اهــــ(الأحداث)ــــم

• طلب الكثير من الأعضاء إعادة تنشيط صندوق المحادثات • • تداول خسارة 139.27 نقطة عند 11,791.18 • بيع 100 مليون سهم الاتصالات • • القمة العربية الإسلامية • وقف عدوان اسرائيل • انهاء ازمة فلسطين
صفحة 6 من 8 الأولىالأولى ... 45678 الأخيرةالأخيرة
النتائج 51 إلى 60 من 73
  1. #51

    افتراضي

    الحلقة الخمسون

    هانحن أوشكنا أن نغادر مكة وربوعها ..
    وقد قطفنا بعض ثمار الذكريات فيها ..
    ولا بأس من جلب شيء من الثمار لمكة
    من المدينة وجدة والأردن!!
    أردت عن قصد ونية مما سبق أن أشاغل الناس بشيء من مواقف الشيخ الجميلة واللطيفة..
    حتى لا تفسد تلك المشاكل الشخصية بيني وبين صاحبنا المعهود..
    طعم القصة والحكاية بمرارتها .. وقد أوشكت!!
    لقد رأيت أن القراء الكرام تضايقوا مما حدث ..
    وبعضهم استغرب حدوث ذلك ..
    واستنكره واستهجنه..
    وحق لهم في ذلك ..!!
    ولكنني أذكرهم وأقول لهم :
    أقرءوا التاريخ والسير..
    ابتداء بسير المرسلين عليهم السلام
    ومرورا بسير أصحاب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم
    وسير السلف الصالح والعلماء والخلفاء والملوك وكذلك بعض القصص الجاهلية والحديثة..
    فستجدون أن ذلك أمر متجدد عبر الزمان ولا يستغرب وقوع ما هو أروع منه وأغرب وأعجب وأنكى
    ممن سماهم الله تعالى ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين )
    وقوله تعالى ( إنه كان ظلوما جهولا)
    خاصة وأن الحدث وقع بين طلبة علم ومن حلقة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله المقربة..
    وما الغرابة في ذلك ؟؟
    أليسوا بشرا ؟؟
    ألم يقع في الصالحين ما هو أغرب ؟؟
    السؤال الشرعي هو:
    هل ذكر مثل هذه المواقف والأحداث يفيد ؟؟
    ما العبرة والحكمة من روايتها؟؟
    أليس من المتوقع أن يعقل الناس وتتوب وتنسى تلك المهازل والسفاهات..؟؟
    أليس من المؤسف هو نبش تلك الأحداث وإخراجها للناس حتى تفتح بابا للقيل والقال؟؟
    هذه تساؤلات أوردها على نفسي كل يوم وفي كل حلقة أدونها..
    و قد جاوبت نفسي وغيري بالتالي:
    أنا أروي ما حصل كرواية شخصية أو كما سماها احد المعلقين الكرام ( سيرة ذاتية) ابتدأت من حياتي الشخصية ثم مرورا
    بمواقف عديدة حتى وصلت لشيخنا رحمه الله..
    ثم ستستمر الرواية ...
    في أمور وبلدان تنسي أهوالها وأحداثها ..
    كل ما مضى ؟؟؟؟
    فما زلنا في البداية !!
    فمن عنيزة حتى كرواتيا حتى حرب البوسنة المهولة ثم مرور
    بكوسوفا ثم أفريقيا وبالخصوص في إثيوبيا والسودان والكاميرون وتشاد وغيرها ..!!
    فالقصة طويلة والحكاية لن تقف على شيخنا رحمه الله أو غيره..
    ولا أخفيكم أن هذا ما لم أكن عازما عليه منذ البداية !!
    فقد عزمت على أن أدون ثلاث روايات متفرقة ولكن بعد مشاورة
    وقراءة تجارب مثيلة رأيت دمج الموضوع في تسلسل واحد ..
    حتى يستوعب القراء تلك الذكريات ولا أشتتهم في ثلاث محاور
    قد يكون الربط بينها يحتاج لعناء ومشقة..
    فالأفضل إن شاء الله هو استكمال كل مرحلة ثم الانتقال للمرحلة
    التي تليها ..
    والظن إن شاء الله أنني لو تمكنت من الاستمرار على نفس المنوال وهو تنزيل خمس حلقات أسبوعيا فالمتوقع استكمال القصة في أقل من سنة بحول الله تعالى
    يصدف في هذه السير ذكر بعض الوقائع الحقيقية والتي سببت في وقتها مشاكل للراوي .. فأنا أمام خيارين اثنين:
    إما أن أسكت وتبقى القضية مبهمة والتهمة معلقة على رأسي حتى
    يهنأ مثيروها ويسلموا من جريرتها وعاقبة فعلهم..
    وبالتالي يبقى في القصة فراغات هائلة وعلامات استفهام كبيرة
    فتكون عديمة الفائدة بل تكون سببا للتندر والهزل..
    أو علي أن أكشف الموضوع بكل جوانبه وحذافيره
    مع ذكر الأسماء والوقائع والشواهد وأنا غير ملام في ذلك لأنني الحلقة الأضعف و الجهة المتلقية للظلم أو للصفعات واللطم!!
    أو علي أن أروي قصتي كما يحلو لي وأتجنب التوصيف الدقيق أو تسمية الخصوم ،قناعة مني ورضا بما قدره ربي علي
    ثم لما قد يترتب عن ذلك من تشويش على أصحاب تلك المخازي
    وهم الآن في غنى عن ذلك!!
    وأنا اخترت الخيار الثالث عن تفكير واستخارة واستشارة
    ورغبة في البعد عن الشقاق والنزاع..
    ولكن يبقى الخيار الثاني واردا إن رأيت أن في ذلك مصلحة
    أولها رضى الخالق سبحانه ثم الدفاع عن نفسي ولو كان متأخرا..
    إن تعرضت لتعد متجدد من الطرف المعني..
    و السؤال هو لماذا لا نستمع للحكاية حتى النهاية ثم من بعد ذلك لنحكم عليها..
    وليتكلم وليعلق ولينبش وليكذب!!
    كل من يريد فعل ذلك فأنا لم اكتب حتى هذه اللحظة تلك الرواية في كتاب أصم !!
    بل كتبت كل دعواي وما زعمته في منتديات حوارية أتلقى فيه من الثناء أو الذم !!
    كل ذلك عندي سواء..
    فلماذا لا يسع الجميع ما وسعني ووسع الآخرين ؟؟
    لماذا إتباع سياسات خرقاء يترتب عليها أمور لا يحبذها عاقل ول
    يبحث عنها لبيب..
    أتمنى أن تصل رسالتي لمن اعنيه ويفهم ما اقصده ويعلم أنني
    أحكي وقائع ومشاهد أقسمت على كل كلمة وحرف منها وأشهد
    ربي سبحانه عليها وهو المولى والنصير ..
    قد يتضايق بعض الإخوة القراء من كثرة تكراري لمثل هذا الكلام
    وأقول لهم جميعا يا إخوتي هناك أناس يتربصون بي من خلف
    الكواليس جبناء وسيأتي الوقت قريبا الذي افضحهم فيه ..
    ولقد سمعت منهم كلاما ورسائل بعثوها ...
    ألزمتني أن أؤكد على تلك المعاني والمباديء كل مرة ..
    وأقول لهم لن أعيد كلامي!!
    فلو تمادوا في غيهم وتجاوزوا الحدود فلن يكون صدر مالك وحده يحويهم .. !!
    وسأسمع كل من يعقل ما فعلوه وبعدها فليدفعوا الحساب..
    حسنا لنرجع لقصتنا ..
    انتهى رمضان وأعلن العيد وعاد الأخ علي بشيخنا لجده ومنه رجع بالطائرة للقصيم ..
    أما أنا فرجعت لعائلة في الطائف وبقيت هناك عدة أيام قضيت فيها مع العائلة الكريمة .. والحمد لله ..
    ثم عدت للقصيم ..
    فوجدت عنيزة شبه خالية من الطلبة .. حيث أن أغلب الطلبة لدى عوائلهم وأهليهم..
    وحينما شارفت الإجازة على الانتهاء توافد الطلبة وغص بهم الجامع ..
    قدم لعنيزة طالب من مدينة الطائف اسمه محمد العباد..
    وقد سبق أن رأيته في الطائف قبل قدومي لعنيزة..
    دون أن اعرفه باسمه أو أن احتك به..
    هذا الطالب ترى من وجهه الجد والصرامة
    ويشع من عينيه بريق الفطنة والذكاء..
    بعد صلاة العشاء وخروجنا من الدرس المعتاد..
    لحق الأخ محمد بشيخنا وكنت معهما أسير كما هي عادتي..
    انتظر انتهاء الطلاب من أسألتهم ثم أبدأ بقراءة ما عندي من أسئلة وغيرها..
    تناقش الأخ محمد مع شيخنا في مسألة فقهية ..
    وكان في الأخ محمد حده فكان شيخنا يرد على كلامه فيرد الأخ محمد على الشيخ بإيرادات جميلة تدل على فطنته..
    غير أن أسلوبه كان فظا فهذا ما جعل شيخنا يحتد معه أيضا..
    اذكر أن الأخ محمد رد على الشيخ فقال له: هذا قول ابن حزم الظاهري في المحلى..
    فاستشط شيخنا غضبا وقال : وهل المحلى كتاب منزل من السماء؟؟
    ثم أورد عليه كلام ابن القيم في ابن حزم في كتاب إعلام الموقعين..
    فرجع الأخ محمد وبقيت مع الشيخ وحيد ا وكأنه شعر بحدته فقد كان شيخنا رحمه الله سريع الفيئة!!
    فقال لي: يبدوا على هذا الطالب النباهة والفطنة ..
    في اليوم التالي .. وكنت جالسا في مكتبة السكن ..
    جاءنا اتصال من مستشفى الملك سعود في عنيزة ..
    فرد مشرف المكتبة على المكالمة..
    فكان المتحدث من المستشفى يقول : حصل حادث لمجموعة من طلبة الشيخ ..
    فصعدت فورا لغرفة مشرف السكن وهو حينها الأخ صالح المرعشي الحربي فأيقظته من النوم..
    ففزع ،وأذكر أنه كان يتحدث مع نفسه من الروعة..
    فتوجهت معه للمستشفى ..
    فقابلنا مشرف شئون المرضى حينها وهو الدكتور محمد الحركان
    فقال لنا : لقد توفي في الحال سائق السيارة وسائق السيارة الأخرى..
    فقلت له : ما اسم السائق ؟؟
    فقال: لم نعرف هويته حتى الساعة .. ولكن دعونا نتوجه للثلاجة فلعلكم تعرفون الميت..!!
    حينما دخلنا ثلاجة الموتى أصابتني قشعريرة وخوف وارتباك
    فلم يسبق لي أن رأيت موقفا كهذا .. وهممت بتركهما ..
    رأينا شخصا ممدا على سرير ومغطى بشر شف أبيض ..
    وعلى جهة الصدر بقع كبيرة من الدم ..
    فتقدم الدكتور محمد للجثة من جهة الرأس ونظر لوجهي ووجه
    مرافقي كأنه يقول: هل أنتما مستعدان للتعرف على الميت؟؟
    فتسارعت نبضات قلبي وكدت أن أتراجع ..
    فنزع الغطاء فتأملت الميت فإذا هو الأخ محمد العباد الذي كان يتجادل بالأمس مع شيخنا رحمه الله !!
    ويؤمل شيخنا فيه ما يؤمل!!
    رحمه الله وعفا عنه وأسكنه الفردوس الأعلى

    تنبيه
    للأسف فإن تسلسل الأحداث عندي قد لا يكون فيه انضباط ودقة كما ينبغي..
    قد يحصل ان اذكر أحداثا ولا استطيع التأكيد عن وقت حصولها هل بعد رمضان ام قبله هل في فترة الإجازة ام في وقت الدراسة ..
    أصل الأحداث معلوم وميقن منه لكن تحديد الزمن بدقة صعب للغاية فارجوا ممن اطلع على حدث ولديه ملاحظة حول الزمن أو التسلسل أن يسارع بتنبيهي حتى أعدل تلك المعلومة..



