اهــــ(الأحداث)ــــم

• تداول ارتفاع 37.48 نقطة عند 12,130.83 • دونالد ترامب رئيساً • وعود: أوكرانيا + فلسطين + الصين • نزع اسلحة احزاب ايران • قاذفات B52 تحوم الشرق الأوسط • 20 طائرة إغاثية سعودية للبنان • هل تضرب إيران اختها !!! • نهج الاقتصاد الغربي افريقياً
صفحة 4 من 8 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 73
  1. #31

    افتراضي

    الحلقة الثلاثون

    لقد كانت تلك القضية على طوال عدة أيام وقد تتجاوز الأسبوع مثار قلق لشيخنا فأشغلت باله وتفكيره ..
    خاصة وان صاحبنا لم يترك طريقة أو وسيلة للنيل مني إلا وفعلها..
    ولولا خوفي من غضب بعض الإخوة ممن يعرف الرجل لحدثتكم بأشياء فعلها وقالها لا تكاد تصدق ..!!
    لقد سعى صاحبنا في البداية للنيل من شخصي ووجد مبتغاه في بعض الأمور..
    ولكنه حينما رأى الوضع توجه للهدوء،أراد إثارة زوبعة أخرى ولكن هذه المرة من داخل بيت الشيخ !!
    لا أريد سرد تفاصيل ما حدث مما قد يفهم منه النيل من أبناء الشيخ وزوجه وولده وأقاربه..
    فهم والله كرام أبناء كرام ولهم في قلبي كل المعزة والاحترام ويزيد حقهم علي بصلتهم بشيخنا رحمه الله
    ومهما بدر منهم فلا ألومهم واللوم كله أو جله يقع على ذلك الرجل وعلي أنا في جزء منه كما سبق بيانه..
    لقد سعى صاحبنا ذلك فأفسد قلوبهم علي فرأيت منهم من الجفاء والكره والتأفف
    ما حطم فؤادي وشق صدري من الأسى ..
    غير أنه لم يكتف بذلك بل إنه أفسد قلب بعض أقارب الشيخ على الشيخ نفسه ..
    ولو شئت لذكرت ذلك بالأسماء والمواقع وما قاله، ولكن حفظا لسر شيخنا وعدم الفائدة من ذلك ثانيا أمتنع عن فتح الباب ...
    ولقد آذى ذلك شيخنا وضيق صدره حتى حنق على الرجل كما سيأتي ذكره لاحقا إن شاء الله..
    مرت الأيام وأوشكت الأمور أن تعود كسابق عهدها ...
    تأثر بعض الطلبة بتلك الواقعة حيث هجرني عدد منهم استهجانا لفعلتي ..
    انتقل الأخ محمد من السكن وعين الأخ دخيل الشمراني مشرفا على السكن لفترة وجيزة
    لم تطل..
    استدعاني مرة وكان يحمل في يده ملفي الذي كان في أدراج ملفات طلبة السكن فقال لي:
    أنت لست من قبيلة شمر ؟ أنت من قبيلة كذا؟؟
    فقلت له : هذا الموضوع لا يعنيك ثم انصرفت وتركته!!
    كفاني ما أنا فيه من مشاكل حتى أفتح على نفسي جبهة جديدة!!
    أذكر أنني في تلك الأيام التي سبقت سفري أن أموري مع الشيخ كانت على ما يرام..
    وفي إحدى الليالي بعد صلاة العشاء طلبت من شيخنا أن يوفر لي جهاز تسجيل صغير..
    لكي أقوم بتسجيل فتاويه التي يلقيها في طريقة للبيت مما يصلح للنشر..
    أعجب الشيخ بالفكرة ولا أدري هل سبقني عليها أحد؟؟
    أشترى لي جهازا ممتازا وباهظ الثمن ولكنه ثقيل الوزن وينفع للضرب!!
    لا تستعجلوا علي سأحكي القصة لا حقا!!
    طلب مني الشيخ أن أستعد للسفر برفقته لجده ...
    حيث أنه رتب مع والدي اللقاء هناك.. بعد أداء العمرة...
    لم أجرؤ على أن استفسر من الشيخ ما دار بينه وبين والدي !!
    وكنت في نفسي أقول ( لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسوؤكم)!
    اشتريت التذكرة بالدرجة السياحية ... على ذات الرحلة مع الشيخ...
    ظن صاحبنا أن الموضوع انتهى وأنني لن أعود لعنيزة فقد كان على اتصال بوالدي طوال
    الأسبوعين المنصرمة كما سيأتي ذكره ..
    ولذلك لا حظته مبسوطا مستبشرا مع الطلبة
    بخلاف الأيام الخالية فهو لا يكاد يرفع رأسه من الغيظ والغضب..!!
    سألت الشيخ هل ستعتمر ؟
    قال نعم..
    فقلت : هل أشتري لي إحراما ؟
    فقال : إن شئت...
    في يوم السفر توجهت لمنزل الشيخ فطرقت الباب ..
    ففتح لي باب الملحق...
    لقد فتح لي الباب شاب في سني تقريبا وفيه شبه كبير بوجه شيخنا ..
    هذا هو عبد العزيز ابن الشيخ ..
    تعرفت عليه ، وفهمت من كلامه أنه سيكون برفقتنا!!



    !!!

  2. #32

    افتراضي

    الحلقة الواحدة والثلاثون

    قادنا للمطار هذه المرة ابن الشيخ عبد الله وشيعنا للمطار تقريبا جميع أبناءه
    كان الشيخ متوترا على غير العادة وقليل الحديث وأنا أتفهم سبب ذلك!!
    فلقد كان غالب أبناءه متوجسين من وجودي ويعتبروني دخيلا غير مرغوب فيه..
    وصلنا للمطار على موعد الإقلاع تقريبا ...
    سألني الشيخ ونحن متجهون للطائرة أين إحرامك؟
    فقلت له في الكيس الذي أحمله في يدي..
    قال : لو أنك لبسته في بيتك كان أسهل عليك ...
    لاحظت أن الشيخ يلبس الإزار من تحت ثوبه بحيث أنه إذا حاذى الميقات خلع ثوبه ثم يلبس الرداء ...
    وهذا ما كان ...
    بقيت أنا وعبد العزيز ابن الشيخ متجاورين في الدرجة السياحية ..
    ووالده شيخنا في الدرجة الأولى حيث هو مستضاف من مركز الدعوة في جده لإلقاء
    محاضرات وندوات ولقاءات عامة ونحو ذلك مما سيأتي ذكره ..
    كان لعامل السن دور كبير في تسهيل التعامل مع الأخ عبد العزيز ..
    وكذلك لين جانبه وتمتعه بالأخلاق السامية جعلا من رفقته مكسبا لي ..
    حاولت جاهدا أن أغير الصورة التي رسمها ذلك الرجل عني في مخيلة جميع أبناء الشيخ وأقاربه ، غير أنني لم افلح فهو بهم أوثق ومنهم أقرب وعلاقته أرسخ وأقدم!!
    وأنا في موضع تهمة وغريب وثبت علي ما يخل بوضعي !!
    ولكنها بالتفحص والنظر المنصف ليست مبررا للهجران والقطيعة أو الظلم والإيذاء!!
    بقيت أتحدث أنا وعبد العزيز في أمور عامة وتجنبنا الحديث في الأمور الخاصة فقد كان كلانا متحفظا!!
    سمعت كابتن الطائرة يقول على الميكرفون ..
    نرحب بفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين المرافق لنا على هذه الطائرة ..
    بعد انقضاء أكثر وقت السفر واقترابنا من الميقات جاء إلينا الشيخ بنفسه ..
    وهو لابس للإحرام ولحيته تقطر من طيب الدهان .. ويرى أثره على لحيته البيضاء..
    فقال لنا : قوما والبسا إحرامكما ولبيا للعمرة ...
    لبسنا الإحرام ولبينا ودخلنا في النسك..
    هبطت الطائرة لمطار جده ...
    وتوقفت وفتحت أبوابها ...
    خرجت أنا وعبد العزيز من الباب الخلفي للطائرة .. وكان همنا أن نجد الشيخ..
    ونحن ننزل من الدرج لاحظنا عددا من السيارات الفارهة تقف أمام سلم الطائرة لتستقبل ضيوفا لا نعلم أننا نحن المقصودون بذلك!!
    كان الشيخ واقفا يصافح حشدا من الناس أمام السلم مباشرة ..
    توجهنا للشيخ فأشار لابنه عبد العزيز وإلي أن أركبا مع أحد السيارات..
    ركبنا في السيارة وخرجنا من المطار..
    وتوجهنا لحي الروضة في جده..
    توقفت السيارات أمام بيت فاره كبير ذا لون أبيض ..
    أنزلنا حقائبنا وثقلنا ودخلنا البيت لكي نرتاح قليلا..
    هذا المنزل هو المكان الذي اعتاد شيخنا النزول فيه كل مرة ينزل لجده..
    وهو منزل الوجيه الشيخ صالح بن إبراهيم الزامل..
    هذا الرجل الكريم صاحب المرؤة العالية والنبل النادر المحب للعلماء ..
    رجل قد أغناه الله من واسع فضله .. فهو من أثرياء ووجهاء جده يقول لي أحد معارفه:
    كان أبو إبراهيم رجلا مقبلا على الدنيا يملك القصور والفلل في سويسرا ولندن وأمريك
    ثم إنه تاب إلى الله تعالى وتوجه للطاعة فتصدق بجزء كبير جدا من ماله ..
    يحبه شيخنا حبا جما ، ويكرمه بالنزول في ضيافته كل مرة ..
    سمعت من شيخنا ثناء عاطرا على هذا الرجل ونعم الرجل أبو إبراهيم ..
    بارك الله له في ماله وولده..
    مكثنا قليلا ووضع لنا الغداء وبعدها توجهنا لمكة لأداء العمرة...
    كان مرافقنا بالإضافة إلى الشيخ صالح الزامل هو دليلنا الآخر الأخ علي السهلي..
    وهو شاب محب للعلماء من سكان جده ويتحفك بالحديث والطرائف ..
    فيكون النصب والإرهاق في صحبته متعة!!
    بارك الله فيه وجزاه الله خير الجزاء...
    كان الشيخ طوال الطريق يلبي ويرفع صوته بالتلبية .. حتى يكاد يبح صوته من ذلك..
    كنت أراقبه وأفعل مثل ما يفعل وأقول مثلما يقول...
    وكان يقطع أحيانا ذلك بالحديث معنا والسؤال عن شيء يهم..
    غير أنه في الغالب لا ينقطع عن الذكر والتسبيح...
    التعديل الأخير تم بواسطة ابو فيــصل ; July 27th, 2008 الساعة 19:25



