اهــــ(الأحداث)ــــم

• تداول خسارة 24.37 نقطة عند 12,014.94 • هارس (أو) ترامب !!! • 18 طائرة إغاثية سعودية للبنان • قاذفات B52 تحوم شرقنا الأوسط • قصف: طهران كرج خوزستان إيلام قم وشیراز • نزع اسلحة احزاب ايران مطلب • متى تضرب إيران اختها ؟!!! • الغرب وازِمة اقتصادية
صفحة 3 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 47
  1. #21
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الحلقة الرابعة عشره



    تواقيع
    عن الإسلام


    ( الإسلام يختلف عن المسيحية الرومانية في أنه لايتخذ لنفسه نظم الكنيسة والقسيسين . ولقد تبدو البروتستانتينية الخالصة دينا كهنوتيا اذا وازناها بالإسلام الذي يحرص علي التوحيد الخالص والذي لايحتمل اي تدخل بين الإنسان وخالقه ) (1)

    T.G. Young

    ( إن هذه التقاليد الإسلامية تشمل مبادئ المساواة بين الأرواح الإنسانية امام الله وتقرر أواصر الإخوة العالمية بين جميع المؤمنين بغير نظر الي العنصر او اللون ، كما تقرر فريضة الدفاع عن الضعيف وحمايته ممن يجورون عليه واغاثة المعوزين والمحرومين وبذل الحياة نفسها في سبيل الصراط المستقيم ) (2)

    Rushbroo Wiliams

    ( كان من المتوقع لعقيدة محدودة كل التحديد خالية كل الخلو من التعقيدات الفلسفية، ثم هي تبعا لذلك في متناول ادراك الشخص العادي ، ان تمتلك ، وانها لتمتلك فعلا ، قوة عجيبة ، لاكتساب طريقها الي ضمائر الناس ) (3) سير توماس ارنولد


    ( عند قدوم محمد ( )الي المدينة اعتنق بعض اهلها من المسيحيين الإسلام ., فقد وجدوا تشابها بين التعاليم الإنسانية في كل من الإسلام والمسيحية ، ولم يلمسوا اي تعارض بين الدينين ، وبخاصة أن الإسلام يضع المسيح في مقدمة الأنبياء . أما باقي المسيحيين فلم يبدو اي عداء للإسلام فقد اعتبروه افضل بكثير من الوثنية . ولاشك أن الخلافات العديدة التي كانت قد نشبت بين الطوائف المسيحية في الشرق قد مهدت الطريق امام المسيحيين ليعتقدوا الإسلام ) (4) واشنطون ايرفنج


    ( .. إن النزعة التي تصبغ كل شئ بصبغة الدين والتي امتاز بها الإسلام منذ ايامه الأولي ، جعلته مدة تزيد علي اثني عشر قرنا دينا متمكنا في امبراطوريات انمحت فيها القوميات وكان هو فيها اكبر قوة تعمل علي تماسكها .. لقد حاز الإسلام فضلا لاسبيل لإنكاره بأنه عمل علي حل مشكلة التفاهم بين الأمم وهو فضل لايجحده حتى غير المسلم ممن يتبع دينا آخر ويعتنق فكرة أخرى في الحياة ) (5)

    J.K.Birge

    ( لاتمييز في العقيدة الإسلامية بين الموجب القانوني والواجب الأخلاقي .. وهذا الجمع المحكم بين القانون والخلق يؤكد قوة النظام منذ البداية ) & ( لم يكن من ضمن رسالة محمد( ) ان يبطل ما أنزل من قبله ، بل أن يصدقه ناقضا ما لحق الكتب السماوية من تحريف وانتهاك . وكلف تطهير تعاليم الرسل السابقين من كل مخالفة، والتوسع فيها وتتميمها لتغدو ملائمة للبشرية جمعاء في كل زمان ومكان ) (6)

    مارسيل بوازار

    ( في غضون القرن السابع الميلادي ، جد في النقاش عامل جديد ، كأنه ممثل جديد ظهر علي مسرح الأحداث التاريخية علي نحو رائع ومثير . فقد نشأ حينئذ دين جديد مكتمل النمو . كان الإسلام يتعصب للتوحيد ويناهض التصوير مثلما يبتغي اي يهودي ، وبفضل ما حققه انصاره في الميدان الحربي من نجاح متوال – وبعد ذلك بقليل في المجال التبشيري كذلك – واجه المسيحيون امرا خطيرا جديدا يشغل تفكيرهم .. ان انتصارات العرب المسلمين الأولين قد القت وقودا جديدا علي المجادلات التي ظلت تدور أمدا طويلا حول وثنية المسيحية )
    (7)

    ارنولد توينبي

    ( أن محمدا( ) لم يكن فيه صفة ذاتية غير طبيعية ولاجاء مسيطرا علي البشر بقوة خارقة ، ولكنه كان مبلغا لرسالة ربه . ويجب أن نذكر أن هذا هو الرأي هو الرأي الشرعي العلمي في الإسلام .. من أجل هذا كله نجد أن المسلمين يأبون أن يسموا ( محمديين ) بالمعني الذي يسمى به النصارى ( مسيحيين ) ، وهؤلاء المستشرقون المتأخرون الذين لايزالون يطلقون هذه التسمية غير المقبولة علي المسلمين اطلاقا هينا يجب أن يعلموا أنه لايحق لهم ان يسموا أمة باسم لاتحبه . أن المسلم ، في اللغة ، هو الذي ( اسلم نفسه لله ) ( خضع لإرادة الله ) ، فالإسلام من اجل ذلك ليس دينا محمديا ولكنه دين التسليم بارادة الله ) (8)


    المؤرخ العربي المسيحي فيليب حتي


    (كان كثير من المسلمين يكثرون التوبة والاستغفار والصلاة والصوم ،فرأى محمد( ) ان القصد اولى من الإفراط . فأشار بالإعتدال في التقشف وبترك كل ما يميت النفس،وحدث ان بعضهم قادوا انفسهم الي الحج بربط انوفهم بأرسان الجمال فقطع محمد هذه الأرسان لأن الله ليست له حاجة بجدع الأنوف)(9)


    اميل درمنجم

    ( .. وما دام الإسلام لايقر بسلطان كنسي وكهنوتي ولايعترف بأسرار كنسية مقدسة ، فأي فائدة ترتجي من الوسيط بين الإنسان وبين خالقه الذي كان يعرفه قبل أن يبدعه والذي هو (اقرب اليه من حبل الوريد ) . ان الله بعد ان ارسل الي البشر خاتمة انبيائه وكلمته النهائية ، لم يعد ثم من ينطق بلسانه أو يعرب عن ارادته . الإنسان وحده ماثل امام الله في حياته وموته وله أن يخاطبه رأسا بلا وسيط أو شفاعة أو ( اجراءات ) (10)

    ديفيد دي سنتلانا

    ( ان دين الأنبياء كان كله واحد فهم متحدون في المذهب منذ آدم الي محمد وقد نزلت ثلاثة كتب سكاوية وهي الزبور والتوراة والقرآن . والقرآن بالنسبة الي التوراة كالتوراة بالنسبة الي الزبور وان محمدا ( ) بالنظر الى عيسى كعيسى بالنظر الى موسى ولكن الأمر الذي تهم معرفته هو أن القرآن أخر كتاب سماوي ينزل للناس وصاحبه خاتم الرسل ...... فمحمد كعيسى قال أنه بعث ليتم رسالة من قبله لاليبيدها فلم يكن من امره الابتعاد عمن تقدمه ولذلك كان يصرح على الدوام بانه يعيد على الناس مانزل على الأنبياء من قبله ) (11)