    !!!

  2. #52

    افتراضي

    الحلقة الواحدة والخمسون

    حضر مجموعة من طلبة الشيخ درس الشيخ سليمان العلوان حفظه الله
    في مدينة بريدة ..
    الشيخ سليمان العلوان لمن لا يعرفه
    كان في تلك السنين شابا في مقتبل عمره ..
    آتاه الله من العلم الراسخ خاصة في علم الحديث ..
    والفهم الثاقب وسعة الإطلاع ما يبهر الأبصار ويحير الألباب
    تسامع به طلبة العلم فتقاطروا عليه من كل مكان ..
    ولقد رأيت في درسه وحضرته مرة واحدة فقط
    رأيت من يكبره مرة أو مرتين ويحمل أعلا الشهادات العلمية
    وقد ثنى ركبتيه بين يديه..
    وكان درسه بعد صلاة الفجر ..
    حضره عدد من طلبة الشيخ وبعد رجوعهم من الدرس وكان ذلك يوم خميس
    أعترضتهم فجأة سيارة يقودها رجل مسن ومعه مرافق مسن أيضا..
    فاصطدموا به فتطاير الركاب من السيارتين ..
    وضرب مقود السيارة على صدر محمد العباد فمات في الحال..
    وتوفي أيضا قائد السيارة الأخرى رحمه الله..
    وتهشمت السياراتان حتى تلفتا تماما ولم تعد تصلحان للانتفاع بتاتا..
    كانت تلك الحادثة المروعة مجزرة بما تعنيه العبارة من معنى!!
    فقد خطف الموت طالبا مجدا وهو الأخ محمد العباد رحمه الله وأصوله من اليمن
    وفقد أحد الطلبة إحدى عينيه وكاد يعمى ومكث في الإنعاش أسابيع عديدة
    وهو الأخ محمد الأمين السوداني
    وكسر أللحي السفلي لأحدهم وكاد يتلف ويهلك..
    وهو الأخ عبد الله حافظ الباكستاني
    والآخر أوشك على الموت فقد تكسرت أضلاعه وشل شللا نصفيا
    وهذا للأسف نسيت اسمه وهو من سكان جده ومن قبيلة حرب
    وقد كان الأشد تضررا من الحادث أعانه الله وخلف الله عليه خير
    حينما سمع شيخنا بالخبر ..
    أراد الذهاب للمستشفى في عصر ذلك اليوم للاطمئنان عليهم بنفسه ..
    وقال لي : جهز سيارتك سأذهب معك للمستشفى!!
    سيارتي من نوع الجالنت اشتريتها من أخي الكبير بسعر زهيد
    و هي سيارة شبه متهالكة!!
    و وهيئتها وما وضع عليها من زخارف لا تليق بي أنا كطالب علم
    فكيف بشيخنا !!
    قد مضى على وجودها معي أياما معدودات ولم أتمكن
    من تغيير ما عليها من زخارف وعبارات مخجله !!
    حتى أن أخي سامحه الله قد هبط هيكل السيارة بحيث توشك أن تحتك بالطريق !!
    تفهمون ما أعنيه جيدا !!
    عندما قال لي الشيخ: سأذهب معك بسيارتك..
    قلت له:
    ياشيخي سأستعير سيارة من احد الزملاء ..
    فقال: ولما ؟؟
    أبي أشوف سيارتك ونجربها!!
    توكل على الله وجهزها لي بعد الصلاة عند باب المسجد!!
    وقعت في حرج شديد واستحييت أن أركب شيخنا على مثل هذه السيارة المريعة !!
    بعد العصر سبقت الشيخ لخارج المسجد وجهزت له السيارة ..
    فلما جاء واقترب مني وركب فيها قال لي: مبارك !!
    هل هذه سيارتك؟؟
    فقلت له : لا ،ياشيخ هذه ليست سيارتي هذه لأحد الزملاء!!
    فقام شيخنا مغضبا من فوره وخرج من السيارة وأشار لطالب آخر
    فركب معه وتركني!!
    لحقتهم للمستشفى فوجدت سيارتي التي تركتها مع صاحب السيارة التي أقودها ..
    فأرجعتها له وأخذت تلك العجوز المريعة..
    فأوقفتها أمام باب المستشفى !!
    فإذا كانت هذه رغبة الشيخ فليكن!!
    لحقت بشيخنا وتجولت معه على المرضى ..
    وكان في استقبال الشيخ الرجل الشهم والكريم المفضال الدكتور عبد الله البداح المشرف العام على المستشفى وعدد من الإداريين ..
    حينما زرنا الأخ محمد الأمين وكان في غيبوبة تامة قال لنا الممرض:
    هذا الرجل طوال الوقت في غرفة العمليات..
    كان يقرأ القرءان ويسبح ويهلل وهو في غيبوبة تامة ..!!
    وقف شيخنا على رأسه ودعا له وقرأ عليه ونفث..
    ثم تنقلنا في غرف الإخوة الآخرين عبد الله والأخ الذي نسيت اسمه..
    وكان وضع الأخير حرج للغاية مما استلزم نقله لجدة بعد عدة أسابيع
    كانت حاله كما ذكرت خطرة للغاية وكانت معرضة للتطور في أي لحظة وكان في غيبوبة ..
    وبعد فترة تحسنت حالته نوعا ما وصار يفتح عينيه ولكنه لا يعرف من حوله ولا يعقل ..
    وفي إحدى الزيارات حيث كان شيخنا يزور المرضى دوم
    حدث موقف عجيب وغريب ..
    عندما وقف شيخنا على رأس أخينا الكريم
    واقترب منه ودعا له وقرأ عليه كما يفعلها كل مرة..
    حينها نظر الأخ في وجه الشيخ فتأمله وكأنه عرفه فابتسم وضحك !!
    فقال الشيخ وهو ممسك بيده : هل يعرف من حوله ؟؟
    فقال الطبيب: أبدا هو لم يفعل هذا من قبل !!
    وكنا كلما زرناه مع الشيخ يكرر ما فعله دوما فيضحك ويتهلل وجهه ..
    فسبحان من ملأ قلوب عباده حبا لهذا العلم الجليل وخصوصا تلاميذه الذين يرونه في مقام الوالد الرحيم بل اشد من ذلك!!
    وليخسأ الخاسئون!!
    همس أحد الطلاب في أذن الشيخ
    وقال له: ياشيخ نريد رؤية الأخ محمد العباد
    فقال الشيخ : هو ميت !!
    فقال : ياشيخنا لا بأس للاعتبار!!
    الشخص الذي همس في أذن الشيخ وقال له ما قال ..
    حدث له حادث بعد سنوات على طريق المدينة القصيم وكانت معه زوجته
    وأبناؤه فتوفي رحمه الله من فوره .. وسلمت زوجته وأبناؤه..
    وقد بلغني الشيخ بموته حينما اتصلت عليه من البوسنة..
    فقال لي: هل سمعت بفلان لقد صار عليه حادث وصلينا عليه اليوم..
    حينها والله تذكرت كلمته حينما قال لشيخنا : نريد الاعتبار..
    واسمه عبد الرحمن داود رحمه الله..
    من خيرة الطلبة وأكثرهم حرصا على التحصيل والطلب
    عفا الله عنه وجعل مثواه الجنة..
    دخل الطلبة على جثة الأخ محمد وقد وضعت في داخل الثلاجة..
    ولما رفع الغطاء عن وجهه تأمل الشيخ وجهه وسكت قليلا ..
    وهز رأسه ثم دعا له و انصرف..
    خرجنا من المستشفى وكان الشيخ قد رأى على وجهي كرها لما فعله معي
    فقال لي: هل أحضرت سيارتك؟؟
    فقلت بخجل وحياء: نعم..
    استحييت والله من الطلبة ومن مدير المستشفى أن يروا دابتي!!
    وصلنا للباب وخرج الشيخ .. وودع مرافقيه
    وفتحت له باب السيارة..
    وقال قبل أن يركب: هذه هي؟؟
    قلت : هي والله !!
    فدخل فيها وقرأ دعاء الركوب وأخذ يلمس مراتبها ويمسح على مقدمها ويقول:
    مبارك يا أبا عبد الله لتهنأ لك وجعلها عونا على الطاعة!!
    فخرجنا من المستشفى واعتذرت من شيخنا عما بدر مني
    فقال : لا تخجل السيارات كلها سواء المهم توصلك لحاجتك..
    ثم انشغل رحمه الله بتقليب المذياع والنظر في سقفها والتبريك والدعاء
    وكأنني أقود أفخم وأرقى طراز ..
    رحمه الله ما ابسطه وأكرمه وألطفه..
    في اليوم التالي صلينا على الأخ محمد العباد بعد صلاة الجمعة..
    وأمنا شيخنا رحمه الله ..
    ثم خرج بنفسه وتقدم الجنازة راجلا ..
    وقد حملت على الأكتاف حتى المقبرة والتي تقع في الجهة الشمالية من عنيزة
    وكأن الإخوة الذين يحملون الجنازة استعجلوا في السير ليلحقوا الشيخ
    فقال لهم معاتبا :
    سيروا على مهل هل تريدون الجنازة أن تسقط؟؟
    وصلنا للمقبرة وجلس شيخنا على التراب ..
    حتى يصلي على الجنازة من لم يصل..
    وحتى يحضر الميت ويدفن ..
    وضع الأخ محمد رحمه الله في القبر ..
    وكان والده موجودا ومتأثرا جدا من فقد ولده .. وقرة عينه ..
    خلف الله عليه خيرا ..
    وجعله فرطا له إلى الجنة..
    بكى والده على قبره فأبكى من حوله ..
    نظرت للقبور ذلك اليوم وكانت على مد البصر..
    رأيت رجلا يسير بعيدا من بين القبور وكنت اعرفه ..
    فسالت : أين يذهب؟؟
    فقالوا: يزور قبر شيخه عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله
    جاء والد الأخ محمد وسلم على شيخنا وقبل يده وبكى بكاء كما تبكي الثكلى
    فصبره شيخنا ودعا له ولولده محمد وقال : يخلف المولى سبحانه عليك في
    إخوان محمد.. فلا تتحسر فكلنا موتى وهذا آجال .. الخ كلامه رحمه الله
    ولقد واساه شيخنا ودعاه في بيته واستضافه طوال بقاءه في عنيزة ..
    مرت الأيام تترى وبوتيرة سريعة ..
    وما أسرع ما جاء موسم الاستعداد للحج..
    حيث أوقف شيخنا الدروس المعتادة ..
    وشرع في دورة مركزة في القراءة من أبواب الحج من الزاد ومن كتب المناسك
    وكذلك كتابه الصغير في حجمه الكبير في قدره المتعلق بالأضاحي ..
    وقد قرأناه عليه وشرحه شرحا وافيا ..
    فخرجت بفوائد عظيمة واستطعت الإحاطة بتوفيق المولى بجميع ما يتعلق
    بالحج والمناسك والأضحية من تلك الدروس..
    فجزى الله شيخنا خير الجزاء ورضي عنه وجعل قبره روضة من رياض الجنة
    في الأيام الأخيرة من شهر ذي القعدة ..
    وقبل رؤية هلال ذي الحجة توجهت مع شيخنا لأداء الحج..
    وكان في استقبالنا الشيخ صالح الزامل والأخ علي السهلي وجمع كريم من الإخوة
    المحبين..
    توجهنا لمكة شرفها الله لأداء العمرة وتحللنا بعد ذلك ..
    فقد كنا متمتعين كما هو معروف من أنواع النسك..
    أرجعنا السيارة التي كانت معنا للشيخ صالح الزامل واستبدلناها
    بسيارة جديدة تركت تحت تصرفنا ..!!
    سألت شيخنا: ما هذه السيارة هل هي مهداة؟؟
    فقال: كلا ، هذه السيارة تابعة لوزارة الشئون الإسلامية حيث أشرف سنوي
    على الدعوة في صالة الحجاج والميناء !!