    !!!

  3. #33

    افتراضي

    الحلقة الثانية والثلاثون

    وصلنا للحرم قريبا من أذان العصر
    صلينا العصر في الحرم ...
    كان الشيخ يقول : سبحان الله، انظروا، توضأنا في عنيزة وهانحن نصلي في مكة!!
    اضطبعنا كما هي السنة ثم بدأنا بالطواف..
    كان الشيخ يسرع في خطاه حتى يكاد أن يجري .. وهو ما يسمى الرمل
    وكنا نفعل مثل ما يفعله خلافا لكثير من الطائفين ..
    لاحظنا أحد العاملين في تنظيم المعتمرين حول الكعبة ..
    وهو رجل كبير في السن عليه عباءة مزررة باللون الذهبي..
    مر بجواره الشيخ فلم يعرفه فنادى على الشيخ : إن ما تفعله بدعة وخلاف السنة..!!
    فلم يلتفت إليه الشيخ ولم يرد عليه..
    وحينما مر بجواره المرة التالية كرر عليه الكلام ..
    حينها رد عليه الشيخ وهو يسير (والرجل يلهث خلفه ويمسك بمنكب الشيخ يريد إيقافه!!) قائلا : قد ثبت بالنص أن ذلك من السنة وروى له الحديث .. ثم دفع يده واستمر.. ثم قام الشيخ صالح الزامل وهمس في أذن الرجل وقال له : الشخص الذي تتكلم معه ، هو الشيخ محمد بن صالح العثيمين عضو هيئة كبار العلماء!!
    تأفف الرجل وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله ،والله ما عرفت الشيخ ..
    بعد انقضاء الأشواط الثلاثة التي يرمل فيها ، مشينا مشيا عاديا ولحق ذلك الرجل بنا واعتذر من الشيخ ..
    لا يحب شيخنا أن يعرف نفسه لأحد فذلك ليس من شيمه ..
    إلا إن رأى حاجة لذلك ..
    من المواقف التي أذكرها جيدا ..
    في سنة من السنوات كنت أسعى بين الصفا والمروة معه ...
    وكان الشيخ بطبيعة الحال محرما ..وكثير من الناس لا يميز جيد ا حينما يكون محرما..فهو بخلاف الشكل المعتاد له..
    مررنا بجوار رجل في الخمسينيات يحمل مصحفا في يده ويلبس نعلا في المسعى..
    فاقترب شيخنا منه وقال له: لا ينبغي لك يا أخي أن تسير في المسعى بنعلك..
    فالتفت للشيخ ولم يعرفه وأخذه طولا وعرضا وقال: هذا من السنة!!
    فقال له الشيخ : نعم هذا من السنة حينما كان الصفا والمروة واديا مفروشا بالحصى والتراب.. أما الآن فهو مبلط ولو لبس الناس النعال مثلك لتأذى المصلون من ذلك ..
    فقال الرجل : هذا أمر لا يعنيك وانصرف وترك الشيخ !!
    فلحقه شيخنا وقال له : أريد أعرفك بنفسي ، أنا أخوك في الله محمد بن صالح العثيمين!!
    فقال : هو أنت ؟؟
    الشيخ؟؟
    قال : نعم أنا !!
    فانحنى الرجل وحمل نعله وقال : والله ياشيخ ما عرفتك سامحني!!
    وقبل رأس الشيخ واعتذر منه ... وهي تحية تعورف أنها للعلماء!!
    فقال الشيخ : سامحك الله يا أخي .. لو أنك عرفت الرجال بالحق خير من أن تعرف الحق بالرجال!!
    ومن المواقف التي أذكرها جيدا .. أنه ذات مرة كان الشيخ خارجا من باب الصفا من الدور الثاني بعد صلاة العشاء .. فلمح عاملا سعوديا في البلدية يطارد امرأة تكر ونية ممن يبعن أمام الحرم بعض الخردوات والزينة والنعال.. كانت تجري وتحمل متاعها الملفوف في قطعة قماش وتصيح وتولول.. والرجل يجري خلفها يريد الإمساك بها..
    وكانت امرأة كبيرة في السن وهو شاب نشيط فلحقها على درج أحد البيوت فأمسك بمتاعها.. فأخذت تصيح وتترجاه وتبكي بصوت محزن يقطع الفؤاد ..
    وهو لا يلتفت إليها ولا يرد عليها..
    فرأيت الشيخ أحمر وجهه وامتلئ غضبا وتوجه لذلك الرجل ..
    فأمسك به بشدة ونزع القماش من يده وألقاه في يد العجوز فطارت به واختفت عن ناظرنا..
    وقال لذلك الشاب الذي صعق من الموقف ولم يتوقعه ويستعد له.. وكانت علامات الخوف والتعجب ظاهرة على ومحياه قال له: اذهب لمديرك وقل له إن ابن عثيمين قد أطلق تلك المرأة وسوف أتحمل المسئولية عن ذلك !!
    أعتذر من الشيخ وقبل يده ورأسه وانصرف ...



    !!!

