اهــــ(الأحداث)ــــم

• طلب الكثير من الأعضاء إعادة تنشيط صندوق المحادثات • • تداول خسارة 139.27 نقطة عند 11,791.18 • بيع 100 مليون سهم الاتصالات • • القمة العربية الإسلامية • وقف عدوان اسرائيل • انهاء ازمة فلسطين
صفحة 4 من 5 الأولىالأولى ... 2345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 47
  1. #31
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي صلح الحديبيه

    الحلقة الثانية والعشرون


    صلح الحديبية


    في عام ستة هجريا عزم محمد( صلى الله عليه وسلم ) ومعه المسلمون على أن يؤدوا العمرة بالذهاب إلى الكعبة ، وأداء المشاعر هناك ، وجمع إلى جماعته بعض العرب الوثنيين ، لقد طرح محمد( ) وقفه هذا طرح إنساني ، فكرة أنه لا يحق للقبيلة أن تمنع زوار البيت من زيارته ، وقد كان العرب الذين ذهبوا معه يقدرون حقه في الذهاب للعمرة ، وانه لا يجوز منع من يعظم البيت والشعائر من الذهاب له ، لقد حولها في جزء منها لقضية عامة وليست قضية أهل دين جديد ، إنها قضية حرية ممارسة الشعائر الدينية ،

    الذهاب للعمرة لا يشكل تهديدا حربيا للقبيلة بأي حال ، فالمُحرِم يمتنع عن القتال ، بل ويمتنع أيضا عن الصيد ، المهم أن القبيلة خرجت لتلقاه في الطريق لتمنعه من هذه الزيارة على أساس أنها تشكل امتهانا لسمعة القبيلة ولكرامتها من وجهة نظرهم ، وبلغه أنهم سائرون إليه ، فقال (والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها )

    لقد كان لديه مشاعر تجاه أهله هؤلاء برغم ما عناه منهم ، وكان بعرف مكانة قبيلته في الجزيرة ولم يكن يشأ أن يكون سببا في الحط من قيمتهم ، ومحاربتهم في بلدهم ، فيتحطم وضعهم ، حتى أنه قال ( يا ويح قريش ، أكلتهم الحرب ، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس ، فإن أصابوني كان الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وهو وافرون ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ، فماذا تظن قريش ، والله إني لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله له حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة )
    أنه رحيم بهم لدرجة أنه يريد ان يوفر عليهم دماءهم ويتركوه للعرب فينتصر أو ينهزم ويوفروا أنفسهم ، كان يريدهم ألا يقفوا في طريقه ، لأنه سيكمل حتى النهاية .

    وبعد اتصالات مكوكية لصده عن الزيارة ، وكان يؤكد للمبعوثين - الذين ترسلهم القبيلة لمفاوضته على الرجوع دون أداء العمرة - أنه جاء لزيارة البيت ليس إلا ولا ينوي على حرب ، في آخر الأمر أرسلت القبيلة ( سهيل بن عمرو )
    فلما رآه محمد( ) قال للمسلمين ( لقد سهل لكم أمركم .. لقد أراد القوم صلحا حين بعثوا هذا الرجل ) ، ومن الجيد ومن المعمول به على المستوي السياسي هو محاولة توقع النيات من خلال شخصية الرجل المُرسل للتفاوض ، وبالفعل جاء الرجل وخطب وبدا أنه يريد إجراء صلح ، ولكنه كان على ما يبدو محنكا يجيد التفاوض ، ويجيد تحقيق ما يبدو كأكبر مكاسب ممكنة

    وابتدر فنونه التفاوضية برفض امور في الصياغة ليست من متن الصلح نفسه ، فرفض أن يُكتَب الإستهلال الإسلامي ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وأراد كتابة عبارة الإستهلال لدي الجاهليين ( بسمك اللهم ) ووافق محمد ، واعترض سهيل على عبارة محمد رسول الله وقال انه لو يقر بها أصلا ما كان حاربه ووافق محمد على أن يُكتب محمد بن عبد الله .
    ثم جاء إلى المتن ، فطلب محمد( ) أن يخلوا بينهم وبين البيت ليطوفوا به ، فرفض لأن هذا سيظهر المسلمين أمام العرب كداخلين للبلد عنوة ، وأجًل ذلك للعام المقبل ، ووافق محمد
    وكانت الصيغة النهائية كالتالي : باسمك اللهم

    ( هذا ما صلح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو
    واصطلحا على وضع الحرب بين الناس عشر سنين يأمن فيهم الناس ويكف بعضهم عن بعض.
    ( على أنه من قدم مكة من أصحاب محمد حاجاً أو معتمراً، أو يبتغى من فضل الله فهو آمن على دمه وماله، ومن قدم المدينة من قريش مجتازاً إلى مصر أو إلى الشام يبتغي من فضل الله فهو آمن على دمه وماله.
    على أنه من آتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ومن جاء قريش ممن مع محمد لم يردوه عليه.
    وأن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال.
    وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخله، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.
    وأنك ترجع عنا عامك هذا، فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثاً، معك سلاح الراكب السيوف في القرب ولا تدخلها بغيرها.
    وعلى أن الهدى حيث ما جئناه ومحله فلا تقدمه علينا. )
    ودخل في عقد محمد قبيلة خزاعة ، ودخلت في عقد قريش قبيلة بكر ، وهما قبيلتان من مكة بينهما خصومة .. لقد كان الصلح محبطا للمسلمين من حيث أنه أعطى للمشركين أكثر مما ينبغي ، ومالت البنود لصالحهم بشكل واضح رغم أن كفة الميزان كانت مائلة لصالح المسلمين ، ولكن محمدا يبحث عن أي شيء معقول يمكن الإتفاق عليه مع قومه يحقن الدماء ، نعم كان يريد لدينه أن يظهر ، ولكن بأقل تكلفة ممكنة
    ويبدو أنه من النوع الذي لديه طاقة عالية على تحمل اختبارات شديدة لقدرته على صون المواثيق ، فقبل أن يجف مداد القلم الذي كتبت به الوثيقة ، إذا بإبن سهيل الذي فاوض ووقع عن الجانب الوثني يأتي إلى الناس وهو يرسف في أغلاله يطلب اللجوء للجماعة المسلمة ، ولطمه أبوه ورفض أن يجيزه إلى محمد ينما كان الرجل المعذُب يستعطف محمدا ، وقال له محمد وهو حزين (اصبر واحتسب فإن الله عز وجل جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجاً ) وأفهمه أن هناك صلح وعقد قد تم وانه لا يغدر وينقض اتفاقا

    وحدث اختبار ثان ، اذ هرب احد المسلمين المعذبين بمكة بعد ذلك ، ولجأ إلى المدينة ، فأرسلت القبيلة رجلين لمحمد ليرد الرجل حسب الإتفاقية فأعطاهما إياه ، وفي الطريق قتل هذا المسلًم أحد الرجلين بسيف الرجل وطارد الآخر الذي فر راجعا لمحمد يطلب الحماية ووراءه الآخر ينتوي قتله ، ووصل إلى محمد وقال له ( قد والله أوفى الله ذمتك ، قد رددتني إليهم ثم نجاني الله منهم ) لكنه شعر أن محمدا سيعيده تنفيذا للإتفاق الموقع ، فاختار الرجل أن ينفلت بدينه وبحريته بعيدا ، وأصبح شوكة في حلق الكفار ،

    إذ بدأ في تصيد قوافلهم والإغارة عليها وانضم له مجموعة من المضطهدين الفارين ،
    حتى أن قريشا سألت محمدا الله والرحم أن يأخذهم عنده ، فأخذهم .. لست هنا في مقام بحث المكاسب التي حققها المسلمون من هذا الصلح ، إذ كان فاتحة خير عليهم ، ولكنه استطاع أن يحقق ببعد نظره مصلحة هامة للدين الجديد ولحماية الدعوة والحرية الدينية كما أنه لم يجد أي داع لأن يهد كيان قبيلته وحرص إلا يحدث ذلك ، لقد سمح للصراع بأن يتحول لصراع أفكار ومعتقدات ، فعقيدة الوثنية لم يكن هناك من يتحرك للدعوة لها ، هي شيء موجود كالعادة الأصيلة ومحمي بالسادة ، بينما الدين الجديد يحتاج لأن يصل العقول ، وهذا لن يتأتي في ظروف أفضل من توقف الحرب ، وبالفعل آمن الكثيرون بالإسلام في جو الهدنة . لقد زال التوتر الذي كان يمنع تقليب الأمور ، ولم تعد القبائل والأفراد في حالة متابعة للمشهد الميداني ينتظرون أي الفريقين سينتصر حتى يحسموا أمرهم ، وبدا أن قريشا لم تعد تدافع عن عقيدة راسخة بل أبرمت صلحا يهتم بشأنها هي ، فلما غاب الرائد انفض الجمهور وأخذ الناس يستفسرون عن ماهية الدين الجديد . . أعجبني تشبيه لهذه الإتفاقية بالصلح الذي عقده بسمارك مع النمسا حينما رفض اقتحام فيينا رغم أن الطريق كان مفتوحا تماما عام 1866 م ، واختار أن يعقد معهم صلحا كريما لأنه يعرف أن النمساويين هم شعبه ( 1)
    ________________________________________
    (1) د عبد الوهاب كلزيه الشرع الدولي في الإسلام

  2. #32
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الحلقة الثالثة والعشرون


    فتح مكة


    فتح مكة من الأحداث الأكثر أهمية في حياة الدين الإسلامي ، وتفاصيله ثرية بالدلالات ، وكل ما يتعلق بسيرة هذا الفتح يمكن الإستفادة منه في فهم شخصية محمد ، غير أني أورد الحدث هنا في مجال البحث عن لغة محمد في التعامل مع الآخر ، وسأمر علي بعض ما لفت انتباهي ولا يتعارض مع غرض هذه الجزئية من البحث .