    هنري دي كاستري


    ( .. إن الذين يجهلون الإسلام هم وحدهم الذين يظنون أنه دين سهل من الوجهة الأخلاقية .. وليس في التاريخ دين غير دين الإسلام يدعو أتباعه علي الدوام الي أن يكونوا أقوياء ، ولم يفلح في هذه الدعوة دين آخر بقدر ما أفلح فيها الإسلام ) & ( .. أُحل للمسلمين أن يستمتعوا بالحلال من طيبات الحياة على شريطة الا يسرفوا . ولكن الإسلام كغيره من الأديان يدعوا المسلمين الي الصوم ليقوي بذلك إرادتهم من جهة ، ولتصح به اجسامهم من جهة اخرى ) (12)

    ول ديورانت

    ) لفت نظري بساطة العقيدة الإسلامية وسهولتها ، فليست هناك أسرار ولا ألغازتؤمن بها ولاتناقشها ، بل مرد الإيمان الي العقل والنظر في ملكوت الله ، وما في الكون من نظام بديع يهدي ضرورة الي وجود إله معترف له الخلق والأمر .. )
    (13)

    Rikwell Donald

    ( ... ظهر لبعض اولئك (( يقصد اليساريين الأوربيين )) على أنه في جوهره عامل ( تقدمي ) بطبيعته ، بل اعتنق بعضهم ذلك الدين الإسلامي .. )
    (14)

    مكسيم رودنسن

    ( عندما ظهر الرسول( ) كانت اليهودية والنصرانية منتشرتين في الجزيرة ولهما أراء متشابهة في التفسير التاريخي للحياة الإنسانية غير أن الدين الإسلامي الذي بشًر به الرسول( ) كان يتميز بالوضوح والقدرة على تفهم اسس هذا الوجود بصورة واضحة جدا ومن غير تعسف . والواقع ان مفاهيم الإسلام اوضح وأقل جمودا من ناحية العقيدة ، ومن مفاهيم اليهود والنصارى الدينية ) (15)

    فرانز روزنثال

    ( .. حرًم الإسلام الخمر في مطلع دعوته ، وهانحن اليوم بعد ان انتشرت الخمو روزادت نسبة الكحول فيها الي درجة فتاكة ندرك حكمة الإسلام وبعد نظره .. )
    (16)

    جورج سارتون

    ( ليس معنى الإيمان بالقضاء والقدر أن يترك المسلم العمل لأن القرآن والنبي( ) أمرا بالعمل والإجتهاد في كل شئ . وقال الله تعالى ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) (17 )


    Gajane stryzewska


    ( لاسبيل الي إنكار كون الإسلام قد مارس فضائل حقيقية ، لاسيما الفضائل ذات القيمة الإجتماعية . وهي تتجاوب مع دعوة من القرآن نستطيع أن نجد فيما عناه ( اوامر) ، وتبدو امتدادا للتقوى كما تحددها الآية (177)من سورة البقرة .. فالتعاون وحسن الضيافة والكرم والوفاء بالعهود مع افراد الأمة ، والإعتدال في الرغائب والقناعة ، تلك هي الفضائل التي تميز المسلمين حتي يومنا هذا ) (18)

    D. Sourdel

    ( .. إن الإسلام دعوة خالدة الى التقدم المطرد في كل نواحي الحياة الفكرية والروحية والساسيةعلى حد سواء ) ويقول ايضا ( إن دفع الظلم عن الناس وإقامة معالم العدل في الأرض هي الغاية النهائية التي تستهدفها رسالة الإسلام الإجتماعية . وعلى هذا المثل الأعلى للعدالة – مع المسلمين وغير المسلمين على حد سواء – يتوقف قيام الدولة الإسلامية ) (19)

    ليو بولد فايس


    ( قيل وكتب كثيراً في شهوانية الدين الإسلامي وأرى أن كل ما قيل وكتب جوراً وظلماً فإن الذي أباحه محمد( ) مما تحرمه المسيحية لم يكن من تلقاء نفسه وإنما كان جارياً متبعاً لدى العرب من قديم الأزل، وقد قلل محمد هذه الأشياء جهده وجعل عليها من الحدود ما كان في إمكانه أن يجعل الدين المحمدي بعد ذلك ليس بالسهل ولا بالهيّن وكيف ومعه كل ما تعلمون من الصوم والوضوء والقواعد الصعبة الشديدة وإقامة الصلاة خمساً في اليوم والحرمان من الخمر وليس كما يزعمون كان نجاح الإسلام وقبول الناس إياه لسهولته لأنه من أفحش الطعن على بني آدم والقدح في أعراضهم أن يتهموا بأن الباعث لهم على محاولة الجلائل وإتيان الجسائم هو طلب الراحة واللذة )
    (20)

    توماس كارلايل


    ( سوف يكون غريبا اعتبار عقيدة قادت المسلمين في غضون ثلاثة ارباع القرن ، الى تجديد اربع حضارات كبرىوالى الإشعاع على نصف العالم ، عقيدة قدرية ، منقادة ، هذه الدينامية في الفكر والعمل هي عكس القدرية . لقد اقتادت ملايين الناس الى التأكد من أنه يمكنهم أن يعيشوا على نحو آخر (21)


    روجيه جارودي

    ( علينا إن أردنا أن نكون منصفين بالنسبة للإسلام ، أن نوافق على انه يوجد في تعاليمه قوة فعالة متجهة نحو الخير ، وان الحياة طبقا لتعاليم هذه القوة يمكن ان تكون حياة طيبة لاغبار عليها من الوجهة الأخلاقية . هذه التعاليم تتطلب رحمة جميع خلق الله ، والأمانة في علاقات الناس بعضهم ببعض ، والمحبة والإخلاص ، وقمع غرائز الأثرة ، كما تتطلب سائر الفضائل التي اخذها الإسلام عن الأديان السابقة ، والتي يعترف محمد بانبيائها اساتذة له ، ونتيجة هذا كله ان المسلم الصالح يحيا حياة متفقة مع ادق ما تتطلبه الأخلاق) (22)


    جولد تسيهر

    ( .. انا نرى الأغبياء من المسيحيين يؤاخذون دين الإسلام كانه هو الذي قد سن الاسترقاق ، مع ان محمدا ( )قد حض على عتق الرقاب وهذه اسمى واسطة لابطاله حقيقة ) & ( إن الديانة المسيحية التي ودّ محمد إعادتها لأصلها النقي كما بشر بها المسيح تخالف التعاليم السّرية التي أذاعها بولس والأغلاط الفظيعة التي أدخلها عليها شيع النصارى.. ولقد كانت آمال محمد وأمانيه أن لا تخصص بركة دين إبراهيم لقومه خاصة، بل تعم الناس جميعًا، ولقد صار دينه الواسطة لإرشاد وتمدن الملايين من البشر، ولولا هذا الدين للبثوا غرقى في التوحش والهمجية، ولما كان لهم هذا الإخاء المعمول به في دين الإسلام ويقل ايضا ( الحق أن الإمتناع عن اكل لحم الخنزير وشرب المسكر واللحم الذي يحسن ذبحه ن وازالة كل مضر ، وغير ذلك من الأشياء التي نهى عنها الإسلام ، لمن أعظم الأمور النافعة للعاملين بها وليست لاتعابهم )
    (23)

    Lightner


    ( .. اذا ما اجتمعت بأي مسلم من اية طبقة ، رأيته يعرف مايجب عليه أن يعتقد ويسرد لك أصول الإسلام في بضع كلمات بسهولة ، وهوبذلك عكس المسيحي الذي لايستطيع حديثا عن التثليث والاستحالة وما ماثلهما من الغوامض من غير أن يكون من علماء اللاهوت ) (24)

    جوستاف لوبون

    ( يمكن للإسلام أن يعلمنا اليوم طريقة للفهم والعيش في عالم كانت فيه المسيحية هي الخاسرة عندما فقدته.ذلك أننا نجد في جوهر الإسلام محافظته على نظرة متكاملة إلى الكون، فهو يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة، وبين الدين والعلوم، وبين العقل والمادة ) (25)