  4. #34

    افتراضي

    الحلقة الثالثة والثلاثون

    وهكذا انتهينا من مناسك العمرة وكانت سهلة ميسرة ..
    واعتمرت عمرتي التي أعتبرها أول عمرة أعملها قريبة أو هي على السنة على الإطلاق..
    توجهنا للحلاقين اللذين على باب المروة ..
    وكعادتهم يصرخون على المعتمرين كل ينادي على محله..
    فاختار الشيخ رجلا كبيرا في السن من الباكستان ولحيته حمراء ..
    وقال ذلك الرجل له : أنا أعرفك أنت فيه مطوع كبير !!
    حلق الشيخ وحلقت، وأبى عبد العزيز أن يحلق بل كان يريد التقصير ..
    فقال له الشيخ : ياولدي أكسب دعوة رسول الله حيث دعا مرتين للمحلقين ، ففعل..
    انتهينا من الحلق ، وتوجهنا للسكن وهي عبارة عن شقة تابعة لأحد أصحاب الشيخ
    تقع أمام باب المروة مباشرة ، وقد هدت لاحقا ...
    حصل لي في تلك العمارة موقفان لا أنساهما أبدا .. ولعل فيهما طرفة !!
    واسمحوا لي أن أحكيه لكم فيها لا تخلوا من فائدة ودعابة !!
    كانت الشقة التي نقيم فيها في الدور الأخير وهو العاشر ..
    وذات مرة في إحدى الزيارات لمكة .. صعدت مع الشيخ .. على مصعد الشقق الوحيد
    وصعد برفقتنا الشيخ سعد البريك الداعية المعروف والمقيم في نفس العمارة ..
    نزل الشيخ سعد في طابقه وغادرناه لطابقنا العاشر..
    وفجأة توقف المصعد عن العمل وبقينا معلقين بين طابقين..
    ضغطت على زر النداء فلم يجبنا أحد وكدنا نختنق من الحر وقلة الهواء..
    عندها قمت بدفع بابي المصعد وفتحتهما بعد محاولات عديدة وبالكاد فتح!!
    ولكن تبقى المشكلة أنه معلق بين طابقين، ولكن من رحمة الله بنا أن بقيت في أسفله
    فتحة بسيطة .. يمكن المرور منه
    ولكن بمشقة ، وفيها خطورة حيث من الممكن أن يتحرك المصعد في أي لحظة فيحصل
    مالا يحمد عقباه !!
    نزلت أنا أولا فخرجت بنجاح ، وبقيت ألح على شيخنا بالنزول حتى وافق على
    مضض..فتدلى من الباب فخرج والحمد لله !!
    ولولم نفعل ذلك لهلكنا بلا شك ..
    والموقف الآخر ،
    ذات مرة جئنا لنفس السكن ولكن هذه المرة كان المصعد عطلانا بالمرة ولا يعمل..
    فكان الواجب علينا الصعود على الدرج لعشر طوابق ..!!
    صعد الشيخ بكل خفة ورشاقة أما أنا فتعثرت مرارا وهممت أن أرجع للحرم وأترك
    الشيخ!!
    فكان الشيخ يسحبني ويجرني وهو ابن السبعين حتى وصلت وكاد نفسي ينقطع!!
    غير أن الشيخ حينما وصل للسكن تذكر أن لديه مكالمة مع الأمير عبد الله ولي العهد ..
    وهي ضرورية ولا يمكن تأخيرها ..
    فقال لي : احضر الهاتف لكي اتصل .. فبحثت عن جهاز الهاتف في كل غرف الشقة..
    فلم أجده فتتبعت سلك الهاتف الموصل بالفيش فوجدته موصولا بغرفة مغلقة وليس لدينا لها مفتاح!!
    علمت من وجه الشيخ وملامحه أن لا خيار لديه ..
    فقررت النزول لشراء جهاز له ..
    فقال لي: سوف انزل معك ..
    قلت له : أبدا ، وكنت أعلم أنه سينزل معي مجاملة لي تخفيفا للمشقة!!
    وخوفا علي من أن أموت قبل الرجوع!!
    فأصر على النزول معي فأذعنت لذلك ..
    نزلنا وما أسهل النزول كما ما أسهل الهدم !!
    نحن أهل الدعوة نبني ونتعب ونعاني أما أهل الشر من أهل العلمنة والنفاق فيهدمون وما أسهل ذلك فالكل يقدر على الهدم لمن لا ضمير له أما البناء فهي مهنة الشرفاء ..
    جعلنا الله منهم..
    بحثنا في المحلات فوجدنا أجهزة متعددة ومختلفة الأسعار ..
    فكنت أريد شراء جهاز معقول الثمن حيث أنني علمت أن حاجتنا إليه لمكالمة واحدة فقط..
    غير أن الشيخ له رأي آخر !!
    بحث عن أرخص جهاز بالسوق وقيمته عشرة ريالات وهو أشبه بلعب الأطفال!!
    فقلت له : ياشيخنا هذا ما ينفع لشيء !!
    قال : ياولدي مكالمة واحدة فقط !!
    فأخذناه واستحييت والله من شراءه ولكن هذه هي رغبة الشيخ ..
    وليس هذا بخلا منه كما قد يظن بعض أهل الغفلة بل الشيخ من أكرم الناس
    كما يشهد بذلك من عرفه ولكنه مقتصد على نفسه بأقصى الحدود رحمه الله وعفا عنه..
    صعدنا الدرج ويا للعذاب !!
    فظن شرا ولا تسأل عن الخبر..
    وصلت للشقة فرميت نفسي تحت دش الماء واغتسلت من العرق والجهد!!
    دخل شيخنا وأراد إصلاح خط التلفون فما استطاع فانتظرني حتى خرجت من الحمام..
    فقال : تعال أصلح لي الهاتف..
    فتأملت ... ثم
    قلت له : ليس من سبيل سوى بقطع سلك تلفون صاحب المنزل وتوصيله..
    فأبى الشيخ وقال : هذا ليس من المرؤة هل تريده يقول : أفسدوا سلك تلفوني!!
    فقلت له : ما العمل ؟؟
    فبحثنا وتتبعنا السلك حتى وصلنا لفيش التلفون ..
    فقمت بفكه بسكين ووصلت أسلاك تلفوننا المبتذل ولكن أين اللاصق الذي يثبته!!
    فقلت : ياشيخ التلفون يعمل ولكن نحتاج للاصق فهل سننزل من اجله للسوق ؟؟
    فقال : كلا بل أوصل السلك بيديك وأمسك به حتى أنهي المكالمة!!
    كانت فكرة شاقة ولكنها أهون على نفسي من النزول من الدرج ..
    اتصل شيخنا على مكتب الأمير .. فرد عليه عامل البدالة .. فعرف الشيخ بنفسه ..
    فرحب به الرجل وقال له سأوصلك بطويل العمر..!!
    فاستمر في الانتظار دقائق معدودة حتى يوصلوه بالأمير وكنت خائفا والله ..
    أن يرد طويل العمر فيسقط السلك من يدي فأحاسب حسابا عسيرا !!
    ولكن الله سلم ..
    كلم شيخنا الأمير وقضى منه ما يريد ثم لففنا التلفون وأهديناه لأولاد صاحب البيت لكي يتسلوا به!!



    !!!

