتظار ثم ولا شيء !!
    سنتصل عليك!! فقط..
    خرجت من الداخلية وأنا منكس الرأس محبط حيران..
    ولكنني أعطيت نفسي أملا بما سمعت عن هذا الأمير ..من عدل وأنصاف للمظلوم!!
    ولكن هل يعلم الأمير محمد لوعتي وحناني وشفقتي لأهلي..؟؟
    لو اطلع الأمير على الغيب وهيهات أن يطلع لكان الأمر مختلفا ..
    ولكنه بشر .. لا بد له أن يتأكد من كلامي....!!
    وهكذا فسرت لنفسي وبررت لغيري لكي تخف الوطأة علي..!!
    مرت الأيام ثقيلة كالجبال..
    و دخل شهر الرحمة والمغفرة شهر رمضان ..
    في إحدى لياليه العطرة جاءني اتصال في الساعة الثانية فجرا..
    كان ذلك من صهري..
    يبشرني بقدوم المولود الجديد..
    صدقوني لقد فرحت وحزنت في آن واحد..
    فرحت بقدوم ابنتي وحزنت لبعدي عنهم ..
    إنها نعمة عظيمة لا يشعر بها إلا من فقدها رغما عنه...
    سمينا ابنتنا حنان أملا بالمولى جل وعلا أن يرحمنا ويلطف بنا..
    كنت أتحدث مع أهلي بالهاتف يوميا ..
    كنت أنفق أسبوعيا على المكالمات حوالي ألفين ريال..
    حتى أفلست أو أوشكت..
    اختلفت مع الجهة التي كنت اعمل معها ..
    ودخلنا معهم في مشاكل لا يعلم مداها إلا الله ..
    ومع أنني صاحب حق ومظلوم إلا أن مشكلة الجواز هي الفيصل..
    فأنا مقيد لا أستطيع السفر لبلد العمل لإحضار المستندات اللازمة.. التي تبرأ ساحتي.
    استغل بعضهم فرصة غيابي عن مكاتبي ليتلاعبوا بالأوراق والمستندات كيفما شاءوا..
    لم أشعر بطعم رمضان هذا العام للأسف..
    ولا يظن ظان أنني غر متصاب .. بل أنا والحمد لله رجل أصبر على الشدائد..
    ولكنها رحمة في قلبي على ضعافي وصبيتي .. والله المستعان..
    و في الأثر كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول..
    جاءني اتصال من مكتب الأمير وأخبروني برقم معاملتي ..
    وطلبي مني متابعتهم تلفونيا..
    صرت اتصل كل يومين ..
    والجواب منهم يقول: ما زالت قضيتك عند الأمير.. ولا إفادة حتى الساعة..
    استدعيت للمباحث في مدينة الطائف..!!
    ولم يسبق أن دعيت من إدارة المباحث مطلقا..
    قلقت في أول الأمر.. ولكن أين مفر؟؟؟
    فلا بد من الحضور..
    شعرت عائلتي في الطائف بقلق شديد وخاصة الوالد عليه رحمة الله..
    حرصت على تطمينهم وأن الأمر لا يتعدى الروتين..!!
    حينما تلقيت الاتصال من المباحث للحضور كان المتحدث معي ..
    شخصا لبقا ويظهر من نبرته الاحترام وسماحة النفس..
    كان ذلك من أسباب اطمئناني وزوال الرهبة من ذلك اللقاء..
    نزلت لمدينة الطائف ..
    في صباح ذلك اليوم اتصلت على زوجتي وأخبرتها بالحال !!
    جن جنونها فقد خشيت المسكينة علي وخشيت أنا أيضا أن يقبض علي!!
    قدمت للإدارة ..
    للأسف فإن الجنود الذين على باب الإدارة يتعاملون بجفاء كبير مع الناس..
    ولا ألومهم فثقافتهم ثقافة سطحية ..
    وتقدير الناس ومراعاة مشاعرهم لا وجود له في مبادئهم أصلا!!
    دخلت الاستقبال وطلبت الضابط المعني ..
    وبعد ثواني جاء اتصال للاستقبال على أثرها صعدت برفقة العسكري للطابق الثاني..
    لم تكن هذه الزيارة هي الأولى لي للمباحث.!!
    فقد سبق وان جئت بنفسي دون استدعاء مرتين وقابلت نائب مدير الإدارة..!!
    طلبت منه أن يفيدني عن وضعي الأمني؟؟
    قال لي : ألحين الناس تهرب منا وأنت تأتي طوعا تبحث في ملفك؟؟
    قلت له إن جوازي ممسوك بدعوى أن لدي ملاحظة أمنية!!
    صور أوراقي وطلب مني الحضور بعد أسبوع ..
    وفعلا جئته فأكد لي أنني سليم وبإمكاني الذهاب للجوازات لاستلام جوازي ..!!
    وطبعا هذا مالم يحدث..!!
    ولقد كررت ذلك مع مباحث عليشة في الرياض فكان الجواب مماثلا!!
    عندما وصلت للضابط ..
    استقبلني بوجه طلق...
    إنه رجل ، يكفي أن أسميه رجل ..
    قمة في الأخلاق والأدب..
    لقد محا الضابط المذكور بحسن تعامله ولطفه وكياسته معي كل صور الظلام والتعذيب
    والقهر.. التي سمعتها عن رجال المباحث ...
    إن الرجل بأدبه وبرفقه يصل لحاجته ومراده أسرع وأفضل وأصدق من طرق العنف..
    لقد تولد عن هذا اللقاء علاقة ودية بيني وبين هذا الرجل ما زالت حتى هذه اللحظة
    تتجاوز كل وظيفة ورتبة قيادية لتصبح أخوة وصداقة ورحمة وعاطفة..
    بارك الله في أبي وليد فهو رجل فعلا يمثل شعبنا الطيب الأمين الخلوق..
    لن احكي ما تم في اللقاء ولكن خرجنا بنتيجة مفادها..
    أن لا علاقة بالموضوع بالجواز ..
    ولكن يظهر لي وليسمح لي أخي فإنني استشفيت من الموضوع
    أن هناك وشاية جاءت عني وعن مجموعة من الإخوة من جهة معروفة..
    بالعداء للإسلام والسنة في المكان الذي كنت أعمل فيه..
    ولذا تم التحقيق لا للتأكد بل لتبريء ساحتي !!
    ولكن هل هذا سبب عدم صرف الجواز ؟؟ الله أعلم ..!!

    جاء العيد ولا عيد لي..
    كما قال المتنبي في سجنه:

    عيد بأية حال عدت ياعيدُ بما مضى أم لأمر فيه تجديدُ

    صار الخصيُّ إمام الآبقين بها فالحرُ مستعبدٌ والعبد معبود

    من علمَّ الأسود المخصي مكرمةً أقومهُ البيضُ أم آباؤه الصيدُ

    وذاك أن الفحولَ البيض عاجزة عن الجميلِ فكيف الخصيةُ السود
    جاء العيد وكنت أؤمل أن يأتيني اتصال قبله من الداخلية ليكون عيدي مع أهلي..
    فهاهي ستة شهور تمر كستة قرون..
    طلب مني الوالد كغير عادته رحمه الله أن أنزل لجدة لأستأجر استراحة للعائلة..
    تقضي فيها العائلة فترة العيد ..
    ولم يسبق أن استأجرت عائلتنا استراحة في العيد ..
    وكأن هذا إرهاصات لنا برحيل الوالد عليه رحمة الله..
    لقد شهدت أعيادا كثيرا مع عائلتي في صغري وبعد أن تزوجت وكبرت..
    والذي أوقن به أنني لم أرى والدي مسرورا فرحا مع أهله وأولاده كمثل أيام العيد هذه..
    لا أنسى أبدا ذلك المنظر الذي ترسخ في ذهني حين رأيت والدي ووالدتي ..
    والعائلة كلها والأطفال مجتمعين حول مسبح الاستراحة..
    اجتمعت ثلاثة أجيال في مكان واحد .. يجمع بينهم الفرح والسرور ..
    كان وجه الوالد متهللا فرحا طوال الأيام الثلاثة ..
    كانت تلمع في عينيه..دموع الفرح..!!
    وهل هناك سرور أعظم من سرور الوالد بولده !!
    وهل هناك شيء يسعد المرء أكثر من أن يرى أهله حوله سعداء مسرورين!!
    إذا لماذا شقي آباءنا علينا أليس من أجل أن تقر أعينهم بنا!!
    أظن الوالد حينما كان ينظر إليهم ساعتها يقول..

    الحمد لله الذي أقر عيني بكم..

    اللهم لك الحمد يا أرحم الرحمين..

    كانت الساعات حينها تمر كلحظات من حلاوتها..