    لقد بدا أن محمدا يفي بالتزاماته رغم مشقتها علي النفس كالتي استعرضتها في بحثي لصلح الحديبية ، حتى نستطيع أن نقول أنه صارم جدا في عهوده ، وقد استطاع استثناء النساء فقط من شرط رد اللاجئين للمدينة من المضطهدين ، وهو بهذا يدرك جيدا أن بقاء امرأة في مجتمع قاسٍ يحارب عقيدتها قد يؤدي الي الإضرار بها إضرارا يتحمله الرجال الأشداء بصعوبة ، ولم تكن نخوته لتسمح له برد نساء هربن بدينهن ، واحتج بذكاء بأن العقد قد نص علي الرجال ، وكان علي من نسي النساء في شروطه المشددة أن ينساهن بعد أن تم العمل بمقتضاه ،

    لكن القرآن لم ينسهن ، فقد نزلت آية بخصوص النساء الفارات الراغبات في الإسلام بدون خلطهن بكلمة عن الرجال ولو حتى بكلام عام عن الناس ، الآية تتكلم عن النساء ، وهي تفيد عدم ردهن ، ووافق القوم علي مضض

    أقول أن محمدا كان صارما جدا علي نفسه وعلي جماعته في تنفيذ الإلتزامات ، ومن بمثل هذه السجية لا يقبل من الطرف الآخر إلا نفس الأداء ، إنه يعي جيدا معني الإتفاق .
    عندما نفكر في المثالية الأخلاقية في مجال العهود بشيء من التدبر فإننا لا نجدها فقط في التزام الإنسان بتعهداته بل أيضا بأن يكون ذا حساسية تجاه التزام الآخر باتفاقه ،

    وله رد فعل علي اي انتهاك من الطرف الآخر يتناسب وحجم الإنتهاك ، إنها مسائل ترتبط بمصلحة المجتمعات ، ومن الشطط أن نقول أن المثالي يقدم أقصى ما لديه في مجال العهود ، ويتغاضى قدر المستطاع عن تجاوزات الطرف الآخر ، في هذه الحالة يجدر بنا أن نقول أن هذا المثالي – أو ما ظنناه كذلك – لا يحترم الإتفاق أيضا بإهماله لحقوق جماعته ومن انضوي في عهدها ، إذا ما فكرنا بهذه الطريقة فلن تكون الأرض إلا جحيما لهؤلاء المثاليين الإفتراضيين .

    هذا العقد دخلت فيه خزاعة مع محمد ، وبكر مع قريش ، وبعد سنتين من إبرام العقد الذي أعطى الأمان وأزاح التربص بين القبيلتين المتخاصمتين ( خزاعة وبكر ) ، خرج رئيس بكر واسمه ( نوفل ) مع جماعة من فرسان القبيلة وأغاروا علي خزاعة الذين فوجئوا ، ومدت قريش بكر بالسلاح ، بل وببعض الرجال الذين تخفوا بالليل ،فرت خزاعة الي الحرم عل الناس تتوقف عن القتل فيه ، ووراءهم بكر ، ولما رأي رجال بكر خزاعة قد دخلت الحرم ، قال بعضهم متهيبا لنوفل الرئيس : يا نوفل ، إنا دخلنا الحرم ، إلهك إلهك ، فقال : لا إله اليوم يا بني بكر ، أصيبوا ثأركم ، فلعمري أنكم لتسرقون في الحرم ، أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟


    وبالأخير لجأت القبيلة الفارة لبعض البيوت ، وبعثوا رجلا اسمه عمرو الي النبي محمد يحكي له المصاب ويطلب النصرة ، وبالفعل ذهب الرجل ودخل المسجد علي محمد ، وقال في ذلك شعرا يقطر دما وأسى ليستنجده ، فقال محمد : نصرت.
    هنا نفهم جيدا معني وفاء محمد بالتزاماته تجاه الآخرين ، إن منهم أيضا خزاعة التي دخلت في عهده ، لذا قرر تجهيز جيش الي مكة لتدفع قريش ثمن نقضها الصارخ للإتفاق هي وحليفتها بكر .

    لكن وقع أحد المسلمين واسمه ( حاطب ) في غلطة كبري ، كان هذا الرجل من المسلمين المهاجرين من مكة الذين يعيشون بالمدينة ، ولكنه لم يكن من قريش من ناحية الجذور ، بل كان ملصقا بهم ، وشعر أن ثمة حربا كبري ستقع ، وربما تستشيط قريش غضبا ، وفي هذه الحالة فإن صلة الأرحام ستقف كحجر عثرة أمام انتقامها من أهالي محاربيها الذين لا زالوا يعيشون هناك ، بينما أهله هو هناك بلا جذور ، ولا حماية لهم إذا ما انفجر الغضب الكبير ، فأراد أن يكون له موقف يحسب له ينفع أهله هناك عند الضرورة ، لم يكن لديه أزمة هوية من الناحية الإيمانية ، بل لديه أزمة هوية من ناحية الإنتماء الإجتماعي ، إنه الغريب الذي يحاول أن يكون قريبا فيفرِط في إثبات انتمائه ، لقد كان في نزاع داخلي بين الإيديولوجية والتزاماتها والإثنية واستحقاقاتها .

    لقد كتب خطابا لقريش يعرٍفهم فيه أن محمدا قادم إليهم بالجيش ، وأعطاه لامرأة وأعطاها أجرها لتنطلق به الي قريش ، وتحركت المرأة بالفعل حتى أنها أصبحت في الطريق بين المدينة ومكة ، وإذا بمحمد يأمر بعض رجاله بأن يذهبوا بسرعة الي مكان محدد وسيجدون امرأة معها خطاب تحذير لقريش ، وانطلقوا حتى وجدوها حيث قال ، وسألوها فأنكرت ، وفتشوا متاعها ولم يجدوا شيئا ، واضطر احدهم لتخويفها بأن خيرها بان تظهر الخطاب أو سيجردونها من الثياب ، فطلبت منهم أن يستديروا ، وحلت ضفيرتها وأخرجت منها الخطاب التحذيري .

    وواجه النبي محمد حاطبا ، وتعذر له بما سبق أن كتبت عنه ، واخبره أنه لازال علي إيمانه ، وصدُقه محمد ، ورفض مطالبة البعض بقتله ، وذكرهم محمد بحسن سوابقه ، وهكذا انتهي الأمر بدون عقاب ، وعلي اقل من هذا بكثير جدا صفًت الأحزاب الشمولية في القرن العشرين رفاقا لهم مكانة ومجهود ، ولكن محمدا تصرًف كرجل يتفهم الضعف الإنساني .

    ونزلت في التصرف غير المسئول من حاطب آية من القرآن
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ) (1)
    وهي آية نقتطعها من سياقها ونقف عند الأسباب هكذا ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) ونتجاهل السياق الذي نزلت فيه وسبب النزول ، لنقول أن الإسلام يأمر المسلمين بكراهية الآخر بدون أي استثناء وبدون أسباب ، وهذا مثمر جدا ، فمن من غير المسلمين لديه القدرة والرغبة ليدرس أسباب النزول ؟ قليل .. ويساعدنا في ذلك أن فصائل من المسلمين يفعلون ذلك وبنفس الحماس، ليصلوا لنفس النتائج .

    ولنعد لفتح مكة ثري الدلالات ،خرج محمد بالفعل ، وهو في قمة حذره من أن تعرف مكة أمر اتجاهه إليها ، واقترب من مكة ، وفي نفس الوقت خرج زعيم مكة ( ابوسفيان ) قائد المعسكر الوثني في المعارك السابقة ، ومعه آخران ، خرجوا ليتقصوا الأخبار ، فقد عرفت مكة وقبيلة قريش أن ما حدث من خرق للعهد سيكون له رد فعل من محمد ، وبذات الوقت كان بعض رجال محمد يتحركون حول الجيش وأمامه ليرقبوا أحوال الطريق حتى يضمن محمد عنصر المباغتة ، وقد وقع قائد مكة ورجلاه في الأسر من المجموعة المستكشِفة في جيش محمد ، وتم التحفظ علي هؤلاء الرجال ، الزعيم ومن معه ، وقد أجارهم ( العباس ) عم النبي ، وجلسوا الي محمد وحاوروه ، واسلموا .

    لقد أسلم قائد مكة ! ، وفوجئ بمحمد الذي كان يحاربه طيلة السنوات الماضية ويتمني اقتلاع دينه يأتي ومعه جيش قوامه 10000 جندي ، لقد اسلم الكثيرون في السنتين الماضيتين بعد صلح الحديبية ، لقد حدثت له صدمة وعي ، ها هو محمد ينوي الزحف بجيشه علي عاصمة الوثنية ، الوثنية التي اقتتل بسببها الأهل ، إنه عالم يذهب مع الريح !

    وهنا نلمح محمد بتألقه العقلي والأخلاقي ، لقد كان بالإمكان أن يقتل زعيم مكة أو يأسره ، أو يذهب به في مقدمة الجيش مكبل اليدين والقدمين ، حتى يجعل حزن الناس حزنين ، حزن علي دين يسقط وزعامة تمتهن ، وعلينا أن نقارن ذلك بالوسائل الحديثة التي تُرتكب من قِبل أنظمة من المفترض أنها تقدس الكرامة الإنسانية في التعامل مع قيادات منهزمة بوسائل إعلامية غرائزية ووحشية .

    كان من الممكن جدا لمحمد أن يذل الرجل القائد ، ولكنه كان أعقل وأكرم من ذلك ، لقد حافظ علي كرامة الرجل كسيد ، ووضعه في وضعه الذي اعتاد عليه ، بل وأضاف له مكرمة غريبة غير متوقعة بعد كل هذه الدماء ، أعطاها إياه في هذا اليوم الصعب ، فقال للناس ولأبي سفيان قبل الدخول لمكة : ( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن ) ، هي كلمة ارضي به السيد بحيث لا يشعر بالهوان في وضعه الجديد ، كما أن محمدا من ناحية أخرى أعطي ثلاث بدائل لمن يبحث عن الأمان ، وهذا يعني أنه لا يريد القتال ، وكان يرغب في مباغتتهم حتى لا يكونوا على أتم استعداد فيقاتلوه ، إنه كان يبحث عن اختلال واضح في موازين القوي يحقق السلام ، ويوسٍع من فرص الأمن حتى لا يدفعهم اليأس والحنق لمقاومة قد تدمرهم تماما .