  5. #35

    افتراضي

    الحلقة الرابعة والثلاثون

    كما سبق وذكرت فقد نزلنا بشقتنا الواقعة مقابل المروة..
    ولم نشعر بالتعب والإرهاق خاصة بوجود الأخ علي السهلي اللذي وهبه الله موهبة الطرافة الفطرية ، فهو يتلفظ بكلمات تجبرك على الضحك والوناسة إجبارا!!
    نمنا ليلتنا تلك في مكة...
    صلينا الفجر في الحرم وفي وقت الضحى توجهنا لجده...
    كان معنا في سيارة الشيخ صالح جهاز تلفون سيار قبل معرفة أجهزة الجوال..
    اتصل شيخنا على شخص .. فسمعته يكنيه بأبي محمد !!
    ثم التفت الشيخ إلي .. ففهمت من نظراته أنني معني بمن يتحدث معه..
    أوشك قلبي على التوقف من الرعب !!
    وتصببت عرقا ، وصار الدم يغلي في عروقي ...
    حيث علمت انه يكلم والدي !!
    غير أنني لا حظت شيخنا يتكلم معه بكل هدوء فخفف ذلك علي هول الصدمة..
    ثم سلم شيخنا سماعة التلفون للشيخ صالح حتى يصف له منزله في جده!!
    لا أستطيع أن أصف مشاعري في تلك اللحظات ..
    كانت مشاعر متضاربة ... ولكن يطغى عليها الخوف ..
    لا أدعي أنني كنت مسرورا أو متشوقا للموقف!!
    فقد كنت كسجين هرب من سجنه!!
    منذ حوالي الخمسة شهور..
    لا أقصد أن حياتي كانت سجنا بل التوصيف القريب أن تسمى انعتاقا وتحررا من القيود!!
    وإن كان ولا شك أن والدي عليه الرحمة والرضوان لا يقصد من وراء ذلك سوى مصلحتي
    ولكن ... هل كل من قصد شيئا وفق؟؟
    هل كل صاحب دعوى هو مقبول على الإطلاق؟؟
    أليس كل أحد معرض للخطأ في التوصيف والملاحظة مما يبنى عليه
    خطأ في اتخاذ القرارات..
    أليس رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر أخطأ؟؟
    كما فعل مع ابن أم مكتوم فعاتبه رب الجلالة من فوق سبع سماوات؟؟
    ولكنني لو رجعت للوراء لكان تصرفي مختلفا للغاية ، فالحمد لله على ما قدر...
    لم يظهر على شيخنا أي ارتباك أو حرج من ذلك الاتصال كما هو حالي..
    وصلنا لجده فوجدنا حشدا كبيرا من الناس في انتظارنا..
    جده هذه هي مدينة الشيخ محمد العثيمين!!
    يحب شيخنا أهلها وهم أشد حبا له..
    وسمعت شيخنا مرارا يقول ذلك
    ولذلك حينما يعاتب على حظ جدة منه بخلاف المدن الأخرى
    يقول هؤلاء هم جيران الحرم فلا تلومونا بحبهم!!
    ولذلك من الملاحظ كثرة طلبة الشيخ في عنيزة من أهل جده ..
    وأما الحضور الكثيف لمحاضرات الشيخ في جده فذلك لا ينافسهم عليه أحد..
    نزلنا في منزل الشيخ صالح ..
    فبدا أن المجلس يغص بالناس .. غير أن هناك ضيفا مميزا في تلك الجلسة لاأنساه!!
    دخل علينا رجل حجازي الطلعة ، هادي الطباع ، حليق الذقن .. مؤدب ..
    فيه سكون لا تكاد تسمع له حسا ...
    تقدم في المجلس ، وحينما رآه الشيخ .. قام له .. وصافحه بحرارة..
    لم يكن وجهه غريبا علي ، فقد سبق أن رأيته ...
    ولكنني لم أميز شخصه؟؟
    فبقيت أحملق فيه وهو جالس بجوار الشيخ لا يكاد يرفع رأسه من الخجل..
    وبعد التدقيق والتمحيص ، انكشفت لي شخصيته ...
    فصعقت ، وتعجبت ، وما توقعت أن أرى ذلك أل....!!!
    بجوار الشيخ !!
    إنه المغني المشهور محمد عبده !!
    مالذي أتى به ؟؟
    ومن دعاه؟؟
    يقيم محمد عبده بجوار منزل الشيخ صالح الزامل وله جامع كبير هناك قد بناه محمد عبده على نفقته ..
    سمعنا جميعا بتوبة هذا المغني ..
    وكان لقاءنا به في تلك الأيام التي أعلن توبته من الغناء واعتزاله له وليته استمر بذلك..!!
    غير أنه مورست عليه ضغوط من جهات معروفة..
    فسوغت له الباطل فعاد له والله حسيبنا وحسيبه..
    زينوا له أن الغناء مباح خاصة منه ما يسمى بالغناء الوطني ..
    كان شيخنا مهتما بمحمد وزاره في بيته مرارا ..
    تثبيتا له على الحق ولكن الله لم يرد ذلك ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)
    ورأيته مرة يجلس مع الشيخ لوحده وكان يشتكي له من شدة الضغوط عليه ويبكي فكان شيخنا يصبره ويذكره بالله ..
    ولقد تبرع لنا الأخ محمد بتبرعات جليلة لقضايا إسلامية عديدة عفا الله عنا وعنه لعلي أذكرها لاحقا..



    !!!

  6. #36

    افتراضي

    الحلقة الخامسة والثلاثون

    كان ذلك اليوم فيما أذكر يوم خميس
    ووضع لنا الغداء في الفيلا المجاورة والتي هي أيضا تابعة لفلل الشيخ صالح الزامل
    وذلك لكثرة الضيوف وازدحام الملحق بهم ..
    غير أني لم أجد لذلك الطعام أي لذة رغم تنوعه وفخامته و لكن لم يطب لي الحال!!
    فقد كنت قلقا للغاية ، فوالدي قد يدخل علينا في أي لحظة..
    ولا شك أنني لم أكن أحب رؤيته وأنا في جمع من الناس ..
    كنت أراقب الباب وأراقب الشيخ محمد حيث أن التلفون الثابت وضع بجواره وينتظر مكالمة الوالد...
    انتهينا من الغداء وقدم لنا الشاي وبدا المجلس بالانفضاض..
    ولم يكن أحد يعلم بقدوم الوالد سواي والشيخ محمد والشيخ صالح ..
    بقيت مع الشيخ محمد وذهب الآخرون للقيلولة ..
    وأجهد الشيخ من الانتظار فدخل غرفته ونام..
    أذن العصر وتوجهنا للمسجد..
    وبعد الصلاة عدنا للبيت ..
    وبعد نصف ساعة من الصلاة .. رن جرس الهاتف...
    فرد الشيخ صالح الزامل .. فعرفت من كلامه أنه الوالد ..
    وصف له المنزل وصفا دقيقا.. ثم أغلق السماعة..
    ناداه شيخنا وهمس في أذنه وطلب منه أن يوفر لنا مكانا منعزلا عن الآخرين ..
    كان التوتر على أشده مني ، بينما شيخنا كأن على فؤاده قالب ثلج!!
    وهكذا الرجال اللذين طحنتهم الحياة طحنا وتعلموا من دروسها يواجهون المصاعب بكل ثبات وروية واتزان...
    ذهبت برفقة الشيخ صالح للفيلا المجاورة حيث سأستقبل الوالد قبل قدوم الشيخ..
    بقيت في الخارج واقفا في الشمس .. ولا يقر لي قرار..
    كنت أتصور غضب الوالد وهو رجل غضوب من طبعه فكيف وهو في هذا الحال؟؟
    حيث مضى على هروبي من المنزل حوالي الخمسة شهور ...
    بعد دقائق تقدم حارس الفيلا وفتح الأبواب الضخمة ودخلت سيارة جمس كبيرة لونها احمر وأسود وهي سيارة الوالد التي عهدت..
    حينما دخلت مقدمة السيارة وكان بلاط الفناء مرتفعا عن مستوى الشارع لم يظهر لي وجه الوالد..
    و لكن حينما استوت السيارة رأيت وجهه ..
    لحيته بيضاء مختلطة بالسواد كما عهدته ووجهه عابس بل عليه علامات الغضب والانفعال.. وهذا ما توقعته بالتأكيد !!
    كان مشهدا مضطربا يصعب علي وصفه ..
    تقدمت لباب السيارة بعد أن استدار بها وأوقفها تحت المظلات ..
    ففتحت الباب فانكببت على يد والدي وقبلتها وقبلت جبهته ..
    فأشاح بوجهه عني ولم يرد السلام علي ..
    لم أتضايق مما فعل فأنا أستحق منه أكثر من ذلك !!
    لم ألاحظ أن معه شخصا آخر سوى حينما سلم علي، فاستدرت للصوت..
    فرأيت أحد أصدقاء والدي اللذين يحبهم ويثق فيهم وهو الأستاذ مشرف الزهراني الأستاذ مشرف رجل عاقل ورزين ويثق والدي بنصحه ولذلك كانت صحبته للوالد ذلك اليوم من رحمة الله بي...
    دخلنا لغرفة صغيرة ملحقة بالفيلا حيث تضمن لنا خصوصية كاملة..
    جاء الشيخ صالح حينما علم بقدوم الوالد فصافح الوالد بحرارة شديدة كما هي عادته مع ضيوفه ولم يكن يعلم بالموضوع الذي بيني وبين الوالد ، فأخذ الشيخ صالح يثني علي وعلى حرصي على العلم وأن أعظم توفيق لله لي أن جعل لي قبولا لدى إمام الأمة الشيخ بن عثيمين .
    لاشك أن تلك العبارات الصادقة التي نطق بها الشيخ صالح والتي خرجت منه بدون قصد حيث هو لا يعلم عن القصة أصلا ولم يخبره أحد بها ،كان لتلك الكلمات أثر في الموضوع فكأن معناها .. يا أبا محمد لا داعي للقلق فقد حفظ الله لك ابنك فليس هو كمن هم من أترابه من الشباب اللذين اشغلهم اللهو فأضاعوا دينهم ودنياهم
    بل إن الله هيأ لابنكم مكانا لا تستطيع أنت ولا غيرك أن يضعه فيه بل هو فضل خالص من الله عز وجل !!
    أحضر لنا القهوة والشاي وكنت أخدم الوالد وصاحبه ...
    ولم نكن نتحدث بل كان الصمت رهيبا والهدوء منذر بشر مستطير ..!!
    هذا ما تخيلته وتوقعته...