    كانت النجوم زرقاء والسماء الصافية والرياح تهب بنسيم بارد عذب..

    الأطفال يجرون ، الفتيات يضربن بالدفوف، النساء يرقصن ويطربن بالمباح..

    والشباب يتسامرون في الهزل والحديث المنعش..!!

    كنا كأننا في ليالي عرس ..
    ولكن من ياترى عريسها ..
    لا شك أنه أبو محمد فهو عريس هذه الأيام إلى جنات الخلد إن شاء الله..
    لم يكشف القدر لنا حينها عن ستره الرقيق ..
    ولو انكشف لنا بعضه أو كله..
    لحول ليالينا إلى أتراح ...من قادم لا مفر منه..
    ولكنها رحمة الله بعباده الضعفاء..
    أن يخفي عنهم مالوا اطلعوا عليه لحول حياتهم لبؤس وشقاء..
    أي بؤس أعظم من فقد والد أو والدة أو ولد..
    اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الرحمين..
    عزمت العائلة أن تكون النزلة لجده سنوية ...
    وفي عيد الأضحى القادم ستنزل العائلة لنفس الإستراحة..
    ولكن هيهات هيهات !!
    فقد خطف الموت الوالد في اليوم الثالث من ذي الحجة
    حيث تحول عيدنا ميتما حزينا كئيبا والله المستعان...
    بعد انتهاء العيد وعودة الناس لأعمالهم
    قدمت للرياض لمقابلة الأمير محمد مرة أخرى..
    أتيت لصاحبنا المقدم فتكرم مشكورا ببعثي فورا للمراسم لتسجيلي..
    دخلت على الأمير ووقفت أمامه وقلت له بالحرف الواحد:
    ياأبا نايف إني عاجز عن الكلام..
    لمح الشاب الأمير في عيني الحزن وفي نبرة صوتي اليأس فأمسك بيدي وقبضها !!
    وأخذ يقرأ في الخطاب المكتوب.. ثم نظر إلي وقال:
    وين تريد تروح ؟؟
    قلت لأهلي وعملي..
    قال أين؟؟

    قلت للبلد الفلاني.. وذكرته..
    احتار الأمير ما يقول لي فما عساه يقول !!
    ربت على كتفي وقال سأهتم بالموضوع!!
    حصلت في تلك الفترة قضايا عملية السيارة المفخخة التي فجرت عند الداخلية..
    علمت أن القوم لن يتفرغوا لقضية شخص مثلي فلديهم من المسئوليات ما هو أهم..
    زاد همي وإحباطي وضاقت علي أموري المادية سؤا حتى أصبحت أعيش على الديون..
    انتهى الفصل الثاني