    !!!

  3. #53

    افتراضي

    الحلقة الثانية والخمسون

    برنامج شيخنا في فترة الحج برنامج شاق ومرهق بما تعنيه الكلمة من معنى
    حيث يحتوي على برامج متتابعة من دروس ومحاضرات وفتاوى وتنقل بين المخيمات قبل وبعد الحج وأثناءه ..
    ولقد كان يصيبني الفتور والإعياء من كثرة البرامج وشيخنا في قمة نشاطه!!
    في الحج كنت أنا رديف شيخنا ولم يرافقنا أحد من أقارب الشيخ أو أصحابه
    وكنا طوال فترة بقاءنا في مكة وكذلك في مخيم الحج في ضيافة شهم سأتحدث عنه لاحقا..
    توجهنا بسيارتنا الجديدة (وهي جيب تايوتا لون رمادي)
    لمكتب التوعية الإسلامية الواقعة في حي الششة والذي يقابله جامع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
    حيث كان شيخنا يمكث كثيرا في ذلك المكتب لاستقبال
    الزوار من العلماء والمشائخ والمستفتين وأمامه هاتف لا يتوقف عن الرنين
    لأربع وعشرين ساعة للفتاوى..
    ولسائل أن يتساءل كيف يعرف الناس رقم تلفون الشيخ في مكة أو في جده أو غيرها من المدن؟؟
    والجواب: أن شيخنا قام بطريقة جميلة وسهلة بحل هذا الإشكال!!
    وذلك أن جهاز التلفون في عنيزة فيه خاصية تحويل المكالمات ..
    فمثلا لو اتصل شخص لعنيزة على رقم الفتاوى المعروف
    فسوف يرد عليه التلفون بصوت الشيخ يقول له :
    اتصل على الرقم كذا .. فمرة يعطيهم رقمه في الرياض ومرة في جده
    ومرة في المدينة وهكذا..
    وكان رقم التلفون يتغير في بعض الأحوال يوميا وذلك بالاتصال على الجهاز وإدخال شفرة معينه فيملي الشيخ بصوته الرقم الجديد..
    وللمعلومية فشيخنا لديه اهتمام كبير بالتقنيات وخصوصا أجهزة الاتصالات
    وكل من أراد أن يدخل السرور على شيخنا ويفرحه فعليه أن يخبره
    بجهاز اتصال جديد نزل في السوق فستجده بعد أيام في بيته أو مكتبته !!
    أذكر مرة أنني طلبت من الشيخ أن يعطيني مبلغا من نفقتي التي يرسلها
    الوالد لي على حساب الشيخ حيث أن شيخنا يحتفظ بها عنده وينفق علي
    منها كما ينفق الوالد على ولده ..

    فقال لي : تعال عندي في البيت وسأعطيك الجهاز الذي تحتاجه..!!
    فجئته ودخلت معه للبدروم حيث مكتبته الثانية ..
    فأراني دولابا كبيرا به رفوف كثيرة وقد حشرت به عشرات الأجهزة
    من كل الأنواع والأصناف ..!!
    علما أن غالبها مهدى لشيخنا من قبل أحد أصحابه الذين اعرفهم جيد
    وبمناسبة ذكر الأجهزة أذكر هذا الموقف..
    كنا مرة في جده وبعد صلاة عصر ..
    ذكر أحدهم للشيخ محمد أن هناك أجهزة للاتصالات
    جديدة وفيها من المواصفات كيت وكيت ..
    وهي متوفرة في معرض تجاري لشركة سوني في سوق حراء الدولي
    فقال الشيخ لي: توجه لذلك السوق
    وكان لدينا فراغ بسيط من الوقت ..
    فانطلقنا للسوق وترجلنا ودخلنا ذلك المعرض..
    فتجول شيخنا فيه دون أن يعرفه أحد من البائعين أو المشترين ..
    فاختار جهازا أو جهازين ..
    فقال البائع: للأسف لا يوجد لدينا جهاز جديد
    وهذا الجهاز للعرض ولكن لو تعطينا عنوانكم فسوف نبعثه لكم ..
    فقال الشيخ: أنا مقيم في عنيزة!!
    فقال : سنبعثه لك لعنيزة وستتكفل أنت بقيمة الشحن..
    فقال الشيخ : لا بأس بذلك ..
    فأعطاه العنوان ورقم الهاتف..
    ودون له الاسم : محمد بن صالح العثيمين !!
    وخرجنا من المحل..
    يقول الشيخ لي : بعد وصوله لعنيزة بأيام تلقى اتصالا هاتفيا من مالك المحل
    وكان يبكي في التلفون ويقول: والله ياشيخ لو علمت أنك ستأتي لمحلي لتشرفت
    أنا باستقبالك ..
    وقد بعث الجهاز للشيخ وأهداه له ورفض رفضا باتا أن يأخذ قيمته من الشيخ..
    في مكة حيث كنا نمكث في مكتب التوعية ..
    كان شيخنا يجلس في صالون بجوار مكتب كبير مكتوب عليه
    ( مكتب معالي النائب)؟؟؟؟
    فقلت لشيخنا : مكتب من هذا ؟؟
    فقال : هذا مكتب الشيخ إبراهيم بن صالح آل الشيخ نائب الشيخ
    عبد العزيز بن باز ...
    هذا الرجل تعجز والله كلماتي المختصرة عن الثناء عليه ..
    ويكفي أن أقول عنه أنه رجل بما تعنيه تلك الكلمة..
    تواضع في تعامله ..
    سماحة في نفسه..
    حسن المعشر..
    حلاوة الحديث..
    الطرافة الكرم الطيبة الحنان التفاني .. بارك الله في أبي صالح
    ولا عجب فهو سلالة كريم بن كريم بن كريم بن كرام..
    فجده هو شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ..
    وأبوه هو الشيخ صالح آل الشيخ قاضي الرياض المشهور وشيخ العلماء الكبار..
    صاحب المواقف المشهورة مع الملك عبد العزيز رحمه الله ..
    وأقرؤوا سيرته العطرة في كتاب (علماء نجد خلال ثمانية قرون) للشيخ العلامة
    عبد الله البسام عليه رحمة الله..
    في ذلك العام والذي يليه مكثنا في ضيافته في الحج قبله وخلاله وبعده
    في أيام فضيلة وذكريات ممتعة ولحظات مباركة
    لو لم يكن مكسب لي من صحبة شيخنا ومرافقته سوى معرفة أمثال
    الشيخ إبراهيم لكان والله ذلك كافيا لي..
    فكيف إذا اجتمع لنا في تلك اللحظات فوائد ونكت علمية ودقائق
    يندر أن يتمكن الإنسان من تحصيلها من جوف و أعماق بطون الكتب..!!
    والله لقد سمعت من العلم واستفدت من الفوائد والمسائل في تلك السفرات
    ما قد يحشى في رأس طالب علم فيستحق أن يسمى عالما!!
    ولكن كم بقي لي منه وكم احتفظت به وكم عملت به ؟؟
    هل العلم بالمعرفة فحسب ؟؟
    هل العلم أن تحيط بالمسائل دون أن تفقه فتصير مثل حمار الفروع!!
    يؤسفني أن أقول مثل هذا الكلام ولا أحب ترديده وذكره والله ..
    ولكن بعض الجهلاء وفاسدوا القصد اتهموني ظلما وزورا بأنني اصحبه لأغراض وأهداف دنيئة ..
    حسبهم الله ...
    والموعد بين يديه تعالى ...
    نزلنا في بيت الشيخ إبراهيم بن صالح والكائن في حي العزيزية بجوار جامع الحارثي والذي كان إمامه حينها الدكتور ناصر الزهراني وفقه الله
    فكنا نصلي في المسجد ويلقي شيخنا فيه درسا بعد صلاة العصر
    ودرسه الآخر يلقيه في جامع فقيه المعروف..
    ولم يكن شيخنا يصلي في الحرم سوى الجمعة ولم يكن يلقي
    فيه الدروس لتعذر ذلك بسبب الزحام الهائل في الحرم وحوله..
    وغالب من يحضر تلك الدروس هم من الحجاج من الدول العربية وغيره
    والعجيب والغريب ..
    هو حضور عدد من أصحاب العمائم السوداء !!
    من الروافض لدروس الشيخ...!!
    ولقد تساءلنا حينها : هل يفهمون العربية وهل يسمعون الدروس ليستفيدوا؟؟
    في درس جامع الحارثي كان أحدهم يداوم الحضور وكان يناقش شيخنا كثير
    وشعر شيخنا منه رغبة في البحث عن الحقيقة أو هكذا بدا ؟؟؟
    عرف نفسه للشيخ أنه مدرس في إحدى الحوزات العلمية في قم في إيران
    وطلب من الشيخ أن يجلس معه جلسة خاصة في بيته ليتجادل مع شيخن
    حول بعض المسائل العقدية والمختلف فيها بين الروافض وأهل السنة والجماعة
    دعاه شيخنا لبيت الشيخ إبراهيم .. فحضر الرافضي وكان ذلك بعد درس العصر
    أظهر الفرح وتملق في كلامه وأنه باحث عن الحقيقة فجاراه شيخنا حتى يبلغه الحجة الناصعة..
    قدمنا له القهوة والشاي وكنت أنا حاضرا وكذلك الأخ أحمد البغدادي
    قام بإيراد عدد من المسائل المشهورة والمتعلقة بالصحابة رضي الله عنهم وخصوصا عن أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وخليفته أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ..
    وكذلك عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه
    وتنوقش أيضا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها..
    وكان يقول ويؤكد أن الخلاف على هذه المسائل ليس من أصول الدين
    فقال له شيخنا: بل هي من أهم المهمات فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه
    وسلم وهم نقلة الوحي وخير أصحابه..
    فالقدح فيهم قدح في رسول الله عليه الصلاة والسلام وقدح في دين الله جل وعل
    ومن خلال الحديث لمز الرافضي عثمان ابن عفان ..
    فدحر الشيخ كلامه ودحض حججه وترضى عن عثمان ..
    وقال أيضا : لا أظن أحد يختلف في كفر معاوية وابنه يزيد !!
    فبين له شيخنا فضل معاوية رضي الله عنه وأنه أحد كتبة الوحي ونقل له
    موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة التي وقعت بينه وبين أمير المؤمنين علي
    بن أبي طالب رضي الله عنه
    و أن ما وسع العلماء والسلف يسعنا.. فيهما رضي الله عنهم
    وكذلك موقفهم من ابنه يزيد ونقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فيه ..
    فقال الرافضي: تمنيت أن اطلع على كتب ابن تيمية..
    فقد سمعت أن الرجل له مؤلفات في الرد علينا وفيها قوة حجة وجزالة ألفاظ!!
    فقال الشيخ: إن شئت اشتريت لك كتب ابن تيمية ..
    لتحملها معك إلى إيران فتقرأها فلعل الله تعالى بفتح على قلبك
    فيظهر لك الحق..
    فأظهر الفرح وشكر الشيخ ..
    وبعد استكمال الحوار والنقاش ..
    خرجنا معه من السكن وتوجهنا به وبرفقة شيخنا للمكتبة ..
    ويا للعجب !!
    رافضي في صحبة ابن عثيمين في سيارة واحدة؟؟
    اشترينا له كتاب منهاج السنة وكتاب درء تعارض العقل والنقل..
    فتعجب من كبر حجمهما فقال له الشيخ:
    إن قرأتهما قراءة بحث وطلب للحق فسوف تجد بغيتك إن شاء الله
    أما إن قرأته لتنقده ولتبحث عن زلاته فلن تستفيد منه شيئا..
    فقبل الرافضي رأس الشيخ وشكره وقال : هذا رقم هاتفي ولعلكم تتصلون علي بعد شهر أو شهرين فأعطيكم رأيي وما وصلت إليه فحفظت الرقم عندي وبعد مرور شهرين ..
    ذكرت شيخنا به ..
    فاتصلنا عليه ..
    فردت علينا امرأة فرطنت بكلام لا نفقهه..!!
    فقلت لها : نريد فلان .. وكررت اسمه ..
    فما فهمت كلامي فأغلقت السماعة في وجهي !!
    ولعل الله تعالى أن يكون هداه !!