    !!!

  7. #37

    افتراضي

    الحلقة السادسة والثلاثون

    بقينا في انتظار قدوم الشيخ ولم يطل الغياب ..
    دلف شيخنا للمجلس فوقف إزاء الوالد فصافحه ورحب به وصافح رفيقه ثم جلسو
    كنت أراقب وجه الشيخ ووجه الوالد ..
    كان وجه شيخنا كما سبق وذكرت على محياه الهدوء والسكينة
    أما وجه والدي فقد كان على وجهه علامات الحيرة والخجل !!
    فهو محتار مما سيقول وخجل من الشيخ صاحب المقام الرفيع..
    أما أنا فإنني لا يحق لي الكلام بعبارة واحدة!!
    فمن رأسي البليد خرجت كل هذه المصائب!!
    قرأت في كتاب الحيدة والذي يروي قصة المناظرة المشهورة بين أحد علماء السلف ( نسيت اسمه ) وبين بشر المريسي إمام الجهمية وذلك في مجلس أمير المؤمنين المأمون..
    حيث وصف ذلك العالم كيف أنه أصابته هيبة الموقف بين يدي الخليفة بالقشعريرة والارتباك، فلاحظ ذلك المأمون وكان رجلا داهية .. فأخذ يتحدث مع الشيخ في أمور خارج الموضع الذي جاء
    من أجله نحو أحوال المدينة التي قدم منها وكيف الغلاء والرخص في الأسواق وهل جاءهم غيث وما حال الزرع والضرع ونحو ذلك.... يريد من ذلك كله أن يلطف الجو
    المشحون ويذهب الروع عنه ...
    وهكذا فعل شيخنا ذلك اليوم ..
    أخذ يتحدث مع الوالد ويسأله عن عمله وكيف أحوال الطائف وعن الأمطار ونحو ذلك
    كنت أرقب في وجه والدي الابتهاج..
    وأخذت أسارير وجهه بالانفراج رويدا رويدا حتى إذا ما شعر الشيخ بتهيئته بدأ شيخنا في الحديث في الموضوع الأهم!!
    قال الشيخ : تعلمون أن الأخ فلان ( كنت أتمنى أن يناديني بالابن وأظن الشيخ تعمد ذلك لحكمة يقصدها فتأمل!!) قد جاء لعنيزة من أجل طلب العلم وقد لاحظت منه حرصا على العلم وصدقا في الطلب فقربته مني وصحبته معي في بعض أسفاري فرأيت منه ما أسرني وتأكدت من أمانته وحرصه على التحصيل العلمي..
    غير انه قام أحد طلبتنا بالاتصال عليكم وتأكد من حاله وأنه هارب من بيته وجاء بغير إذن والديه فغضبت منه وحصل أن اتصلت عليكم مرارا فدار بيننا الحديث الذي تعلمه وحددنا هذا الزمان لكي نلتقي واحضر لكم ابنكم فلان لكي ترونه ونقرر في حاله ماهو الأصلح والأرشد له ..
    سكت الشيخ ثم بدأ الوالد في الحديث ...
    من عادة والدي إذا أراد الحديث الجاد أن يخلع شماغه ويضعها على حجره ويتكلمبصوت خافت وهادئ...
    قال : فلان فعل فعلا لم يفعله أحد من الناس ، عصاني وعصى أمه وترك دراسته وهرب من المنزل ..
    قاطعه الشيخ !!
    وقال : يا أبا محمد لا داعي أن تذكر لي ما سبق أن سمعته منك ...خاصة وأن وقتي ضيق
    للغاية ولدي محاضرة الليلة والناس تنتظرني في الخارج ..
    سوف أعرض عليك أمرا وأنت قرر ما تراه في ابنك..!!
    شيخنا رجل حازم ويحب الدخول في صلب الموضوع مباشرة ، ولا يحب الانشغال بتفاصيل قد تبعد عن الواقعة الحادثة لتنتقل نقدا وتمحيصا لما مضى وفات..
    قال له :
    أريدك أن تترك فلانا عندي في عنيزة وسوف أسجله في المدرسة الثانوية لكي يكمل دراسته ، ولك علي يا أبا محمد أن أراقبه وأربيه كما أراقب وأربي أحد أبناءي وثق تماما أنه سيكون تحت رعايتي ومسئوليتي بعد رعاية الله سبحانه فلا تمنعه من العلم وطلبه....
    أيها الإخوة والأخوات يصيبني الخجل وأكاد أذوب من الحياء حينما سمعت هذه الكلمات من شيخنا رحمه الله ..
    والله الذي لا إله سواه لم أتوقع أن يقول شيخنا ما قال ولا خطر في بالي ..
    حينما تقرءون سيرة شيخنا وذلك حينما انتقلت عائلته للرياض وكان شيخنا من تلاميذ العلامة الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي فكان لزاما أن ينتقل التلميذ للرياض مع عائلته ولكن الشيخ ابن سعدي طلب من والد الشيخ محمد أن يبقيه في عنيزة حتى يستمر في الطلب ..
    أنا لا أقارن نفسي والله بهذين العلمين الكبيرين ولكن أحكي ذلك الموقف النبيل من شيخنا عليه سحائب الرحمة والرضوان ...
    لم يدر في خلدي أن شيخنا سيقول ذلك ولم يكن متوقعا ما قاله الوالد..
    قال والدي وبكل ثقة واطمئنان....
    مادام فلان هو في رعايتك وتحت مسئوليتك فأنا أوافق على بقاءه في عنيزة
    بشرط أن يكمل دراسته ويجتهد فيها ويبتعد عن رفقة السوء ..
    وله علي ياشيخ محمد أن أرسل له نفقة شهرية قدرها ألفين ريال ..



    !!!