    في وداع والدي أبي محمد الفصل الثالث..
    خطرت لي فكرة استحسنتها ولم أشاور فيها أحدا..
    وكان فيها نوع من التحدي والانفعال ...
    فقد كتبت مقالة في موقع الساحات..
    سخرت بما يشيع في دوائرنا الحكومية من فوضى إدارية ..
    ومنها الإدارة العامة للجوازات..
    ووضعت رقم هاتفي بعد أن حددت مشكلتي بشكل عام دون تفاصيل..
    أقفلت جهازي ونمت..!!
    وكان الوقت ضحى..
    لا شك أنني كنت قلقا ... وتوقعت أن لا يؤذن ظهر ذلك اليوم حتى
    تحيط بمنزلنا قوات الشرط و المباحث كما يحيط السور بالمعصم...
    استيقظت من النوم فوجدت رقم هاتف غريب.. على جوالي..!!
    اتصلت عليه فرد علي صوت أجش ..
    قال هل أنت فلان؟؟
    خفت وهممت أن أغلق السماعة ،قلت : نعم من يبغاه؟؟
    قال أنا من سكان المدينة وذكر اسمه وقبيلته..
    أخذ يدعو لي بالفرج ولم ينس الدعاء على من ظلمني..
    وأبدى استعداده لخدمتي ومخاطبة المسئولين ...الخ
    شكرته وأثنيت على موقفه وطلبت منه أن يترقب ولا يستعجل شيء..
    أقفلت السماعة بعد انتهاء المحادثة..
    انتظرت للعصر فلم يتصل أحد..
    انتظرت اليوم الأول و الثاني و الثالث حتى نسي الموضوع...!!
    حينها حكمت على الفكرة بالفشل على ضوء ما حدث..
    أما التجاوب في موقع الساحات فكان متواضعا بل شبه معدوم..
    وحسب علمي فإنه لم يسبق أن تعود الأخوة على مثل هذه المواضيع الشخصية..
    فقضايا الصالح العام لها جمهورها العريض...
    بينما القضايا الشخصية تعني صاحبها أولا وآخرا...
    بعثت عددا من البرقيات ، حوالي ست برقيات..
    ولم يتجاوب معي أحد..
    والظاهر أن السبب هو غموض القضية وعدم وضوح معالمها !!
    مسكين والله من لا حيلة له مثلي..
    لم يمر علي في حياتي أبدا ضيق وحرج كما حالي في تلك الأيام...
    شعرت بآلام مرض النقرس التي عادت لي بعد غياب طويل..
    راجعت المستشفيات وأشغلت بنفسي..
    قال لي الطبيب : الكلى لديك فيها ضعف في نشاطاتها..
    وأنت قاب قوسين أو أدنى من الفشل الكلوي..
    إنا لله وإنا إليه راجعون..
    طيب مالذي سأفعله؟؟
    في خضم هذه المشاكل ...
    حدثت الفاجعة الكبرى...
    والصاعقة القاتلة لما تبقى في من رمق حياة وأمل..!!
    دعوني أروي القصة كاملة..
    حصل أن طلبت من والدي أن يهبني عقارا لكي أرهنه فأحصل على سيولة مالية..
    وقد دخلت في مشروع إعلامي ..أعتبره قفزة في دنيا الإعلام الإسلامي لو تم..!!!
    وافق الوالد مشكورا على ذلك ..
    وفي اليوم الثالث من ذي الحجة ..
    اجتمعت بالوالد أنا وكل العائلة ..
    سوى من سافر لماليزيا للسياحة .. قبل عدة أيام...
    كانت الوالدة وأختي الكبرى أم شهد وأنا نتناقش مع الوالد حول موضوع الرهن..
    وحول المشاريع التي دخلتها ..
    لا شك أن الوالد سيقلق علي من غوائل الزمان وما أكثرها..
    أذكر جيدا جلسة الوالد ذلك اليوم ..
    كانت الجلسة حميمية وعاطفية للغاية ..
    وأذكر أن آخر كلمة قلتها له ( إذا تم الموضوع فأنت والدي ولو رفضت فأنت والدي)
    لم يكن الوالد راغبا في سفر الوالدة للباحة برفقتي للقيام بتقييم قيمة الأرض..
    ولكن بعد إلحاح وترج وافق على ذلك بشرط أن نرجع للبيت ..قبل ظهر اليوم التالي..
    نزلت لبيتي في الدور الأول وأحضرت إحدى الكاميرات الجديدة لمشروعي القادم..
    عرضتها عليه فحرك رأسه سرورا بما يرى..
    جلست الوالدة أمامه بعد أن لبست عبايتها وخمارها ..
    ووضعت يديها على ركبتي والدي ..
    لم اذكر أبدا أنني شاهدت الوالدة تفعل ذلك من قبل..
    داعبت لحيته بيدها وقالت له : أتأذن لي حقا بالذهاب؟؟
    والله ما ذهبت وأنت متكدر وغير راض إلا كان ذهابي مشقة وعنتا.. أو نحو هذا الكلام..
    كانت تلك هي نظرة الوداع..الأخيرة ..
    كانت آخر ابتسامة وآخرة نظرة بين الاثنين..
    ودعت الوالد وانصرفت عنه ..
    إنني أكتب هذه العبارات وكأني أنظر لكل شيء أمامي..
    نزلت للسيارة ..
    وانتظرت الوالدة .. فلم تتأخر ..
    وتوجهنا صوب مدينة الباحة ..
    كان ذلك قبل صلاة المغرب بنصف ساعة..
    عزمنا على تأخير الصلاة للعشاء جمع تأخير..
    الوالدة حفظها الله امرأة خمسينية ذربة اللسان..
    تطوف بك في السواليف والحكايات شرقا وغربا..
    وبما أننا ذاهبون لتقييم العقار فكان الحديث عن الإرث الذي ورثه ...
    والدي من جدتي مناسبا ..
    حدثتني والدتي عن مرض جدتي أم الوالد التي توفيت فيه وأنا عمري ثلاثة شهور..
    حيث اتصلت العمة بوالدي الذي كان مديرا لمدرسة في الطائف..
    ويسكن في داخل هذه المدرسة حينها هو وعائلته!!
    ولا تستغربوا أيها القراء الكرام فهذه حقيقة..
    وقد أخبرتني الوالدة بأنني ولدت بهذه المدرسة..
    حينما بلغ الوالد بمرض الجده توجه فورا لمدينة الباحة لقرية اسمها الكرا..
    وتقع شمال شرق الباحة على يسار الذاهب لمطار الباحة الإقليمي..
    عرف الوالد بصعوبة وضع أمه ..
    فقرر نقلها لمستشفى الملك فيصل في الطائف ..
    كانت في شبه غيبوبة وتأن تحت ثقل المرض ..
    وصلوا للطائف برفقة أمه وأخته الشقيقة وكانت أمي بانتظارهم بالطائف..
    حينما استيقظت الجدة من غيبوبتها ..
    سألت عن والدي !!
    فجاء من فوره..
    قالت اتجه الآن ياولدي للباحة وأحضر صكوك العقارات !!
    وأصرت وألحت بأن ينطلق من فوره ..!!
    فقد كانت تخشى أن تسرق أو أن تؤخذ من البيت بغير علم أبي..
    كانت الجدة امرأة حازمة ووالدي لا يعصي لها أمرا أبدا..
    توجه الوالد للباحة وأحضر ما طلبته أمه ووصل في الليل متأخرا متعبا..
    حينما عاد أعدت الوالدة الشاي للوالد ليتنشط به من السفر..
    ولكن حارس العنبر طلب من الوالد الخروج لانتهاء فترة الزيارة ..
    بقيت الوالدة مع الجدة وكنت أنا ثالثهما أما رابعنا فهو ضيف كريم..!!
    إنه ملك الموت عليه السلام!!
    طلبت الجدة من أمي أن تفرق لها شعرها فرقتين وتدهن رأسها..
    لأنها تشعر بصداع شديد وما كانت تعلم بأن ذلك من عوارض الموت..
    تمددت جدتي واتكأت بظهرها على أمي وأخذت أمي تمشطها..
    صمتت جدتي برهة من الزمان ، وسقطت يداها على الأرض..
    صاحت بها الوالدة .. يافلانه يافلانه..
    لم ترد عليها..
    وفجأة فتحت الجدة عينيها و قالت جدتي بعد أن مدت يديها كأنها ترى أحدا..
    تعال يابني تعال ياصالح..تعال ياحبيبي!!
    وصالح هذا أحد أبناءها الذين توفو في عمر السبع سنوات تقريبا..
    ثم رفعت اصبعها وهزته برفق تريد التشهد، وتشهدت ثم فاضت روحها..
    هذا ملخص ما حدثتني به الوالدة ..
    وأما والدي فإنه حين مغادرتي مع الوالدة للباحة ..
    خرج بعدنا بدقائق وتوجه مع أختي الصغيرة رباب..
    تحدثني رباب تقول:
    كان الوالد يمازحها ويضاحكها طوال الطريق ..
    وكنت أريد أحدثه في أمور كثيرة تعنيني..
    ولكنني حينما رأيته مسرورا يمزح كرهت أن أبدل مزاجه الطيب..
    لم تكن تعلم المسكينة سر هذا المزاج الطيب ..!!
    حينما وصلا لجبل الهدى توقف والدي في الصندقة المعدة للصلاة التي في أعلى الجبل ..
    وتأكد من مصلى النساء فنزلا للصلاة ..
    وقال لها : صلي المغرب والعشاء فربما لا نعيش يابنتي!!!
    سبحان الله !! هل يعلم الميت بدنو أجله..
    هل يبلغ بشيء الله أعلم..
    غير أني لا حظت في والدي إقبالا على العبادة في الشهور الأخيرة بما لا عهد لي به..
    وتقول أختي وهي رفيقته في عدة سفرات :
    لم تكن عادته أن يجمع الصلاة في السفر..
    بل كان يحرص أن يصلي كل صلاة لوقتها في المسجد أينما وجد...
    يحدثني شخص زارني للعزاء يقول:
    قبل أسبوعين هرب شخص من الشقق المفروشة التابعة لوالدكم ..
    ولم يدفع أجرة الشقق...
    فقلت له يابو محمد عندك رقم جوال الرجل اتصل عليه وبلغ عنه الشرطة..
    قال الوالد لا، دعه فسوف استرجعها منه يوم الدين فأنا سأحتاجها قريبا..!!
    قرأت في كتاب التذكرة للقرطبي ،عن أثر أن الله تعالى إذا أراد بعبده خيرا وكل له
    ملك ينشطه للطاعة قبل موته ثم يقبضه على الطاعة.. والله أعلم.
    كان الوالد مع كبر سنه يسرع في قيادة السيارة..
    فلقد انطلق بسرعة تفوق المائة وستين في الطريق السريع بين الطائف ومكة..
    وفجأة ظهرت له سيارة في وسط الخط شبه متوقفة..
    ويظهر أنها خرجت من فرجة وسط الطريق...
    وقد أنكر ضابط المرور ذلك .. ولكن أختي أكدته وشاهدت السيارة..
    على كل حصل أن تنبه الوالد لتلك السيارة ..
    فأدار المقود للجهة اليمني لتنحرف المركبة بسرعة قاطعة الطريق من طرفيه...
    حينها صرخت الفتاة وسقطت في تجويف السيارة أسفل المقاعد..
    وهي من نوع الفرت الدفع الرباعي...
    تشاغل الوالد بابنته فقد أيقن بالكارثة ..
    جذبها نحوه وضمها لصدره وارتمى عليها.. ليحميها..
    سقطت السيارة في الوادي وتقلبت أربع قلبات أو أكثر..
    تمزقت السيارة فصارت شذر مذر..
    وضرب سقفها الحديدي من جهة الأخت على رأس الوالد ..
    كانت الضربة تلك هي القاتلة ..
    أما أختي ففقدت الوعي .. ولم تشعر سوى أنها ببطن الوادي فوق شجرة طلح..
    على بعد يتجاوز الخمسين مترا تقريبا.. حيث نفحتها قوة استدارة السيارة في الهواء..
    وحصل ما حصل مما ذكرته سابقا... والله المستعان..
    كانت تلك الأحداث المؤلمة تدور رحاها في طريق الطائف مكة..
    وأنا والوالدة نتحدث عن الوالد وأمه...!! وبره بها وكيفية موتها..
    تصادف عجيب .. !!!
    تزاحم الناس كالعادة على مكان الحادث..
    جاء ضابط شهم من قبيلة عتيبة ...
    ومنع المتطفلين من الوصول للفتاة .. حيث لم تعلم بموت الوالد.. حينها..
    قال أحد العسكر هل الميت يقرب للفتاة ؟؟
    فصاحت البنت وولولت..
    فقال لها الضابط : ليس أبوك يا أختي إنه الشخص في السيارة الثانية..
    والدك نقلناه للمستشفى وستلحقينه قريبا ..
    لقد قام هذا الشاب النبيل بجمع كل ما تناثر من نقود وذهب ومستندات ..
    لأكثر من ساعتين من بعد الحادث..
    وسلمها كما هي لي بغير نقصان.. بعد عدة أيام فجزاه الله خيرا..
    حين وصولي لمدينة الباحة ... أدركت العشاء في المسجد..
    وبعد الصلاة توجهت للسوق لشراء هدايا للأقارب..
    وحينها اتصل علي ابن العمة...!!!
    كنت فرحا باتصاله على غير عادته !!
    قال لي أين أنت ؟
    قلت له الآن وصلت للباحة..
    قال والدك أصيب بحادث وأختك بخير وهو بخير ويجب عليك الحضور!!
    لم أسمع مثل هذه العبارة من قبل !! أو أن عقلي من هول كلامه لم يدركها..!!
    طلبته يكرر ما قاله كأنني أبله..!!
    وحين أدركت معاني عباراته قذفت بما في يدي من حاجيات..
    وحين رأيت الوالدة في السيارة .. ترددت!!
    وقفت أنظر إليها من خلف السيارة!!
    ماذا عساني أقول لها؟؟
    ما هي العبارات المناسبة لموقف مخيف كهذا!!؟؟
    اقتربت من النافذة وانحنيت كالمسكين حينما ينكسر للسؤال...
    ونظرت في عينيها وقلت لها بصوت خافت وهادئ..
    يامه أبي صار عليه حادث لازم نرجع للطائف !!
    ايش؟ ما فهمت ايش تقول!! تتعتعت قليلا ثم تماسكت وقالت:
    كيف أبوك ياولدي؟؟ ووينه؟؟ وأختك؟؟ عشرات العبارات انطلقت منها..
    قلت لها لا أدري خلينا نرجع ونشوف...
    استدرت بالسيارة فورا لرحلة العودة..
    لمن يعرف طريق الجنوب في الليل فهو خطير للغاية ومليء بالدواب..
    ومع ذلك فقد أسرعت بشكل جنوني لألحق بأبي محمد..
    وما كنت أدري حينها أن الحبيب قد وضع رحاله في دار غير دارنا والله المستعان..
    خلال الطريق لم تتوقف الاتصالات بيني وبين إخوتي..
    فلقد خرجت العائلة عن بكرة أبيها حبا لهذا الرجل ..
    ولم يكن يعلم أحد بوفاته قبل وصولنا..
    اتصلت في الطريق على جميع مستشفيات مكة المعروفة لي ..
    رابني ..إفادة الممرض بنقل الوالد لمستشفى الششه وأختي لمستشفى النور..!!
    لماذا فرقوهما؟؟ قالوا لعدم وجود أسرة بسبب الحج..!!
    كانت بعض الاتصالات من الأقارب مزعجة..
    حيث لا يراعي البعض مشاعر الإنسان وهو يقود في طرق خطرة..
    ولكن الله سلم..
    أمرتني الوالدة بالتوجه لمستشفى الششه فقد كان الهم بالوالد أكبر!!
    ومن ذا يعز عليها أكثر من أبي محمد!!
    ولكن أخي الكبير حين علم بوجهتي وقد علم بموت الوالد حينه
    خاطبني بنبرة عادية ولم يظهر عليها الحزن.. بالتوجه لمستشفى النور..