    !!!

  4. #54

    افتراضي

    الحلقة الثالثة والخمسون

    لم يكن البرنامج في تلك الأيام يسير على نمط واحد كما هو في رمضان
    بل كان لكل يوم برنامج على حده ..
    كان شيخنا يجلس في مكتب التوعية الساعات الطويلة يجيب على الفتاوى
    وحيث أنني لا يمكنني الاستفادة من بقائي ..
    استأذنت شيخنا لكي أقضي فراغي في المكتبة التابعة للتوعية..
    وجدت أن المكتبة ليست غنية بالمراجع المتنوعة بل غالب كتبها
    حول صنف أو صنفين من أصناف العلوم ..
    و كان قد كلفني شيخنا سابقا بتدوين بعض البحوث
    فاحتجت أن اطلع على عدد كبير من المراجع ..
    فلم تشبع تلك المكتبة نهمي ولم تكن مناسبة لخصوص البحث..
    فاخترت كتابا وقعدت لقراءته وكنت أحيانا من الإعياء يسقط رأسي على دفة
    الكتاب وأنا لا أشعر...
    لاحظت رجلا يداوم الجلوس في المكتبة ..
    ووضع أمامه مجلدات ضخمة يراجع فيها ويقرأ منه
    ويبدوا أنها رسائل علمية ويشرف هو عليها أو هي له ..!!
    وجهه مستدير ولحيته بيضاء ووجهه أبيض وممتلئ الجسم
    وليس بالطويل ولا بالقصير..
    طويل الصمت واضح عليه شدة الحياء ..
    ولقد جاورته ساعات طويلة دون أن أسمعه ينطق أو يهمس بكلمة..!!
    سألت عنه فقيل : هذا العالم الجليل الشيخ صالح بن خزيم ..
    ولقد توفي بعد سنوات في حادث مروري في بريدة رحمه الله وعفا عنه
    زارنا في يوم الأيام وكنت مع شيخنا ..
    رجل طالما أحببته وقدرته ..
    إنه شيخي وأستاذي الدكتور الشيخ أحمد بن موسى السهلي..
    أحد تلاميذ علامة الجنوب الشيخ حافظ الحكمي ..
    داومت على حضور دروسه في الطائف لأكثر من عامين
    ومع ذلك فلم يكن يعرفني فقد كان عدد الطلبة كبيرا
    ولم يكن لي مع الشيخ احتكاك مباشر..
    دخل على الشيخ محمد وسلم عليه وتحدث معه..
    حيث هو أيضا من المشاركين في برامج التوعية في الحج ..
    وبعد انتهاء لقاءه وحديثه مع الشيخ ..
    استأذنت شيخنا محمد ولحقت الشيخ احمد..
    فعرفته بنفسي ورويت له أنني أحد تلاميذه السابقين..
    قال لي : ظننتك ابن الشيخ!!
    وفرح بذلك وسر ودعا لي حيث أنني لم انقطع عن الطلب وقال لي:
    استمسك بغرز هذا العالم الجليل .. وأنا والله أغبطك على هذه المزية
    فاحرص على الاستفادة من علمه فهو فقيه نادر الطراز ..
    صارت لي علاقة وثيقة بالشيخ أحمد استمرت حتى هذه
    الأيام وإن له الفضل علي بعد الله في حبي للعلم وطلبه أول الأمر
    فجزاه الله عني وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء..
    بجوار منزل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في الششة ..
    تقع عمارة جميلة ذات طوابق عديدة ..
    أوقفها أحد المحسنين وهو الشيخ صالح التو يجري عليه رحمة الله
    أحد الأخيار والوجهاء من سكان مكة..
    أوقف هذه العمارة على الدعوة والدعاة فكانت في أيام الحج تغص
    بالعلماء الأجلاء والدعاة و طلبة العلم الكبار والصغار ..
    وكانوا جميعا في ضيافة مكتب التوعية الإسلامية ..
    ومن هناك يكون انطلاق المجموعات الدعوية للمخيمات والمساجد والتجمعات السكنية وغيرها
    كانت تلك العمارة كأنك ترى فيها خلية نحل..!!
    فهم جنود الإسلام وحماة العقيدة ..
    جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء..
    كان لشيخنا أيضا غرفة خاصة في ذلك السكن ..
    ولكنه حسب علمي لم ينزل فيها مطلقا..
    والسبب أن لشيخنا مراجعين كثر
    وحتى لا يشق على الناس رأى أن يستقل في مكان خاص له ..
    فكان زوراه ومراجعوه يرتادون مكانه السابق الذكر..
    من المشائخ الذين ينزلون ذلك السكن ..
    سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام الحالي..
    ومنهم فضيلة الشيخ صالح الفوزان..
    ومنهم أيضا الشيخ محمد الدريعي ..
    ومنهم الشيخ عبد الله القصير..
    والشيخ سليمان الشبانه رحمه الله..
    والشيخ عبد الله الشبانه ...
    وعدد من مدراء الدعوة في الداخل والخارج
    وغيرهم كثر ممن أعجز عن عدهم .. ولا تحضرني أسماؤهم
    وظني أن المشائخ يتجاوز عددهم المائة..غير الطلبة والدعاة..
    ذات مرة دعانا أحد المحبين لشيخنا للغداء في ذلك السكن..
    وكان رفيقه في الغرفة الشيخ صالح الفوزان..
    كان الغداء الموضوع لنا هو عبارة عن علب بروست !!
    أي والله هذا هو الغداء..!!
    والسبب أن الغرفة ضيقة والمشائخ عددهم كثير فأين يضع لهم طعاما وفير
    فكان اختياره اضطرارا قد فهمه الجميع وما لا موه عليه
    والظاهر أن ذلك من عادتهم طوال تلك الأيام ..
    حصل في ذلك اليوم موقف ظريف..
    حيث جلس المشائخ منحشرين بجوار الأسرة المتواضعة ..
    وكان أمامي في صف واحد كأنني أراهم أمامي ..
    شيخنا ابن عثيمين رحمه الله
    وبجواره عن يمينه الشيخ عبد العزيز آل الشيخ
    وبجواره عن يساره الشيخ صالح الفوزان ..
    بالإضافة لعدد من المشائخ والمرافقين ..
    وقد وضع الطعام بين أيدينا ..
    و لم نضع يدنا في الطعام انتظارا لأحد المشائخ..
    انتظرناه وطال الانتظار..
    وكاد الطعام يبرد..
    وكان الشيخ المنتظر هو الشيخ محمد الدريعي..
    والشيخ الدريعي لمن لا يعرفه رجل كفيف وهو رجل صاحب نكتة وطرفة ومزاح..
    وشيخنا يحبه وقد زال بينهما حاجز التكلف ..
    قال شيخنا للمضيف: اتصل لي على الأخ محمد وسوف أستعجل حضوره..
    فأحضر جهاز الهاتف واتصل على غرفة الشيخ الدريعي ..
    فلما رفع الدريعي السماعة .. وهو جهوري الصوت
    و ربما من قوته لا يحتاج لميكرفون !!
    غير شيخنا صوته وفخمه وصار يغمغم
    ويقول: هل أنت محمد الدريعي ؟؟
    فقال : من معي؟
    فقال: يا أبا فلان أنزل وإلا فلن ننتظرك ..
    وتبادلا الحديث والتعليقات وضحكنا من حديثهما ..
    ولقد رأيت المشائخ يتمايلون من الضحك وخصوصا الشيخ عبد العزيز آل الشيخ
    حتى دمعت أعينهم من الضحك!!
    ولم يعرف الدريعي حتى أغلق سماعة الهاتف أن شيخنا هو محدثه ..
    وعلق بتعليقات ساخرة على شيخنا وصوته وقال:
    من هذا البزر الذي يكلمني ؟؟
    وقال: الحين أنزل أؤدبك بعصاي!!
    وحين نزل لنا وسمع صوت شيخنا وعرف انه هو من كلمه
    انكب على شيخنا يقبله وضمه واعتذر منه ..
    رحمهم الله وعفا عنهم..
    وكما قلت فقد نزعت الكلفة بين شيخنا وبين الشيخ الدريعي ..
    وعلى النقيض منه تماما شيخ آخر لم أرى شيخنا يتعامل بمثل هذ
    الأسلوب سوى معه ومع شيخه سماحة الشيخ ابن باز..
    حيث يجله إجلالا كبيرا ويتبسط معه في الكلام ويقوم له !!
    فسألت شيخنا ذات مرة..
    قلت:لاحظت عليكم حينما تقابلون هذا الشخص أنكم تجلونه وتقدرونه تقديرا كبيرا؟؟
    فقال لي: أنت لا تعرف هذا الرجل فله في قلبي مهابة ومحبة واحترام وأخذ في الثناء عليه وذكر أعماله الجليلة ومواقفه في الحق حتى والله أحببته..
    وهذا الرجل المعني هو الشيخ عبد الرحمن الفريان رحمه الله مدير جمعية تحفيظ القرءان الكريم في الرياض ..
    وهو علم من أعلام مدينة الرياض عليه رحمة الله..

    ذات ليلة في تلك الأيام ألقى شيخنا درسا في العقيدة في جامع فقيه..
    في العزيزية بمكة شرفها الله..
    فلما انتهى الدرس قال لي الشيخ : هل سجلت كلامي؟؟
    فقلت : لا والله ولم أكن احمل معي مسجلتي تلك الأيام!!
    فقال: الدرس اليوم كان مفيدا فلعلك تبحث عمن سجله حتى ننسخه منه ..
    فلحقت بشاب رأيته قد سجل الدرس ..
    وهو طالب علم من دولة لبنان
    فقلت له: اسمح لي أن ننسخ شريطكم ..
    فقال لا بأس ..
    وحينما ركب في السيارة معي ..
    ففوجئ أنه سينسخ الشريط لشيخنا .. ؟؟
    ولا عجب فشيخنا حريص على نشر علمه ويتعبد لله بذلك..
    وتوجهنا لإحدى التسجيلات الإسلامية ونسخناه ..
    وبعد رجوعنا لعنيزة سلمت لمؤسسة الاستقامة تلك الأشرطة وغيرها لكي
    يضيفوها لآلاف الشرطة التي قاموا بتصفيتها ونشرها في الآفاق..
    كنا في المساء نرجع لسكننا في منزل الشيخ إبراهيم آل الشيخ حفظه الله
    وكان برفقته عائلته الكريمة ومنهم ابنه البكر الشيخ
    صالح بن إبراهيم آل الشيخ والذي ورث عن والده صفاته وأخلاقه وسمته
    قال لي : لم لا تستغل هذه الفرصة بوجودك مع الشيخ وتقرأ عليه بعض
    الكتب؟؟
    فعرضت الأمر على الشيخ فرحب بذلك
    وقال : كونك تركز على كتاب واحد أفضل لك من أن تتنقل بين الكتب يمنة
    ويسرة فعليك بضبط متن معين ضبطا كاملا ثم تنتقل لكتاب آخر.. وهكذ
    فطلبت من الشيخ أن يختار لي كتابا هو يراه..
    فاختار أن اقرأ عليه كتاب الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية
    الذي جمعه علاء الدين أبو الحسن البعلي رحمه الله والمتوفى عام 803 للهجرة
    وهو كتاب جليل عظيم النفع جمع فيه اغلب آراء شيخ الإسلام ابن تيمية
    من خلال كتبه وفتاويه ونظمها في مجلدة واحدة ورتبه على أبواب الفقه
    المعروفة ..
    وقد سبق أن صور لي هذا الكتاب واحتفظ بتلك الصورة عندي وهي التي قرأتها
    على شيخنا ودونت عليها تعليقاته وشروحه ..
    كنت أقرأ على الشيخ في البيت أو المكتب أو في المسجد بين الأذان
    والإقامة أو في الطائرة أو في السيارة إن كنا مع سائق غيري حسب ما يتيسر من
    وقت فيعلق ويشرح على المسألة ثم يعطي رأيه في قول شيخ الإسلام
    فيوافق أو يخالف ..
    ولقد ظننت قبل أن أقرأ عليه هذا الكتاب أن شيخنا لايخالف شيخ
    الإسلام ابن تيمية سوى في مسائل معدودة ..
    حصرها احد الطلبة بستة عشر مسألة !!
    ولكن تبين لي أن شيخنا يبحث عن الدليل ولا يتعصب لقول الشيخ
    فإذا رأى انه خالف الدليل رد قوله كما هو عادة العلماء المجتهدين ..



