الحلقة الخمسون
هانحن أوشكنا أن نغادر مكة وربوعها ..
وقد قطفنا بعض ثمار الذكريات فيها ..
ولا بأس من جلب شيء من الثمار لمكة
من المدينة وجدة والأردن!!
أردت عن قصد ونية مما سبق أن أشاغل الناس بشيء من مواقف الشيخ الجميلة واللطيفة..
حتى لا تفسد تلك المشاكل الشخصية بيني وبين صاحبنا المعهود..
طعم القصة والحكاية بمرارتها .. وقد أوشكت!!
لقد رأيت أن القراء الكرام تضايقوا مما حدث ..
وبعضهم استغرب حدوث ذلك ..
واستنكره واستهجنه..
وحق لهم في ذلك ..!!
ولكنني أذكرهم وأقول لهم :
أقرءوا التاريخ والسير..
ابتداء بسير المرسلين عليهم السلام
ومرورا بسير أصحاب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم
وسير السلف الصالح والعلماء والخلفاء والملوك وكذلك بعض القصص الجاهلية والحديثة..
فستجدون أن ذلك أمر متجدد عبر الزمان ولا يستغرب وقوع ما هو أروع منه وأغرب وأعجب وأنكى
ممن سماهم الله تعالى ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين )
وقوله تعالى ( إنه كان ظلوما جهولا)
خاصة وأن الحدث وقع بين طلبة علم ومن حلقة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله المقربة..
وما الغرابة في ذلك ؟؟
أليسوا بشرا ؟؟
ألم يقع في الصالحين ما هو أغرب ؟؟
السؤال الشرعي هو:
هل ذكر مثل هذه المواقف والأحداث يفيد ؟؟
ما العبرة والحكمة من روايتها؟؟
أليس من المتوقع أن يعقل الناس وتتوب وتنسى تلك المهازل والسفاهات..؟؟
أليس من المؤسف هو نبش تلك الأحداث وإخراجها للناس حتى تفتح بابا للقيل والقال؟؟
هذه تساؤلات أوردها على نفسي كل يوم وفي كل حلقة أدونها..
و قد جاوبت نفسي وغيري بالتالي:
أنا أروي ما حصل كرواية شخصية أو كما سماها احد المعلقين الكرام ( سيرة ذاتية) ابتدأت من حياتي الشخصية ثم مرورا
بمواقف عديدة حتى وصلت لشيخنا رحمه الله..
ثم ستستمر الرواية ...
في أمور وبلدان تنسي أهوالها وأحداثها ..
كل ما مضى ؟؟؟؟
فما زلنا في البداية !!
فمن عنيزة حتى كرواتيا حتى حرب البوسنة المهولة ثم مرور
بكوسوفا ثم أفريقيا وبالخصوص في إثيوبيا والسودان والكاميرون وتشاد وغيرها ..!!
فالقصة طويلة والحكاية لن تقف على شيخنا رحمه الله أو غيره..
ولا أخفيكم أن هذا ما لم أكن عازما عليه منذ البداية !!
فقد عزمت على أن أدون ثلاث روايات متفرقة ولكن بعد مشاورة
وقراءة تجارب مثيلة رأيت دمج الموضوع في تسلسل واحد ..
حتى يستوعب القراء تلك الذكريات ولا أشتتهم في ثلاث محاور
قد يكون الربط بينها يحتاج لعناء ومشقة..
فالأفضل إن شاء الله هو استكمال كل مرحلة ثم الانتقال للمرحلة
التي تليها ..
والظن إن شاء الله أنني لو تمكنت من الاستمرار على نفس المنوال وهو تنزيل خمس حلقات أسبوعيا فالمتوقع استكمال القصة في أقل من سنة بحول الله تعالى
يصدف في هذه السير ذكر بعض الوقائع الحقيقية والتي سببت في وقتها مشاكل للراوي .. فأنا أمام خيارين اثنين:
إما أن أسكت وتبقى القضية مبهمة والتهمة معلقة على رأسي حتى
يهنأ مثيروها ويسلموا من جريرتها وعاقبة فعلهم..
وبالتالي يبقى في القصة فراغات هائلة وعلامات استفهام كبيرة
فتكون عديمة الفائدة بل تكون سببا للتندر والهزل..
أو علي أن أكشف الموضوع بكل جوانبه وحذافيره
مع ذكر الأسماء والوقائع والشواهد وأنا غير ملام في ذلك لأنني الحلقة الأضعف و الجهة المتلقية للظلم أو للصفعات واللطم!!
أو علي أن أروي قصتي كما يحلو لي وأتجنب التوصيف الدقيق أو تسمية الخصوم ،قناعة مني ورضا بما قدره ربي علي
ثم لما قد يترتب عن ذلك من تشويش على أصحاب تلك المخازي
وهم الآن في غنى عن ذلك!!
وأنا اخترت الخيار الثالث عن تفكير واستخارة واستشارة
ورغبة في البعد عن الشقاق والنزاع..
ولكن يبقى الخيار الثاني واردا إن رأيت أن في ذلك مصلحة
أولها رضى الخالق سبحانه ثم الدفاع عن نفسي ولو كان متأخرا..
إن تعرضت لتعد متجدد من الطرف المعني..
و السؤال هو لماذا لا نستمع للحكاية حتى النهاية ثم من بعد ذلك لنحكم عليها..
وليتكلم وليعلق ولينبش وليكذب!!
كل من يريد فعل ذلك فأنا لم اكتب حتى هذه اللحظة تلك الرواية في كتاب أصم !!
بل كتبت كل دعواي وما زعمته في منتديات حوارية أتلقى فيه من الثناء أو الذم !!
كل ذلك عندي سواء..