    وأصر علي بإحضار الوالدة لهم ، وبعدها ننطلق لمشاهدة الوالد..
    في إحدى اتصالاتي للششه طلبت من الممرض بإلحاح كبير أن يوصلني بالخط لأتحدث
    مع الوالد، ولكنه ماطل بحجة بعد التلفون وأنه في غرفة العمليات ونحو هذا الكلام..
    وحسنا فعل جزاه الله خيرا..
    يعجبك فطنة بعض الناس في تصرفاتهم..
    كانت الوالدة طوال الطريق تضرب بيدها على صدرها بشكل متتابع.. وبدون نواح..
    ولصدرها أزيز كأزيز المرجل..
    وتقول ياولدي أبوك صار له شيء أنا أشعر بذلك!!
    أكيد يابو محمد صار عليك شيء ما شعرت يمه بمثل هذا الشعور قبل اليوم..!!
    كنت أسفه رأيها، وفي قرارة نفسي أوافقها ولكنني رحمتها...
    ولو تركت للظنون سبيلا لقلبها لانفطر من حينه لا قدر الله..
    وصلت لمستشفى النور وبالكاد حصلت موقفا للسيارات..
    كنت والوالدة نلهث خلف كل من نراه مقفيا نحسبه أخا أو والدا!!
    وصلت للاستقبال.. لاحظت عليه البرود فأشعرني ذلك بالراحة..!!
    أعطيته أسماء المصابين..
    أشار لي بالذهاب لمكتب التنويم..
    وبحمد الله قبل وصولي لهم اتصل أخي ..
    فقد كانت عاطفتي والوالدة أشبه ببركان..ينتظر الثوران ..
    أصررت على الوالدة أن تجلس على مقاعد النساء..
    وبحثت عن أخوي وحينما شاهدتهما من بعيد.. تفرست في وجهيهما ..
    لعلي أعرف خبرا ..
    وحينما التقينا ، أشاح أحدهما بوجهه عني ليخفي دمعة تحدرت من عينيه..
    ومن ثم ضمياني وبكيا كطفلين صغيرين..
    مات أبونا يافلان مات..
    استرجعت ،، ولم استطع الاستمرار في الوقوف فقعدت على
    الرصيف أبكي كيتيم ...
    كان الهم عند إخوتي على الوالدة..
    فهي كبيرة في السن ولربما تسوء الكارثة ... وتتضاعف المصيبة ..
    لم تنتظر الوالدة فلقد بحثت عنا فجاءت تتبع الخطى ..
    وين أبوكم يامه؟؟
    وين أختكم ؟؟
    ويش صار وأنا أمكم ..
    بكى الأخوان عندها فصرخت الوالدة وسقطت على الأرض..
    أما الأخت فقد انكسرت ذراعها وأصيبت بشعور في الظهر.. ولكن الله سلم..
    فقد كادت المسكينة تلحق بوالدها ..
    فالحمد لله على عافيتها ..
    كانت تلك الليلة كابوسا بما تعنيه الكلمة من معنى..
    فهول المصيبة ثم ما يترتب عليها من ترتيبات من تغسيل وصلاة ودفن
    وغير ذلك تشكل أزمة واستنفارا لكل الطاقات..
    لم نذق جميعا طعم النوم ..
    كنت في تلك الليلة أفكر بالوالد في الثلاجة ..
    هممت أن أذهب للثلاجة لأكون قريبا منه!!
    وما عساني أنفعه حينها!!
    في ضحى اليوم الثاني ..
    اجتمعت العائلة والأقارب والأعمام ..
    انطلقنا للثلاجة..
    كان يوما مشمسا ، والوجوه عابسة .. كنت وإخوتي كحفاري قبور..
    لم نعرف كيف نبدأ كل له رأي وكل يتكلم ولكن ليس بينهم أبو محمد..!!
    استكملنا إجراءات استخرج الجثة ومن ثم توجهنا للثلاجة..
    كانت سيارة الإسعاف التي ستنقل الوالد جاهزة ومفتوحة الأبواب..
    قادنا عامل بنغالي يحمل بيده نقالة صغيرة..
    لم يظهر عليه أثر الخوف والتردد مثلنا!!!
    كانت أمامه ثلاثة أبواب حديدية ضخمة..
    فتح احدها فخرج منها تيار هوائي بارد للغاية..
    ويا للمنظر الموحش..
    أكثر من مئة جثة قد رصت بشكل فوضوي ..
    دخل العامل للداخل فلحقته لوحدي .. ثم تتابع من جرؤ ورائي..
    كانت بقع الدماء تملاء المكان ..
    والجثث موضوعة في أدراج كأدراج الكتب والإضاءة خافته للغاية ..
    بحث العامل في الأرقام وعيوننا جميعا تسير معه..
    وأخيرا أشار لأبي.. وقال هذا هو ..!! دونكموه!!
    اقتربنا من الوالد كان رحمه الله دقيق الجسم .. قليل اللحم ... رأيت يده فعرفتها..
    أذكر أن أعمامي وإخوتي انكبوا على يده فقبلوه
    لم يجرؤ أحد على رفع غطاء الوجه..
    فقد كان الدم يغطيه بشكل مخيف..
    وعلى جوانب النقالة سقط الدم..
    كانت يده بارزة وتلمع فيها أزرار كم الثوب الحديدية..
    وكان ثوبه أسودا كما تركته بالأمس..
    لو لم أرى الدماء لظننته نائما رحمه الله فقد كانت كهيئته في ذلك كما عرفته..
    أذكر مرة أنني في صغري وأنا لم أتجاوز الثمان سنوات ..
    أنني دخلت على الوالد .. وكان نائما في صالة بيتنا القديم..
    كان مهيبا ولا يجرؤ أحد على إزعاجه...
    لكنني جرؤت حينها ووضعت راحة يدي على بطن قدمه وأريد مداعبته..
    عندها استفاق الوالد ونظر من حوله فحين رآني لفحني بالمخدة وقال لي ياشقي!!
    ها أنا الآن بعد أكثر من عشرين سنة أحمله جثة هامدة ...