  8. #38

    افتراضي

    الحلقة السابعة والثلاثون

    أكاد أعجز أحيانا وأقف محتارا في صياغة بعض العبارات المناسبة في توصيف بعض الأحداث !!
    إن لكل كلمة رنينا خاصا ولحنا مميزا ولكل عبارة وزن لا بد من مراعاة نغماته حتى تعطي الانطباع الصادق لما ترمي إليه !!
    بالمختصر ذلك أكبر من طاقتي !!
    ليتني شاعرا أو أديبا حتى أنطق بما يعتلج بدواخل نفسي ...
    صدقوني أيها القراء الكرام أنني حينما أتذكر تلك الأيام أو أكتب عنها ..
    فإنني أعيش في جنباتها كالسائل الحائر المسكين يحضر توزيع الغنائم أو الإرث!!
    ما ذا كان حالي تلك اللحظات ؟؟
    كيف اصف مشاعري حينما سمعت ماقاله شيخنا؟؟
    كيف أصف حالي حينما سمعت والدي يقول ما يقول؟؟
    بكيت والله ، بكيت بكاء فرح ومرارة معا ..!!
    ذرفت الدمع وكاد أن يكون نهرا جاريا من دمي ...
    بكيت من الألم الذي اكتويت به طوال تلك الشهور التي مرت علي كقرون ..
    من الطائف لأبها للرياض لحائل ثم للقصيم وبينها أمور لو تعلمونها لا أخالكم تودون معرفتها !!
    دعوها لي فأنا لوحدي أكتوي بها وأجري على الله ...
    قمت لوالدي فقبلت يديه ولو قدرت لألبسته تاجا من ذهب أو سورته سوارا من ياقوت!!
    ولكن هل هذا ما يريده أبي ؟؟
    هل يريد أبي مني جزاء أو شكورا ؟؟
    ماذا يريد كل أب من ولده؟؟
    إن أجمل دعاء يحب كل واحد منا عن ولده أن يقال له...
    جعله الله قرة عين لك ...
    نريد أبناءنا أن يكونوا قرة عين وكفى !!
    أما شيخنا محمد .. فسأبقى أبد الدهر أدعو له حتى يجمعني الله به بحوله وكرمه في جنات النعيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر ...
    لم تنتهي القصة ولم أختم المقال رغم قصره سوى لأعطيكم فرصة أيها السادة الكرام أيتها السيدات الكريمات لكي تستخلصوا العبر مما مضى ..وتعلقوا ماشئتم ..
    وسوف ألقاكم بعد أسبوع من مقالي هذا لكي نستأنف الجزء الثاني من القصة..
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أخوكم ومحبكم مالك الرحبي أبو عبد الله..

    رحلتي إلى النور الجزء الثاني



    !!!

  9. #39

    افتراضي

    الحلقة الثامنة والثلاثون

    سوف أستأنف ما بدأته بلا تغيير في أسلوب الطرح
    وسأحاول الإطالة ما استطعت لذلك سبيلا بناء على رغبة الإخوة والأخوات ..
    انقضى ذلك اللقاء وقمت للوالد وجلست بجواره وتحدثت معه حديثا مقتضبا حيث كان هو في عجلة من أمره ..
    وشيخنا قد غادرنا لمجلسه المكتظ بالضيوف ..
    بعد أن اتفقنا على عودتي مع الشيخ ثم التوجه للطائف بعد عشرة أيام...
    للسلام على الوالدة والإخوان والأخوات ومن ثم نقل مكتبتي
    وحاجياتي لعنيزة..
    قلت للوالد : تصدق، من في المجلس مع الشيخ ؟؟
    قال : من؟
    قلت له : المغني محمد عبده !!
    تعجب من ذلك ونظر لرفيقه مستغربا ..
    كنت أريد من ذلك ملاطفته ،ولكنه ما زال في نفسه شيء علي ..
    غير أنه رحمه الله تناسى مع الأيام تلك الفعلة الشنيعة مني،
    وأصبحت صفحة قديمة بالية ،ها أنذا أخرجها لكم من أدراج الذكريات
    البالية لأنفض عنها الغبار وأطيبها بطيب الورد والمسك
    وأطرحها طرحا كما هي ولكن برائحة جديدة وطعم جديد!!
    ودعني الوالد ووضع في جيبي ألفا ريال عدا ونقدا ..
    فكانت في جيبي كشهادة تخرج من بيت أبي محمد ..
    وبالإذن لي بالانتقال لكنف شيخنا العلامة محمد بن عثيمين ..
    عليهما الرحمة والرضوان....
    خرج الوالد من المنزل وكنت أرقبه وعيني تترقرق بالدموع..
    كان المشهد محزنا لي وتمنيت أن ألحق والدي وأقول له..
    لا تقلق يا أبي ... سوف أسعى بكل جهدي لأغير الصورة السيئة
    التي رسمتها عن نفسي ..
    تمنيت أن ألحقه وأذهب للوالدة العزيزة فأطيب خاطرها وأرضيها ..
    والتي أعلم علم اليقين أنها أشد قلقا وخوفا علي منه ..
    لا شك عندي أن والدي لم يكن مطمئنا علي في ذلك الحال ..
    فهو رجل يدرك بفطنته خطورة الموقف بل يدرك ضبابية المستقبل..
    فما يدريه قد يكون كل ما رآه وشاهده وسمعه هو سراب ..
    أو غمامة صيف عن قريب تقشع!!
    والأمر بيد الله سبحانه وتعالى من قبل ومن بعد..
    ها أنذا أيها الإخوة والأخوات الكرام أفتح لكم صفحة جديدة من
    ذكرياتي وأطوي تلك الأيام المليئة بالعذاب والشقاء ..
    ولكن هل انتهى كل شيء ؟؟
    هل توقفت دورة الحياة ومعاناتها ..؟؟
    هل مضت الأمور على ما يرام في كل أحوالها؟؟
    كلا؟؟
    إن الأيام حبلى بالمفاجئات ....
    والتي قد تكون سارة رقيقة ناعمة....
    أو تكون نارا كاوية وعذابا ..
    تكفيرا للخطايا أورفعة في الدرجات؟؟
    قد يقول قائل : لم أقدم شيخنا على هذا التصرف ..؟؟
    والجواب: لا أشك أنه كان يعلم عواقب فعله ...
    ولكن كما سبق وذكرت ، أن شيخنا يزن الأمور بموازين مختلفة!!
    هذه المقاييس والمعايير ...
    مبنية على التقوى والخشية من الله تعالى والإخلاص له ..
    لا على الهوى وسوء الظن .. وبعد ذلك
    فليغضب كل العالمين حينها ..
