بســم الله الـرحمــن الرحيــم
رغم محاولات الرئيس الأمريكي باراك أوباما إظهار نفسه وكأنه مختلف تماما عن نهج بوش العسكري ، إلا أن الوقائع على الأرض تظهر عكس ذلك ، فالسياسة الأمريكية لم تتغير ويتم فقط تسويقها في إخراج مختلف ، وهذا ما تؤكده أحداث وادي سوات في باكستان ، حيث أن الظاهر أنها معركة داخلية إلا أن المتابع للتطورات التي تحيط بها يلمس أنها حرب أمريكية جديدة وفي دولة إسلامية أيضا.
فما أن انتهت قمة أوباما مع الرئيسين الأفغاني والباكستاني في واشنطن في 7 مايو ، إلا وسارعت الحكومة الباكستانية لإعلان الحرب على طالبان باكستان في منطقة وادي سوات وغيرها من مناطق القبائل المجاورة وطالب رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني في خطاب موجه إلى الأمة بالوحدة في مواجهة ما أسماه التطرف في البلاد ، قائلا :" آن الأوان لكي تقف الأمة بكاملها إلى جانب الحكومة والقوات المسلحة لمواجهة هؤلاء الذين يريدون أن يجعلوا من البلاد بأسرها رهينة".
وجاءت التصريحات السابقة بعد أن شدد الرئيس الأمريكي باراك أوباما على دعم واشنطن لكل من باكستان وأفغانستان في مواجهة تصاعد هجمات حركة طالبان وقال عقب لقائه مع رئيسي البلدين في البيت الأبيض إن أمريكا وباكستان وأفغانستان تواجه خطرا مشتركا.
وأوضح أنه اتفق مع الرئيسين الأفغاني حامد قرضاي والباكستاني آصف علي زرداري على أنهم يجمعهم هدف مشترك هو تمزيق وتفكيك وهزيمة تنظيم القاعدة .
وأضاف أن واشنطن حصلت على الالتزام المطلوب من باكستان وأفغانستان لمحاربة ما وصفه بخطر المتشددين المتزايد في المنطقة، معربا عن سعادته لتفهم الرئيسين حجم الخطر الذي تشكله حركة طالبان والقاعدة على البلدين.
ومن جانبه ، تعهد زرداري بمحاربة ما وصفه بالتهديد المشترك الذي تشكله حركة طالبان وتنظيم القاعدة على بلاده وعلى أفغانستان والولايات المتحدة، وقال إنه يزور واشنطن لتأكيد مشاركة بلاده في تحمل هذا العبء.
ويرى مراقبون أن التصعيد العسكري في وادي سوات كان متوقعا ، لأن القمة الثلاثية تزامنت مع استعداد الكونجرس لمناقشة مشروع قانون مساعدة باكستان في إطار إستراتيجية أوباما الجديدة التي تعتبر باكستان وأفغانستان مركز الحرب العالمية على ما أسماه الإرهاب ، وبالنظر إلى أن الحكومة الباكستانية تعيش أزمة اقتصادية خانقة فلم تجد أمامها من خيار سوى الرضوخ لمطالب واشنطن بشن حرب لاهوادة فيها ضد مناطق القبائل التي تعتقد أنها توفر ملاذا آمنا لعناصر القاعدة وطالبان، خاصة وأن إدارة أوباما وجهت انتقادات حادة لها مؤخرا بل وسربت معلومات أيضا حول احتمال أن يكون زعيم حزب الرابطة الإسلامية المعارض نواز شريف بديلا جيدا.
وبالإضافة إلى ماسبق ، فإن القمة جاءت في أعقاب تصاعد قوة حركة طالبان على طول الحدود بين أفغانستان وباكستان حيث سيطرت على مساحات كبيرة من إقليم الحدود الشمالية الغربية الباكستاني الذي يضم مناطق سوات ووزيرستان ، بل واستطاعات طالبان أيضا السيطرة على مقاطعة بونير التي تبعد 100 كلم فقط من العاصمة إسلام آباد.
أيضا فإن الانتقادات الغربية الشديدة التي وجهت لحكومة زرداري على خلفية توقيعه اتفاق سلام في وادي سوات في فبراير الماضي كانت تدفع باتجاه قيامه بالتصعيد بعد القمة الثلاثية.
اتفاق تطبيق الشريعة الإسلامية
وكانت حكومة زرداري وقعت اتفاقا في منتصف فبراير الماضي مع حركة تطبيق الشريعة المحمدية التابعة لحركة طالبان ، وافقت خلاله على مطالب الحركة بتطبيق الشريعة الإسلامية في المنطقة والتي كانت دفعتها لحمل السلاح في 2007 ، مقابل تعهد الحركة بوقف هجماتها ضد القوات الحكومية .