    ومحمد يستمر في تألقه وذكائه حتى لا يبدو في المكرمة التي أعطاها لأبي سفيان مجرد رجل قيادي لديه عمق عاطفي يستطيع أن يأسر به الناس ، إنه خبير بالضعف الإنساني ، فهو أمام قائد يحتاج للتميز فأعطاه التمييز ، ولكن أبا سفيان كقائد من الممكن أن يعود الي مكة ويحن للقيادة ، ويهيِّج الشباب عواطفه فيعبأ البلد لمحاربة محمد ، ماذا فعل محمد ؟

    أمر عمه ( العباس ) بأن يحتجز أبي سفيان في مكان ما بحيث يشرف بعينه علي طوابير كتائب الجيش كاملة وهي تمر من أمامه بعددها الوافر وانضباطها ودروعها المتينة ليعرف بيقين حجم الجيش الإسلامي فتموت – إن وُجد -بقايا أي أمنية بداخلة .
    بالفعل أخذ الرجل ينظر للكتائب منبهرا ، وله الحق في ذلك ، نعم ، فقد خرج محمد فارا بدينه منذ 8 سنوات فقط ، وها هو معه أكبر وأفضل الجيوش انضباطا في الجزيرة ، وعالم أبي سفيان القديم يتبخر
    ثم أرسله العباس ليحذِّر قومه ، فانطلق الرجل بجواده ، وخلفه في الأفق جيش يهدر يتحرك في اتجاه البلد المقدس .

    ودخل الرجل مكة وحذر أهلها من قوة الجيش الإسلامي ، وأصاب الناس الرعب ، واقتربت الكتائب من مكة ، ثم انسابت في أرجائها ، ومحمد في أقصى تواضعه خافضا رأسه وهو علي ناقته ، في لحظة تاريخية فارقة ، هاهو بعد ثماني سنوات من هجرته مع صاحبه يعود منتصرا فاتحا بغير كبرياء الغزاة ، بل بتواضع كامل
    وقال أحد زعماء الكتائب من المدينة لما تذكر ما فعله أهل مكة مع المسلمين طيلة السنوات الماضية ( اليوم يوم الملحمة . اليوم يوم تستحل الحرمة ، اليوم أذل الله قريشا ) ، بلغت هذه الكلمة مسامع النبي محمد فقال ( بل اليوم يوم تعظم فيه الكعبة ، اليوم يوم أعز فيه الله قريشا ) ، ونزع لواء قيادة كتيبته منه وأعطاه لأبن هذا الرجل ، ولم تكن هناك مقاومة تذكر إلا بعض المحاولات الضعيفة اليائسة من بعض الشباب ، لكن المجموع عاجز ومستسلم

    نعم استسلمت قريش ، واقترب محمد من البيت العتيق ، وأخذ يحطم الأصنام وهو يقول (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا ) ، مشهد مهيب ، آلهة حجرية تتساقط ، والوهم ينقشع ، والناس في ذهول
    وأخذ مفتاح الكعبة من الحاجب ( عثمان ) من قريش ، ودخلها ومسح الصور المرسومة
    ثم خطب فيهم وقال ( إن الله قد اذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء ، الناس من آدم ، وآدم من تراب ، ثم تلا الآية ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (2)
    ثم قال لهم : يا معشر قريش ، ما ترون إني فاعل بكم ؟
    قالوا : أخٍ كريم ، وابن أخٍ كريم
    قال : فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته ( لا تثريب عليكم اليوم ) (4) ، اذهبوا فأنتم الطلقاء .
    وهكذا هزم الوثنية في عقر دارها بدون حرب ، حطم أمامهم آلهتهم الحجرية ، ومنحهم السلام

    ويقول وشنجطن ايرفنج عن هذا الفتح ( كانت تصرفات الرسول في أعقاب فتح مكة تدل علي أنه نبي مرسل لا علي أنه قائد مظفر ، فقد أبدي رحمة وشفقة علي مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي، ولكنه توج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو ) (4)
    ويعد ذلك ، جاءه علي ابن عمه وفي يده المفتاح يطلب من محمد أن يجمع للأسرة الحجابة كما لها السقاية ، ولكنه رفض ، وأعطى المفتاح لعثمان الحاجب الذي كانت الحجابة في أسرته وقال ( اليوم يوم بر ووفاء ، خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم ) ، لم يأت محمد لتحقيق مكاسب أسرية ، جاء لتحطيم الأوثان التي تعبد مع الله ، وليعظ الناس في أمر العنصرية والثأر وما سواها .

    ولما جاء وقت الصلاة أمر محمد بلال هذا العبد الحبشي الذي هاجر الي المدينة ، لكنه في نظر القبيلة عبد لا وزن اجتماعي له ، أمره بالصعود علي الكعبة ليؤذن آذان المسلمين للصلاة ، وهو مشهد بالنسبة للوثنيين العنصريين وبخاصة السادة منهم مشهد سريالي خانق ، ولكنه عالم قد ذهب مع الريح .

    هذا هو الفتح الذي دشن النهاية للوثنية في الجزيرة العربية ، لقد حقق به الكثير ، بدون دماء تقريبا ، وبدون إهانة ، اللهم إلا ما أتوقعه من مس مشاعر البعض حين كانت الأصنام التي عبدوها وأجدادهم تتساقط محطمة ، صناع التاريخ يفكرون في الأجيال القادمة ، وأبناء هؤلاء وأحفادهم كانوا يحمدون الله علي أنهم جاءوا للحياة بعد نهاية هذه العقيدة ، لقد وازن محمد بين الغايات والوسائل ، لقد كانت غايته هو أن يعبد الله وحده ، واستخدم هنا وسيلة معقولة ، علي عِظَم الغاية التي كرًس لها نفسه إلا أن محمد لم يكن استئصاليا في تحقيقها .

    إن فتح مكة يقدم دروسا عن طريقة تفكير محمد في إحداث التغيير الجذري بطريقة ممكنة أي ليست فكرا طوباويا وفي نفس الوقت بطريقة غير دموية
    إن فتح مكة يلقي اضواءا علي طريقة تعامل محمد مع الفئة الأعند من المخالفين ، إنهم اللون الأشد قتامة في (الآخر) ، إنهم الوثنيون ، نظرة متأنية سنكتشف منها أن محمدا كان ذكيا جدا وعميقا في تفكيره ، بل ويمكن اعتبارها مؤشرا قويا لصدق دعوته
    كيف هذا ؟

    كسًر الأصنام أولا ، ثم وعظ ، ثم عفي .
    إنه عميق التفكير بدون شك ، فعندما كان يحطم الأصنام لم يكن قد سامحهم بعد ، وبذا فسيكون الناس وقت تحطيم الأصنام منشغلين بمصيرهم ، فقد يقتل السادة ، أو سيقتل كل من هو قادر علي حمل السلاح ، أو يجليهم من جوار البيت العتيق ، عدة بدائل ممكنة ، أثناء هذا سيكون إحساسهم بتدمير الأصنام كحدث مهول سيكون هذا الإحساس في اقل درجاته ، لأنهم مشغولون بمصيرهم وحكمه فيهم ، إذن فقد حطم الأصنام داخلهم أيضا

    يبدو الأمر كعملية جراحية تمت بالقدر المناسب من البنج ، ثم لم يعف بعد ذلك مباشرة ، بل خطب فيهم ، وهذه عملية غسيل للنفوس من آثار الثقافة التي يجب أن تموت ، وهناك أشياء في هذه اللحظات الفارقة يمكن اقتلاعها من النفوس مهما كانت متجذرة كالثأر والعصبية القبلية ، وهذا صعب جدا في الأوقات العادية ، لذا فخطبته عن المساواة بين البشر وعن بشاعة العصبيات جاءت في وقتها الأنسب .

    وفي نفس الوقت فالوعظ يوحي بأن هناك عفو قادم ، فعادة لا يميل القادة للوعظ قبل إنزال العقاب ، ولهذا فعندما يسألهم ماذا يعتقدون أنه سيفعل بهم يكون أيضا بالموازاة لعملية الغسيل قد هيأهم لطلب العفو ، فقالوا أخٍ كريم وابن أخٍ كريم ، فعفا عنهم ، وطلب العفو تسليم يغسل القلوب ويختم على نهاية الصراع بأفضل مما لو أُعطِي العفو بدون أن يُطلَب . ألا يبدو محمد حكيما في إدارة الفوز وإدارة ما بعد الفوز بطريقة تلائم نبيا ؟

    إن محمدا كان عاقلا جدا ومتدرجا في أساليب الإقناع ، فكان الحوار والوعظ هو الأساس ، وأثناء فترة صلح الحديبية التي استمرت عامين ، آمن من كان لديه عقلية يستطيع أن يستمع فيها للحق ، وبقي هؤلاء العنيدون الذين تصلبوا عند أفكار الآباء ، هنا انتقل محمد الي الأسلوب العملي ، فهناك من لا يستطيع أن يفهم أن هذه الأصنام لا تفيد ولا تضر ولا تستطيع أن تهش الذباب عن وجوهها ، والحوار معهم يدور في حلقة مفرغة ، والنجاحات المتتالية لخصومهم لم تحركهم من مكانهم العقدي شبرا ، هنا يكون الحل الوحيد هو تحطيم الأصنام أمام أعينهم ، وبالفعل بعدها رجعوا لبيوتهم حطموا الأصنام المنزلية ، وقالت امرأة منهم وهي زوجة القائد ( أبو سفيان ) للصنم المنزلي وهي تحطمه ( كنا منك في غرور ) .
    ________________________________________
    (1) الممتحنة 1 (2) الحجرات 13
    (3) يوسف 92 (1) وشنجطن ايرفنج حياة محمد