    دعوني أروي لكم بعض الأحداث في تلك الرحلة ثم لنكمل القصة..
    عدت للمجلس مع الضيوف.. وجلست بجوار عبد العزيز ابن الشيخ ..
    والذي لم يشعر بما حصل في تلك الجلسة لا هو ولا غيره..
    سواي أنا وشيخنا ...
    بقي الناس يتحدثون مع الشيخ ويستفتونه ..
    كان فيهم جمع من مشائخ جده ومحبي الشيخ أذكر منهم ...
    الشيخ علي الحكمي ..
    الشيخ جمعان الزهراني ....
    الأخ علي السهلي ..
    الأخ عبد الهادي الحكمي ...
    والشيخ محمد الشميمري...
    وهؤلاء الخمسة تكرر حضورهم ولقائهم بالشيخ في كثير من سفراتنا لجده...
    وللأسف نسيت كثيرا من الأسماء التي لم تسعفني الذاكرة بهم.!!
    انتهت الجلسة قبل أذان المغرب وتوجهنا لجامع الأمير متعب ..
    حيث سيلقي شيخنا محاضرة ...
    كان الجمع هائلا والخلق صلت خارج المسجد من الزحام ..
    ألقى شيخنا تلك المحاضرة ..
    ثم بعد الصلاة توجه لسيارته المعدة له ..
    وهي سيارة الشيخ صالح الزامل ..
    وبالكاد وجدت فيها مكانا لي ولعبد العزيز الذي لازمته ولازمني طوال تلك السفرة...
    حينما توجهت السيارة لوجهتها ..
    تبعنا قطار من السيارات !!
    والتي أشك أنها كانت مدعوة للوليمة المعدة للشيخ!!
    كانت تلك السيارات لجمع من محبي الشيخ ..
    والذين لا أسميهم الطفيليين كما يدعي البعض!!
    ولكنهم فتية قد شغفوا بالشيخ و صاروا يلاحقونه أينما استقر وحل..
    كان ذلك في بعض المواقف محرجا للشيخ مع مستضيفيه....
    فيضطر أحدنا للتوقف .. لتبليغهم بلطف أن الدعوة خاصة فيتقبل الجميع ذلك
    بكل احترام وأدب .. فينصرفوا .. بارك الله فيهم..
    توجهنا لحي الأمير فواز ...
    حيث كان مضيف الشيخ هو الأستاذ عبد الرحمن المحمودي..
    وهو صاحب الشقة التي نزلنا بها في مكة..
    نزلنا في بيته العامر..
    ونزلت معنا الجموع التي لم تدعى ..
    رأيت الحرج الشديد في وجه المضيف من ذلك ..
    والذي أظن أنه لم يتضايق من كثرتهم فهو رجل سمح وكريم ..
    وبيته فسيح وطعامه كثير...
    غير أن السبب سيدركه لاحقا منكم من فطن !!
    بعد جلوسنا في المجلس الفسيح .. والذي غص بالحضور
    تحلق جمع كبير من الطلبة حول الشيخ ..
    منهم المستفتي ومنهم صاحب الحاجة ومنهم من جاء ليستفيد من أدب الشيخ.. فهو مدرسة متنقلة رحمه الله..
    لقد كان الواحد من السلف يسافر المسافات البعيدة من أجل لقيا عالم
    لكي ينهل من علمه وأدبه وسمته ..
    وهاهم طلبة العلم من جده ومكة ونجد والمنطقة الشرقية والشمالية والجنوبية وغيرها يقتدون بسلفنا الصالح بارك الله في الجميع..
    لم أكن أعرف المدعوين ولا مستوياتهم في المجتمع ..
    ولكن بعد فترة من الوقت دخل علينا ضيفان مميزان لم أتوقع أن سأراهم رؤيا العين ولا في أحلامي!!
    دخل علينا شابين وسيمين ظاهر عليهما الثراء والسلطة والنفوذ!!
    إنهما الأمير سعود بن فهد بن عبد العزيز ..
    والأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز .. ابنا الملك!!
    وجلسا بجوار شيخنا عليه الرحمة والرضوان..
    كان شيخنا يتكلم معهما بكل بساطة ودون تكلف ..
    فأعطى ذلك انطباعا عن شيخنا يفهمه الجميع!!
    كان الأمير عبد العزيز صامتا طوال الجلسة تقريبا ..
    ويظهر أن هذا من طبعه أو بسبب وجود أخيه الذي يكبره ..
    أما الأمير سعود فيظهر أنه كوالده وفقه الله يتحدث بطلاقة وفيه فصاحة ويحب التحدث مع الحضور بلا تحفظ..
    كان الشيخ عبد العزيز الغامدي صاحب مشروع الزواج حاضرا ..
    وكان يداعب الأمير سعود بضرورة أن يبحث له عن زوجة شابة تكون ضرة من ضرات أهله!!
    فكان يحاول الفكاك منه وتصريفه .. ويشيح وجهه عنه..
    ولكن الأخ عبد العزيز رجل ملحاح يريد تزويج خلق الله جميعا..
    حتى شيخنا لم يسلم منه!!
    وبالكاد خرج الأمير من مقصلة عبد العزيز الغامدي..
    الأخ عبد العزيز لديه مشروع كبير لتزويج الشباب والفتيات ..
    والراغبين في التعدد..
    وسمعت عن مشروعه كثيرا منه ومن غيره ..
    ولا أدري هل ما زال يعمل في هذا المجال أم تغير حاله..
    ذات مرة حضر الأخ عبد العزيز رحلة قمت بتنظيمها لمجموعة من ضيوف ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز ..
    وهم من إحدى الدول الأوروبية وحضر برفقة عدد منهم زوجاتهم..
    وكان معنا صحفي من جريدة عكاظ وعدد من المصورين ..
    طلب الشيخ عبد العزيز أن يلقي كلمة للضيوف ..
    فتحدث وكان يترجم له أحد دعاتنا المرافقين بلغة القوم..
    ولكنه سامحه الله حور موضوع الكلمة وبدء بالحديث عن تعدد الزوجات..
    وكان صوته مرتفعا ويصل لزوجات الإخوة ..
    فسمعنا فرقعة الصحون ورمي الكاسات من خلف الباص الذي كن يجلسن فيه..
    وضرب الأبواب!!
    حتى يصمت هذا الزائر المزعج..
    ولكنه استمر في حديثه ..
    فخرج النسوة من الباص ..
    وابتعدن عن المجلس .. والحمد لله أنهن لم يحصبننا بالحصى!!
    ولا شك أن أزواجهن دفعوا ثمن تلك المحاضرة لاحقا!!