فلماذا لا يسع الجميع ما وسعني ووسع الآخرين ؟؟
لماذا إتباع سياسات خرقاء يترتب عليها أمور لا يحبذها عاقل ول
يبحث عنها لبيب..
أتمنى أن تصل رسالتي لمن اعنيه ويفهم ما اقصده ويعلم أنني
أحكي وقائع ومشاهد أقسمت على كل كلمة وحرف منها وأشهد
ربي سبحانه عليها وهو المولى والنصير ..
قد يتضايق بعض الإخوة القراء من كثرة تكراري لمثل هذا الكلام
وأقول لهم جميعا يا إخوتي هناك أناس يتربصون بي من خلف
الكواليس جبناء وسيأتي الوقت قريبا الذي افضحهم فيه ..
ولقد سمعت منهم كلاما ورسائل بعثوها ...
ألزمتني أن أؤكد على تلك المعاني والمباديء كل مرة ..
وأقول لهم لن أعيد كلامي!!
فلو تمادوا في غيهم وتجاوزوا الحدود فلن يكون صدر مالك وحده يحويهم .. !!
وسأسمع كل من يعقل ما فعلوه وبعدها فليدفعوا الحساب..
حسنا لنرجع لقصتنا ..
انتهى رمضان وأعلن العيد وعاد الأخ علي بشيخنا لجده ومنه رجع بالطائرة للقصيم ..
أما أنا فرجعت لعائلة في الطائف وبقيت هناك عدة أيام قضيت فيها مع العائلة الكريمة .. والحمد لله ..
ثم عدت للقصيم ..
فوجدت عنيزة شبه خالية من الطلبة .. حيث أن أغلب الطلبة لدى عوائلهم وأهليهم..
وحينما شارفت الإجازة على الانتهاء توافد الطلبة وغص بهم الجامع ..
قدم لعنيزة طالب من مدينة الطائف اسمه محمد العباد..
وقد سبق أن رأيته في الطائف قبل قدومي لعنيزة..
دون أن اعرفه باسمه أو أن احتك به..
هذا الطالب ترى من وجهه الجد والصرامة
ويشع من عينيه بريق الفطنة والذكاء..
بعد صلاة العشاء وخروجنا من الدرس المعتاد..
لحق الأخ محمد بشيخنا وكنت معهما أسير كما هي عادتي..
انتظر انتهاء الطلاب من أسألتهم ثم أبدأ بقراءة ما عندي من أسئلة وغيرها..
تناقش الأخ محمد مع شيخنا في مسألة فقهية ..
وكان في الأخ محمد حده فكان شيخنا يرد على كلامه فيرد الأخ محمد على الشيخ بإيرادات جميلة تدل على فطنته..
غير أن أسلوبه كان فظا فهذا ما جعل شيخنا يحتد معه أيضا..
اذكر أن الأخ محمد رد على الشيخ فقال له: هذا قول ابن حزم الظاهري في المحلى..
فاستشط شيخنا غضبا وقال : وهل المحلى كتاب منزل من السماء؟؟
ثم أورد عليه كلام ابن القيم في ابن حزم في كتاب إعلام الموقعين..
فرجع الأخ محمد وبقيت مع الشيخ وحيد ا وكأنه شعر بحدته فقد كان شيخنا رحمه الله سريع الفيئة!!
فقال لي: يبدوا على هذا الطالب النباهة والفطنة ..
في اليوم التالي .. وكنت جالسا في مكتبة السكن ..
جاءنا اتصال من مستشفى الملك سعود في عنيزة ..
فرد مشرف المكتبة على المكالمة..
فكان المتحدث من المستشفى يقول : حصل حادث لمجموعة من طلبة الشيخ ..
فصعدت فورا لغرفة مشرف السكن وهو حينها الأخ صالح المرعشي الحربي فأيقظته من النوم..
ففزع ،وأذكر أنه كان يتحدث مع نفسه من الروعة..
فتوجهت معه للمستشفى ..
فقابلنا مشرف شئون المرضى حينها وهو الدكتور محمد الحركان
فقال لنا : لقد توفي في الحال سائق السيارة وسائق السيارة الأخرى..
فقلت له : ما اسم السائق ؟؟
فقال: لم نعرف هويته حتى الساعة .. ولكن دعونا نتوجه للثلاجة فلعلكم تعرفون الميت..!!
حينما دخلنا ثلاجة الموتى أصابتني قشعريرة وخوف وارتباك
فلم يسبق لي أن رأيت موقفا كهذا .. وهممت بتركهما ..
رأينا شخصا ممدا على سرير ومغطى بشر شف أبيض ..
وعلى جهة الصدر بقع كبيرة من الدم ..
فتقدم الدكتور محمد للجثة من جهة الرأس ونظر لوجهي ووجه
مرافقي كأنه يقول: هل أنتما مستعدان للتعرف على الميت؟؟
فتسارعت نبضات قلبي وكدت أن أتراجع ..
فنزع الغطاء فتأملت الميت فإذا هو الأخ محمد العباد الذي كان يتجادل بالأمس مع شيخنا رحمه الله !!
ويؤمل شيخنا فيه ما يؤمل!!
رحمه الله وعفا عنه وأسكنه الفردوس الأعلى
تنبيه
للأسف فإن تسلسل الأحداث عندي قد لا يكون فيه انضباط ودقة كما ينبغي..
قد يحصل ان اذكر أحداثا ولا استطيع التأكيد عن وقت حصولها هل بعد رمضان ام قبله هل في فترة الإجازة ام في وقت الدراسة ..
أصل الأحداث معلوم وميقن منه لكن تحديد الزمن بدقة صعب للغاية فارجوا ممن اطلع على حدث ولديه ملاحظة حول الزمن أو التسلسل أن يسارع بتنبيهي حتى أعدل تلك المعلومة..
مواقع النشر