  3. #33
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الحلقة الرابعة والعشرون

    قصة ابن أبيرق





    [align=justify]في أجواء كانت ملبدة بالغيوم في علاقة المسلمين باليهود في المدينة على إثر تصرفات بدا فيها أن اليهود يودون لو عاد الزمن للخلف واختفى هذا الدين الجديد ،وعمل بعض قياداتهم بالأخص على ذلك ، ويمكن إرجاع ذلك لكون أثرياء اليهود كذلك السادة من العرب كان لديهم شيء يخافون أن يخسروه ، وكانت الجزيرة العربية ملاذا آمنا لليهود بعد صراعات متتالية ، فاستقروا هناك محاطين بطوق مسيحي واسع خارج الجزيرة ، وقد اكتسبوا إلى حد بعيد خبرة تشاؤمية من أي جديد ، لقد كانت الجزيرة العربية مثالية في استيعابها لليهود للدرجة التي يتمنى فيها اليهود أن لا يتحلًق العرب حول أي شيء ممكن أن يوحدهم وينمي فيهم حس الأمة الواحدة ، مما سيستشعر بعده اليهود بأن مكتسباتهم مهددة بتحولهم إلى أقلية عرقية ودينية في بحر من العرب المسلمين ، وهذا ما لم يكن يخطط له محمد( )على أية حال ، نعم كان العرب يتوحدون شيئا فشيئا ، ولكن ليس على شكل طوق حول رقبة اليهود ، واليهود لم يكونوا في معظمهم يرفضون نبوته إذا ما كانت تعني تهوده ، وقيادته لهم ، ولم يحدث هذا بطبيعة الحال ، ويئسوا منه قبل أن ييأس منهم ، كان جزء من المشكلة لديهم هو الإحساس الشديد بالمرجعية ، وهو نفسه الذي تسبب في عدم إيمانهم بالمسيح ، غير أن الجزء الأكبر كان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على ما يبدو .
    في هذه الأجواء حدثت حادثة غريبة سأوردها كما سجلها سيد قطب
    ( (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (106) وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109) وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا (110) وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (112) وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) ) (1)
    في هذا الوقت الحرج الخطر الشديد الخطورة كانت هذه الآيات كلها تتنزل على رسول الله وعلى الجماعة المسلمة لتنصف رجلا يهوديا اتهم ظلما بسرقة ; ولتدين الذين تآمروا على اتهامه وهم بيت من الأنصار في المدينة والأنصار يومئذ هم عدة الرسول وجنده في مقاومة هذا الكيد الناصب من حوله ومن حول الرسالة والدين والعقيدة الجديدة ... والقصة التي رويت من عدة مصادر في سبب نزول هذه الآيات أن نفرا من الأنصار قتادة بن النعمان وعمه رفاعة غزوا مع رسول الله في بعض غزواته فسرقت درع لأحدهم رفاعة فحامت الشبهة حول رجل من الأنصار من أهل بيت يقال لهم بنو أبيرق فأتى صاحب الدرع رسول الله فقال إن طعمة بن أبيرق سرق درعي وفي رواية إنه بشير بن أبيرق وفي هذه الرواية أن بشيرا هذا كان منافقا يقول الشعر في ذم الصحابة وينسبه لبعض العرب فلما رأى السارق ذلك عمد إلى الدرع فألقاها في بيت رجل يهودي اسمه زيد بن السمين وقال لنفر من عشيرته إني غيبت الدرع وألقيتها في بيت فلان وستوجد عنده فانطلقوا إلى رسول الله فقالوا يا نبي الله إن صاحبنا بريء وإن الذي سرق الدرع فلان وقد أحطنا بذلك علما فاعذر صاحبنا على رؤوس الناس وجادل عنه فإنه إن لم يعصمه الله بك يهلك ولما عرف رسول الله أن الدرع وجدت في بيت اليهودي قام فبرأ ابن أبيرق وعذره على رؤوس الناس وكان أهله قد قالوا للنبي قبل ظهور الدرع في بيت اليهودي إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت قال قتادة فأتيت رسول الله فكلمته فقال : عمدت الى إهل بيت يذكر منهم إسلام وصلاح وترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة . قال فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله في ذلك فأتاني عمي رفاعة فقال يا ابن أخي ما صنعت فأخبرته بما قال لي رسول الله فقال الله المستعان فلم نلبث أن نزلت إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيمًا أي بني أبيرق وخصيما أي محاميا ومدافعا ومجادلا عنهم واستغفر الله أي مما قلت لقتادة إن الله كان غفورا رحيمًا ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إلى قوله تعالى رحيمًا أي لو استغفروا الله لغفر لهم ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه إلى قوله إثما مبينًا ولولا فضل الله عليك ورحمته إلى قوله فسوف نؤتيه أجرا عظيما فلما نزل القرآن أتى رسول الله بالسلاح فرده إلى رفاعة قال قتادة لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخا قد عمي أو عشي في الجاهلية وكنت أرى إسلامه مدخولا فلما أتيته بالسلاح قال يا ابن أخي هي في سبيل الله فعرفت أن إسلامه كان صحيحا فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين ...... إن المسألة لم تكن مجرد تبرئة برئ تآمرت عليه عصبة لتوقعه في الاتهام وإن كانت تبرئة بريء أمرا هائلا ثقيل الوزن في ميزان الله إنما كانت أكبر من ذلك ، كانت هي إقامة الميزان الذي لا يميل مع الهوى ولا مع العصبية ولا يتأرجح مع المودة والشنآن أيا كانت الملابسات والأحوال وكانت المسألة هي تطهير هذا المجتمع الجديد ; وعلاج عناصر الضعف البشري فيه مع علاج رواسب الجاهلية والعصبية في كل صورها حتى في صورة العقيدة إذا تعلق الأمر بإقامة العدل بين الناس وإقامة هذا المجتمع الجديد الفريد في تاريخ البشرية على القاعدة الطيبة النظيفة الصلبة المتينة التي لا تدنسها شوائب الهوى والمصلحة والعصبية والتي لا تترجرج مع الأهواء والميول والشهوات ولقد كان هناك أكثر من سبب للإغضاء عن الحادث أو عدم التشديد فيه والتنديد به وكشفه هكذا لجميع الأبصار بل فضحه بين الناس على هذا النحو العنيف المكشوف ) (2)
    وهي قصة لا تحتاج لتعليق ! .. الأمرلم يكن معاهدات وأطر سياسية فحسب بل روح جديدة بالفعل
    ________________________________________
    (1) النساء : 105-113 (2) سيد قطب في ظلال القرآن
    [/align]

  4. #34
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الحلقة الخامسة والعشرون