    الأمير تشارلز

    (إن شهر رمضان "هدية الإسلام إلى العالم" لتذكير الناس بأن عليهم أن يساعدوا أولئك الذين يواجهون الفقر والمعاناة ) & وعن النمو المضطرد للإسلام في امريكا ( إن هذه الظاهرة مدعاة سرور للحكماء ، إذ يمكنني أن أقرر هنا أن الأحياء التي سيكنها مسلمون في أمريكا تصبح مباشرة أنظف الأحياء من الكحول والمخدرات والعنف والجنس ) (26

    الرئيس الأمريكي كلينتون

    ________________________________________
    (1) جويلر يونج الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة (2) رشبروك وليامز دولة الباكستان نقلا عن العقاد ( مايقال عن دولة الإسلام )
    (3) سير توماس ارنولد الدعوة الي الإسلام (4) واشنظون ايرفنج حياة محمد
    (5) بيرج وجهة الإسلام (6) مارسيل بوازار انسانية الإسلام
    (7) ارنولد توينبي مختصر دراسة التاريخ (8) فيليب حتي الإسلام منهج حياة
    (9) اميل درمنجم حياة محمد (10) ديفيد دي سنتلانا تراث الإسلام
    (11) هنري دي كاستري الإسلام خواطر وسوانح (12) ول ديورانت قصة الحضارة
    (13) دونالد ركويل ( محمد عبد الله ) عن رجال ونساء اسلموا (14) مكسيم رودنس تراث الإسلام ( تصنيف شاخت وبوزوث)
    (15) فرانز روزنثال علم التاريخ عند المسلمين (16) جورج سارتون الشرق الأدنى مجتمعه وثقافته
    (17) يوجينا ستشيجفسكا تاريخ الدولة الإسلامية وتشريعها (18) دومنيك سورديل الإسلام
    ( 19) ليوبولد فايس ( محمد اسد ) منهاج الإسلام في الحكم (20) توماس كارلايل الأبطال
    (21) روجيه جارودي وعود الإسلام (22) جولدتسيهر العقيدة والشريعة في الإسلام
    (23) لايتنر دين الإسلام (24) جوستاف لوبون حضارة العرب
    (25) نقلا عن كتاب بول فندلي لاسكوت بعد اليوم (26) بيل كلينتون في تهنئة للمسلمين بعيد الفطر

  2. #22
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الحلقة الخامسة عشره


    الحوار في القرآن


    العدو الأصيل الآخر في الإسلام الذي تمثل العدائية تجاهه عدائية منهجية هو عدو مغاير للسلالة البشرية العاقلة ، ولكنه عاقل أيضا ، إنه إبليس ، عداء منذ ابتداء النوع إلى يوم القيامة ، ويأمر الله المسلمين باتخاذه عدوا ، ويقرر أن الشيطان هو الذي بدأ هذا العداء ولم يبدأ به أبو البشر ( آدم ) ، وهذا العداء بالطبع غير قابل للتسوية ولا يخضع لقوانين اجتماعية تجعله يخفت أو ينمو ، إنه حالة موازية للوجود البشري ، بصرف النظر عن وعي الفرد بهذا العداء أو حتى إيمانه بوجود الشياطين من عدمه ، هذا هو النضال الرئيس في حياة المسلم الفرد وحياة المسلمين كأمة ، وهو العداء الذي يكفي لإثباته الأدلة النقلية ( النصوص ) .

    أما باقي العداوات فالمجتمع المسلم يرصدها بوعيه التاريخي والواقعي ورصده لتضارب المصالح مع الأمم الأخرى ، ويفتح القرآن بابا واسعا للسلم إذا ما مال الأعداء للسلم ، ولا يعني وجود هذه العداوات الأخرى التي تتقرر على أسس من الواقع شن الحرب ، فإذا كان العداء من الآخر لا يشتمل على أي مظاهر عسكرية فإن المسلم مقيد بما يأمر به القرآن الذي يقرر أن الله لا يحب المعتدين ، وهذا يعني بشكل واضح أن المسلم لا يحل له المبادرة بالعدوان ، تسمح التعاليم القرآنية للمسلمين بالإحتفاظ بذاكرة يقظة لكنها غير مسمومة ، وتسمح بقراءة جديدة لواقع متغير إذا ما مال أعداء أي مرحلة إلى الخيار السلمي ، فعلى المجتمع الإسلامي أن يؤيد هذا الخيار ويعززه .

    وهناك نظرية لاقت رواجا واسعا في العالم الحديث تعبر عن رؤية مستقبلية متشائمة وهي نظرية صراع الحضارات ، والفكرة لها من يعترف بوجاهتها من ناحية المبدأ لا من ناحية توقعاتها النهائية سواء من المسلمين أو الغربيين أو المسيحيين أو غيرهم .. لكن هناك قطاع كبير من المسلمين – ومثيله بين المسيحيين واليهود وغيرهم – يؤمنون بأهمية التأسيس ل( حوار الحضارات ) ، وقد يبدو هذا للبعض غريبا ، البعض الذي يعتقد بأن الإسلام يمتلك طاقة عدوانية كبري تهدد المجتمعات الحديثة وتهدد مكتسباتها ، ويبدو الأمر في أعينهم وكأن هناك فصيلا إسلاميا متأثرا بقيم المدنية الحديثة والحضارة الغربية ويحاول أن يؤصل لرؤية تسامحية منقطعة الصلة بالتراث الإسلامي ، وأنه يقابل كل العنت في هذه المحاولة للتجميل .

    على أن نظرة لما سبق أن كتبته على أن القرآن لا يعد المسلمين ولا غيرهم بوجود خاصة إلهية ( جماعة بشرية لهم دالة عند الله بصرف النظر عن أعمالهم ) نجده كفيل بأن يزرع لدي المسلم – إذا فهم المسلم هذا النص – إحساس بأنه لا يمثل تجسيدا للمطلق ، ولا يعتبر من ملح الأرض في جميع الأحوال ، وفي هذه الحالة سيكون أكثر استعدادا لفتح حوار جدي وجرئ وهادئ مع الآخر ، إن الأمر لا يتوقف فقط على الدماثة ، وعلى كل حال فالدماثة شيء جيد ومطلوب ، بشرط ألا تعبٍر عن تواضع المغرور الذي يسمع للآخر لمجرد احترام مشاعره ، إن المطلوب حالة انفتاح حقيقية ، وبعض التواضع ، ونعمة الشعور بالجهل .

    إذا ما قُبلت مبادرات من هذا النوع بقبول حسن فإنها ستوسع بما لاشك فيه دائرة التيار المؤمن بالحوار الحضاري على حساب دائرة التيار المؤمن بالصراع الحضاري ،لأن واقعا متغيرا سيسمح هنا وهناك بقراءة جديدة ، وقد أكون متفائلة .

    وغير هذه النقطة في القرآن التي نفت فكرة الخاصة الإلهية فالقرآن نفسه لابد وأن يعثر قارئه على نماذج للحوار متعددة حتى لو لم يبحث عنها ، وحوار الحضارات يمكن الإستدلال على شرعيته الإسلامية من نص من القرآن يقول

    (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (1) .

    إننا لنا أصل واحد ترجع إليه كل البشرية ، وحدث تنوع ( إثني ) وخصوصيات ثقافية وحضارية متمايزة ، هنا مجال للتعارف ، والتعارف ما هو إلا حوار الحضارات .