    أخرجناه وتوجهنا به للمغسلة.. وكانت على مسافة بعيدة..
    دخلت مع عمي للمشاركة في التغسيل ..
    كنت أتساءل .. هل أنا أحلم؟؟ ألم أكن بالأمس معه أتحدث !!
    ما أرهب الموت وأعظم ترويعه..
    كنت اقترب من وجهه ولا أقدر أنظر إليه .. ولكنني أخيرا رأيته..
    خاطبته كثيرا وقبلته ودعوت له..
    كانوا يقلبونه يمينا وشمالا كدمية !!
    وبالأمس لا يجرؤ أحد أن يقاطع حديثه!!
    كان سيدا مطاعا في أولاده وعماله وخدامه وزوجاته واليوم هو جثة هامدة!!
    كان يستنشق الهواء ويأكل الطعام ويمشي في الأسواق والآن يلف بخرقة !!
    شقت السنون والهموم في وجهك ياأبي سنون طويلة..
    والآن نم قرير العين مطمئنا ( بإذن الله)
    ياأبي لكم تمنيت في تلك اللحظات أن أكون فدائك.. ولم تصب بخدش!!
    ارحل فقد تركت في القلوب جروحا لن يمحوها الدهر لفراقك رحمك الله..
    يا أبي لو علمت كيف أصبح حالنا من بعدك ..
    تشتت حالنا ، وتبدلت القلوب ، وثقل حملنا من دونك
    حملناه للحرم الشريف ووضع الوالد بين يدي الشيخ أسامة بن خياط..
    فكبر الشيخ ،فكبر خلفه مئات الآلاف من المصلين .. وسيشفعون له إن شاء الله
    حينما وصلنا للمقبرة ظننت أن هناك جنازات أخرى غير جنازتنا
    فقد هالني الحشد الكبير من الناس..
    أناس جاءوا من كل مدن المملكة من أصحابه وأحبابه وأقاربه بل وحتى طلابه..
    لقد مكث الوالد في التعليم خمسة وثلاثين سنة.. حتى تقاعده..
    صلوا عليه الجنازة مرة أخرى ثم وضعته وإخوتي في قبره الملحد..
    حاولت أن أكشف وجهه لأقبله ولكن ضيق القبر حال عن ذلك..
    ردمناه بالتراب .. ونفضنا أيدينا .. وانتهى كل شيء..
    مرت من تلك اللحظات حتى آخر لقاء معه بالأمس حوالي أربعة وعشرون ساعة..
    سبحان الله ما أغرب صروف الحياة..
    أسأل الله تعالى أن يجعله
    في مقعد صدق عند مليك مقتدر..
    اللهم اغفر لأبي زلله وخطأه وتجاوز عن سيئاته واجعل قبره روضة من رياض الجنة..
    انتهى الفصل الثالث..

    في وداع والدي أبي محمد الفصل الرابع
    انتهت أيام العزاء المعروفة...
    بالنسبة لمن جاء معزيا فقد أدى الواجب وانتهى كل شيء..
    أما لأهل الفقيد فالحال مختلف كليا..
    فضريبة الموت غالية جدا.. يدفعها أحبابه وأصحابه ثمنا غاليا من الأسى والحزن العميق
    أما أنا فحالي كما قال القائل تكاثرت الظباء على خراش ..
    فما يدري خراش ما يصيد!!!
    جاء العيد بعد موت الوالد بأسبوع فقط.. ويا للعيد !!
    لا والد ولا ولد... فالحمد لله على كل حال..
    بعد انتهاء الإجازة الرسمية للموظفين توجهت لجدة قاصدا مقابلة الأمير محمد..
    كنت موتورا وبلغ بي الحنق مبلغه..
    بلغني الحرس على البوابة بأنه لا يوجد أحد.. والأمير في الرياض..
    ذهبت للرياض في اليوم التالي...
    ومن المطار توجهت لوزارة الداخلية مباشرة ..
    أتيت لمدير مكتب الأمير...
    ولم يكن موجودا حينها..
    وحين دخل علينا وقفت له وسلمته معروضا أشرح فيه حالي ..
    فقال لي : أنت ممنوع من السفر لسنتين!!
    قلت له: لماذا؟
    قال القوانين !!
    قلت له أي قوانين؟؟ وهل تعرفني؟؟ هل أنا متهم؟ هل تعرف قضيتي أصلا!!
    قال لا !! ولكن إذا كان جوازك مفقود فأنت ممنوع من السفر سنتين حسب القوانين..
    قلت له ياأستاذي الكريم أنا لم أفقد جوازي بل سلمته للجوازات.. ثم لماذا لم تبلغوني..
    أليس من الواجب عليكم تبليغي بحالي حتى أتصرف فأنا منذ شهرين لم أتلقى أي رد..
    نادى أحد موظفيه وقال له : انظر في معاملة المذكور وليش ما اتصلتم عليه؟
    وبعد دقائق جاء برقم المعاملة وادعى أنهم لم يتصلوا علي بسبب عدم وجود رقم تلفوني!
    قلت له مستحيل الخطاب موجود عليه الرقم جب المعاملة!!
    وفعلا أكد مدير مكتب الأمير على ذلك وطلب المعاملة!!
    انتظرت ربع ساعة لكي يحظر لي المعاملة فلم يحظرها..!!
    اتصل مدير المكتب عليهم وغمغم معهم بكلمات ثم قال لي:
    ما يوجد عليها رقم، ومثل ما قلت لك راجعنا بعد سنتين!!
    هكذا إذن سنتين!!
    سأعيش سنتين في جحيم القلق والانتظار..
    لو كنت فعلت جرما استحق عليه الانتظار لهان الأمر ولكنني مظلوم..
    ظلمتني قوانيننا الغامضة، ظلمتني البيروقراطية والتعقيدات السخيفة..
    ظلمتني حيلتي الضعيفة ..
    ولكنني لم أعدم الحيل!!
    فمن ضاقت عليه حيل الناس المعهودة فليطرق كل الأبواب ..
    كما قال الشاعر..
    أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا..
    قرعت باب الأمير محمد بن نايف ولكن هذه المرة ليس من باب مكتبه ..
    بل عن طريق الساحة السياسية..!!
    كتبت في ذلك اليوم مقالا ناريا !!
    لم أتشجم فيه العناء..!!
    فقد أخذ مني دقائق معدودة..
    فقد كنت مهيئا للانهيار...
    فقد توالت علي النكبات مما يصلح ذكره ومما لا يصلح ذكره ..
    فلا مفر من المكروه ..
    وما قصدت الشتيمة والله حينها بل أردت أن ألفت الانتباه..!!
    فأنا صاحب مظلمة وقد دخلت في دوامة لا يعلم مداها إلا الله..
    ومن خبر متاهات المعاملات الحكومية والتي قد تدور وتدور عقودا من الزمان..
    لم يلمني في سلوك درب لا تعلم عواقبه !!
    ولا يمكن التنبؤ بخاتمته!!
    ولكن خيرا حصل والحمد لله!!
    حينما أنزلت المقال في الساحات .. أضفت رقم سجلي المدني ورقم تلفوني الجوال..
    وطلبت من الأمير محمد بن نايف أن يسجنني أو أن يجمعني بأهلي وأبنائي!!
    هذا هو عنوان المقال..!!
    تباينت ردود المشاركين في الحوار فما بين متعاطف ومستاء ، إلى بعض الذين نبهوني..
    إلى خطأ الأسلوب ، وأن الواجب طلب ذلك سرا...
    إلى الذين صبوا علي جام غضبهم على جرأتي ووقاحتي مع الأمير..
    كانت الآراء متفاوتة ومتنوعة ولكنها في نهاية الأمر صبت في مصلحة القضية!!
    فقد كنت متيقنا أن التفاعل السلبي أو الإيجابي هو في النهاية سيوصل للمقصود!!!
    وهو لفت النظر ، وخاصة نظر الأمير...
    اتصل علي مجموعة من الإخوة على الهاتف وراسلني مجموعة برسائل sms
    جاءتني مكالمات خارجية .. أذكر واحدة منها جيدا..
    هذه المكالمة كادت أن تحور موضوعي لمنحنى خطر ولكن الله سلم..!!
    أصبت بخوف شديد !!
    خاصة والدولة حينها استنفرت استنفارا كبيرا لمؤتمر الإرهاب في الرياض..
    والذي ستحضره ممثليات دول كثيرة ...
    فكان ظهور مقالي حينها غير مناسب بالتأكيد..
    لمن يفهم ما أعنيه جيدا!!
    وحينها جاءتني خاطرة عجيبة !!
    لقد عزمت على الهرب!!
    نعم الهرب خارج المملكة!!
    كيف ؟؟ ولماذا؟
    أما كيف فلا أدري فالهارب يسير في الأرض الفسيحة حتى يجد مأوى يؤويه..
    أما لماذا ؟؟ فقد خفت .. خفت أن تكون عواقب فعلي كبيرة ..
    فالهروب خير لي من الأسر والسجن والعذاب..!!
    تركت جوالاتي وحقائبي وسيارتي وجميع ما أملك من متاع ..في مدينة الرياض
    واستأجرت سائقا بسيارة خصوصي يوصلني لمدينة جيزان!!
    سلكت طريق الوادي فهو أقرب وأقل نقاطا من الطرق الأخرى!!
    ولقد صدقت توقعاتي فلقد عمم علي في المنافذ ولكن الله سلم!!
    كان رفيقي في الرحلة أو السائق من سكان نجران..
    جاء للرياض ليوصل عائلة قريبة له..
    لم أكن أعرفه من قبل .. ولكن الرجل كان دمث الأخلاق حسن التعامل ..
    وحين سألته عن عمله قال أنا موظف في قطاع الأمن الداخلي!!
    جرت الأمور بكل هدوء فلم يظهر علي أي شيء مريب!!
    كان الطريق طويلا ومملا ولكن السواليف والقصص التي أمتعني بها أبو حسن ..
    آنستنا وأنستني من تعب السفر وعذابه..
    كان انطلاقنا حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحا ..
    ووصلنا لمدينة خميس مشيط حوالي العاشرة مساء..
    لم يفارقني أبو حسن ( وهذه كنيته) حتى تأكد من اتفاقي مع سائق آخر ..
    أصر علي أن أزوره في نجران وأن يكرمني بحقي بالضيافة في بيته..