    !!!

  5. #55

    افتراضي

    الحلقة الرابعة والخمسون

    كون شيخنا مشرفا على الدعوة في صالة الحجاج وكذلك في الميناء
    فقد توجهنا لجدة لزيارة الميناء والصالة ..
    حيث عينت الوزارة عددا من المشائخ والدعاة يقومون بتوعية الحجيج
    القادمين من البحر والجو ..
    في أحكام الحج والدين والعقيدة وغير ذلك ..
    ويوزعون عليهم آلاف بل ملايين المناشير والكتب والمصاحف والأشرطة..
    من الدعاة في صالة التفويج في الميناء صاحب الفضيلة الشيخ
    عبد الله القصير وأكرم به وانعم من عالم جليل
    لقد تعجبت والله حينما رأيته يقف بنفسه يوزع على الحجيج الكتب
    ويجيب على أسئلتهم ..
    رغم شدة الحر والزحام الخانق وانبعاث الروائح الكريهة بسبب القرب من
    أحواض السفن ...
    جاءه رجل من السودان يعترض عليه في مسألة عقدية ذكرت في كتاب قرأه
    تتعلق بالقبور والزيارة ونحو ذلك..
    فوقف له الشيخ عبد الله يحاوره بهدوء وأدب ويستمع لاعتراضاته ..
    دون أن يضجر من كلامه وخزعبلاته!!
    فلله در دعاتنا فما أحسن ما يقدمونه للأمة ..
    ثم حظهم من البعض النيل من أعراضهم والقدح فيهم!!
    يذكرني هو وأمثاله من الرجال بقول الشاعر :
    وليس أخو الحاجات من بات نائما ولكن أخوها من يبيت على رحل!!
    جعل الله ذلك في موازين حسناته هو وعشرات الجنود المجهولين
    الذين يعملون تحت إشرافه..
    أطمأن شيخنا على أحوالهم وتشاور مع المشائخ فيما يقترحون من برامج
    ومناشط وكتب ونحو ذلك ..
    ثم انطلقنا لزيارة صالة الحجاج في المطار..
    كانت في تلك الأيام معرفتي بالطرق في جدة ليست بذاك..
    ولقد تهنا في الوصول للصالات لأكثر من ساعتين..
    أستغرقها شيخنا بقراءة ورده حتى تعب ونام !!
    وصلنا لمدينة الحجاج أخيرا وقد بلغ بنا التعب مبلغه ..
    وهي مدينة بما تعنيه الكلمة من معنى..
    تقوم لعدة أسابيع ثم تختفي بين عشية وضحاها.. كما قامت!!
    فيها أسواق وبنوك ومحال تجارية ومستشفيات وجوامع
    وكل الخدمات العامة التي يحتاجها حجاج بيت الله ..
    وصلنا هناك .. وكان ذلك بعد صلاة الظهر ..
    وقد خرج الناس من المسجد الكبير في وسط الصالات..
    حيث كان اللقاء متفق عليه في الجامع وسيلقي شيخنا كلمة للحجيج ..
    ولكن لتأخرنا فقد خرج الناس وبقي المسجد شبه خال..
    توضأنا ودخلنا للمسجد وصلينا الظهر ..
    كان شيخنا مجهدا ومرهقا بسبب ضغط الأيام الماضية ..
    كان الجو لطيفا في المسجد وبرودته معتدلة ..
    فاستغل شيخنا تلك الدقائق ولف عمامته على وجهه وتوسد يده ونام..!!
    فجاء المشائخ فأشرت لهم من بعيد !!
    فأشاروا لي: هل هذا الشيخ ؟؟
    فحنيت رأسي وقلت لهم : نعم ودعوه ينام قليلا..
    فغط في نومة هنيئة حتى شخر ..!!
    فسعدت بذلك.. واغتبطت ..
    وجلست مع المشائخ في زاوية المسجد حتى لا نزعج الشيخ..
    ذكر لي شيخنا رحمه الله ..
    أنه كان في سنوات ماضية يلقي دروسا للحجاج من جميع الجنسيات
    وغالبهم من أفر يقيا..
    تقدم له رجل أفريقي ويتكلم العربية وقال للشيخ: أنت تعلم الناس مسائل
    مهمة في العقيدة والأحكام ولكن يحول بينك وبينهم اللغة !!
    فغالبهم لا يفهم العربية فما رأيك أن أترجم كلامكم بلغة قومي؟؟
    فقال الشيخ : لا بأس ..
    فترجم ذلك الرجل لشيخنا مدة من الزمن ..
    وفي خلال كلام شيخنا سمع لغطا من خلف الصفوف ..
    وقام رجل وقال: ياشيخ إن هذا المترجم رجل كذاب !!
    فهو يحرف كلامكم ويبدله بعمد لفساد معتقده ..
    فقام مجموعة من الناس وأكدوا كلام الرجل..
    فالتفت شيخنا للمترجم وقال له: قم .. وسوف أتكلم بالعربية فمن يفهم
    فليفهم وأمري على الله !!
    روى لي احد طلبة العلم الثقات يقول: اجتمعت يوما في الحرم في شهر رمضان
    بعدد من المسلمين الأفارقة من نيجيريا والذين تحلقوا لاستماع درس شيخن
    محمد رحمه الله في الحرم..
    وكان بعضهم يبكي بحرقة ويرفع يديه بالدعاء بكلام لا افهمه!!
    فسألتهم : لماذا يبكون ؟؟
    فقالوا : كنا مجموعة من النصارى أهدانا أحد طلبة العلم في نيجيريا شريطا
    للشيخ محمد في العقيدة فأسلم بسبب ذلك الشريط ثمانية عشر شابا
    ومنهم هؤلاء الفتية الذين يبكون فرحا لرؤيتهم للشيخ
    ويدعون الله له فالفضل له بعد الله في إسلامهم !!
    وأذكر مرة أنه زار شيخنا في الحج مجموعة من الأمريكان السود ..
    وكانوا يتكلمون العربية بفصاحة مطلقة وكأنهم عرب أقحاح؟؟
    قالوا للشيخ : نحن تلاميذك!!
    فقال: لا أذكر أنكم درستم عندي!!
    فقالوا : ياشيخ لقد سمعنا شروحك من الأشرطة في الواسطية وكتاب التوحيد
    وغيرها فنحن نعتبر أنفسنا تتلمذنا عليك!!
    ذات ليلة قال لي الشيخ مازحا : لدي درس الليلة الساعة التاسعة في أمريكا!!
    فقلت له ضاحكا ومتعجبا: أتسخر مني؟؟
    فقال: هل تريد ترى هذا بنفسك؟؟
    فدخلت معه لملحق بيته ، واتصل عليه شخص من أمريكا على هاتفه
    وقال ياشيخ : نحن جاهزون ؟؟
    فإذا هي محاضرة عبر الهاتف يلقيها شيخنا و يستمع لها في أكثر من خمسين
    مركزا إسلاميا في الولايات المتحدة !!
    استيقظ شيخنا من نومه وتلفت حوله ومسح بيديه على وجهه
    فلما رآه المشائخ قاموا إليه..
    وسلموا عليه وتحلقوا حوله واستمع لهم ولبرامجهم وحصروا بعض النواقص
    والاحتياجات من كتب وغيرها ..
    ثم رجعنا لمكة لكي نستعد لأداء مناسك الحج..
    تكفل الشيخ إبراهيم آل الشيخ بتنظيم كل ما يتعلق بحجنا
    من تنقل وسكن وخدمات وتغذية فجزاه الله خير الجزاء.
    حيث أن لديه فريقا كبيرا من الرجال المخلصين كل قد حدد له عمله ووظيفته
    أمرني الشيخ ذلك اليوم بالاغتسال للباس الإحرام كما هي السنة
    واغتسل الشيخ ولبس إحرامه وتدهن بقارورة كاملة من الطيب
    دهن بها شعر رأسه ولحيته
    حتى رأيت الطيب يتقاطر من لحيته..
    ولقد فعل شيخنا ذلك تعبدا لله تعالى واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم
    كما روت عائشة رضي الله عنها في إحرامه عليه السلام ..
    ركبنا الباص الصغير المخصص لنا وبرفقتنا عائلة الشيخ إبراهيم في الخلف
    كان شيخنا يلبي ويرفع صوته بالتلبية حتى بح صوته ..
    كما كان يفعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم..
    كان السائق محترفا وخبيرا بالطرق ..
    فأوصلنا لمخيمنا في منى والملاصق لمخيم سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله
    فأنعم بها من جيرة ..
    يحتوي المخيم على عدد كثيرة من الخيام جزء منه مستقل للنساء
    تتوسطه خيمة كبيرة للصلاة والدروس..
    يلقي فيهنا الشيخ الدروس والكلمات بعد كل صلاة ..
    ولا يجد شيخنا في تلك الأيام الفضيلة وقتا للراحة إلا ما ندر
    فهو كما قال الشاعر:
    فلو لم يجد في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله..
    فو الله لم ترى عيني ولا ادعي أنه لا يوجد!!
    لم ترى عيني رجلا يبذل وقته للعلم والتعليم وتفقيه الناس مثل شيخنا
    خلا شيخه وإمام الجميع الشيخ ابن باز رحمهما الله
    كان الشيخ ابن باز رحمه الله يجل شيخنا ويحبه حبا جما
    وكان شيخنا يبر بشيخه ويصله كما يفعل الولد مع أبيه ..
    ويفرح الشيخ ابن باز حين يعلم بوجود تلميذه البار..
    ذات مرة جئنا لمنزل سماحة الشيخ ابن باز في مكة
    فسلم عليه شيخنا وقبل رأس شيخه ..
    ثم جلس شيخنا في مكان بعيد عن الشيخ قليلا..
    وكان بجوار الشيخ ابن باز يجلس أحد المشائخ الفضلاء..
    فقال الشيخ ابن باز: وين الشيخ محمد ؟؟
    وضرب بيده على الكرسي الذي بجواره ..
    فقام الشيخ الذي عن يمينه من مكانه واستبدله بمكان شيخنا..
    فلا تسل عن الأنس وفرح الشيخ ابن باز بأن يوضع شيخنا في موضعه الذي
    يستحقه ويقدر التقدير الذي يليق به..
    لا اعلم أن شيخنا ذهب لمدينة يعلم أن شيخه ابن باز فيه
    إلا وابتدأ بزيارته والسلام عليه قبل أي شيء آخر..
    أذكر مرة ذهبنا لمكتب الشيخ ابن باز في الرياض..
    فقيل لشيخنا : هو في اجتماع مع اللجنة الدائمة ..
    فيهم سماحة الشيخ وكذلك الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي الحالي
    والشيخ ابن غديان والشيخ الفوزان والشيخ بكر أبو زيد..
    حينما دخلنا عليهم ..
    رأيت الشيخ ابن باز مادا رجليه على طاولة وضعت أمامه
    و حاسر الرأس..
    فأراد المرافق أن يلبسه شماغه فقال الشيخ ابن باز:
    لا .. لم يدخل علينا غريب!!
    كما قلت كان التلميذ بجوار شيخه في المخيم..
    وتحابا في القلوب وتجاورا في قبريهما بمكة في مقبرة العدل..
    وأرجو المولى سبحانه أن يتجاورا في القصور في الفردوس الأعلى



    !!!