    ومن القيم الإسلامية في القرآن التي قد تؤمن الجدية والرشد للحوار هي قيمة التجرد ، فالمسلم مأمور ألا يتبع هواه حتى لا يحيد عن روح العدل (فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ )
    (2) ،

    وبقيمة كهذه سيكون هدف الحوار هو الوصول للحقيقة وليس إحراز مكاسب شخصية أو إعلامية على حساب الطرف الآخر من المحاورة ، مع مراعاة أن ( تشحيم الحوار) ليس هدفا في حد ذاته ، وأحيانا ما يكون الهوى هو البحث عن المشترك فقط مثلما يكون الهوى هو البحث عن التناقضات فقط ، الحوار يجب تحريره من أجواء العلاقات العامة الصرفة مثلما يجب تحريره من العُصاب .وهناك إمام من أئمة المسلمين القدامى اسمه الإمام الشافعي له كلمة تعبر عن روح متجردة وسويٍة ، ولا أظن أن هناك الكثير من البشر لديهم هذه الروح المستقيمة "ما ناظرت أحدًا قط إلا أحببت أن يوفق ويُسدَّد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ،

    وما ناظرت أحدًا إلا ولم أبال بيَّن الله الحق على لساني أو لسانه" .ومن الأوامر الإسلامية التي تساعد على إقامة حوار بنًاء هو الأمر بالدعوة إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة
    (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (3)

    وهناك آية أيضا تمنع أن تؤثر المشاعر الشخصية تجاه الآخر أو تجاه خطه الأساسي من الشطط في الحكم على أفكاره ، وهذا العدل ضروري جدا في الحوار مع الآخر فلا يتم تسفيه أفكاره لمجرد إنها أفكار الآخر ، وإنما يتم وزنها بميزان العدل بعيدا عن المشاعر (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) (4) .

    كما أن المسلم واستنادا لمفاهيم قرآنية لن يضطر لاستخدام كل الوسائل بدون انتقاء للشريفة دون غير الشريفة ولن يصاب بعصبية أو يشعر بيأس إذا لم يصل الحوار في مرحلة من مراحله لما يريد ، لأن القرآن نفسه لا يجعل نتيجة الدعوة من مسئولية النبي محمد ،وعليه لن يجعل نتيجة الدعوة أو الحوار من مسئولية المسلمين (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ) (5)

    أما أدب الحوار فلا أدل عليه من هذه الآيات التي توجه محمد – والمسلمين بالتبعية – لإدارة الحوار بطريقة في قمة الأدب مع الوثنيين ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (24) قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) ) (6) . ففي بداية الحوار يكون المؤمنون والوثنيون على مستوي واحد يتعلق بأي الفريقين على الحق ، فأحدهما على الحق والآخر على الباطل ، فإذا كنتم أيها الوثنيون تعتبرون الدعوة إلى الله وتوحيده جريمة فالله سيحاسبنا على جرائمنا ولن تسألوا أنتم على جرائمنا ، ونحن لن نسأ ل عن أعمالكم ( ولم يسمها جرائم )

    ولننظر في القرآن لتوجيه الله لموسي وهارون لما أمرهم بالذهاب لفرعون الطاغية الكافر (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) ) (7) فإذا كان القول اللين هو الوسيلة الصالحة مع مستبد فأولي بها من هم أقل استبدادا أو غير مستبدين ، مع العلم أن الله يعلم أن فرعون لن يستفيد من هذه الفرصة ، ولكنها حق فرعون .ويأمر القرآن المسلمين بمحاورة أهل الكتاب ( يهود ومسيحيين ) ليس فقط بطريقة حسنة بل بأحسن طريقة (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (8)
    والقرآن بما حواه من خبرين حواريين غير عاديين يجعل من الصعب القول بوجود معايير لمن يمكن التحاور معه إذا طلب الحوار ، الخبران الحواريان أحدهما مع طرف كامل الولاء والتبعية ، والآخر مع طرف كامل العصيان والإنشقاق ، إنهما حواران بين الله والملائكة مرة ، و بين الله وإبليس مرة

    فالملائكة كائنات نورانية مطيعة لله كل الطاعة ولم تتنجس بمعصية ، ومع ذلك دار حوار بينهم وبين الله بسب أنه قرر أن يستخلف البشر في الأرض ، وهذا نص الحوار في القرآن

    (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) ) (9)

    وقد تحاور الله مع إبليس بسبب رفض الشيطان السجود لآدم إذعانا للأمر الإلهي ، وطفحت عليه فجأة إحساس بالتفوق النوعي

    ( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ (71) َإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) ) (10)

    إذن الله كامل العلم وكامل الحكمة وكامل القدرة تحاور ولم يستنكف أن يحاور مخلوقاته الطيب المطيع منها واللعين ، فما بالنا بالبشر ؟
    ويوجد في القرآن أيضا حوارات لله مع أنبيائه كآدم ونوح وإبراهيم وموسي ، ويورد القرآن أيضا حوارات بين الأنبياء وأقوامهم ، ولفت نظري معني جميل ، تم تقريره من خلال الحوارات بين الأنبياء وأقوامهم ، فالمحاور عن الباطل إما أن يضطر للتهديد ، أو ينظر لأدلة تتعلق بالحالة الإجتماعية والمادية لأتباع النبي ( هذه الطريقة يبدو أنها لم تفقد بريقها ! ) ، أو أنه يبهت ولا يملك جوابا ، أو يسخر. . هنا حالة تهديد من قوم شعيب إلى النبي شعيب

    ( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (86) قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) ) (11)

    وكذلك حوار إبراهيم مع أبيه الذي انتهى بالتهديد
    ( َاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا إذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) (12) .

    وحوار نوح مع قومه وفيه همز بإتباعه الفقراء الضعفاء من غير السادة وانتهي أيضا بتهديد
    (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ) (13)

    وحوار بين إبراهيم والنمرود الملك انتهي بأن بُهت النمرود (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (14)

    وهنا تتبدي فطنة خليل الله إبراهيم وثباته
    أما فرعون فبدأ بالسخرية من موسي ثم ختم بالتهديد (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) ) (15)

    غير أنه هناك في القرآن ما يبدو توثيق لأقدم نظرية مؤامرة ، عندما يتهم فرعون السحرة الذين آمنوا بموسي بعد أن رأوا معجزته الخارقة والفارقة عما عرفوه من السحر ، وكان قد فشل حواريا مع موسي ، وتواعدوا على يوم للتحدي بين النبي والسحرة ، وغلبهم موسي فآمنوا ، فماذا كان رأي فرعون ؟

    (قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ) (16) ، ( قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (17)

    وكل هذه الآيات توضح لنا أن صفوة البشر وهم الأنبياء قد حاوروا أقوامهم بمنطق و بأسلوب عقلاني بعيد عن الخشونة رغم أنهم يملكون الحقيقة ، وهنا يبدو في القرآن العجز عن إدارة حوار محترم وعقلاني كعلامة على ضعف الحجة وغياب المبدأ ، وكذا الحال بالنسبة للهمز أو السخرية ، و البحث عن نظرية مؤامرة قائمة على غير شواهد منطقية ، أنها معا آيات توضح صورة طبيعية معبرة عن الصلف البشري والتناول السطحي والغباء والعصبية .
    ________________________________________
    (1) الحجرات 13 (2) النساء 135
    (3) النحل 125 (4) المائدة 8
    (5) الشورى 48 (6) سبأ 24-25
    (7) طه 43-44 (8) العنكبوت 46
    (9) البقرة 30-33 (10) ص 71- 83
    (11) هود 84-91 (12) مريم 41-46
    (13) الشعراء 105-116 (14) البقرة 258
    (15) الشعراء 23-29 (16) الشعراء 49
    (17) الأعراف 123

  3. #23

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    جزاك الله خير اخي على القصة الجميلة من اسمها وهي نفسها مشوقة

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .



    !!!

  4. #24
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الحلقة السادسة عشره


    النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم )كمحاور


    هذا الثراء الحواري في القرآن بالطبع لا يمكن تخيل محمد ( ) بعده رافضا للحوار ، نحن نعرف بداية أن الأنبياء هم شريحة خاصة من البشر يوحي إليها من الله ، وبالتالي نتخيل ابتداءا أن أوامرها وتوجيهاتها تؤخذ على الرحب والسعة ، وطاعتها فضيلة ، والحقيقة أن هذا أمر واقع في كل الأديان ، إذا ليس من المعقول أن يتم التناول مع أفكار وتوجيهات نبي كما يتم التناول مع أفكار قائد عادي .