هذا الاتفاق في الواقع هو إعادة لثلاث اتفاقيات سابقة وقعها نظام برويز مشرف بعد أن تمكن المسلحون من السيطرة على أغلب مناطق وادي سوات وأسسوا في 59 بلدة حكومات محلية ومحاكم إسلامية لتطبيق الشريعة، رغم وجود 20 ألف جندي باكستاني.
الدول الغربية وفي مقدمتها واشنطن احتجت بشدة على الاتفاق الجديد بحجة في الظاهر مفادها الدفاع عن الحقوق المدنية للسكان المحليين بعدما وجدت في تطبيق القوانين التي تفرضها الحركة تناقضاً مع حقوق الإنسان، وفي الباطن، فإن السبب الحقيقي لمعارضتها الاتفاق هو خشيتها من أن يعزز نفوذ القاعدة وحركة طالبان باعتبار أن الذي جعل سوات باتت مركزا للقاعدة وطالبان هو اتفاقيات السلام التي وقعها الرئيس السابق برويز مشرف مع المسلحين وأعطتهم هامشاً من الحرية كي يعززوا نفوذهم ، بل وسيطروا سيطرة كاملة على وادي سوات الذي يوصف بأنه "سويسرا" باكستان بسبب طبيعته الخلابة .
ولعل التصريحات التي أدلى بها أوباما في 28 مارس الماضي كانت بداية النهاية لمثل هذا الاتفاق وتدشين للحرب المفتوحة ضد وادي سوات وبقية مناطق القبائل ، فهو أعلن أن تنظيم القاعدة وحلفاءه هم "سرطان" يهدد بتدمير باكستان من الداخل، مؤكدا أن القاعدة تخطط لشن مزيد من الهجمات على الولايات المتحدة من مخابئها في باكستان.
وأضاف أن "الإرهابيين" الموجودين داخل الحدود الباكستانية ليسوا فقط أعداء أمريكا أو أفغانستان، بل يشكلون أيضا خطرا كبيرا وداهما على الشعب الباكستاني، مشيرا إلى آلاف الضحايا الباكستانيين الذين سقطوا في اعتداءات منذ 2001 ضحايا، وعلى رأسهم رئيسة الوزراء السابقة بنظير بوتو .
كما أعلن رفع المساعدة الاقتصادية الأمريكية لإسلام آباد إلى خمسة مليارات دولار سنويا لمدة خمسة أعوام، مؤكدا في الوقت نفسه أن هذه الأموال "ليست شيكا على بياض"، وقال :"على باكستان أن تبرهن عزمها على القضاء على القاعدة وجميع المتطرفين الذين ينتهجون العنف الموجودين داخل حدودها".
وأضاف "نشدد على أن تتحرك إسلام آباد بشكل أو بآخر عندما تتوافر لدينا معلومات استخبارية تتعلق بأهداف إرهابية مهمة، وإلا فسنضطر نحن إلى القيام بذلك ".
وفيما يبدو وكأنه تحالف دولي مماثل للتحالف الذي حشده بوش قبل غزو العراق ، اقترح أوباما تشكيل مجموعة اتصال جديدة حول أفغانستان وباكستان تضم دولا في المنطقة بينها إيران والهند للقضاء على تمرد حركة طالبان وتنظيم القاعدة في المنطقة، وقال :"سويا مع الأمم المتحدة، سنشكل مجموعة اتصال جديدة من أجل أفغانستان وباكستان تضم كل من يجب أن يساهم في أمن المنطقة".
وأضاف أن مجموعة الاتصال هذه يجب أن تضم حلفاء واشنطن في حلف الناتو وشركاء آخرين، وكذلك دول آسيا الوسطى ودول الخليج وايران وروسيا والهند والصين، مؤكداً أن أيا من هذه الدول ليس له مصلحة في وجود قاعدة لإرهابيي القاعدة، وفي غرق المنطقة في الفوضى، وأن الجميع لديهم مصلحة في احلال السلام الدائم والأمن والتنمية.
وفي رسالة تحذير شديدة اللهجة للحكومة الباكستانية ، قال أوباما :" إن الحكومة المدنية التي يترأسها علي آصف زرداري عاجزة عن تأمين أبسط الخدمات لضمان ولاء الشعب ، نريد احترام سيادة باكستان لكننا نقر في المقابل بأنه لدينا مصالح استراتيجية كبيرة في ضمان استقرار هذا البلد والتحقق من عدم تحوله إلى دولة عسكرية نووية يسيطر عليها إرهابيون".
فشل متوقع
وأمام التهديدات السابقة ، اضطر زرداري للدفاع عن قرار وقف إطلاق النار في وادي سوات، قائلاً في مقال كتبه بصحيفة "وول ستريت جورنال" "إن كثيرين في الغرب أساءوا الحكم على ذلك القرار ، إنه لم يكن مهادنة مع الإرهاب وإنما لوقف سفك دماء المدنيين" ، ثم سرعان ما قام بانتهاكه بعد القمة الثلاثية ، ويبدو أن الساحة الباكستانية باتت مفتوحة على أسوأ السيناريوهات بعد فشل الاتفاق .