    خلاص

    [align=justify]اشتد الصراع عام 442م بين الكنائس الكبرى ، كنيسة الإسكندرية التي تؤمن بالطبيعة الواحدة للمسيح والكنيستان الكبيرتان اللتان تؤمنان بالطبيعتين ،كنيسة القسطنطينية التي ترغب في فرض سيطرتها على العالم باعتبارها عاصمة الدولة البيزنطية الجديدة وكذلك كنيسة روما ، وعُقد مجمع خليقدونية لحسم الجدل اللاهوتي حول طبيعة المسيح ، كانت كنيسة روما ترى أن للمسيح طبيعتين دون اندماج بينهما طبيعة ناسوتية وطبيعة لاهوتية ، أما كنيسة الإسكندرية فتري ان للمسيح طبيعة الواحدة ، وقرر المجمع أن للمسيح طبيعتين وليست واحدة ، فتكونت الملة الكاثوليكية بقيادة كنيسة روما ، وتكونت الملة الأرثوذكسية بقيادة كنيسة الإسكندرية ، وكان من آثار هذا الإنشقاق الملٍي استخدام اللغة القبطية في طقوس الكنيسة ، ومن آثاره أيضا هذا الإضطهاد الرهيب الذي نزل على القبط الأرثوذكس ، حيث أن مصر لم تكن إلا مستعمرة رومانية .
    قام الرومان بالضغط على البطريرك بروتيوس بطريرك الإسكندرية لفرض قرارات المجمع ( خليقدونية ) ، ورفض الأقباط هذا الفرض وقاموا بقتل البطريرك واختاروا تيموتادوس ، وفي عام 476م غزت القبائل الألمانية روما ، وسقطت روما ، ولم يبق إلا الجناح الشرقي للأمبراطورية في القسطنطينية ، وفي عام 526م حاول الإمبراطور توحيد العقيدة المسيحية على حسب ما قرره مجمع خليقدونية ، وعين بطريرك الإسكندرية بولس المؤمن بالطبيعتين ، وأمر البطريرك الجديد بغلق الكنائس التي تؤمن بالطبيعة الواحدة ، وثار الشعب القبطي على ( يهوذا الخائن ) ، هكذا كانوا يسمونه ، وتدخل جنود الإمبراطورية لدعم العقيدة الكاثوليكية وفرضها على الأقباط فرضا ، وحدثت مجازر مروعة ، وكان الجنود المسيحيون يقتلون الأقباط المسيحيين داخل الكنائس تحت صور المسيح والعذراء ، قُتل في هذه المجازر 100000 قبطي .
    في عام 610م تولي حكم الإمبراطورية الرومانية هرقل ، كان هذا العام بالنسبة للنبي محمد ( ) هو عام نزول الوحي ، في عام 619م سقطت مصر على يد جيوش الفرس ، الذين فرضوا على الشعب القبطي ضرائب باهظة ، وفي عام 624 انتصر النبي محمد ( ) على المشركين في أول معركة ( معركة بدر ) ، وفي عام 627م استرد هرقل مصر مرة أخري من يد الفرس .
    وفي عام 630م تم فتح مكة بالطريقة التي سبق وأن ذكرتها
    وربما بعد فتح مكة تنبأ الرسول( ) بفتح مصر ووصي المسلمين بأهلها خيرا
    (إنكم ستفتحون مصر. وهي أرض يسمى فيها القيراط. فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها. فإن لهم ذمة ورحما )
    ( الله الله في قبط مصر؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله )
    ( إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة و رحما )
    وربما في هذه الفترة أو قبلها قال «من آذى ذميا فهو خصيمي يوم القيامة».أي انه يسكون خصم لمن يظلم سكان البلاد الإسلامية من اليهود والمسيحيين .
    في عام 631م بدأ هرقل محاولة جديدة لتوحيد العقيدة المسيحية ، وعين حاكم هو المقوقس الذي قام بمجموعة من الإجراءات التي يعتبر بسببها عصر الإحتلال الفارسي عصرا ذهبيا ، فقد قام بحرق بعض المسيحيين المصريين أحياءا ، وبانتزاع أسنان البعض ، وأحرق شقيق البطريرك المصري الأنبا بنيامين حيا ، لرفضه قرارات الإمبراطور ، وهرب الأنبا بنيامين للصعيد ، وخلفه دماء الأقباط المسيحيين تتحرك فيها سيقان الخيول الرومانية بصعوبة ، إذ وصلت الدماء لرٌكب الخيول ، ولم يخرج الأنبا بنيامين من مخبئه إلا بعد أن قام عمرو بن العاص بأربعة آلاف جندي مسلم فقط يفتح مصر ويطرد الرومان منها ، وخرج آلاف من الرهبان الأقباط من وادي النطرون بيد كل منهم عكازا حفاة الأقدام وبثياب ممزقة ، مهللين للفاتح المسلم عمر بن العاص . حيث كتب كتاب أمان ( أينما كان بطريرك القبط بنيامين، نعده الحماية والأمان وعهد الله فليأت البطريرك إلى هنا في أمان واطمئنان ليلى أمر ديانته ويرعى أهل ملته ) . بل تسامح عمر بن العاص مع الجنود الرومان وسمح لهم بموجب عقد الأمان الذي ابرمه للحاكم المقوقس بأن يرحل الجنود في أمان ومعهم أمتعتهم وأموالهم ، وألا يتعرض المسلمون لكنائسهم . وتنفس الأقباط الصعداء ، وفُرض عليهم ضريبة مقابل الدفاع عنهم هي ( الجزية ) مقدارها ديناران على الفرد يعفي منها القصر والنساء والشيوخ والعجزة والرهبان ، أي حوالي 70 % من الأقباط ، وأين هي من ضرائب الرومان ؟! .. كانوا يفرضون ضرائب على كل نفس حية من بشر وبقر، وعلى البيوت ، وعلى أثاث البيوت ، هذا عدا ضرائب على المحاصيل والتجارة ، وآخر ما ابتكروه هو ضريبة على الموتى يجب أن تسدد قبل دفن الميت . .. وحالة مصر هي عينة لأحوال البلاد المسيحية الشرقية تحت وطأة الحكم الروماني .

    [/align]

  5. #35
    المشرف العام الصورة الرمزية محمد بن سعد
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    الدولة
    السعودية، الرياض
    العمر
    72
    المشاركات
    10,565
    مقالات المدونة
    2
    معدل تقييم المستوى
    10

    تعجب

    [align=center]الأستاذ والأديب الفاضل
    محمود توفيق


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بارك الله فيكم وفي علمكم النافع
    هذه الحلقات الــ25ــخمس وعشرون
    جعلتني اُعاود قراءة بعضها أكثر من مرة
    جديد موضوعكم الذي طرحتموه تثقيفي عن مفاهيم
    أصحاب الديانات الأخرى وعن مرئيات الأهم منهم
    ومعاودتي لقراءة ما طرحه كرم مكتوب أناملكم
    يجعلني أطمع في نيل معرفة هؤلاء الأطراف
    رحمني الله في حب القراءة والكتابة عن
    الأنبياء والرسل والصالحين والقصص

    لكم من يا أخي الفاضل عظيم الشكر والتقدير
    [line]-[/line]
    ملاحظة عن نهاية الحلقة الرابعة
    عندما وصلتم إلى نبي الله (عيسى ابن مريم) عليه السلام
    بعض شيع الديانة المسيحية لا يرون مسألة

    يقول تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} النساء 157

    فماذا قرأتم عن (معاني {يوم يموت} عند المسيحيين) في هذه الأية
    (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً}مريم 33

    أيضا هو النبي الذي بشر بمحمد صلى الله عليه وسلم
    {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} الصف 6

    هذا ولستم ملزومين بالإجابة[/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد بن سعد ; September 26th, 2008 الساعة 01:14
    كل شيء غير ربك والعمل
    لو تزخرف لك مرده للزوال

    ما يدوم العز عز الله وجـل
    في عدال ما بدا فيه امتيـال

  6. #36
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الحلقة السادسة والعشرون

    تلامذة محمد ( صلى الله عليه وسلم )

    [align=justify]إن روح التسامح التي أبداها محمد( ) مع غير المسلمين تركت أثرها قولا وسلوكا لدى تلامذته في ظل الدولة الإسلامية القوية التي كان يعيش فيها غير المسلمين آمنين قادرين على تحقيق مكاسب على قدر جهدهم والحصول على وظائف مرموقة كالكتابة لدى الحكام ومسك الحسابات وممارسة الطب حتى تولي الوزارة
    هذا مرور سريع على ملامح تلك الثقافة التي ربى محمد عليها تلامذته .

    -هذا موقف يدل على معنى للتكافل الإجتماعي يغطي أيضا الآخر (( عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه مرَّ بباب قوم وعليه سائل يسأل، شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه فقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي. قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن. قال: فأخذ عمر رضي اللّه عنه بيده فذهب به إلى منزله، فرضخ له من المنزل بشيء ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا و ضرباءه، فو اللّه ما أنصفناه إذ أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم، ثم قرأ قوله عز وجل: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} فالفقراء هم المسلمون والمساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه. )) (1)

    يقو ل عمر بن الخطاب ( الخليفة الثاني ) : أيما رجل من أهل الذمة ضعف عن العمل يعال هو ومن يعولهم من بيت مال المسلمين
    - يقول الإمام ابن حزم (إن من كان من أهل الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك، صونا لمن هم في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لقعد الذمة)

    -وباعتبار ان هناك مدنا تقع داخل حدود الدولة الإسلامية ، وكان أهلها مسيحيين كالحيرة ، فكان عليهم دفع ضريبة زهيدة القيمة مقابل ما يدفع المسلم من ( زكاة ) هي من اصل الدين ، أيضا مقابل الدفاع عنهم لأنهم لم يكونوا مكلفين بالقتال داخل هذه الدولة باعتبار أن جيشها أيديولوجي يقاتل دفاعا عن عقيدة ، ومن غير المقبول أن يُفرض على الإنسان ان يقاتل في سبيل ما لا يؤمن به (2) كما أن هذا من ناحية أخرى قد يؤدي لإضعاف جيش الدولة لتباين اتجاهات محاربيه . وقد كانت قيمتها اقل من قيمة الزكاة التي يدفعها المسلم . المهم أن أهل المدن المسيحية كانوا يدفعونها على الشرط وهو ( أن يمنعونا وأميرهم البغي من المسلمين وغيرهم )
    ويورد توماس أرنولد ذلك المعيار ، ويورد حادثة جديرة بالإحترام والتقدير
    ((كذلك حدث أن سجل خالد في المعاهدة التي أبرمها مع بعض أهالي المدن المجاورة للحيرة قوله : ( فإن منعناكم فلنا الجزية وإلا فلا) ....
    ويمكن الحكم على مدى اعتراف المسلمين الصريح بهذا الشرط، من تلك الحادثة التي وقعت في عهد الخليفة عمر. لما حشد الإمبراطور هرقل جيشا ضخما لصد قوات المسلمين المحتلة، كان لزاما على المسلمين -نتيجة لما حدث- أن يركزوا كل نشاطهم في المعركة التي أحدقت بهم. فلما علم بذلك أبو عبيدة قائد العرب كتب إلى عمال المدن المفتوحة في الشام يأمرهم برد ما جُبي من الجزية من هذه المدن، وكتب إلى الناس يقول: "إنما رددنا عليكم أموالكم؛ لأنه بلغنا ما جمع لنا من الجموع، وأنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم، وإنا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم، ونحن لكم على الشرط، وما كتبنا بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم". وبذلك ردت مبالغ طائلة من مال الدولة، فدعا المسيحيون بالبركة لرؤساء المسلمين، وقالوا: "ردكم الله علينا، ونصركم عليهم (أي على الروم) .. فلو كانوا هم، لم يردوا علينا شيئا، وأخذوا كل شيء بقي لنا )) (3)