    وأعطاني رقم تلفونه وغادرني نحو أولاده..
    انطلقت مع سائقي الجديد بسيارة خصوصي أيضا وتوجهنا لمنطقة فيفا..
    كان يحمل في وسط جسمه خنجرا مغمودا !!
    سألته عن سر هذا الخنجر؟؟
    قال هذا شيء ورثته عن أبي وهو من عاداتنا نحن أهل رجال ألمع!!
    قال لي ؟
    هل سبق ذهبت لمنطقة فيفا ؟
    قلت لا..!!
    قال هل هناك شخص تعرفه أو قريب ونحو ذلك؟
    قلت لا !!
    قال ياولدي المنطقة طريقها صعب ونحن سنصل إليها بعد منتصف الليل ..!!
    فلماذا لا تبات في الفندق وغدا الصبح تذهب إليها..
    قلت له أبدا ، أوصلني لفيفا وأنزلني عند جامعها وسوف أتصرف!!!
    أخذت ألهيه بالكلام في أمور جانبيه لأشغله عن الأسئلة المحرجة؟؟؟
    كنت أحسب الوقت وأسابق الزمن فإما أن يقبض علي أو أن أفر!!
    ولكن أين الفرار وكيف ؟؟ والله لم أكن أدري !!!
    فيفا منطقة ساحرة الجمال وهي جبل ضخم تسكنه قبيلة فيفا..
    ومنظر هذه المنطقة ليلا أو نهارا منظر بديع للغاية!!
    عندما وصلنا قريبا منها شاهدت أضواء متناثرة في ارتفاع شاهق يكاد يغطي الأفق!!
    سألت السائق أين نحن متجهون؟؟
    قال هذه فيفا !!
    تقع المنطقة على الحدود اليمنية ولذلك قصدتها!!!
    حينما وصلنا للمفرق المؤدي للجبل رأيت شققا مفروشة..
    طمعت في الفراش الوثير فأنا لم أذق طعم النوم منذ حوالي 24 ساعة..
    وفعلا غامرت بالنوم في الشقق مع أن ذلك خطأ قد يوقعني فيما فررت منه!!!
    نمت كنوم الذئب ..
    وفي الصباح توجهت لسوق المنطقة واسمها ( بني مالك) ..
    ومنها يظهر جبل فيفا بوضوح خلافا لليلة الماضية..
    اشتريت بعض الاحتياجات الضرورية ..
    ثم تعاقدت مع سائق يوصلني لجبل فيفا المجاور ..
    على أن يجد لي مكانا أسكن فيه هناك...
    وهكذا كان..
    استغرقت الرحلة من بطن الوادي للجبل حوالي الساعة ..
    تدور في طرق ومزالق مهلكة ..
    تعاقد لي صاحبي مع صاحب المنزل على أجر متفق عليه..

    وكان رمزيا .. ووافقت عليه..
    وحينما دلفت للغرفة المعدة للسكن..
    رأيت بقايا شجرة القات على بساط الغرفة!!
    سألت الصبي : هل هو مسموح !!
    قال : نعم فقط في فيفا !!
    المنزل الذي نزلت فيه يقف على هاوية سحيقة..
    ومن نافذته ترى الناس والسيارات في أسفل الوادي كحجم الذر!!
    ومع ضيق الطرقات تسير السيارات فيها بجرأة عجيبة لا يكاد يفعلها سواهم !!
    أهل فيفا رجال كرام فيهم النخوة والشهامة ..
    لا يشعر الضيف والغريب بأنه خارج أهله ودياره ولكن هيهات!!
    فبالنسبة لي لا يغني عن حالي مال ولا بنون إلا رحمة أرحم الراحمين!!
    كانت المناظر الخلابة من ذلك الجبل لا تغريني ،فقد صادفت قلبا خاويا فارغا!!
    وما عساها تنفعني في محنتي وشقائي والله المستعان..
    منذ يومين والأخبار منقطعة عني ..
    ولم أحاول الاتصال على أي كان ، خوفا من معرفة موقعي الحالي!!
    وآخر مكالمة لي كانت من الرياض مع أخي وزوجتي ..
    وشرحت لهم حالي ...
    وقلت لهم توقعوا عدم اتصالي عليكم فترة طويلة..!!
    بعد ذلك بدأت فكرة تحديد طريقة العبور المناسبة خارج البلاد ..
    كنت أحاول الحصول على المعلومات عن طريق الشباب الصغار لكي لا ألفت النظر..
    كان بجوار غرفتي درج طويل ورقيق يوصل لمسجد صغير للغاية لا تتجاوز مساحته
    5x5 متر مربع..
    وفرشه جديد ومبني بشكل بدائي ، له كوة صغيرة في محرابه
    تشرف على الوادي السحيق..
    قدمني الناس للصلاة بهم مرارا..
    وغالب وقتي أجلس في المسجد متلحف بجبة سميكة.. أقرأ وأستخير واصلي فيه..
    دعوت الله بصدق أن يهديني إلى الصواب في قولي وفعلي..
    دعوته أن يلهمني رشدي ويقيني شر نفسي..
    أكثرت من التضرع لله تعالى فأنا مقدم على قرار خطير يكون له ما بعده..
    فكرت مرارا وتكرارا .. هل ما أفعله صواب؟
    هل كل ما أفعله يفيدني في ديني ودنياي؟
    سألت نفسي : انظري يانفس أين أصبحت؟ وأين تسيرين؟
    أين سأذهب ؟ ومع من؟ ومن يضمن لي السلامة؟؟
    ثم إلى أين؟
    تساؤلات كثيرة !! وأجوبة معدومة..!!