    على أن هذا الطابع الخاص لتوجيهات النبي – أي نبي – لا يلغي فرصة محاورته ، فالأنبياء هم بشر مطالبون بتفتيح وعي البشر ، وهذا لن يتم إلا من خلال وسائل على رأسها الحوار ، هذه الكلمة السحرية التي تسمح بعرض الأفكار على الآخر ، ومن المعلوم ابتداءا إنه لا يمكن الإيمان بنبوة نبي حتى لو شاهد الناس منه خوارق إلا بعد أن يتكلم ، جهازا السمع والنطق لهما دورا أساسيا في الإيمان بالنبوة يفوق دور جهاز الإبصار الذي يلتقط المعجزات ، لا يمكن أن نقول مثلا أن المسيح آمن الناس به بدون الحاجة لسماع أفكاره ، وعرضه لقضية الإيمان وتصحيحه للمفاهيم الخاطئة . وكان يستمع بصبر للإسئلة ، وكان يستخدم بذكاء عالٍ أمثلة تقرٍب الحقائق للأذهان .

    يقول النبي محمد( ) "إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلِّم الناس على قدر عقولهم" ما وصل إلينا من حوارات ووعظ المسيح وكذلك حوارات ووعظ محمد يدلان أنهما كان لديهما سعة صدر وذكاء يسمح لهما بعرض القضايا بطريقة تناسب عقل المستمعين وتحمل مستويات مختلفة من الحوار على حسب الذكاء والخلفية الثقافية للآخر .

    ونحن طبعا لو نتخيل شابا سيذهب إلى النبي محمد( ) أو أي نبي ليطلب منه رخصة في ممارسة الزنا ، فإن أول فكرة تتبادر إلى الذهن أن هذا الشاب قد تعرض لتعنيف شديد أمام الناس على أقل تقدير ، ولكن نظرة إلى هذا الحوار
    : يا نبي الله أتأذن لي في الزنا ؟
    ( ضجة من الجمهور المعترض )
    : قربوه
    أفسحوا له واقترب بالفعل
    : أدن
    دنا الشاب حتى جلس أمامه
    : أتحبه لأمك ؟
    : لا ، جعلني الله فداك
    : كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم ، أتحبه لابنتك ؟
    : لا، جعلني الله فداك
    : كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم ، أتحبه لأختك ؟
    : لا ، جعلني الله فداك
    فوضع يده على صدره وقال ( اللهم طهٍر قلبه ، واغفر ذنبه وحصن فرجه ) ، ولم يبغض الشاب بعدها شئ قدر بغضه للزنا

    هنا واضح تماما إنه رد الشاب للعرف الإجتماعي ، وجعله يشعر بمسئوليته عن احترام حرمات الآخرين ، فهو في كل مرة سيزني ، سيؤذي ابن ، أو أب ، أو أخ أو كلهم جميعا ، ولم يقدم له الأمر الإلهي برغم إنه الأمر الإلهي هو قضيته كنبي ، ولكن حالة الشاب الدينية ، جعلته يشرح له لم هذا الشيء سيء . ثم دعا له

    محمد( ) كان يتعامل مع الإنسان الذي أمامه حسب حالته ، وحسب نصيبه من الدين ، وحسب مستوي ثقافته فبينما يتسامح مع إعرابي دخل وأخذ يبول في المسجد ، فمنع أصحابه أن يقطعوا عليه بوله ثم قال للرجل بعد أن انتهي ( إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، وإنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة وقراءة القرآن ) إننا هنا أمام رجل بدوي بسيط لم يتربي على يديه لذا صبر عليه وفهًمه ، ونجده في المقابل عندما سمع أن احد الصحابة – أي احد الكوادر التي رباها - يطيل في الصلاة بالناس دون مراعاة لظروفهم قال له بغضب ( يا معاذ أفتان أنت؟! ) .

    وقد كان النبي محاورا للكفار أيضا سواء لعرض فكرة الدين ، أو للتوصل إلى اتفاقيات ، لكن ما قد تم تسجيله لا يبدو فيه أي جدال عقائدي من طرف الكفار يتصف بالعمق ، وقد سجل القرآن ملحوظاتهم كاستغرابهم من فكرة وجود يوم البعث بعد أن يموت الناس وتتحلل أجسادهم ، ووجود جنة ونار ، واعتراضهم على أن يبعث الله بشرا مثلهم ،

    واعتقادهم بأحقية أحد العظماء من القريتين الكبيرتين بنزول الوحي عليه بدلا من محمد ، وقولهم أن الأصنام يعبدونها لتقربهم من الله ، كما أنهم أحيانا كان يحاولون إثناءه عن إكمال الدعوة بعرض المغريات عليه ، ولكنه رفض ، وفي المجمل يبدو أنه لم يكن لديهم حتى فكرة عميقة عن معتقداتهم هم ، كانوا أقرب ما يكونوا إلى الدهريين ، وكان معظم حنقهم على الدعوة مما تخيلوه من أضرار الدعوة بمركز القبيلة بين العرب ، وهم سدنة البيت ، و بلدهم عاصمة عبادة الأصنام في الجزيرة العربية ، ومن هذا كان لهم وضع تجاري وديني متميز ، لكن في كل الأحوال ما فكًر أحدهم في لقاء محمد( ) للتحدث معه إلا ووافق محمد ، ويستمع محمد لمنطق الطرف الآخر حتى ينتهي كلامه بدون أي مقاطعة ، وقد كانت له كلمة أعجبتني قالها في ظرف حساس يوحي باحتمال مواجهة بين المسلمين والكفار من القبيلة عندما ذهب بالمسلمين لأداء العمرة ، والقبيلة انتصبت لتمنعهم من أن يمارسوا شعائر العمرة إلى البيت ، وقد كان ابعد الناس من الناحية النفسية رغبة في أن تحدث مواجهة بينه وبين القبيلة ، لقد جاء لممارسة العبادة هو والمؤمنون لا أكثر ، لقد قال ( والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ) .

    وقد كان النبي محمد( ) يتحاور مع اليهود ، ويسألونه في مسائل دينية ، فمر على جماعة منهم مرة فسألوه عن الروح ، وعندما أخبرهم بآية نزلت عليه في التو مفادها أن الروح من أمر الله ، وسألوه عمن جاءه بهذا ، فقال جبريل ، فقالوا ( والله ما قاله إلا عدو لنا ) ، وقد أنكر بعض المستشرقين أن ينظر اليهود القدامى لجبريل هذه النظرة ، وشكوا في صحة ما ذكرته كتب السنة بهذا الشأن ، غير أن هناك تلميحا لهذه العداوة في اشعياء ،ولا يستبعد أن تكون تلك العداوة تسربت للثقافة الشعبية اليهودية (ولكنهم تمردوا وأحزنوا روح قدسه ، فتحول لهم عدواً وهو حاربهم ) (1)

    ونلحظ توفر مجال طبيعي من جانبهم للإستفسار منه ، وأيضا توفر مجال واسع للتعبير عن رأيهم في ملاك الرب ، والصورة توحي بقبول محمد( ) للحوار وتحمله لمستوي عالٍ من الصراحة في التعبير عن الأفكار ، رغم أن القرآن رفض التعريض بجبريل (قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) (2) ، وكذلك المسيح رفض ذلك (و من قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له و أما من قال على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العالم و لا في الآتي ) (3) فهو روح الله الحي جبرائيل كما في رسالة بولس الثانية إلى أهـل كورنثوس
    ومثلما كان يحدث مع المسيح من عرض أسئلة عليه لاختبار علمه وإيمانه من قٍبل اليهود تعرض النبي محمد ( ) لذلك أيضا . وهذا من وجهة نظري من المفترض أنه يمثل في حد ذاته تربية عظيمة لأتباع الأديان ، أننا أمام قيادتين دينيتين كبيرتين تبعهما مليارات من البشر خلال القرون السابقة تعرضتا لأسئلة دينية وأجابتا عنها واستمعتا لتعليقات تثني على الإجابة أو ترفضها ، هذا والله لا نستطيعه نحن معظم البشر العاديين في أعرافنا عندما نكون إزاء ما نعتقد أنه ليس له حق تقييمنا .