    ويروي أنس بن مالك حادثة شهيرة حدثت مع قبطي مسيحي تعرض للظلم ، فجاء طالبا الإنصاف من الخليفة نفسه في المدينة ، راكبا فرسه في رحلة تطول شهرا حتى الوصول ، لقد تعرض للظلم من قِبل ابن الحاكم الذي فتح مصر ( عمرو بن العاص ) (( كنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ جاء رجل من أهل مصر فقال : يا أمير المؤمنين هذا مقام العائذ بك قال: وما لك ؟ قال أجرى عمرو بن العاص بمصر الخيل فأقبلت فرسي، فلما رآها الناس قام محمد بن عمرو فقال: فرسي ورب الكعبة. فلما دنا مني عرفته فقلت: فرسي ورب الكعبة ( يقلد كلماته ) فقام إلى يضربني بالسوط ويقول: خذها وأنا ابن الأكرمين. وبلغ ذلك عمرا أباه، فخشي أن آتيك فحبسني في السجن، فانفلت منه، وهذا حين أتيتك. قال أنس رضي الله عنه: فو الله ما زاد عمر على أن قال: اجلس. وكتب إلى عمرو : إذا جاءك كتابي هذا فأقبل وأقبل معك بابنك محمد. وقال للمصري : أقم حتى يأتيك مقدم عمرو. فدعا عمرو ابنه ، فقال: أأحدثت حدثا؟ أجنيت جناية؟ قال: لا. قال: فما بال عمر يكتب فيك؟ فقدما على عمر.. ثم يستطرد انس : فو الله إنا عند عمر ، إذا نحن بعمرو وقد أقبل في إزار ورداء، فجعل عمر يلتفت هل يرى ابنه فإذا هو خلف أبيه. فقال عمر: أين المصري؟ قال : ها أنا ذا . قال دونك الدرة فاضرب بها ابن الأكرمين . فضربه حتى أثخنه، ونحن نشتهي أن يضربه، فلم ينزع عنه
    حتى أحببنا أن ننزع من كثرة ما ضربه، وعمر يقول: اضرب ابن الأكرمين
    ثم قال عمر: أجلها على صلعة عمرو، فو الله ما ضربك إلا بفضل سلطانه. فقال المصري: يا أمير المؤمنين، قد استوفيت واشتفيت، يا أمير المؤمنين قد ضربت من ضربني.
    قال عمر رضي الله عنه: أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه، حتى تكون أنت الذي تدعه.
    يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟
    فجعل عمرو يعتذر ويقول إني لم أشعر بهذا. ثم التفت عمر إلى المصري فقال: انصرف راشدا، فإذا رابك ريب فاكتب لي.)) ... بطبيعة الحال لم يكن المصريون يغشون سباقات ومنتديات واحتفالات الرومان في مصر الا كخدم ، أي انه لم يكن هناك مجال لهذا السابق أساسا ، وإذا حدث لم يكن المصري ليقلد الروماني سواء مستهزأ أو ممازحا ، وإذا حدث فلن يذهب ليشكو للقيصر

    ________________________________________
    (1) ابو يوسف الخراج (2) يوسف القرضاوي غير المسلمين في المجتمع المسلم
    (3) توماس ارنولد الدعوة الى الإسلام [/align]

  7. #37
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الأستاذ الدكتور محمد بن سعد

    لكم يسعدني اهتمامكم بالموضوع ، ويشرفني أن أجيب عن أسئلتكم الكريمة قريبا جدا ، تماما بعد الحلقة الأخيرة ( الثلاثون ) .

    دمت بودّ

  8. #38
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الحلقة السابعة والعشرون

    تواقيع
    عن الإسلام والآخر




    ( لم نسمع عن أي محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي اضطهاد منظم قصد به استئصال الدين المسيحي.
    ولو اختار الخلفاء تنفيذ إحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية بتلك السهولة التي أقصى بها فرديناند وازبيلا دين الإسلام من أسبانيا، أو التي جعل بها لويس الرابع عشر المذهب البروتستنتي مذهباً يعاقب عليه متبعوه في فرنسا.
    ولهذا فإن مجرد بقاء الكنائس حتى الآن ليحمل في طياته الدليل القوي على ما قامت عليه سياسة الحكومات الإسلامية بوجه عام من تسامح نحوهم ) (1) سير توماس ارنولد

    يستشهد يشهادة الأسقف دوشين بمشيل السوري في القرن السابع ( إن إله الانتقام إذ رأى خبث الرومان وآذاهم، الذين حيثما كانوا يسيطرون ينهبون بوحشية كنائسنا وأديرتنا ويقضون علينا بلا شفقة، أرسل إلينا من الجنوب أبناء اسماعيل لإنقاذنا منهم ) (2) روجيه جارودي

    ( إن السكان الساميين في سوريا ومصر، الذين قاسوا صنوف الضغط والهول - على الأخص بسبب الضرائب- من قبل الحكومات الأجنبية التابعة للدولة البيزنطية أو المملكة الساسانية، لم يستطيعوا أن يروا في العرب إلا محررين مخلصين، كما أن المسيحيين القائلين بوحدة الطبيعة (طبيعة المسيح) في الشرق استطاعوا أن يعتمدوا على التسامح الإسلامي، بعد أن كانوا يخشون الاضطهاد من قبل نصارى القسطنطينية ) (3) الدومييلي


    ( منذ بدء الفتح الإسلامي ، كان المحاربون المسلمون قد فرضوا علي أنفسهم روحا من التسامح مع غير المسلمين ومع الشعوب المغلوبة ،وفي زمن لم يكن فيه العنف يعرف شرعا ولاعاطفة ، اصدر ابوبكر اول خليفة للنبي الي جنوده التعليمات المشهورة المرنة كثيرا التي تختصر الروح الخلقي للقانون الإسلامي ) (4) مارسيل بوازار


    (إن الشيء الذي يتأبى على فهم الكنيسة فهو دخول شعوب الأقطار المفتوحة في الإسلام أفواجاً بمحض إرادتها، دون مساعي إرساليات التبشير، ودون الإكراه في الدين. أجل، لقد كانت السماحة العربية والروح العربي وأسلوب الحياة العربي مما استحوذ على نصارى إسبانيا، وليس كما يزعم المبطلون زوراً عظيماً … بأنهم أرغموا على الإسلام خشية السيف … أما الإجهاز على السماحة والتسامح نهائيا في إسبانيا فقد تمَّ على أيدي الدويلات النصرانية التي اعتصمت في شمال إسبانيا، والتي أقصت العرب شيئاً فشيئاً إلى أن تمكَّنت من صدِّهم وطردهم، متوجة انتصارها باستعادتها عام 1492 ميلادية الدرَّتَين العربيتين غرناطة والحمراء. إذ لم يكن انتصار النصرانية يعني سوى طرد اليهود والمسلمين واضطهادهم وإكراههم على التنصير واستئناف نشاط محاكم التفتيش التي قامت بتعقب كل من يتخذ سوى الكاثوليكية دينا، والحرق العلني في احتفالات رسمية تحفُّها الطقوس والشعائر الكنسية لكلِّ من اعتنق الإسلام أو اليهودية
    وما إن دالت دولة العرب في إسبانيا حتى اندثرت معهم أزهى وأخصب حضارة ملكتها أوروبا في العصور الوسطى، وغرقت في بحر من الرعب وأتت فيه أمواج التعصب الديني على كل شيء وابتلعته ابتلاعاً. ولم تلغ محاكم التفتيش إلا في 1834 ) (5) زغريد هونكة

    ( ثمة حالة نابهة الذكر لهذا التسامح المنشود ، يفرضها نبي علي أتباعه وهو في موضعه الجليل . فإن محمد قد أمر أتباعه بالتسامح الديني تجاه اليهود والمسيحيين الذين خضعوا سياسيا للحكم الإسلامي . فقدم محمد بذلك لقاعدة التسامح ، تفسيرا قوامه أن أفراد هاتين الجماعتين الدينيتين غير المسلمتين ، هم أهل كتاب كالمسلمين انفسهم . وليس أدل علي روح التسامح التي بعثت الحياة في الإسلام منذ بدايته ، من أن المسلمين قد طبقوا مبدأ التسامح الديني علي أتباع زرادشت الذين خضعوا للحكم الإسلامي وإن لم يقل بذلك الرسول الكريم نفسه ) (6) ارنولد توينبي

    ( أن ابرز مايلفت النظر في الفتوج العربية ليس تلك السرعة وذلك النظام اللذين تمت بهما – بغير دمار لامبرر له الا قليلا – ولكن تلك السهولة التي انتقلت بهما البلاد المفتوحة من حال الحرب الي حال السلم ، ومن التغلب الي الإدارة ) (7) المؤرخ المسيحي العربي فيليب حتي

    ( كتب الفوز للعرب لأنهم كانوا اهلا للفوز ، وتم النصر للإسلام لأنه عنوان رسالة كان الشرق كثير الإحتياج إليها ، واحتمل المسلمون ضروب العذاب قبل الهجرة ولم يستطيعوا لها ردا ، فلما كانت الهجرة وكان ما ابدوه من المقاومة والنصر ، اتخذوا التسامح دستورا لهم . أجل لم يبقي للمشركين مقام في دار الإسلام ، ولكنه اصبح لأهل الكتاب من اليهود والنصاري فيها حق الحماية وحرية العبادة وصاروا من المجتمع اذا ما أعطوا الجزية . قال النبي ( من آذي ذميا فأنا خصمه ) ، وما أكثر ما في القرآن والحديث من الأمر بالتسامح ، ما أكثر عمل فاتحي الإسلام بذلك ولم يرو التاريخ ان المسلمين قتلوا شعبا ، وما دخول الناس افواجا في الإسلام الا عن رغبة فيه ) (8) اميل درمنغم

    ( والحق أن الأمم لم تعرف فاتحين رحماء متسامحين مثل العرب، ولا دينًا سمحًا مثل دينهم ) (9) جوستاف لوبون

    ينقل شهادة البطريرك عيشو ابابه الذي تولي منصب البابوية حتي عام 657 م ( إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون.. إنهم ليسوا بأعداء للنصرانية، بل يمتدحون ملتنا، ويوقرون قديسينا وقسسنا، ويمدون يد العون إلى كنائسنا وأديرتنا ) (10) ترتون

    ( إن اتباع محمد هم وحدهم الذين جمعوا بين المحاسنة ومحبة انتشار دينهم ، وهذه المحبة هي التي دفعت العرب في طريق الفتح وهو سبب لاحرج فيه ، فنشر القرآن جناحيه خلف جيوشه المظفرة إذ أغاروا علي الشام وساروا سير الصواعق الي افريقيا الشمالية من البحر الأحمر الي المحيط الأطلنطي ولم يتركوا أثرا للعسف في طريقهم الا ماكان لابد منه في كل حرب وقتال ، فلم يقتلوا أمة أبت الإسلام .فكلما التقي المسلمون بأمة خيروها بين واحد من ثلاث الإسلام أو الجزية أو تحكيم الحرب حتي تضع أوزارها) (11) هنري دي كاستري