فالمناطق القبلية الباكستانية مستقلة استقلالا ذاتيا وهي المناطق الوحيدة في العالم التي لا تخضع لسيطرة الحكومة المركزية وفي حال كهذا فإن يتعذر على الحكومة المركزية الباكستانية أن تجند القبائل ضد أبنائهم من طالبان باكستان خاصة وأن الأمر يبدو الآن وكأنه حرب بالنيابة عن واشنطن.
وهناك تجربة مشابهة من أفغانستان ، حيث سعى البريطانيون منذ مطلع العام الجاري إلى تجنيد بعض القبائل الأفغانية في جنوب ولاية هلمند لكنهم فشلوا في ذلك رغم أن القبائل الأفغانية تعتبر أقل صرامة من القبائل الباكستانية لوجود حكومة مركزية في أفغانستان بينما القبائل في باكستان لا علاقة لها بالحكومة المركزية، وبالتالي الغطاء الوحيد للناس في مناطق القبائل الباكستانية هي القبيلة، بخلاف المناطق الأفغانية الذي يعد الغطاء الحكومي مقدما على الغطاء القبلي.
أيضا فإن منطقة وادي سوات التي يطلق عليها السائحون "سويسرا باكستان " لأنها منطقة جميلة وخلابة، تقف فيها الجبال شامخة، مكسوة بخضرة الطبيعة تنساب ينابيع المياه الصافية من جنباتها، في لوحة فنية طبيعية ، تبدو الآن وكأنها مدينة أشباح بعد فرار الآلاف من سكانها وهو الأمر الذي من شانه أن يزيد النقمة الشعبية على الحكومة ، خاصة وأن وادي سوات يعتمد في اقتصاده على السياحة التي كانت تجذب آلاف السائحين الأجانب والمحليين، خاصة في شهري مايو وسبتمبر، ويوجد به 1650 فندقا، كان يعمل بها 30 ألف شخص، وكانت تدر دخلا يبلغ نحو 25 مليون دولار سنويا، أما الآن فقد أصبح السكان بلا عمل ومشردين.
ورغم أن الحكومة ومن خلفها واشنطن تعول على بعض الثغرات لتأليب السكان ضد طالبان ومنها تفجير محلات الفيديو واستهداف بعض مدارس البنات وكذلك صالونات الحلاقة ، إلا أن أحد قادة طالبان في منطقة باجور القبلية فقير محمد نفى نفيا قاطعا مسئولية طالبان عن تلك الحوادث وقال :"ليس هذا في أجندتنا، وما نقوم به هو قتال الأمريكيين وعملائهم".
بل وسارعت الحركة أيضا لشن حملة دعائية شرسة ضد الحكومة ، حيث حمل الناطق باسم حركة تطبيق الشريعة المحمدية في وادي سوات مسلم خان في تصريحات للجزيرة السلطات الباكستانية مسئولية تدهور الأوضاع، متهما إياها "بخيانة" الاتفاق الذي أبرم بين الطرفين، وشدد على رفض الحركة إلقاء السلاح وقال إنها حملته لفرض الشريعة وإنشاء المحاكم الإسلامية ، واصفا السلاح بأنه "مفخرة الإسلام".
ومن جانبه ، توعد المتحدث باسم حركة طالبان باكستان مسلم خان برد ستذكره الحكومة لوقت طويل إذا استمرت في عمليتها العسكرية ضد عناصر الحركة، ونقلت محطة جيو الباكستانية عن خان القول إن طالبان ستحافظ على سلاحها ما دام الرئيس الأمريكي باراك أوباما يسعى لإلغاء نظام الحكم الإسلامي في سوات بالقوة العسكرية.
والخلاصة أن الحرب بدأت في وادي سوات وأصبح العدو الأول لإسلام آباد هو طالبان باكستان وليس الهند ، وهذا يعني أن الأيام المقبلة ستحمل المزيد من سفك دماء الباكستانيين ، بينما تكافيء واشنطن حكومتهم بالمساعدات.
(أنتهى الخبر كما جاء على شبكةالأعلام العربية . محيط)
----------------------------
التعليق :
ماكان لأمريكا أن تتحرك من مكانها ولكن هو تطبيق الشريعة ما أرعبها , فالرئيس قد أتفق مع طالبان على مصلحة البلاد وأنهاء حالة الحرب , ولكن التحرك الأمريكي يعلن أن تطبيق الشريعة في اى مكان يعنى مواجهة الة الحرب الأمريكية أو المدعومة أمريكياً.
ولكن وعلى الرغم من التحركات الأمريكية لا يزال البعض يصر أنها الدولة التى يستكان أليها لتحقيق العدل والمساواة في المجتمعات الأخرى!
مواقع النشر