    فكرت في حياتي كيف كانت وأين صرت وأين أسير..
    بقيت على هذا الحال ثمان وأربعين ساعة ..
    وأنا أدور في المسجد ذهابا وإيابا أنظر في حالي وعواقب الأمر الذي سوف أفعله!!
    ناداني صاحب البيت للجلوس على دكة معدة للجلوس أمام الوادي في منزله!!
    جلست من بعد عصر اليوم الثاني حتى غربت الشمس!!
    إن لشرب الشاي على تلك الشرفة طعم خاص ..
    وخير مكان للتأمل هي المواضع المرتفعة ..
    ومن جرب ذلك عرف ما أعنيه..
    حيث ترتخي الأعصاب وتهدأ الطباع ويطيب المزاج..
    كانت جلسة رائعة.. ترى من خلال الضباب الكثيف الأطفال يلعبون ويمرحون في
    الحقول والبساتين على الجبل الشاهق....
    تسمع أصوات الديكة تتردد في الوادي ..
    كان أجمل وقت حينما تبدأ المساجد بالأذان فيتردد صدى التكبير في الوادي..
    ما أجمل الأمور على طبيعتها ..
    خاطبت نفسي حينها كثيرا ..
    وبعد تفكير عميق سبقتها دعوات واستخارة عزمت على أن أرجع أدراجي..!!!
    نعم يجب علي العودة!! كفى هروبا كفى..!!
    فقد رأيت أن قرار الهروب فوائده إن وجدت لا تقارن بمصلحة العودة ..
    إن مواجهة المشكلة والسعي بحلها بكل الطرق الممكنة خير من تعليقها ..
    ففي النهاية لا بد من مواجهتها فالأفضل التعجيل بذلك والمبادرة!!
    كل ذلك حصل وأنا لا أدري بما يخبئه القدر لي !!!
    طلبت من ابن صاحب المنزل أن يوصلني للوادي ..!!
    قلق الرجل من هذا القرار المفاجئ !!
    وقال خيرا إن شاء الله ظننتك ستمكث عندنا مدة أطول..؟؟
    شكرته وأكدت له بأنني سأعود له يوما بصحبة أهلي وأبنائي فمنطقته تستحق العودة!!
    وصلت لمطار جيزان في الليل ..
    وقال لي بائع التذاكر : ما فيه مقاعد خالية قبل عشرة أيام!!!
    وماذا أفعل في جيزان عشرة أيام!!
    ذهبت للفندق ومنه اتصلت على زوجتي..
    كانت تبكي بكاء كالطفل الصغير.. تقول هل ضربوك ؟؟ هل أنت في السجن؟
    ماذا فعلوا فيك؟؟ قلت لها: يامرأة أنا بخير !! لا تقلقي ..
    وطمأنتها على حالي وأن الفرج قريب!!
    اتصلت على الوالدة وهنا كانت المفاجأة.. قالت :
    المباحث قالبة الدنيا عليك ..ايش سويت ياولدي!!
    أخذت المعلومات منها بالتفصيل ثم أغلقت الهاتف ... حتى لا ترصد مكالمتي..
    وأخيرا تحققت ظنوني فهاهم القوم يبحثون عني!!
    هممت بالرجوع والهروب مرة أخرى..
    وقعت في حيرة ماذا أفعل ..
    هل ياترى أسلم نفسي..
    حاولت الدخول لمنتدى الساحات السياسية من مقهى للانترنت ولكن هيهات..
    فالمنتدى ممنوع !!
    أخيرا رجعت لغرفتي وحاولت النوم وعيني على باب الفندق أن يكسره زوار الليل!!
    بعد صلاة الجمعة توجهت للمطار ..
    سمعت نداء الطائرة على الرياض..
    توجهت لبائع التذاكر .. قال لي اذهب سجل انتظار..
    عندما وصلت للكاونتر قال اذهب جب التذكرة بسرعة هناك مقعد خالي..!!!
    طرت من الفرح ، وسابقت الريح لأركب هذه الطائرة
    ولم تقر عيني حتى حملني مقعد الطائرة!!!
    في الطائرة تصفحت كل الجرائد قلت لعل اسمي موجود ضمن قائمة جديدة للمطلوبين!!
    وبعد ساعة ونصف وصلت لمطار الرياض..
    كنت أمشي فيه وأنا خائف أترقب!!
    ومنه توجهت لمكان إقامتي ..
    حين وصلت وجدت كل شيء طبيعي تقريبا!!
    دخلت لسكني فحملت الجوال فوجدت فيه 166 اتصال وعشرات الرسائل!!!
    لاحظت فيها رقما أعرفه لشخص مهم من رجال الأمير محمد بن نايف القريبين منه
    وقد أرسل لي رسالة يعرف نفسه ..
    اتصلت عليه فقد رغبت أن يعلم الأمير بأني أسلم نفسي قبل أن يصلني رجال المباحث..
    لم يرد علي في أول الأمر ..
    وبعد صلاة العصر ..
    اتصل علي ذات الرجل .. فقال لي: يارجل أتعبتنا أين كنت؟؟
    قلت له : عفوا تركت الجوال وكنت خارج الرياض..!!!
    قال هل تعرف موعدك اليوم ..؟؟
    قلت مع من ؟؟
    قال مع الأمير محمد بن نايف..!!
    قلت له اليوم جمعة؟؟
    قال ليس في مكتبه..بل في بيته!!
    قلت له أفعل إن شاء الله ..
    طلب عنواني وحدد مكانا وموعدا للقاء السائق الذي سيأخذني لمنزل الأمير..
    بعدها ذهبت لمكان عملي..
    كنت شغوفا لأدخل موقع الساحات لأعرف أين وصلت إليه الأمور!!
    وبعد دخولي وجدت موضوعي هو الأول في السياسية ..
    بعض التعاليق تؤكد أنه قد قبض علي..!!!
    وبعضها يدعوا لي، ومنها من ترحم ومنها من يشمت!!!
    جاءني اتصال من نسيبي قال يافلان هناك شخص يريدك!!
    ناوله الهاتف فإذا هو ضابط مباحث من الطائف..!! قال:
    يا أخي أقلقتنا عليك ونحن نبحث عنك من يومين!! ونحو هذا الكلام .. وقال:
    هل تعلم أن لديك جلسة مع الأمير اليوم ..؟؟
    قلت له : نعم ، بلغت به قبل قليل ..
    قال سأرسل برقية بموقعك وتلفونك ليتصل عليك رجال المباحث في المنطقة !!
    سبحان الله مبدل الأحوال ..
    أصبح القوم يبحثون عني وأنا كنت أبحث عنهم شهورا..!!
    كنت قلقا من المقابلة ..
    فلم أكن مستعدا لها!!
    تمنيت أن تتأخر الجلسة أو أن ينشغل الأمير..
    فقد كنت لا أدري عن اللقاء أين سيقودني ؟؟
    فقد يكون الأمير غاضبا مما كتبته !!
    فلعله إن أخرت الجلسة أن يهدأ قليلا ..ويبرد الطلب..!!
    ولكن الله تعالى أراد شيئا آخر ..
    فقد اتصل علي شخص ...
    وقال أنا من طرف الأمير محمد بن نايف.. وسوف أوصلك إليه..
    وهكذا أسقط في يدي فحينها لا مفر ولا مقر..
    حددت الموقع وانتظرت المذكور فجاء على الموعد ..
    صافحني بأدب جم، وعرفني بنفسه..
    انطلقنا بسيارته ..
    لاطفني في الكلام وكأنه يريد التخفيف علي من مهابة الموقف..
    ذكر لي أن كثيرا من الناس يدخلون على الأمير
    فتصيبهم مهابة الموقف بالارتباك والوجل.. ..
    ولكن بعد أن يجالسوه ويروا شخصيته الحقيقية ..
    فإن الوضع يختلف تماما فالرجل متواضع للغاية وبسيط في تعامله ...
    وهو يقابل الناس باحترام على اختلاف منازلهم.. ومشاربهم....
    دخلنا منزل الأمير الفسيح .. كان شبه خال ..
    حسبت أن هناك جلسة عامة للناس في بيته الفسيح..
    لم أركز النظر في بيته فأنا لم أجيء لأمتع نظري ببيته العامر..
    زورت في نفسي كلاما كثيرا طار كله أو أغلبه عند رؤية الأمير...!!
    بقيت في الصالون الكبير أشرب القهوة والشاي برفقة السائق ..
    تحدثنا في أمور كثيرة .. ولم يظهر الرجل أنه يعلم بموضوعي الذي جئت لأجله..
    حدثني عن المقابلة التي تمت منذ فترة ..
    بين الأمير محمد ومجموعة من الشباب ..
    الذين لديهم مشاكل أمنية ...
    حدثني كيف أن الأمير محمد كسب قلوب هؤلاء الشباب المتحمس برفقه بهم..
    وهكذا الرفق ما كان في شيء إلا زانه ..
    سمعت بهذه الجلسات وقرأت عنها بالانترنت..
    استمع الأمير لمشاكلهم الأمنية وحتى الاجتماعية منها ..
    مجتمعين وفرادى ...