    !!!

  10. #40

    افتراضي

    الحلقة التاسعة والثلاثون

    انتهت تلك الجلسة الممتعة وخرجنا من بيت الأستاذ عبد الرحمن المحمودي..
    وتوجهنا لبيت مضيفنا الشيخ صالح الزامل..
    تلك الليلة لها مذاق خاص وطعم خاص..
    لقد تغيرت حياتي تماما ذلك اليوم..
    لقد انتهت تلك المحنة التي صارت كالسيف المصلت على عنقي
    والذي كنت أنتظره أن يدنو يوما من عنقي فيقطعه !!
    ولكن الله تعالى بدل حالي وغير مجرى حياتي ..
    لقد كان لتلك الليلة بحق وذلك اليوم وضع فريد لي..
    فلقد قابلت أبي ..
    ورآه شيخنا .. وأرضاه وأقنعه ببقائي عنده تحت رعايته ومسئوليته
    وحلت عقدة هروبي وانتهت بلا رجعة والحمد لله..
    أصبح بقائي للدراسة عند الشيخ شرعيا..
    زادت ثقتي بنفسي..
    وقويت عزيمتي ..
    وارتفعت همتي..
    ووضح مقصدي وهدفي..
    وتغيرت ملامح وجهي !!
    فكان وجه الواثق لا وجه الخائف المرتاب!!
    وبدأت من تلك الليلة تكوين شخصيتي الجديدة..
    شخصية الطالب المجد الواثق من أصله ونسبه ونفسه !!!
    فهذه نعم تترى ومنن جليلة أعجز عن شكر الخالق سبحانه عليها
    مدى عمري فله الحمد وحده والثناء ...
    عدنا فوجدنا مكان النوم معدا لنا جميعا..
    أنا وشيخنا وعبد العزيز في غرفة سويا..
    والإخوة الآخرون في غرفة مجاورة..
    حتى شيخنا رحمه الله شعرت منه تلك الليلة تبدلا وتغيرا ..
    فرحا بانتهاء مشكلتي مع الوالد ...
    كنت ألهو مع الأخ عبد العزيز وأريه بعض التمارين الرياضية
    وهو تمرين الضغط برفع الجسم بالاعتماد على اليدين!!
    فلمحنا الشيخ ..
    فجاء إلينا وقال: ماذا تفعلان؟؟
    فقلنا: نتدرب !!
    فقال: ألا تريداني أن أتدرب معكما ؟؟
    تبادلت النظرات مع عبد العزيز .. فانحنى الشيخ ولم ينتظر جوابنا..
    وضغط وعجزنا أن نجاريه في ذلك!!
    شيخنا من رآه ولم يخبر طباعه ويعاشره فإنه يخشاه ويمتلئ قلبه
    مهابة منه..
    ولقد رأيت أشخاصا يتحدثون مع الشيخ والعرق يتصبب من وجوههم
    هيبة منه ..
    ولكن من عرفه وعاشره وعاش قريبا منه ..
    يرى شخصية أخرى مختلفة وفريدة ..
    تلزمك بمحبته والإعجاب بشخصه...
    شخصيته جمعت بين الحزم واللين..
    و جمعت بين المهابة والجلال والرحمة واللطف ..
    وبين الشجاعة والسماحة..
    وبين علو الهمة والتواضع ..
    وبين الجد والمرح..
    و جمعت بين الفصاحة وحسن المنطق والتبسط في الحديث..
    هو بشر ككل البشر .. يصيبه ما يصيبهم ..
    يغضب ويحزن ويتألم .. ويضحك ويمزح ويمازح..
    ولكن الله تعالى وهبه علما كالجبال وإيمانا وخلقا وعقلا راجحا..
    ووفقه وهداه .. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء..
    طلبت من الشيخ تلك الليلة أن يوقظني معه لصلاة الليل ..
    من عادة الشيخ أن ينام على الأرض ..دون مراتب أو أسرة..
    وذلك في كل أسفاره ... وكنت أفعل مثله واعتدت على ذلك..
    فهو لا يطلب سوى وسائد يضعها تحت رأسه..
    يخلع عمامته ثم يقوم بتمريرها على الأرض ثلاث مرات
    ثم يقرأ أذكار النوم وينفث على يديه ويمسح بها على جسده
    كما هي السنة..
    ثم يلف عمامته على وجهه ولا يخلع ثوبه ..
    ويستلقي على يمينه ثم ينام..
    يستيقظ شيخنا على جرس ساعته المنبهة التي يحملها دوما في أسفاره
    وذلك قبل الفجر بساعة تقريبا..
    أوقظني تلك الليلة ..
    فتوضأت ..
    وصليت الوتر سريعا.. وجلست أراقب الشيخ ماذا يفعل..
    صلى ركعتين خفيفتين..
    ثم صلى خمس ركعات تقريبا .. وأتم القراءة فيها والركوع والسجود..
    وختمها بقنوت طويل بتبتل وخضوع..
    حتى أذن الفجر...
    حينما ختم وتره رفع صوته بالذكر..
    سبحان الملك القدوس ثلاث مرات.. يمد بها صوته كما هي السنة..
    صلينا الفجر ثم عدنا للمنزل فنام حتى وقت الضحى..
    استيقظنا وأفطرنا ثم توجهنا لاستكمال برنامج الشيخ..
    مكثنا في جده يوما أو يومين نسيت ذلك!!
    ثم رجعنا للقصيم...
    وصلنا للمطار فاستقبلنا الشيخ خالد المصلح نسيب الشيخ..
    وفي الطريق أوقفنا كما هي عادة شيخنا أمام أحد مساجد عنيزة
    وصلى فيها ركعتي القدوم من السفر...
    أنزلوني أمام سكن الطلاب وتوجه شيخنا لبيته..
    حضرت الدرس ذلك اليوم .. ولكن بوجه جديد وعزيمة كالحديد!!
    تفاجأ جاري بوجودي .. شعرت بذلك ولو لم أبصره بعيني!!
    من خلال حركاته وارتباكه ثم صمته ...
    والله شاهد سبحانه.. ومطلع عما عزم عليه..
    عدت لبرنامجي المعتاد .. واشتريت كتبا حديثة الطبع..
    وحصلت بالمجان على كمية لا بأس بها من الكتب والمراجع المهمة..
    حيث خاطب الشيخ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
    بطلب كتب لي من مطبوعات الجامعة ..
    فبعثوا لي كراتين مليئة بالمجلدات الفاخرة من مطبوعاتها ومنها
    درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية..
    ومنهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية أيضا ..
    ومجموع الفتاوى له وغيرها مما لا يحضرني..
    انتقلت لغرفة أخرى وذلك بأمر شيخنا ..
    حيث اختار لي أن يكون زميلي في الغرفة الأخ محبوب الباكستاني وهو من خيرة طلبة شيخنا خلقا وأدبا وعقلا ..
    كان يحضر الدكتوراه حينها في مادة الحديث فكانت صحبته ومرافقته مكسبا ثمينا لي.. غير أنه كان كثير الأسفار لمدينة الرياض لمتابعة شئون رسالته .. فكنت أبقى في أحيان كثيرة لوحدي..
    وضعت لنفسي برنامجا صارما تحت إشراف شيخنا ..
    مليء بالحفظ والمراجعة وكتابة البحوث والقراءة ونحوها..
    وكنت كلما أشكلت علي قضية أو مسألة دونتها في أوراق عندي ثم أقرأها على الشيخ وأسجل أجوبته بعد الصلوات فيفك طلاسمها بكل براعة
    ويحل عقدها بكل ثقة ..
    بخصوص الدراسة النظامية وبما انه قد مرت فترة طويلة على ابتداء الفصل الدراسي فقد أخرت الالتحاق بالمدرسة حتى الفصل التالي حيث يسمح النظام الثانوي المطور بذلك...
    مما منحني فرصة الانصراف الكامل لطلب العلم في حلقة الشيخ...
    ذات مرة أخبرني الشيخ بأن أمير القصيم وهو الأمير عبد الإله بن عبدا لعزيز سوف يقدم لزيارة سكن طلاب الشيخ..
    حضر الشيخ للدرس تلك الليلة كما هو المعتاد..
    ولم يتغير من نمط الدرس شيء..
    سوى أن المنطقة المحاطة بالجامع قد اكتضت بالعساكر والشرط استعدادا لقدوم الأمير...
    في خلال الدرس دخل أحد رجال الشرط وتقدم إلى الشيخ وهمس في أذنه..
    فقال شيخنا... ورفع بها صوته: بلغ الأمير أن يتفضل في المسجد ويحضر الدرس ...!!
    خرج رجل الشرطة من المسجد ..
    ورجع مرة أخرى وعلى وجهه علامات الخوف والوجل والتحرج ..
    فهمس مرة أخرى في أذن الشيخ ..
    فقال شيخنا للطلبة: انتظروني قليلا وسأرجع..
    وخرج حافيا وسلم على الأمير وطلب منه حضور الدرس مع الطلاب حيث أنه لا يستطيع قطع درسه !!
    دخل الأمير وحاشيته وحرسه وتسننوا في الصف الأول وجلسوا لاستماع الدرس.. وانتظار الصلاة..
    استكمل شيخنا درسه الأول والثاني بعد الأذان كما هي العادة..
    ثم صلينا العشاء...
    بعد الصلاة نادى علي الشيخ ...!!
    وكنت كما هي عادتي أصلي بجوار المؤذن..
    فتقدمت إليه .. وقال لي : اذهب وانتظرني في غرفتك فسوف
    أزورها مع الأمير!!
    نظرت في وجهه وبحلقت فيه !!
    فقال: هيا انطلق..!!
    انطلقت كالمجنون لا الوي على شيء ولا ادري ماذا افعل..
    صعدت لغرفتي وقمت بكنسها وترتيبها وتطييبها ..
    ولكن لا يصلح العطار ما أفسده الدهر!!
    خجلت وتمنيت أن يصرف الشيخ الأمير لغرف أخرى أحسن حالا
    وتنظيما وأكثر بهاء ..
    تجول شيخنا مع الأمير في داخل السكن..
    وأراه المكتبة وقاعة الطعام المتواضعة..
    ثم صعدا للدور الثالث ثم للرابع حيث أنا في انتظارهم..
    دخل الأمير وهو ممسك بيد الشيخ..
    وخلفهما حشد هائل من الناس والعسكر ...
    ووقفا باب غرفتي الصغيرة ..!!
    وتجول الأمير بنظره فلم ير شيئا يستحق النظر سوى عدد من الكتب والدفاتر وعدة الطلب!!
    فقال لي الأمير ... ما اسمك؟؟
    فقلت : فلان بن فلان الفلاني.. دون تردد ووجل!!
    فقال: ونعم فيك !! فرددت تحيته ..
    ثم قال : اجتهد في العلم..وفقك الله..
    وانصرفا ..



    !!!

صفحة 4 من 8 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 3 (0 من الأعضاء و 3 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. قصيدة رائعة من روائع الشاعر سليمان بن شريم
    بواسطة المنتقد في المنتدى منتدى أدب وشـِـعر ورواية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: November 19th, 2009, 02:44
  2. عائض القرني - أنا سُنّي حسيني ,,,
    بواسطة أم مالك الأزدية في المنتدى منتدى أدب وشـِـعر ورواية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: September 25th, 2009, 06:14
  3. قصه رائعة وممتعة
    بواسطة هلالي القرن في المنتدى روايات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: February 16th, 2009, 08:57
  4. قصيدة رائعة إقروها وإفهموها زين قبل لا تجيكم المنية
    بواسطة ابو فيــصل في المنتدى منتدى أدب وشـِـعر ورواية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: July 23rd, 2008, 01:28
  5. إذكر الله بطريقة رائعة !!!
    بواسطة giiiJIق في المنتدى وعظ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: April 26th, 2008, 21:39

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

تنفيذ شركة تصميم مواقع الانترنت توب لاين
روابط مهمه روابط مهمه تواصل معنا
تواصل معنا