  6. #56

    افتراضي

    الحلقة الخامسة والخمسون

    منذ اليوم الأول لوصولنا لمنى ولا ترى شيخنا إلا في درس أو إجابة فتوى
    أو عبادة وذكر وتلاوة ..
    وفي فراغه إن وجد ليلا بعد العشاء كنت أجلس معه وأقرأ عليه مما ييسره الله
    كانت الوفود والزوار لا تنقطع طوال تلك الأيام عن التوافد للمخيم ..
    ممن سعدنا برفقتهم تلك الأيام في الحج الأخ الشيخ خالد الشريمي حفظه الله
    وهذا الرجل من أصحاب شيخنا ومن محبيه لأكثر من عشرين سنة ..
    قمت بتسجيل تلك الدروس والفتاوى طوال مكوثنا في منى في التروية وكذلك في أيام التشريق .. وقد سلمت تلك النسخ لا حقا للإخوة في مؤسسة الاستقامة
    كنت أتلوا على الشيخ أسئلة الناس وغالبها يتعلق بالحج والمناسك ..
    وكانت بعض الأسئلة تحتاج لنقاش مع السائل لاستيضاح بعض التفاصيل
    فكان الشيخ قبل أن يجيب على الفتوى يقول أين السائل ؟؟
    فإن رفع السائل يده أجابه وإلا تركه !!
    من المواقف التي أذكرها في تلك الليالي :
    حيث صادف أن سأل أحد الناس سؤالا وكان من ضمن الحضور الأمير بندر بن عبد العزيز.. ومعه مجموعة من حرسه وجنوده وحاشيته..
    وكلهم جلوس منصتون لشيخنا وحديثه ..
    يقول ذلك السائل في أول سؤاله : أنا رجل مقيم في المملكة من سنتين وليس لدي إقامة وأكمل سؤاله ...



    !!!

  7. #57

    افتراضي

    الحلقة السادسة والخمسون

    لم يطل شيخنا الغياب عند الملك ..
    قال لي الشيخ ذلك اليوم: أنه فقد السائق الذي يوصله للمخيم فبقي واقفا محتارا ولا يدري ما يفعل ..
    فلمحه الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية وهو ذو علاقة ومعرفة عميقة بشيخنا ..
    فسلم عليه وقال : هل تنتظر أحدا ؟؟
    لاحظتك واقفا لوحدك؟؟
    فقال شيخنا : سائقنا تأخر..
    فنادى الأمير سعود الفيصل على سيارته الخاصة وأمر سائقه بتوصيل الشيخ فحمده شيخنا على ذلك وأكبرها منه ..
    كنا في أغلب الأوقات نبقى في المسجد لاستماع الدروس والفتاوى ..
    وهذا هو غالب أمرنا ..
    وأما في الأوقات الأخرى فنجتمع بالشيخ في خيمة كبيرة عبارة عن مجلس للضيوف ويستقبل فيها الوفود الزائرة من داخل وخارج المملكة..
    جاء رجل في تلك الأيام وزعم للشيخ أن المسالخ التابعة للبنك الإسلامي للتنمية في منى لا تقوم بنحر الإبل كما هي السنة وكذلك ذكر ملاحظات حول التذكية الشرعية للأغنام..
    فلم يرد شيخنا أن يجيبه على زعمه حتى يتأكد مما نقله له..
    فكلفني أنا وشخصين اثنين بالذهاب لزيارة المسالخ والإدارة المشرفة
    للتأكد من صحة تلك المعلومات خاصة وأن البنك يشرف سنويا على مئات الألوف من الأضاحي والهدي ذبحا وتخزينا وتوزيعا حول العالم..
    وصلنا للمسلخ بعد معاناة وبحثنا عن موقع نحر الإبل فقالوا لقد انتهوا من ذلك
    فلما نتمكن من رؤيتها على الطبيعة ..
    توجهنا للإدارة فأحالونا لشخص وقالوا : هو مدير هذا القسم ..
    فدخلنا عليه مكتبه فاستقبلنا ببرود ولم يعرنا أي أهمية وكان يدخن بشراهة
    طوال جلستنا معه..
    شرحنا له هدفنا من الزيارة ومن كلفنا بذلك فازداد تجاهلا لنا!!
    ولم يفدنا بشيء ولم يرد إعطائنا أي معلومات ..
    فخرجنا من عنده وقد بلغ الحنق بالأخوين الآخرين مداه..
    رجعنا للشيخ وشرحنا له ما حصل ..
    فاسترجع وقال : خيرا إن شاء الله !!
    في اليوم الثاني وهو الأول من أيام التشريق ..
    زارنا في المخيم الدكتور محمد علي مدير عام البنك الإسلامي بنفسه!!
    وقدم اعتذاره للشيخ عما حصل ولا ادري كيف بلغه الموضوع..
    وأصر على شيخنا أن يرافقه بنفسه للمسالخ لرؤية الموضوع على الطبيعة
    والدكتور محمد علي رجل مؤدب ومتواضع وخلقه وبشاشته تأسر القلوب
    وهكذا كان!!
    انطلقنا بسيارته وأصر على الشيخ أن يركب هو في الخلف وشيخنا بجوار
    السائق وكانت لفتة كريمة منه ..
    قبل دخولنا للمسالخ مر بنا الدكتور على مكان الذبح العام حيث يقوم الحجاج
    بذبح هديهم وهذا خارج إشراف البنك ..
    ويا للعجب!!
    رأينا ذلك اليوم منظرا لا أنساه ما حييت ..
    حيث تكدست عشرات الألوف من الأغنام المذبوحة على مد البصر
    والملقاة بعضها على بعض وقد تعفنت وتجمعت عليها الحشرات وصدرت منها
    روائح قاتلة ..
    وكان غاية الدكتور أن يري الشيخ دور البنك في محاولة القضاء على تلك المشكلة
    المزمنة ..
    حيث رفع عن الناس حرجا شديدا واوجد لهم بديلا ملتزما بالضوابط
    الشرعية ويبرئ الذمة ..
    قال لنا الشيخ ذلك اليوم : قبل سنوات بعيدة في شبابي
    اشتريت أنا وعدد من الإخوة والأصحاب جملا لكي نهديه عنا جميع
    وكنا سبعة..
    وكان عدد الأضاحي ليس بالكثرة الآن والحجاج اقل..
    يقول شيخنا نظرا لوجود عدد كبير من الفقراء حولنا وكل واحد منهم احضر
    سكينه وساطوره بيده!!
    فقد حاولنا الابتعاد عنهم حتى يسهل علينا النحر والسلخ وتقطيع الذبيحة..
    قال الشيخ : ما إن سقط جملنا حتى تساقط الناس علينا من كل مكان
    فقطعوا البعير وجزءوه في دقائق معدودة !!
    أما الحال ألان فهذا الذي نراه والله مأساوي !!
    تجولنا في المسالخ وتأكد الشيخ بنفسه من سلامة طريقة الذبح والنحر وأن
    العتب على الناقل سامحه الله..
    ونحن نتجول في المسلخ جاءنا رجل وعيونه غارقة بالدموع ..
    فتأملت وجهه فإذا هو صاحبنا الذي دخلنا عليه بالأمس وتجاهلنا
    وقد كان كسيرا حزينا فسلم على شيخنا واعتذر منه واعتذر منا جميعا
    أخذه شيخنا على انفراد ..
    وتحدث معه وابتسم في وجهه وتهلل وجه الرجل وضحك ..!!
    وأخبرني الشيخ لا حقا انه نصحه بترك الدخان فوعده بذلك
    ولعل الله تعالى عافاه..
    مرت تلك الأيام بوتيرة واحدة ..
    كنا نذهب لرمي الجمرات مشيا على الأقدام ..
    حيث أن مخيمنا ليس ببعيد عنها..
    وفي الطريق يجيب شيخنا عن أسئلة الناس ..
    أذكر أننا في عودتنا ذات مرة من الرمي وكان ذلك قبل الغروب بدقائق..
    وكانت منى شبه خالية حيث عجل كثير من الحجاج كما هي العادة..
    فمررنا على رجال يشدون أمتعتهم على سياراتهم..
    فلما رأى أحدهم شيخنا وكان في أعلى السيارة الجيب يربط متاعه
    نادى على الشيخ مستفتيا ويشير بيده: ياشيخ محمد إحنا معجلين
    ومثل ما ترى قد يؤذن علينا وما أكملنا متاعنا هل يجوز لنا التعجيل ؟؟
    فقال الشيخ : لا باس عليكم إن شاء الله ..
    فهذا رجل استفتاه وهو على سيارته دون أن يتكلف عناء النزول!!
    ولا أدري هل سألهم هل طافوا للوداع أم لا ؟؟
    روى لي أحد الطلبة الثقات يقول : مرة كنا نسير مع الشيخ بعد الصلاة
    من مسجده لبيته .. فنادى رجل من سيارته على الشيخ :
    ياشيخ محمد ياشيخ محمد أريد أن أسألكم ؟؟
    فقال الشيخ له : تعال أنت وسأل فالعلم يؤتى إليه وحق عليك إكرام العلم وأهله..
    ولم يرد الرجل على الشيخ حياء من جوابه ..
    ولكن شيخنا لمح في خلف سيارة الرجل عكازا فعرف أنه مبتلى..
    فرجع للرجل ودنا منه واستمع لأسئلته حتى انتهى ..
    لم نعجل كما هو المتبع من شيخنا في كل عام وخلى المخيم وحوله تقريبا
    جاءنا ذلك اليوم ضيف كريم وهو الأمير ممدوح بن عبد العزيز وفقه الله
    كنت أنه وهو مع الشيخ ثلاتنا لا رابع لنا في السيارة وقال لشيخنا كلمة
    أراد منها أن يشد من عضد الشيخ قال له في كلام طويل أذكر بعضه :
    (ياشيخ محمد أنت وشيخنا ابن باز أقدما ولا تترددا فوا لله إن إخوتي الكبار
    من الملك وإخوانه الكرام الآخرين يقولان دائما للوزراء والمسئولين
    أطيعوا العلماء ولا تعصوهم وخصوصا هذين العالمين الجليلين ابن باز والعثيمين
    فنحن بالله قمنا ثم بهما !!)
    جزى الله الأمير ممدوح خير الجزاء فهو صادق النصح إن شاء الله ولا يبتغي من
    ذاك شيئا بارك الله فيه
    شهدت منه موقفا أكبرته منه ..
    حيث أذكر مرة أنه بعث رجلا لشيخنا يستفتيه في أمر وهو:
    أن هناك مشروع يدر على الأمير مدخولا كبيرا ولكنه يحتاج لهذا المشروع
    لرخصة وكونه أميرا ومن أبناء الملك عبد العزيز فلن يعسر عليه الحصول على
    تلك الرخصة .. ولكنه تحرج من ذلك خوفا من أن يجامل كونه أميرا !!
    وهذا بلا شك سيكون!!
    فقال شيخنا للوسيط : سلم على الأمير وبلغه أن الورع أن يتركه والله يخلف
    عليه بخير
    فتركه رغم أن ربحه مضمون وأرباحه كبيرة للغاية والله يخلف عليه خيرا منه
    في ماله وولده وأهله ..
    زار الأمير ممدوح القصيم في سنة من السنوات
    وكان في اغلب بقاءه في القصيم تلك الأيام يكون في عنيزة
    إما في بيت الشيخ أو في جامعه أو عند أحد المضيفين له من عنيزة..
    طلب الأمير ممدوح من شيخنا أن يزور بيته الطين والذي حتى تلك السنوات
    لم يهد وبقي شامخا في المكان المعروف ألان .. شمال مسجد الجعيفري
    على شارع الشريمية ..
    التقينا شيخنا والأمير وأنا وجمع من الإخوة أمام باب المنزل ضحى ..
    وفتح شيخنا باب بيته القديم ..
    وأخذ يشرح لنا تفاصيل البيت وتقسيماته ..
    حينما تدخل من باب المنزل تواجهك ساحة في وسطها نخلة طويلة ..
    وعليها حبل للتسلق ..
    وذكر الشيخ انه كان يصعد لأعلى تلك النخلة فيلقحها أو يحصد تمره
    فقال لي الأمير مازحا: هل تستطيع الصعود لأعلاها يافلان؟؟
    فحاولت الصعود وما عرفت طريقة شد الحبل خلف الظهر وهي تسهل كثير ا
    الصعود..
    فقام شيخنا بنفسه وشده وصعد حتى وصل قريبا من وسطها ونزل..
    صعدنا من الدرج ليرينا مكتبته ..
    فدخلناها فإذا هي غرفة متوسطة الحجم وفيها رفوف قديمة وشبه بالية
    مكتوب عليها 1381 للهجرة ولعله تاريخ التركيب!!
    وجدنا في زاويتها سلكا كهربائيا قويا قد عقف أعلاه على شكل عصى
    وهو متماسك ومغلف ببلاستيك اسود قال الشيخ : هذه عصاي كنت استعملها
    وأنا أسير في الظلام إلى المسجد قبل انتشار الكهرباء..
    فحملها الأمير وكانت ثقيلة ..
    واستأذن من شيخنا أن يهبه إياها ففعل..
    وكذلك رأى الأمير سجادة صلاة قديمة قد حفر مقدمها من اثر السجود عليه
    فقال للشيخ : هل هذه سجادكم ؟؟
    قال: نعم ..
    فاستو هبه إياها ففعل!!
    خشيت أن يستو هب الأمير الشيخ كل شيء فهمست في أذنه وقلت :
    أريد دواليب الكتب إن كنت لست في حاجتها !!
    فقال: هي بالية !!
    فقلت : حتى!!
    فوافق..
    فنقلتها لبيتي واحتفظت بها سنوات عديدة حتى سرقت مني!!
    ولقد أعطاني الشيخ بناء على طلبي عددا من عباءاته القديمة جدا وما زالت
    عندي حتى الآن ..
    واحتفظ بها للذكرى لا للتبرك أو شيء آخر والحمد لله ..