    كان الواحد منهم يخلوا بالأمير فيفرغ كل ما في جعبته من مشاكل دون تحرج ورهبه ..
    خرجوا جميعا من عنده وقد حلت مشاكلهم وطويت صحفهم وهكذا الحكمة فلتكن..
    لقد انتشرت قصص ومواقف الأمير محمد مع هؤلاء في المنتديات والمواقع ..
    إن هذا الأسلوب الجريء ومن رجل أمن بل هو الرجل الثالث في الأمن في كل البلد..
    هو بلسم شاف على قلوب كثير من الشباب التي عصفت بهم العواطف..
    إنهم في حاجة للقلب الحاني ولليد الناعمة لتمسح رؤوسهم وترجعهم
    برفق ولين لجادة الحق والصواب..
    فهم والله قريبون ، وهينون ، وغالبهم جاهل ضعيف الحجة ..
    ولكن غيرته وحرمانه ممن يوجهه أضله عن السبيل..
    لقد كان لهذه المقابلات أثر هائل في نفوس كثير من شبابنا الذين..انحرفوا عن الجادة ..
    فكانت سببا لعودتهم للحق ، والتزامهم بالنهج السوي..
    إن الأمير محمد بن نايف قد أقفل بهذا الأسلوب الحكيم ..
    أبوابا للفتنة والشر لا يعلم مداه إلا رب العالمين..
    وما ضره ذلك !!
    ما ضره مقابلة هؤلاء الفتية .. فهم في مقام الإخوة والأبناء..
    إن السياسة الصادقة والمبنية على الشفقة والرحمة بالأمة ..
    هي قانون مستنبط من هدى رسل الله عليهم السلام ومنهم رسولنا محمد صلى الله
    عليه وسلم.. كما قال تعالى( لقد جاءكم رسول من أنفسكم حريص عليه ما عنتم
    بالمؤمنين رءوف رحيم)...
    بينما نحن نتحدث ..أنا وصاحبي ..
    وفي حوالي الساعة التاسعة وربعا دخل علينا الأمير محمد ..
    لم يكن وجهه غريبا ..
    فقد كان لقاءنا الثالث ولكن هذا المرة ليس أحد سوانا..!!
    خرج السائق وبقيت أمام الأمير لوحدي..
    وقفت في مكاني على استحياء منه..
    فسلم وصافح بحرارة ..
    قال لي هل أنت فلان ؟؟
    قلت نعم أنا هو..
    قال أهلا وسهلا فيك ...
    الله يحلك يخوي مما قلته في ..!!
    لقد فشلت واستحييت من كلامه .. فأردت أن أستوضح المقصود..
    قلت له مكنيا :
    يا أبا نايف وهل قلت فيك مكروها؟؟
    قال : ألم تقل عني كذا وكذا ؟؟
    قلت له حاشاك والله... فا أنا لم أقصد ما ذكرت ..
    ويبدوا أن الأمر نقل إليك على غير حقيقته..
    هل قرأت كلامي الذي كتبته أيها الأمير..؟؟
    قال : لقد مررت عليه سريعا.. فقد كنت مشغولا بمؤتمر الإرهاب ..
    قلت له :إن الكلام اللي نقل لكم أيها الأمير قد وضع في غير سياقه..
    ولو نقل لكم بنصه غير مبتور لوضح لكم المعنى..
    تفرجت أساريره رضى بما قلت .. ثم قال:
    ولكن ما علينا : أنا قد أحللتك سواء بنظرك أنت أسأت أو لم تسيء !!
    تحدثنا في أمور تفصيلية لا يصلح الحديث عنها ..
    لكنني كنت استمع لألفاظ الأمير وكلماته وأنظر في تقاسيم وجهه ..
    فأعرف صدق مشاعره وطيبته ..
    كنت أحيانا أقاطعه في كلامه ..
    لم يتبرم من جرأتي وهذه عادتي للأسف..
    كان يضع يده على يدي ليهديني حين يرغب في استكمال شيء بدءه..
    هذه اللمسات البسيطة...
    أكبرها في الأمير محمد..
    أكبرها وأذكرها من حسناته ..
    فقد عهدنا من أمثاله شأنا مختلفا ..
    ولو قال قائل ينبغي للأمير أن يتعامل بأسلوب أشد مع الناس..
    لما لامه أحد ..فهو رجل أمن .. ولا بد لمن يمثل الأمن أن يهاب..
    أخذت من الأمير عفوا شاملا عما صار ..
    وأمر بصرف جواز سفر لي ... ومنح أهلي وأبنائي تصحيحا قانونيا لوضعهم..
    وهكذا انتهت محنتي في لحظات كما بدأت في لحظات والله المستعان..
    تملكني الفرح ..
    الحمد لله ثم الحمد لله ..
    أمسكت بيد الأمير وضممته كما يضم الولد أباه..
    آه لو كان والدي معي في تلك الساعة .. تذكرته والله ..
    خرجت من عند الأمير فرحا مسرورا..
    لولا الحياء منه لصرخت ..!!
    سجدت لله تعالى على فضله وتوفيقه..
    اتصلت بأهلي أم معاذ وبشرتها بالفرج..
    في اليوم الآخر نزلت هذا المقال.. في موقع الساحات السياسية..
    ياقوم اذهبوا إلى محمد بن نايف فهو يعطي عطاء من لا يخشى الفقر!!!
    نعم كان هذا هو عنوان المقال ..!!!
    وقبل أسبوع كان العنوان ..
    يامحمد ابن نايف اسجني أو اجمعني بأهلي وأبنائي..!!!
    فرق بين العنوانين كما بين السماء والأرض ..
    وبينهما كانت معاناة تعلمها أيها القارئ الكريم من هذه الأسطر..
    قلت فيها وأقول ...
    اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه.. اللهم لك الحمد عدد مثاقيل الجبال
    اللهم لك الحمد عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك..
    أيها الإخوة الكرام..
    والدموع تملأ عيوني ..
    والقلب ينبض فرحا وشكرا وسرورا..
    قد فرج الله الغمة ..
    ورفع الله الكربة..
    ترددت في الكتابة في الموضوع..
    حتى ينقضي الأمر كله .. ولكن..
    لم أطق صبرا.. ولم تذق عيني النوم حتى أشكر الأمير الفالح..
    أفلح وجهك يامحمد بن نايف ..
    صبحك الله ومساك بكل عافية وصحة وقوة في الخير..
    سماه بعضكم ذئب الداخلية..
    وأنا أسميه أبو الجميع ...
    أخو الجميع..
    صديق الجميع..
    لم تروع بك مؤمنة يا أبا نايف..
    لقد دعاني الكريم
    ابن الكريم..
    ابن الكرام..
    بمكتبه.. ل
    ببيته.. ل
    بقصره... ل
    بماله.. لا والله..
    بجاهه.. بنفوذه.. بسلطته.. لا والله
    هل أرسل لي جيشا يحاصرني.. لا والله ..
    هل بعث من يحضرني بالقوة..
    هل هددني..
    هل توعدني.. لا
    دعاني بسماحته..
    بقلبه..
    ببشاشته..
    بطيبه..
    بنقاء معدنه..
    بسمو نفسه ..
    بحسن استقباله..
    بحنانه..
    برقته..
    برحمته.. وصفحه وجوده..
    كل ذلك من فضل الله تعالى عليه..
    أرسل لي لأدخل بيته العامر..
    ويحدثني كما يحدث الأب ابنه..
    استفتح كلامه بكلمة واحدة خارت لها قواي ..
    وندمت على ما قلت فيه..
    روح الله يحلك فيما قلته في..!!
    وزاد أن منحني الجواز .. وإحضار الأهل والأبناء ضيوفا لبلدهم..
    دفء صدرك ياأبا نايف ذكرني بدفء صدر رجل يرقد في اللحود..
    آه يا أبا نايف.. لو كان ابو محمد حيا ..
    آه يا أبا نايف لو كا أبو محمد يرجع لدقيقة واحدة فقط ..
    أحكي له ما فعلت بي يابن الأمجاد..
    لذرفت دموعه فرحا بما فعلت..
    والله لقال لي بيض الله وجهه ...
    وكثر الله أمثاله...
    وزاده الله من فضله..
    وأصلح الله عياله..
    وثقل الله ميزانه..
    ويسر الله له أمره..
    وأعلى الله في الآخرة ذكره..
    وملأ الله قلبه نورا..
    وبارك له في رزقه..
    وأحسن له عاقبته..
    وشد الله بالصالحين أمره..
    ولكن هيهات .. هيهات.. يا أبا نايف
    فقد انقضى الأجل.. وقال الجليل..
    لا يستقدمون ولا يستأخرون ساعة..
    لكن أعاهدك يا أبا نايف..
    أعاهدك أمام الله وأمام خلقه..
    أن أدعو لك بالسحر..
    أنا ومن فرجت لي وله الكربة..
    وأمرت بقدومهم .. ... إلى آخر المقال..
    لقد كان مقالا ممتلئا بالمشاعر الجياشة ..
    ولا عجب فقد كتبته بعد المقابلة ..
    فقد شعرت أنني جرحت الأمير بمقالي السابق..
    فأردت أن أطيب خاطره وأشعره بصدق كلامي نحوه..
    في اليوم التالي اتصلت على أحد مستشاريه ..
    وطلبت منه أن يطلع على المقال .. وطلبت منه أن يطلع الأمير عليه..
    قال إن الأمير مشغول.. بالمؤتمر..
    أصررت عليه واستحلفته على ذلك..
    اتصل علي في المساء وقال لي.. لقد قرأ الأمير المقال وفرح به وسر

    وطلب مني أن أشكرك عليه ..
    حمدت الله تعالى وشكرته فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله ..
    وبهذا اختتمت فصول هذه القصة ..
    التي أعتبرها شريحة بسيطة في أيام حياتي المليئة بالعبر لي ولمن أعتبر..!!!
    والله المستعان وهو الهادي سبحانه لسواء السبيل ...،
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    !!!

صفحة 8 من 8 الأولىالأولى ... 678

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. قصيدة رائعة من روائع الشاعر سليمان بن شريم
    بواسطة المنتقد في المنتدى منتدى أدب وشـِـعر ورواية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: November 19th, 2009, 02:44
  2. عائض القرني - أنا سُنّي حسيني ,,,
    بواسطة أم مالك الأزدية في المنتدى منتدى أدب وشـِـعر ورواية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: September 25th, 2009, 06:14
  3. قصه رائعة وممتعة
    بواسطة هلالي القرن في المنتدى روايات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: February 16th, 2009, 08:57
  4. قصيدة رائعة إقروها وإفهموها زين قبل لا تجيكم المنية
    بواسطة ابو فيــصل في المنتدى منتدى أدب وشـِـعر ورواية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: July 23rd, 2008, 01:28
  5. إذكر الله بطريقة رائعة !!!
    بواسطة giiiJIق في المنتدى وعظ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: April 26th, 2008, 21:39

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

تنفيذ شركة تصميم مواقع الانترنت توب لاين
روابط مهمه روابط مهمه تواصل معنا
تواصل معنا