    ( من الحقائق التاريخية ان النبي اعطي اهل نجران المسيحيين نصف مسجده ليقيموا فيه شعائرهم الدينية . وهانحن اولا نري السملمين اذا بشروا بدينهم فانهم لايفعلون مثل ما يفعل المسيحيين في الدعوي الي دينهم ، ولايتبعون الطرق المستغربة التي لاتتحملها التفس ولايحبها الذوق السليم . وقد انصف القس ميثون الحقيقة في كتابه ( سياحة دينية في الشرق ) حيث يقول : أنه لمن المحزن ان يتلقي المسيحيين عن المسلمين روح التسامح وفضائل حسن المعاملة ) ( 12)
    اتيين دينيه


    ( ميز صاحب الشريعة الإسلامية بين اهل الكتاب – وهم المسيحيون واليهود- وبين المشركين من العرب الذين تعرضوا لما أنزل الله علي رسوله ، وقد وقع بين الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وبين بطريق بيت المقدس اتفاق يضمن حماية النصاري ومنحهم امتيازات ، وفي بها ) (13) ريتشارد وود


    ( استطاع الجنس السامي في بضع سنين باسم الله ورسوله ان يسترد تقريبا كل الأملاك التي خسرها للفرس الآريين قبل ذلك بألف سنة ، وسقطت بيت المقدس مبكرا .. وكان المسيحيون ينعمون بالتسامح في مقابل دفع الجزية فقط ، وتركت الكنائس بأسرها والآثار المقدسة باجمعها في حوزتهم ) ( 14) ويلز


    ( لايعني التأكيد علي اخضاع مشركي الجزيرة للإسلام أن الإسلام انتشر بحد السيف . حقا ان القبائل الوثنية في الجزيرة العربية كان عليها أن تختار الإسلام او السيف ، إلا أن تعامل المسلمين كان مختلفا تجاه اليهود والمسيحيين والزرادشتيين وغيرهم ممن اعتبرت دياناتهم شقيقة للإسلام ، رغم الدعوى القائلة بأن الأتباع المعاصرين لتلك الديانات قد ابتعدوا عن جوهرها .ومهما كان الأمر فقد كان بالإمكان قبولهم نوعا من الحلفاء للمسلمين في معظم الأقطار التي فتحها العرب ) ( 15) مونتجمري وات


    (كان العرب في بداية يقظتهم متقدين حماسا لعقيدتهم وأنهم كانوا مع ذلك قوما متسامحين لأن دينهم يأمر في مواضع عديدة بالتسامح والصفح ، وكان عمر بن الخطاب شديد الحرص علي التسامح عندما دخل بيت المقدس ، أما مسلموا أسبانية فإنهم تركوا للجالية المسيحية الكبيرة هناك حرية العبادة .. والواقع أن ابرز ما يميز هذه الفترة من التاريخ هو الفرق الشاسع بين العرب المسلمين وتعصب المسيحيين الأوربيين ) (16) جواهر لال نهرو


    ( ولم يكن في التشريع الإسلامي ما يغلق دون أهل الذمة اي باب من ابواب الأعمال ، وكان قدمهم راسخا في الصنائع التي تدر الأرباح الوافرة ، فكانوا صيارفة وتجارا وأصحاب ضياع وأطباء . بل أن اهل الذمة نظموا انفسهم بحيث كان معظم الصيارفة والجهابذة بالشام مثلا يهودا ، علي حين كان أكثر الأطباء والكتبة نصاري . وكان رئيس النصاري في بغداد هو طبيب الخليفة، وكان رواد اليهود وجهابذتهم عنده ) (17) آدم متز

    ( .. هروب اليهود الأسبان الي تركيا معروف للجميع ، لكنه ليس الحالة الوحيدة علي الإطلاق . وعندما انتهي الحكم العثماني في اوروبا ، كانت الأمم المسيحية التي حكمها العثمانيون خلال عدة قرون لاتزال هناك ، بلغاتها وثقافاتها ودياناتها - الي حد ما – بمؤرسساتها . أما اسبانيا وصقلية فليس فيها اليوم مسلمون أو ناطقون باللغة العربية ) (18)
    برنارد لويس

    ( روح التسامح في الإسلام قديما ، تلك الروح التي اعترف بها المسيحيون المعاصرون ايضا كان لها اصلها في القرآن ( لا اكراه في الدين ) .. ، وقد جاءت الأخبار عن السنين العشر الأولي للإسلام بمثل للتسامح الديني للخلفاء ، أزاء اهل الأديان القديمة ، وكثيرا ماكانوا يوصون في وصاياعم للفاتحين بالتعاليم الحكيمة ، ومن المثل لذلك عهد النبي مع نصاري نجران ، الذي حوي احترام منشآت النصاري ، ثم هذه القواعد التي اعطاها لمعاذ بن جبل عند ذهابه الي اليمن ( لايزعج يهودي في يهوديته ) وفي هذه الدائرة العالية كانت ايضا عهود الصلح التي اعطيت للنصاري الخاضعين للدولة البيزنطية التي اندمجت في الإسلام وبموجبها كانوا – في مقابل دفع الجزية – يستطيعون مباشرة شئونهم الدينية من غير ازعاج لهم ) (19) جولدتسيهر

    ( ان الإسلام لايعرض لمعتنقي الديانات الأخري بسوء وهو لايحملهم علي قبول دينه والنزول تحت شرعته .. كما أنه لم يحارب الذين لم يعتنقوا دينه ، ولاعمل علي قتلهم وحرقهم وتعذيبهم كما فعل غيره ، وآية القرآن ظاهرة بينة ( لا إكراه في الدين ) ايفلين كوبولد (20) ايفلين كوبولد


    ________________________________________

    (1) توماس ارنولد الدعوة الي الإسلام (11) هنري دي كاستري الإسلام خواطر وسوانح
    (2) روجيه جارودي وعود الإسلام ( 12) اتيين دينيه اشعة خاصة بنور الإسلام
    (3) الدومييلي العلم عند العرب (13) ريتشارد وود الإسلام والإصلاح
    (4) مارسيل بوازار انسانية الإسلام (14) هـ ج ويلز معالم تاريخ الإنسانية
    (5) زعريد هونكة الله ليس كذلك (15) مونتجمري وات تلإثير الإسلام علي اوروربا في العصور الوسطي
    (6) ارنولد توينبي مختصر دراسة التاريخ (16) جواهر لال نهرو لمحات من تاريخ العالم
    (7) فيليب حتي الإسلام منهج حياة (17) آدم متز الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري
    (8) اميل درمنغم حياة محمد (18) برنارد لويس تراث الإسلام
    (9) جوستاف لوبون حضارة العرب ( 19 ) جولدتسيهر العقيدة والشريعة في الإسلام
    (10) ترتون اهل الذمة في الإسلام (20) ايفلين كوبولد البحث عن الله

  9. #39
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الحلقة الثامنة والعشرون

    الجـوع




    برغم التطورات العلمية المذهلة سواء في مجال الفضاء أو في مجال التكنولوجيا الصناعية أو في مجال الإتصالات أو غيرها من المجالات والتي تعطي بدورها انطباعا عن إنسان العصر الحديث بأنه قد حقق الرفاه ، مقارنة بأجيال أخرى عاشت على الأرض طيلة القرون الماضية ، إلا أننا ويا للعجب نتابع عن كثب – باعتبار أن العالم أصبح قرية صغيرة - أنواع من الأزمات التي تطعن في صميم اتجاهاتنا الأخلاقية ، ومن أسوا ما يمكن متابعته هو أن هناك ملايين من البشر تموت جوعا.
    المشكلة لا تكمن في ضعف المواثيق الدولية التي تكفل للإنسان – أي إنسان – الحق في الحياة ، فهناك الكثير من البنود مثل ما نص عليه في الإتفاق الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية, الاجتماعية و الثقافية 1966 بالمادة 11
    (تؤكد على حق الجميع إلى مستوى معيشة كافي لنفسه و عائلته,بما في ذلك توفر غذاء كاف ... و التحسن المستمر للأوضاع المعيشية)
    يموت الناس جوعا لأسباب عدة منها الكوارث الطبيعية كالفيضانات والأعاصير والتصحر والجفاف وبسبب الحروب أيضا ، وفي كل الأحوال يظل الموت جوعا مسئولية على كل الأحياء ، يموت يوميا بسبب الجوع 25000 إنسان .. وهو رقم مرعب ومخجل .. رغم أن الموارد الغذائية الموجودة بالأرض قادرة على إطعام ضعف عدد سكانها

    أشار تقرير صادر عن المعهد العالمي لأبحاث السياسات الغذائية إلى أن ما ينفقه العالم على التسلح في أسبوع واحد يكفي لحل مشكلة المجاعة في أرجاء المعمورة، وقال: "إنه بزيادة إنفاق قدرها 10 بلايين دولار سنويا -أي ما يعادل الإنفاق العسكري العالمي لأقل من أسبوع- يمكن تخفيض نسب سوء التغذية في العالم بنسبة 42%" .
    كما توجد مؤسسات غربية تعمل على محاربة الجوع ويذهب ناشطوها إلى مناطق المجاعات لغوث الناس بالطحين والماء الصالح للشرب وباللقاحات ، فكذلك توجد مؤسسات إسلامية ذات غرض إغاثي وخيري بحت ، الأنشطة الإسلامية الإغاثية لا تتحرك من خلال أجندة دعوية ، إذ أن الدين الإسلامي يعد المسلم بجزاء وافر على إطعام الجوعى بصرف النظر عمن هم ومن أي دين ، ولا تسمح تعاليم الإسلام بابتزاز الجائعين وإغرائهم لاعتناق الدين الإسلامي ، ويعتبر المسلمون مساهماتهم في هذا المضمار الخيري عملا إنسانيا لإعطاء الجوعى فرصة للحياة ، كما أنه يعتبر بالنسبة للأشخاص الطبيعيين والإعتباريين منهم هو اداء لفرض تفرضه تعاليم الدين . أي إنه شكل من أشكال العبادة لله يجب أن يؤدى ، وعليه فالجهات الإسلامية الإغاثية تعمل وفقا لهذا المفهوم بدون تسييس للإغاثة .
    الإسلام لا يعتبر إطعام الجوعى عملا تطوعيا ، ولا يجعل الإنسان في حل من المساءلة أمام الله عن الموتى جوعا ولو صلى ولو صام . وفي القرآن كان من ضمن السجل الأسود للمعذبين في جهنم هو عدم إطعامهم للمساكين ، البند الثاني مباشرة بعد الصلاة “كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَر قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ” (1)
    وفي آية أخري كان السبب في التعذيب في جهنم عدم الحض على إطعام المسكين ، بعد عدم الإيمان بالله مباشرة
    (خذُوهُ فَغُلُّوه. ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ. ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ. إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ. وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) (2) .