    !!!

  8. #58

    افتراضي

    الحلقة السابعة والخمسون

    رجعنا لبيت الشيخ إبراهيم في العزيزية بمكة شرفها الله
    بعد انتهاء المناسك
    وكالعادة يشعر المرء بأثر الحج من جهد وكلل وإرهاق ..
    خاصة أن شيخنا يبذل جهدا أكثر ممن سواه..
    استرحنا قليلا يوما أو يومين ..
    من عادة سماحة الشيخ بن باز رحمه الله في كل عام أن يقيم شبه احتفال للدعاة الذين شاركوا في برنامج التوعية في الحج بمناسبة انتهاء برنامج التوعية السنوي في الحج
    ويحضر ذلك الاجتماع بالإضافة للدعاة نخبة من العلماء والمفكرين من العالم العربي والإسلامي ..
    يتم في ذلك اللقاء التعريف بالمناشط التي تمت وذكر بعض الإيجابيات والسلبيات وطرح الأفكار الجديدة..
    أذكر ذلك اليوم أن سماحة الشيخ بن باز رحمه الله وشيخنا ابن عثيمين رحمه الله ..
    والشيخ صالح الفوزان حفظه الله ..
    كانوا متجاورين وعليهم أثر الجهد والتعب..
    ولقد رأيت رؤوسهم ثلاثتهم تخفق وتعلوا من النعاس عفى الله عنهم..
    وبهذا الاحتفال يكون ختام برنامج التوعية السنوي اسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنهم والحمد لله ..
    أوصلت شيخنا لجده ومنها سيواصل على القصيم أما أنا فقد رجعت لعائلتي
    في الطائف لكي اقضي لديهم فترة نقاهة فقد كنت مصابا بالزكام والحمى
    الطائف جوه منعش وجميل طوال العام تقريبا ..
    ففي الصيف حرارته معتدلة ولا تتجاوز حدود المعقول!!
    كما في القصيم والرياض مثلا..
    أما في الشتاء فإن برودته ليست بشديدة كبرودة أبها والباحة مثلا..
    أذكر أنني قرأت في كتاب المطالعة في إحدى سني الدراسة عن عالم غربي
    مر على الطائف فمدح مناخها وقال هو من أفضل المناخات في العالم!!!
    ولا يظنن ظان أني أمتدحها لأنني كنت يوما من أهلها أو عشت سنواتي الأولى فيها .. !!
    أنا أحكي شيئا معلوما ومعروفا للجميع ..
    مكثت أياما قليلة في الطائف ثم رجعت للقصيم ..
    وصلت لعنيزة ليلا..
    حيث غبت عنها حوالي الشهر..
    وكان السكن كئيبا بسبب قلة الحركة وشعرت بانقباض وضيق ..
    وهذا شيء طبيعي حيث يشعر الإنسان بتلك الآثار بعد الغياب الطويل
    القصيم بالنسبة لي تلك الأيام هي موطني فقد كنت أتم صلاتي فيها وحينما كنت أذهب للطائف فأنا أعتبر نفسي غير مقيم ..فتحل لي رخص السفر
    منذ اليوم الأول لدخولي لغرفتي في السكن وأنا اشعر أن هناك اختلافا فيها؟؟
    بلغت الشيخ بذلك .. فاستغرب وقال : لعلك واهم ؟؟
    فتشت في أغراضي وأوراقي وأمتعتي وكتبي فاكتشفت التالي:
    وجدت عددا من كتبي قد سرقت !!
    وهي عبارة عن كتب صورتها من شيخنا وعليها تعليقاته وحواشيه بخط يده وهي كتب ثمينة جدا واحملها طوال تلك السنوات في حلي وترحالي..
    وكذلك فقدت عددا من أوراق الشخصية وتزكيات سبق أن كتبها لي شيخنا في مناسبات معينة..
    وكذلك افتقدت بعض الأمتعة المهداة أيضا من شيخنا!!
    وكذلك افتقدت عددا من الرسائل التي كانت بيني وبين الشيخ ومم
    كان يكتبه الشيخ للوالد وأحتفظ بنسخ منها..
    توجست في الموضوع وقلت في نفسي: لا يملك مفتاح غرفتي سوى أنا وشيخنا ورفيقي في السكن !!
    ورفيقي رجل ثقة وهو الشيخ محبوب وما حاجته لمثل تلك
    الأغراض وما مصلحته من أخذها؟؟
    ولم ابلغ شيخنا حتى تأكدت أنها سرقت !!
    وعلمت من سرقها وشهد شاهد على ذلك لي..
    أبلغت شيخنا بالحاصل ..
    أذكر ملامح وجهه حينما أخبرته الخبر ..
    لقد حزن وتأثر ابلغ تأثير ..واسترجع وكأنه عرف الفاعل فورا ؟؟
    دعا بهذا الدعاء: اسأل الله تعالى أن يضيق صدره كما ضيق صدري حتى يرجع تلك الأشياء..
    جميعكم من خلال القراءة السابقة للحلقات سيعرف من هو الفاعل؟؟
    لقد أشترى الأستاذ أدوات لفتح الأبواب ودخل غرفتي في فترة الحج وقلب كل حاجياتي ليبحث عن السحر المخفي في متاعي !!!
    فلما لم يجد شيئا ولن يجده سوى في مخيلته المريضة التي أملاها عليه شياطين الجن والإنس عليه !!
    حينما لم يجد شيئا سرق تلك الحاجيات !!
    لما؟؟
    لا أدري ..
    ولكن التفسير الوحيد لذلك واضح وضوح الشمس لمن له عينان ..
    استجاب الله لدعاء شيخنا فلقد بلغني المؤذن عن ذلك الرجل انه مرض وأصيب بصداع شديد في رأسه وتغيب عن الدرس فترة طويلة ..
    دعاني الشيخ يوما بعد الصلاة وسلمني كرتونا به جميع حاجياتي ..
    فبحثت فيها فوجدت جميع الأشياء المسروقة كاملة موجودة سوى بعض الأوراق والخطابات وجدت صورها ولم أجد النسخ الأصلية
    استعادها لي شيخنا لاحقا وسلمها لي جزاه الله عني خير الجزاء..
    أسمحوا لي أيها القراء الكرام أن أنقل لكم هذه الرسالة التي كتبها لي شيخنا رحمه الله .. واسترجعتها من يد ذلك المعتدي
    وهي موجودة عندي ولعل في نشرها نفعا لمن تأمل وتدبر معانيه
    وقد ذكر شيخنا في الرسالة ذاتها سبب كتابتها ..
    يقول شيخنا رحمه الله:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد الصالح العثيمين إلى الابن (.... ) حفظه الله تعالى
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فقد سألتني بارك الله فيك أن أضع لك منهجا تسير عليه في حياتك...
    وإني لأسال الله تعالى أن يوفقنا جميعا لما فيه الهدى والرشاد والصواب والسداد وأن يجعلنا هداة مهتدين صالحين مصلحين فأقول:



    !!!

  9. #59

    افتراضي

    أولا : مع الله عز وجل
    1- احرص على أن تكون دائما مع الله عز وجل مستحضرا عظمته متفكرا في آياته الكونية مثل خلق السموات والأرض وما أودع فيهما من بالغ حكمته وباهر قدرته وعظيم رحمته ومنته .
    وآياته الشرعية التي بعث بها رسله ولا سيما خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
    2- أن يكون قلبك مملوءا بمحبة الله تعالى لما يغذوك به من النعم ويدفع عنك من النقم ولا سيما نعمة الإسلام والاستقامة عليه حتى يكون أحب شيء إليك.
    3- أن يكون قلبك مملوءا بتعظيم الله عز وجل حتى يكون في نفسك أعظم شيء..
    وباجتماع محبة الله تعالى وتعظيمه في قلبك تستقيم على طاعته قائما بما أمر به لمحبتك إياه تاركا لما نهى عنه لتعظيمك له.
    4- أن تكون مخلصا له جل وعلا في عباداتك متوكلا عليه في جميع أحوالك لتحقق بذلك مقام (إياك نعبد وإياك نستعين).
    وتستحضر بقلبك أنك إنما تقوم بما أمر امتثالا لأمره وتترك ما نهى عنه امتثالا لنهيه فإنك بذلك تجد للعبادة طعما لا تدركه مع الغفلة وتجد في الأمور عونا منه لا يحصل لك مع الاعتماد على نفسك.

    ثانيا : مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
    1- أن تقدم محبته على محبة كل مخلوق وهديه وسنته على كل هدي وسنة .
    2- أن تتخذه إماما لك في عباداتك وأخلاقك بحيث تستحضر عند فعل العبادة أنك متبع له وكأنه أمامك تترسم خطاه وتنهج نهجه.
    وكذلك في مخالقة الناس أنك متخلق بأخلاقه التي قال الله عنها(وإنك لعلى خلق عظيم).
    ومتى التزمت بهذا فستكون حريصا غاية الحرص على العلم بشريعته وأخلاقه.
    3- أن تكون داعيا لسنته ناصرا لها مدافعا عنها فإن الله تعالى سينصرك بقدر نصرك لشريعته.

    ثالثا : عملك اليومي غير المفروضات
    1- إذا قمت من الليل فاذكر الله تعالى وادع الله بما شئت فإن الدعاء في هذا الموطن حري بالإجابة واقرأ قول الله تعالى( إن في خلق السموات والأرض ) حتى تختم سورة آل عمران وهي عشر آيات.
    2- صل ما كتب لك في آخر الليل واختم صلاتك بالوتر.
    3- حافظ على ما تيسر لك من أذكار الصباح . قل مئة مرة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
    4- صل ركعتي الضحى.
    5- حافظ على أذكار المساء ما تيسر لك منها.