    وقد حاور علماء مسيحيين أيضا جاءوه من نجران وصلوا في مسجده ، واستمع لوجهة نظرهم فترة طويلة عن إن المسيح هو الله وليس مجرد نبي عظيم ، وليس المهم هو هل أدي هذا الحوار لنتيجة من ناحية تبديل العقائد ، لم يحدث هذا ، ولكنه يحدد لنا أن للآخر حق التحاور مع المسلمين ، وان للمسلمين حق التحاور مع الآخرين ، وحق تبادل الأفكار ، هذا الحوار لم يغير عقائد ولكنه أدى لتوثيق الحقوق والواجبات ، إننا نتكلم عن مشهد عجيب ، حوالي ستين مسيحي يصلون صلاتهم في مسجد النبي محمد( ) ويحاورونه هناك !.
    ________________________________________
    (1) اشعياء 63: 10 (2) البقرة 97
    ‏ (3) متى 12 : 32

  5. #25
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الحلقة السابعة عشره


    محمد( صلى الله عليه وسلم ) والآخر


    [align=right]مما لاشك فيه أن محمدا ( )عندما بدأ الدعوة كان يتعامل مع آخر مختلف تماما ، فلقد وُلد ونما ووصل إلى سن النضج وسط قوم وثنيين ، في هذه الحالة التي تقوم على التناقض الواسع بين النبي والقوم الذي بُعث اليهم ، لن يكون هناك فرصة للنجاح إلا باتصاف النبي بالصبر والأناة والقدرة على مخاطبة الناس على قدر عقولهم ، ولين الجانب والذوق الرفيع ، وكلها صفات أشار إليها القرآن كمؤهلات لمحمد( )

    ولم يظهر كل الأنبياء في بيئات معاكسة لمفاهيمهم تماما ، فقد كان أنبياء بني إسرائيل يظهرون في قوم لديهم الكتاب ويعرفون الله ، ويعرفون الوصايا الموسوية العشر
    إن اللاتسامح يُولد في بيئة بها درجة عالية من المتفق عليه وليس كما يعتقد البعض ، حينما يستخدم الفرقاء مصطلحات واحدة ومفاهيم واحدة ولكن بتأويلات وفلسفات مختلفة ، فينشا التعصب نتيجة التنازع على الميراث الفكري الواحد ، والأمثلة كثيرة
    وحتى من الملاحظ في سيرة محمد هو انه لا يبخس الكافر حقه في أن يوصف بصفة حميدة فيه كالشجاعة أو الكرم أو الحلم أو اللين ، ومن المعروف أن المتعصب لا يمتلك غالبا هذه القدرة على التفريق بين شعوره الشخصي وتقيمه للناس .

    والأمر الآخر الهام هو أن محمد( ) كان يري الكل ويهتم بالكل بصرف النظر عن عرقهم ودينهم ، فالعقيدة الإسلامية في محمد( ) انه مبعوث للناس أجمعين بلا استثناء ، ولذا كان أي شخص بالنسبة له هو مسلم ( محتمل ) ، إلا أن يظهر الشخص عداوة واضحة للدين والدعوة تقطع بأنه ميئوس منه ، وكونه للكل لم يجعل له هذا آخر ثابت ، وجعله هذا غير ممتنع عن أحد يفكر في التعرف على ماهية هذا الدين سواء كان ابيضا او اسودا ، غنيا أم فقيرا ، شيخا فانيا أم بطلا واعدا ، ملحدا أم راهبا مسيحيا أتاه من اليمن ليتعرف على الدين عن كثب ، لذا لم يكن لديه خبز محجوز للبنين فقط ، فالكل بنين ، وهذا التوسع واللا حصرية لن يناسبا نبيا مرسلا لقوم معينين.

    وبخلاف هذا الإتساع في الرؤية الذي أعطته إياه طبيعة رسالته وطبيعة قومه ، إلا أنه أيضا كان يتعامل مع غير المسلمين في أمور تتصف بالجدية وذات خطر عالٍ كالإتفاقيات ، بل أنه استأجر مشرك كدليل لرحلته من مكة إلى المدينة ، وهذا إقرار منه بإمكانية الثقة في غير المسلم والتعامل معه في أمور ذات خطر عالٍ ، وهذا مثل لا يمكن إعطاؤه وزنه الحقيقي إلا بوضعه مقارنا بصيغ أخرى في التعامل مع الآخر ، تجعل من الآخر مجرد حيوان أو روح شيطاني غير جدير ليس بالثقة ولكن حتى بالنجدة .

    القرآن لا يمنع المسلمين من التعامل مع المسالمين من غير المسلمين بالبر والعدل

    (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) ( 1) ويؤكد الإختلاف كسنة من سنن الله في الإجتماع الإنساني

    (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) (2)

    وقد كان محمد( ) يعيش في المدينة وهو حاكم لها مع ( آخر ) هم اليهود ، وكان يتزاور معهم ويزور مرضاهم ، ويحضر ولائمهم ، ويقوم إذا مرت جنازة يهودي ، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي ، بل أن محمدا( ) كان له زوجة من أصل يهودي ، هي صفية وهي من نسل هارون ، وقد غارت زوجتاه عائشة وحفصة من جمالها ، فكانت عائشة تفخر عليها وتقول : أنا بنت الصديق ( أول خليفة فيما بعد ) ، وحفصة تقول : أنا بنت الفاروق
    ( ثاني خليفة فيما بعد ) ، فاشتكت صفية للنبي محمد فقال لها ( قولي لهما أنا أبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد ، فأيتكن مثلي ؟ ) ، وأنبهما فيها

    وكما سجل التاريخ يهود اقتربوا من محمد( ) واحترموه وبقوا على دينهم سجل أيضا أسماء لعلماء يهود احبوه وآمنوا به مثل عبد الله بن سلام ، وسجل اسم رجل استشهد في حرب من الحروب مع جيش محمد بل وترك ميراثه له يفعل به ما يشاء ، حتى قال عنه محمد( ) ( مخيريق خير يهود ) ، ولم يبخسه وهو يراه فذا من الناحية الأخلاقية نسبه للشعب اليهودي ، هذه هي البدايات الصحية منطلقة من بيئة المدينة ، لذا يسجل التاريخ أسماء عدد ممن استوزروا من اليهود والمسيحيين في عصور مختلفة من الدولة الإسلامية ولم يكن هناك ثقافة تسامح لدي الأوطان والممالك الأخرى لإستوزار مخالف في الدين ، بل هناك دول من الصعوبة فيها وصول مسلم للبرلمان رغم أنها دول متمدينة وعلمانية ، ولا يمكن تفسير استعمال الخلفاء المسلمين لوزراء يهود ومسيحيين على أنه ناتج عن ثقافة منقطعة الصلة بتعاليم محمد( ) أو بتعاليم القرآن ، ومحمد( ) لما ضيق المشركون الخناق على المسلمين أمر بعضهم بالهجرة للحبشة التي كان يحكمها حاكم مسيحي وقال لهم ( لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فان بها ملكا لا يظلم عنده أحد) بل نعجب من سماحته إذا عرفنا أن القبيلة التي كانت تحارب محمد قبيلته قريش قد مرت بها فترة قحط ، فبعث أموالا وُزعت على فقراءها ! .

