الحلقة العشرون..
مكتبة الشيخ عامرة وأغلبها نسخ قديمة الطبع...
مساحتها حوالي ستة أمتار في أربعة ..
والرفوف ملصقة بجميع جدران الغرفة ...
يجلس الشيخ بجوار نافذة قريبة من الأرض ..
ويستقبل النافذة في الواجهة الجنوبية من الغرفة وأمامه تلفونان ..
أحدهما للفتاوى الشرعية والآخر تلفون البيت الخاص..
وليست هناك مقاعد للجلوس أو طاولة للكتابة.. بل يجلس الشيخ على الأرض فوق
سجادة صلاة .. ويكتب على لوح تعلق عليه الأوراق ..
يراجع الشيخ في مكتبته الكتب أو يجيب على الفتاوى .. أو ينظم المعاملات أ ويقرأ
الرسائل..
بخصوص الرسائل في تلك الليلة التي دخلت فيها للمكتبة ..
شاهدت بوسط الغرفة كومة ضخمة من الرسائل والأوراق المبعثرة ..!!
قال الشيخ وهو يشير لها بأسى: هذه رسائل الأسبوعين الأخيرة ولم أستطع قراءتها ؟؟
تأتي للشيخ رسائل من كل بلاد الدنيا ..
أذكر مرة طلب الشيخ محمد مني ومن الشيخ فهد السليمان جامع فتاويه ..
أن نجرد رسائل الناس ونرتبها ونبوبها ففتحنا الظروف ..
فوجدنا رسائل من البلاد العربية ومن أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا ومن كل بلاد الدنيا ..
ورسائل فيها شيكات تبرعات ورسائل فيها طلب مؤلفات واستفتاءات..
ورسائل من مراكز إسلامية ..
سمعت الشيخ يقول مرة : أكثر الرسائل التي تأتيني هي من الجزائر ..!!
ولذلك لا عجب إذا رأيت كثيرا من الطلبة الجزائريين في حلقة الشيخ..
رأيت رسائل من علماء مشهورين يستشيرون الشيخ في بعض المسائل والنوازل .
ومنهم وبكثرة الشيخ العلامة بكر أبو زيد .. وممن رأيته كثيرا يحرص على الاستفادة
من علم الشيخ سواء بالاستفتاء أو بسماع دروسه على أشرطة الكاسيت سماحة الشيخ
عبد العزيز آل الشيخ مفتي المملكة الحالي..
وليست مكتبة الشيخ هي ما رأيته تلك الليلة فقط ..
بل إن لديه في القبو مكتبة أخرى تحتوي على المراجع التي تقل مراجعتها ..
و يوجد بها عدد من المخطوطات ..
ومنها مخطوطة تفسير الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي العالم المشهور ..
المسمى بتفسير الكريم المنان ...
وهذا التفسير قد كتبه الشيخ بخط لا يكاد يقرأ على دفتر الأستاذ
والذي يسمى دفتر حسابات (مسك الدفاتر)!!
يجلس الشيخ في اغلب أوقاته بالمكتبة وغالبا لا يقيل إلا فيها ..
وله في زاويتاها الشمالية فراش صغير وبطانية قديمة يتوسدها ويقيل هناك حتى أذان
العصر..
في تلك الليلة عدت أنا والأخ محمد وفي الطريق مررنا بمنزل الشيخ القديم..
وسأتكلم إن شاء الله عن هذا المنزل لاحقا حينما أحكي عن زيارة الأمير
ممدوح بن عبد العزيز لعنيزة..
أرجو أن لا يكون الملل قد دخلكم بتفاصيل قد لا يريدها البعض..
ولكن أرجو أن يأتي زمان يأتي فيه من يحتاج لمثل هذه المعلومات..
نرجع لجاري في درس الشيخ ..
كان ذلك الطالب المجد يظهر لي الاحترام والتقدير ..
كنت أرى ذلك (عن حسن نية ) نبلا منه وطيبة ..
فكسبني ذلك الشخص وصرت أخرج معه أحيانا بعد الدرس لبيته أو
للمكتبة ونحو ذلك ..
أذكر مرة أن الشيخ قال لي : انتبه يافلان من الناس لا تحدثهم بأمورك الخاصة ..
ترى الطلبة يحسدون بعض !! ونقل لي أثرا عن ابن عباس أنه قال : يتحاسد طلبة
العلم في آخر الزمان كما تتحاسد التيوس في زروبها!!.. ونحو ذلك الكلام..
والظاهر أن صاحبنا بسبب قربه من الشيخ ..
شعر أنني سأضايقه في قربي وكثرة لقاءاتي مع الشيخ ..
حينها لم أكن أعرف الحسد ولم أمارسه والله في حياتي ..
كنت أتحدث مع ذلك الشاب في بعض أموري الخاصة وفي اليوم التالي يستفسر مني
الشيخ..
حول ما قيل عن كذا وكذا !!
كأنه يلمح لما قلته لذلك الشاب..؟؟؟
غير أنني حينما أقارن ما أشاهده منه من سماحة نفس معي وحسن معشر..
أستبعد أن يكون هو من نقل هذا الكلام للشيخ ويا لغبائي!!
كتبت مرة رسالة للشيخ قلت له فيها بما معناه..
أنني أرغب في أن أستفيد من علمكم في حلكم في عنيزة وفي سفركم خارجها!!
حيث يشرفني أن أكون خادما لكم كما كان أنس وابن مسعود يخدمان رسول الله
صلى الله عليه وسلم ..
حينما قرأ الرسالة الشيخ فرح بها وسر خاصة انه رأى مني الحرص على ذلك..
حدثت ذلك الشاب بهذه الرسالة ..
فما كان منه إلا أن حذرني من ذلك وقال : لا أنصحك وهذا سوف يغير عليك
قلوب الطلبة الآخرين وسوف يقولون : هذا الولد له عند الشيخ ثلاثة شهور ..
والآن يريد أن يكون رفيقه في سفره..؟؟ لا ، انتبه وأنا أخوك لا تفعل ...
أخذ صاحبنا يهول لي الأمور حتى عزمت على ترك ذلك العمل المتهور!!!
وجاء يوم سمعت الشيخ يذكر أنه سيسافر للرياض ..
فوقع في نفسي أن أطلب منه أن أرافقه ولكن ما حذرني منه صاحبي جعلني أتردد !!
مواقع النشر