    رابعا: طريقة طلب العلم.
    1- احرص على حفظ كتاب الله تعالى واجعل لك كل يوم شيئ معينا تحافظ على قراءته ولتكن قراءتك بتدبر وتفهم .
    وإذا عنت لك فائدة أثناء القراءة فقيدها.
    2- احرص على حفظ ما تيسر من صحيح سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ذلك حفظ عمدة الأحكام.
    3-احرص على التركيز والثبات بحيث لا تأخذ العلم نتفا من هذا شيء ومن هذا شيء لأن هذا يضيع وقتك ويشتت ذهنك.
    4- أبدا بصغار الكتب وتأملها جيدا ثم انتقل إلى ما فوقها حتى تحصل على العلم شيئا فشيئا على وجه يرسخ في قلبك وتطمئن إليه نفسك.
    5- احرص على معرفة أصول المسائل وقواعدها وقيد كل شيء يمر بك من هذا القبيل فقد قيل: من حرم الأصول حرم الوصول.
    5- ناقش المسائل مع شيخك أو من تثق به علما ودينا من أقرانك ولو بأن تقدر في ذهنك أن أحدا يناقشك فيها إذا لم تمكن المناقشة مع من سمينا.
    هذا وأسال الله تعالى أن يعلمك ما ينفعك وينفعك بما علمك ويزيدك علما ويجعلك من عباده الصالحين وحزبه المفلحين .
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    كتبه محمد الصالح العثيمين في 3 رجب 1412 هـ التوقيع.
    رحمة الله على شيخنا وجزاه الله عني خير الجزاء

    إن كلماته تلك تحمل في كلمة منها معاني سامية خرجت من قلب رجل امتلأ علما وإيمانا وتقى احسبه كذلك والله حسيبه..



    !!!

  10. #60

    افتراضي

    الحلقة الثامنة والخمسون

    لا أرغب في الاسترسال حول التصرف الذي حدث من قبل صاحبنا فبفضل المولى سبحانه منذ ذلك التصرف الأهوج الذي بدر منه لم أتلقى أي تصرفات أخرى ملموسة من قبله سواء بالكلام أو الفعل
    والله ربي وربه وحسيبي وحسيبه مطلع على الخفايا وعالم بالسرائر..
    ويبدوا أنه شعر بخيبة أمل كبيرة حيث لم يصل لمبتغاه بفضل الله أول
    ثم بفضل شيخنا الحصيف والعاقل والمؤمن والعالم الراسخ..
    فأين تجد مثل هذا ؟؟
    ذلك فضل الله..
    توقف النزاع والخصام ولعله إلى الأبد والحمد لله ..
    وأؤكد للجميع أنني لم أسعى وأهتم بذكر هذا الرجل بعينه بسوء!!
    أمام أحد من الناس كائنا من كان ..
    مقابلة لجرمه بحقي وكذبه علي ..
    ولو أنني أذكر أعماله وتصرفاته فليست سوى للعبرة ..
    والله يهدينا ويهديه لصراطه المستقيم ..
    حينما كتبت بالأمس تلك النصيحة التي وجهها شيخنا لي ..
    تذكرت أنني قرأتها في تلك الأيام ولا شك أنني استفدت منها ..
    وحرصت على العمل بها بقدر ما آتاني الله من بصيرة ..!!
    ولكنها اليوم ذات طعم خاص ومذاق مختلف..
    منذ فترة بعيدة جدا لم أقرأها ولعل هذا من حسنات هذه المقالة أن جعلتني أتذكر تلك الوديعة الثمينة..
    قرأتها بالأمس قراءة تمحيص وتدقيق..
    تأملت حروفها .. حيث كتبها بيده وبخطه الجميل..
    شممت عطرها الزكي.. على ذلك الورق المتواضع ..
    أصغيت لها فتردد في سمعي رنينها العذب...
    و ضعتها على صدري فامتزجت همساتها في الفؤاد ..
    تذكرت الوقت الثمين الذي قضاه في تدوينها..
    تذكرت كم أنه تأمل وفكر فيما هو يصلح حالي في ديني ودنياي فرقمه..
    تذكرت يده حينما قبضت على القلم وأخذت تخط تلك الكلمات الصادقة..
    تذكرت كيف كان قلبه في تلك اللحظات ينبض بالرحمة والشفقة علي..
    خرجت بأمر واضح كالشمس:
    أيقنت أنها صدرت من قلب كبير..
    رحمك الله يا أبا عبد الله ..
    رضي الله عنك ياشيخنا محمد..
    فوا لله ما قدرتك حق قدرك وما أوفيتك الوفاء الجميل..
    والله لو كان لي سبيل إليك لرأيت مني غير ما رأيت ..
    ووالله ياوالدي لو تمكنت من رؤيتك والاجتماع بك
    لتعبدت ربي سبحانه أن أكون خادمك المطيع حتى الممات..
    أنت والدي فعلت بي ما يفعله الوالد بولده وأكثر..
    كم مرة سمعت أبي أحمد رحمه الله يقول لي بحضور شيخنا:
    هذا والدك دوني !!
    قلت له : مه !!
    فقال: لقد قدم لك كيت وكيت وفعل لك كذا وكذا..
    إن للأمة حق على هذا الرجل حق عام!!
    أما أنا وغيري فعلينا له حق خاص..
    يجب علينا أن ندفعه له حتى الممات..
    أقله الدعاء وهو من الوفاء له ..
    ونشر علمه ..
    وتعريف الناس بفضائله وهذا الذي سماه خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام( واجعل لي لسان صدق في الآخرين)
    وهاأنذا أحكي بعض جميله ..
    كنت في تلك الأيام رغم بري به والحمد لله والجميع يعرف ذلك
    قليل الإدراك وهكذا المرء في فتوته وشبابه ..
    قد يدرك ولا يدرك ..!!
    يرى الأمور ويبصرها ولكن لا يفهم معانيها ومضامينها وروحها إلا، لاحقا..
    لا يقرأ بين السطور..
    وبالأحرى لا يملك آليات تلك القراءة !!
    وهذه هي البصيرة الحقة..
    أي منا لم تسهر والدته يوما بجواره وهو صغير حينما يئن من المرض ؟؟
    أي منا لم يرى كم كان والده يخرج باكرا من منزلهم ويعود في المساء وقد بلغ به الإعياء والتعب مبلغه..
    كنا نرى تلك التصرفات ولكننا لا ندرك جوهرها ولا عمقها..
    إنه الحنان ..
    إنها الرحمة ..
    والمحبة والشفقة والفداء والتضحية ..
    وكل المعاني السامية تنبعث من تلك التصرفات جملة واحدة..
    تلك المعاني تكتشفها للأسف لاحقا ..
    بعد سنوات طويلة ..
    وغالبا بعد رحيلهم..
    فتبقى في القلب حسرات وآهات ..
    وأقول : يا إخوتي وأخواتي
    من وفقه الله فأبصر الحقيقة وعلم ذلك علم اليقين وما زال صاحب الفضل
    حوله وقريبا منه..
    فهذا والله المحظوظ فلا تفلت منه الفرصة..
    فدونه الجنة فهي أقرب له من شراك نعله..!!
    بعد موت والدي عليه رحمة الله ..
    بشهر تقريبا كنت أسير بسيارتي بين الطائف والرياض..
    وكنت حينها لم أستيقظ بعد من هول الصدمة بفقدانه..
    كنت أقود السيارة وارى الطريق أمامي ولكن قلبي وعقلي معه رحمه الله
    يسترجع شريط الذكريات الطويل ..
    من الذكريات المحزنة..
    وحصل ذلك قبل أسبوع من موته رحمه الله..
    حيث أنني أثقلت عليه في موضوع ما!!
    وأذكر أنه اتصل علي وعاتبني على ذلك..
    حيث وقف ساعات وعانى من هذا الأمر ..
    وكان ذلك على غير قصد مني..
    ومع ذلك فإنني شعرت بألم في قلبي وحزن
    فأوقفت سيارتي وبكيت حتى كدت افقد وعيي من البكاء والله ..
    رحمهم الله ورضي عنهم وجمعنا وإياهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر
    مرت الأيام والساعات وتوالت الليالي والحمد لله استزدت تحصيلا..
    من رعايته رحمه الله بي حيث درسنا في تلك الأيام مادة المواريث
    وهذه المادة من أصعب علوم الفقه كما هو معلوم..
    فكان شيخنا يهون علي المر ويقول : هي سهلة جدا!!
    أذكر مرة أنني حضرت في مدينة الطائف درسا في علم المواريث ( الفرائض)
    عند الشيخ علي بن محمل العتيبي وهو قاضي متقاعد من المحكمة
    والشيخ علي متقن للغاية لهذا الفن..
    حينما استمعت لكلامه طوال ساعة وأزيد
    لم أستطع فهم كلمة واحدة ..وأغلق علي وعسر ذلك العلم من ذلك الدرس
    فخرجت وأنا مصدوم من هذا العلم المعقد للغاية..
    ولكن شيخنا رحمه الله كما هي قاعدته (الكيف لا الكم)..
    جرد لي هذا العلم من كل تلك العقبات فصار ميسرا وسهل التناول بحمد الله تعالى..
    فكنت ادرس عنده في الليل مع الطلاب .. وفي الطريق لبيته يملي علي المسائل
    ويختبرني ويكلفني بالبحوث حتى أدركته جميعا..
    وما زلت حتى الآن أحتفظ بتلك الواجبات وعليها تصحيحاته وتعليقاته
    بالقلم الأحمر..
    علمت أن شيخنا يعاني من قضية المساعدات التي يقدمها للناس حيث يأخذ ترتيب تلك الأمور وتدوينها وجردها وقتا ثمينا منه..
    فعرضت عليه أن أساعده في ذلك..
    وأراد مرة أن يختبر جديتي في الموضوع!!
    حيث اتصل علي شيخنا ذات يوم في السكن..
    وقال لي : أريدك تحضر للبيت احتاجك في أمر..
    فوصلت لبيته فخرج إلي وفي يده كيس ..وقال:
    هذه النقود تذهب بها للبنك وتودعها في حساب الزكاة..
    ولم يكن المبلغ كبيرا ولكنني لم احمل مثله من قبل!!
    ذهبت للبنك مرورا بالبيوت الطينية الواقعة بين شارع الشريمية والبنك في شارع الضليعة..
    كانت الشوارع والأزقة خالية من الناس والمارة..
    فكنت استعجل الخطى حتى أمر من تلك الدور المهجورة والمخيفة..
    دفعت للبنك ذلك المبلغ ..
    ومنذ ذلك اليوم ولسنوات صرت احمل نقود الزكوات والصدقات وغيره
    من البنك للشيخ والعكس..
    ولقد كانت تبلغ المبالغ أحيانا أرقاما كبيرة ومخيفة ..
    ومع ذلك فلم يحصل أي حادث يذكر سوى موقف وحيد وتافه لا يستحق الذكر!!
    في تلك الأيام حدثت حادثة غريبة لي ..



    !!!

صفحة 6 من 8 الأولىالأولى ... 45678 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. قصيدة رائعة من روائع الشاعر سليمان بن شريم
    بواسطة المنتقد في المنتدى منتدى أدب وشـِـعر ورواية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: November 19th, 2009, 02:44
  2. عائض القرني - أنا سُنّي حسيني ,,,
    بواسطة أم مالك الأزدية في المنتدى منتدى أدب وشـِـعر ورواية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: September 25th, 2009, 06:14
  3. قصه رائعة وممتعة
    بواسطة هلالي القرن في المنتدى روايات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: February 16th, 2009, 08:57
  4. قصيدة رائعة إقروها وإفهموها زين قبل لا تجيكم المنية
    بواسطة ابو فيــصل في المنتدى منتدى أدب وشـِـعر ورواية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: July 23rd, 2008, 01:28
  5. إذكر الله بطريقة رائعة !!!
    بواسطة giiiJIق في المنتدى وعظ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: April 26th, 2008, 21:39

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

تنفيذ شركة تصميم مواقع الانترنت توب لاين
روابط مهمه روابط مهمه تواصل معنا
تواصل معنا