    لقد كان هناك سماحة لا يمكن إنكارها في التعامل مع اليهود والمسيحيين في العصور الإسلامية الذهبية ، وعندما تتوفر السماحة بين ثقافتين ، ففتش دائما عن الدولة أو الحضارة الأقوى باعتبارها المسئول الأول عن السماحة والتعامل الجدي اللبق ، وفتش عنها عندما يكون هناك تربص وكراهية متبادلة وتنظير للصراع الحضاري ، وقد كان هناك معاملات راقية بين العباسيين ودول أوروبا ، ولما فتح المسلمون الأندلس أقاموا علاقات مؤسسة على حسن الجوار مع بريطانيا وألمانيا .

    بعث جورج الثاني ملك إنجلترا والنرويج والسويد برسالة إلى السلطان هشام الثالث في الأندلس، جاء فيها:
    ( إلى صاحب العظمة / خليفة المسلمين / هشام الثالث الجليل المقام ....
    من جورج الثاني ملك إنجلترا والنرويج والسويد ...
    بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل... لتكون بداية حسنة لاقتفاء أثركم، لنشر العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة.
    وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة (دوبانت) على رأس بعثة من بنات الأشراف الإنجليز، لتتشرف بلثم أهداب العرش، والتماس العطف، وتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وفي حماية الحاشية الكريمة..
    وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص.
    من خادمكم المطيع
    جورج الثاني ) .

    ورد عليه الخليفة هشام برد جاء فيه بعد الشكر ( ..... لقد أطلعت على التماسكم فوافقت بعد استشارة من يعنيهم الأمر على طلبكم ، وعليه فإننا نعلمكم بأنه سيتفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين ، دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي ) (1)
    بل إن الذوق وحسن الجواب لم يكونا مفتقدين حتى في أجواء الصراع الدامي الذي أشعلته أوروبا باسم المسيح ، فقد بعث ريتشارد قلب الأسد رسالة إلى صلاح الدين الأيوبي

    (من ريكاردوس قلب الأسد ملك الإنجليز إلى صلاح الدين الأيوبي ملك العرب
    أيها المَولَى..حامل خطابي هذا بطل باسل صنديد، لاقى أبطالكم في ميادين الوغى، وأبلى في القتال البلاء الحسن، وقد وقعت أخته أسيرة، فقد كانت تدعى (ماري) وصار اسمها (ثريا).
    وإن لملك الإنجليز رجاء يتقدم به إلى ملك العرب وهو: إما أن تُعيدوا إلى الأخ أخته، وإما أن تحتفظوا به أسيراً معها، لا تفرِّقوا بينهما ولا تحكموا على عصفور أن يعيش بعيداً عن أليفه.

    وفيما أنا بانتظار قراركم بهذا الشأن، أذكِّركم بقول الخليفة عمر بن الخطاب ـ وقد سمعته من صديقي الأمير حارث ـ وهو: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ ".
    فأرسل صلاح الدين برد إلى ريكاردوس
    ( من السلطان صلاح الدين الأيوبي إلى ريكاردوس ملك الإنجليز
    أيها الملك: صافحتُ البطل الباسل الذي أوفدتموه رسولاً إليّ، فليحمل إليكم المصافحة مما عرف قدركم في ميادين الكفاح. وإني لأحب أن تعلموا بأنني لم أحتفظ بالأخ أسيراً مع أخته؛ لأننا لا نُبقي في بيوتنا سوى أسلاب المعارك، لقد أعدنا للأخ أخته. وإذا ما عمل صلاح الدين بقول عمر بن الخطاب، فلكي يعمل ريكاردوس بقولٍ عندكم: " أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله". فرُدَّ أيها الملك الأرضَ التي اغتصبتها إلى أصحابها، عملا بوصية السيد المسيح عليه السلام ) (2)
    وهناك أمثلة كثيرة تعرفنا كيف كان محمد( ) يرى الآخر ، وكيف ربى المسلمين على التعامل معه باعتدال .
    ________________________________________
    (1) الممتحنة 8 (2) هود 118
    (3) جون داونبورت العرب عنصر السيادة في القرون الوسطي
    (4) نادر العطار تاريخ سوريا في العصور الحديثة [/align]

  6. #26
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو فيــصل مشاهدة المشاركة
    بسم الله الرحمن الرحيم

    جزاك الله خير اخي على القصة الجميلة من اسمها وهي نفسها مشوقة

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
    ولك مني أخي أبو فيصل ألف شكر وتحية على اهتمامك بنصي

    وعساك من عوَّاده

  7. #27
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الحلقة الثا منة عشره

    اعتدال محمد(صلى الله عليه وسلم )


    لقد راسل النبي محمد( ) حكام مصر والروم وفارس والحبشة وغيرهم بخصوص الدعوة للدين الجديد ، وكانت رسائل ذات لهجة معتدلة ذات طابع دعوي ملتزم ومقتصر ، وكان يبحث عن المشترك لما أرسل رسائله لحكام مسيحيين ، لقد كان يبدأ دائما بحسن الظن بالقوى المسيحية ، على أساس أنهم أهل كتاب يعبدون الله ، وكان يكتب لهم آية تقول (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ ) (1) ، ولم يبادر محمد( ) بعداوة أي دولة من الدول التي راسلها .

    لقد استفاد محمد ( )من الهدنة التي عقدها مع أهل مكة في مراسلة الملوك ، إنه لم يركن للراحة أو يكتفي بمجهوده الدعوي داخل الجزيرة ، يمتلك طاقة جبارة بلا شك ! ، ولا يلتفت لكون هذه الرسائل قد تمثل لعبا في أعشاش دبابير رهيبة حول الجزيرة ، وهو سلوك يدعو للتأمل ولا يصح المرور عليه مرور الكرام ، على كلٍ يبدو له أي (آخر ) كأنه مسلم محتمل ، ويبدو له أيضا - من خلال معرفتنا انه راسل ليدعو ، ومعرفتنا الذين راسلهم – أن تبعات الإمتناع عن دعوة الملوك ( أي عدم القيام بالتكليف الإلهي ) تبدو له أخطر من تبعات دعوتهم التي قد تمثل استفزازا ، كما حدث مع كسرى الذي مزق الرسالة ، والذي أرسل لحاكم اليمن ( باذان) ليرسل له محمد( ) ليؤدبه على تجرؤه على كسرى بإرسال رسالة يدعوه فيها لإتباعه ( أي أن الأمر كان ينطوي على مخاطرة فعلية ضخمة ) ، وقد عاد من ناحية أخرى رسول محمد لكسرى واخبره بتمزيقه للرسالة فدعا عليه محمد( ) أن يمزق الله ملكه ،

    وأرسل باذان رجلين لضبط وإحضار محمد ، ووصلا إليه وأبلغاه الأمر فقال لهما محمد( ) ( اذهبا إلى صاحبكما ( يقصد حاكم اليمن ) فقولا: إن ربي قد قتل ربك الليلة ) ، ولما عادا إلى باذان بما قاله محمد وهي النبوءة بمقتل كسرى ، تريث باذان وقال فلننتظر لعله نبي ،وأخيرا جاءته الرسائل من فارس تثبت قتل كسرى في نفس الليلة التي تكلم عنها محمد( ) فأسلم حاكم اليمن والكثير من الشعوب العربية التابعة لفارس بسبب انتشار خبر إسلام باذان ومعرفة محمد بمقتل كسري في نفس الليلة ( عليُ أن لا أفكر في الحمام الزاجل ) .