    لقد جعل النبي محمد ( ) الزراعة نفسها - رغم أنها حرفة اقتصادية - وسيلة عظيمة لاكتساب رضا الله ، ليس لإطعام البشر وحدهم ولكن لشركائهم في الأرض أيضا ، لقد قال (من غرس غرسا أو زرع زرعا فأكل منه إنسان أو سبع أو دابة أو طير إِلا كان له به صدقة ) ، بل وسئل مرة عن أي أعمال الإسلام خير فابتدر بإطعام الطعام .
    وفي الإسلام كفارة بعض أنواع الذنوب هي إطعام المساكين ، وسواء صدقات مقدمة أو كفارة لأخطاء يكون الطعام مما يأكل منه المتصدق أو المكفٍر عن ذنبه .
    بل أن النبي محمد( ) جعل من شبع وجاره جاره خارجا عن الجماعة الإسلامية ، جاره على العموم وليس جاره المسلم ( ليس منا من بات شبعانا وجاره جائع وهو يعلم )
    إن هذا الحديث خطير جدا إذا وضعنا في حسباننا أن الأرض أصبحت قرية صغيرة بفعل ثورة الإتصالات ، إن هذا يضع معنى موجع للجوار وللمسئولية عن الجوع ، هذا الحديث إذا أُخذ في الحسبان فإنه يعني أنه يتساقط حولنا في ذات قريتنا الصغيرة 25000 جائعا يوميا ، إن الحديث يضيف دلالة مؤلمة لصغر العالم نتيجة ثورة الإتصالات ، بجانب الدلالة الحالية التي رسختها الشركات الكبرى ، ألا وهي سرعة النفاذ للأسواق .
    ________________________________________
    (1) المدثر 38 -44 (2) الحاقة 30 -34

  10. #40
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الحلقة التاسعة والعشرون

    الإيدز

    [align=center]تعتبر مشكلة انتشار داء الإيدز من ضمن أهم المشاكل التي تتعرض لها المجتمعات الحديثة ، ولكن تختلف وسائل الحماية التي تنتهجها المجتمعات لمجابهته حسب خلفياتها الدينية ، وتشير إحصائيات
    إلى أن 80% من حالات الإصابة سببها الشذوذ الجنسي، و15% بسبب الدعارة والممارسات خارج نطاق الزواج الشرعي ، و5% فقط هي نسبة الأشخاص الذين انتقلت إليهم العدوى لأسباب طبية أو دون تعمد أو انحراف ، وترتكز النظرة الإسلامية على التأكيد على التعاليم الدينية التي تمنع مسببات الغالبية العظمي من حالات المرض من زنا وشذوذ ومخدرات
    بينما انشغلت الهيئات العالمية بتقديم ثقافة جنسية تمنع الإصابة ، ولكن دون أن تدخل في الجانب الأخلاقي للموضوع ، وبناءا عليه تم طرح برامج توعوية تعتبر بشكل أو بآخر مشجعة على الممارسات الجنسية المحرمة ، ومما يذكر أن نسبة الإصابة بالمرض في المجتمعات الإسلامية هي الأقل عالميا ، وبينما اهتم العالم بالحض على استخدام الواقي الذكري كان علماء المسلمين يتحدثون عن واق آخر ليس به مسام تمر منها الفيروسات التي يسببها المرض ، إنه الواقي الديني ، ومما يذكر هو أن أول مائة شخص أصيبوا بهذا المرض كانوا جميعا من الشواذ
    وقد اكتشف برتران اوفرت من وكالة الأبحاث الوطنية الفرنسية وزملاؤه في منظمة الصحة العالمية أن الذكور المختونين في جنوب افريقيا يقل خطر إصابتهم بالفيروس القاتل بنسبة 65% عن أقرانهم غير المختونين (1) ، ومن المعروف طبعا أن اليهود والمسلمين يعتبر ختان الذكور من فروضهم الدينية .

    ويعتبر اختلاف النظرة الإسلامية عن النظرة الغربية أو العالمية هو خلاف على مفهوم الرحمة ، فالنظرة العالمية لا تتبنى بشكل واضح برنامجا لتغيير أنماط سلوكية ، بل تقدم توعية بإرشادات لتجنب خطر الإصابة مثل استخدام الواقي والبعد عن المجموعات الخطرة Risk group ، بينما يتبني الإسلام نظرة للرحمة مبنية على أن منتهي الرحمة هو أن نحرص على توعية الناس لكون الإرشادات لن توفر حماية كاملة ، وان المرض هو نتيجة ارتكاب الكبائر ، وبناءا عليه فالحل السليم والرحيم هو مواجهة الحقيقة ، والمشكلة لا تكمن بطبيعة الحال بأن الأديان الأخرى متسامحة مع الشذوذ والزنا ، ولكن المشكلة تكمن في ضعف الدور الذي من الممكن أن تلعبه الكنائس في الغرب مقارنة بالدور الذي تلعبه المساجد في العالم الإسلامي ، وفي ذات الوقت تعتبر جماعات الشذوذ هناك قوى ضغط يعمل لها حساب ، بحيث أنه على العلماء أن ينتجوا أمصالا واقية دون أن يتكلموا في الأمر بصراحة وعلى رجال الدين أيضا ألا ينددوا بالممارسات الشاذة ، وذلك نتيجة طبيعية لاختلاف مفهوم الحرية الشخصية بين البيئتين ، ، ومما يذكر أن مارجريت تاتشر قد عبرت عن قناعاتها بأن رجال الدين المسيحي لم يقدموا القدوة للشباب ولم يبادروا في إدانة الممارسات السلوكية التي ساهمت في انتشار الوباء (2)
    وقد حذر الرسول محمد( ) أتباعه من أن العقوبات الوبائية والمرضية هي أحد العقوبات الإلهية التي تنتظر أي مجتمع تنتشر فيه الموبقات بشكل سافر حيث قال ( ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ) ، ومما يذكر أن المرض ظهر بعد تنامي نفوذ جماعات (الجنوس) في الغرب ، وإعلانهم بشكل سافر عن رغباتهم وحقوقهم .
    وهذا لا يعني أن المسلمين يؤمنون بأن كل مصاب بالإيدز هو مذنب ، فالحقيقة أن هناك الكثير من الأطفال والأبرياء ماتوا من جراء هذا المرض ، ولكن ظهور المرض كان مبدؤه الفاحشة ، وهي رسالة إلهية للمجتمعات الإنسانية حتى تتذكر الله ولا تجاهر بمعصيته ، البحث عن علاج للإيدز عمل طيب ويشارك فيه علماء مسلمون ، ولكن هذا لا يعني التغافل عن إلقاء ضوء كافٍ على الحقائق ، وليست الحرية الشخصية وحدها هي التي تستحق الحماية ، سلامة الآخرين وسلامة الأسر شيء هام أيضا ، وحامل الفيروس قد يسبب في إصابة اقرب الناس إليه من زوجة وأطفال
    وفي هذا يقول النبي محمد( ) " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول "
    كما أن المسلمين لديهم دروس وإرشادات نفسية لمن أصيب بالفعل حتى من ممارسات محرمة حتى لا يتحول لإنسان يائس ، وعليه فيرشدونه للمداومة على العبادات والإستغفار . كما أن القيادات الدينية الإسلامية رحبت وترحب بالتعاون مع القيادات المسيحية في المنطقة من اجل تبني خطاب توعي مشترك لمحاربة هذا الوباء اللعين ، على أساس أن مرض كهذا يصيب مجتمعات بكل ما فيها من طوائف دينية ، وإذا كان المرض مرده أمراض اجتماعية فلا مجال إلا للتعاون .
    ________________________________________
    (1) رويترز (2) حديث لمجلة المرأة[/align]

صفحة 4 من 5 الأولىالأولى ... 2345 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. أيهما أرحم .. جنة الغربه أم جحيم الوطن ؟!
    بواسطة هلالي القرن في المنتدى منتدى الموارد البشـرية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: October 22nd, 2009, 00:22
  2. موسوعة طبية
    بواسطة بحـــــر في المنتدى منتدى عـِـلَل صحية
    مشاركات: 42
    آخر مشاركة: October 20th, 2009, 12:48
  3. الجهاز الطبي يمنح الضوء الاخضر لمشاركة خماسي الهلال
    بواسطة المنتقد في المنتدى منتدى مباريات كُــرَة القــدم
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: April 7th, 2009, 13:15
  4. انظر ماذا قدم للدين... فماذا قدمنا لديننا؟؟
    بواسطة ( * غريب الدار * ) في المنتدى حِوارات
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: May 11th, 2008, 14:02

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

تنفيذ شركة تصميم مواقع الانترنت توب لاين
روابط مهمه روابط مهمه تواصل معنا
تواصل معنا