    ونلحظ أيضا ذكاء وفصاحة وشجاعة من أرسلهم محمد( ) لحمل الرسائل ، وكانوا جاهزين لتقديم أية إيضاحات يطلبها الحاكم ، لذا كان اقتضاب الرسائل من ذكاء وحكمة محمد أيضا ، فهي مهذبة من جهة وخالية من اي تلطف مبالغ فيه في محاولة الإقناع ، فإذا ما بدا من الحاكم أدنى استعداد للإستماع سيكمل حامل الرسالة المهمة باقتدار ، وإذا لم يبد الحاكم ذلك لم تكن الرسائل بلطفها الزائد مما يحرج صاحبها -وهو نبي- بعد غلظة الرد أو اللامبالاة من حاكم ، وقد كان محمد( ) شديد التواضع مع البسطاء والفقراء ، إلا أن شدة التواضع مع الحكام هو سلوك العامة الذي اعتادت عليه الحكام ولا يلفت الإنتباه . ها هو ( حاطب ) يقول لحاكم مصر من ضمن ما قال ( لعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد ، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك اهل التوراة إلى الإنجيل ، فكل نبي أدرك قوما فهم أمته ، فالحق عليهم أن يطيعوه ، وأنت ممن أدركه هذا النبي ، ولسنا ننهاك عن دين المسيح ، ولكنا نأمرك به )

    وكان من رد المقوقس حاكم مصر ( إني قد نظرت في أمر هذا النبي ، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ، ولا ينهي عن مرغوب فيه ، ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكذاب ، ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى وسأنظر ) . ولا يُفهم من رسائل محمد( ) للحكام أنها فقط لهم هم ، فقد كان الناس في ذلك الزمن يتبعون دين الحكام ، كما أن محمدا يعرف جيدا أن رسائله سيصل أمرها إلى خاصة الحكام والمتنفذين ورجال الدين والنبلاء ، أي أنه يثير جدلا ، ويرمي حجرا في الماء الراكد ، كما أن محمدا( ) لم يكن يريد لدينه أن ينتصب على بحر من الدماء لذا كان يبدأ بأيسر الطرق وأقلها كلفة ، وهي مخاطبة الحكام ، ويكفي أن نعلم أن محمدا( ) الذي اعتبره البعض تهكما
    ( مارس) اله الحرب ، قد يسط نفوذه ونشر دينه وأزال الأصنام في أنحاء الجزيرة العربية بعد حروب قُتل فيها من المسلمين 259 ومن أعداء محمد 759 (2) ، وهو ثمن يسير إذا ما قورن بالنتيجة ، وبما فعله هذا الدين في تحضير العالم بعد نجاحه في إقليمه الأول
    ( الجزيرة العربية ) ، وإذا ما قورن على حياء بقتلي الصراع العقدي المسيحي - المسيحي والذي لم يكن له نتيجة إذ ظلت بعده الإنقسامات والأفكار كما هي وما زاد إلا الجراحات والأحقاد .

    إن البعض يسقط تجاربه شديدة السواد على العالم الإسلامي ، والإسقاط حيلة من حيل المجتمعات مثلما أنه حيلة من حيل الأفراد ، لا يروق للكثيرين دراسة تاريخ الأديان ، كل ما يحتاجونه القليل من المعرفة ، والمشكلة تكمن فيمن هو المتصدي لإنتاجها ، نعم ظهرت في العالم شرائح متمدينة ومتحضرة ، تؤمن بالحوار كوسيلة للتعايش ، وهذه الشرائح لا تنطلق من منطلقات دينية ولكنها تمتلك رؤية محترمة للوجود الإنساني ، ولأنها غير معنية بالبحث في جوهر رسالات الأديان ، وصنعت من الضمير والمدنية شبه دين جديد ، فإنها قد التقطت وعلى مدي طويل صورا شوهاء عن نبي المسلمين وعن نظرة المسلمين تجاه الآخر ، هناك تشويه منهجي متعمد بلا شك .

    وتحميل النبي محمد( ) أخطاء المسلمين غير مقبول مثلما أن تحميل المسيح أخطاء المسيحيين غير مقبول أيضا ، وتحميل موسى أخطاء اليهود أيضا غير مقبول ، ونحن نعيش في عالم واسع لا ينحصر في أتباع الديانات السماوية الثلاث، ومن عجب ان يكون التربص بين أتباعها لا نظير له في التعامل مع أتباع الديانات الأخرى ، ومن عجب أن لا يشعر مسيحي بأي نفور من أي شخص في العالم يدين بأي دين أو لا يدين بأي دين ولكن قد يشعر بهذا الشعور تجاه مسلم فقط لأنه مسلم – ليس معظم المسيحيين يفكرون بهذه الطريقة بالطبع – ومن المفارقات أنه حول العالم يوجد مسيحيون لا يؤمنون بأن المسيح وُلد من عذراء ، بينما لا يوجد هذا في الأوساط الإسلامية ، حيث يعتبر من يعتقد هذا الإعتقاد ( كافر ) ، بل أن هناك من المسيحيين من لا يؤمن بأن المسيح هو الله ، ويكاد يلامس الطرح الإسلامي ، ومع ذلك فهو يعتقد أن المسلمين يكرهون المسيح ، وما هو مصدرك ؟ مجرد انطباع . وماذا أيضا ؟ ومحمد إرهابي لأن أتباعه يقتلون المدنيين .. وماذا عن أتباع المسيح الذين يقتلون المدنيين باسم المسيح ؟ لم أفكر في الأمر بهذه الطريقة ولكني اكره القتل والحروب عموما

    هذا شيء مما يدور في الواقع . نعم هناك جهات مسيحية ترعى وتبارك اشد أنواع العمليات فتكا بالمدن ، ولكن هناك شرفاء كثيرين في العالم المسيحي ورجال دين يرفضون هذا الجنون المتستر بالدين ، ونجدنا أمام مفارقة أخري ، وهي أنه من السهل جدا أن يطلق على محمد إرهابي لأن هناك فصائل إسلامية إرهابية ، ولكن من هو المسلم الذي يعيش في مجتمعه الإسلامي الذي يملك الجرأة لأن يصف المسيح بالإرهابي لأن هناك جيوشا تتحرك على ادعاء أنها مسيُرة ببركة المسيح ؟ هذا لم يحدث أبدا . والوضع وصل إلى درجة من السوء بحيث أصبح من الضروري تثقيف أجيال جديدة على التحشم في طريقة تناول رموز الآخرين الدينية ، وهي ليست كثيرة جدا حول العالم بحيث ندعى أن هذا محبط جدا لمن لا يريدون أي حدود لحرية التعبير .
    ________________________________________
    (1) آل عمران 64 (2) ابو الحسن الندوي ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

  8. #28
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الحلقة التاسعة عشره


    وثيقة المدينة



    من الجيد أن نعتبر القرآن وثيقة تبين أسس التعامل مع الآخر المختلف في العقيدة بالنسبة للنبي محمد( صلى الله عليه وسلم ) ، ومن الجيد أيضا لو استعنا بأي وثيقة صدرت من محمد(صلى الله عليه وسلم ) تبين لنا مبادئه في هذا الموضوع البالغ الأهمية ، ومن حسن الحظ أن هذا متاح

    فقد وضع محمد( ) وثيقة تسمي وثيقة المدينة لتنظم العلاقات في المجتمع الإسلامي الجديد الذي يضم المسلمين من أهل المدينة والمسلمين من قبيلة محمد( ) الذي هاجروا مثله ، وكذلك اليهود ، وفي هذه الوثيقة نجد
    ( كتاب من محمد النبي رسول الله، بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم؛
    -أنهم أمة من دون الناس؛

    - و أن المؤمنين المتقين على من بغي منهم ، وأن أيديهم عليه جميعا ولو ولد أحدهم
    -وأن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم.
    -وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن.
    -وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
    -وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم: مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم.
    -وأن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف.
    -وأن لبني الشُطَيْبة مثل ما ليهود بني عوف. وأن البر دون الإثم.
    -وأن موالي ثعلبة كأنفسهم.
    - وأن بطانة يهود كأنفسهم

    - وانه لا ينحجر على ثأر جرح ( معالجة الثارات بدلا من كتمانها حتى يتم الفوز بها أي معالجة أسباب الفتنة والاقتتال الداخلي )
    - وان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم
    - وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه ( أي أن القيادات المدنية التي ستلتزم بهذه الوثيقة إذا دعت لعقد صلح مع الخصوم كان على أعضاء جماعتهم أن يوافقوا على هذا الصلح
    - وإنهم إذا ما دعو إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب الدين ( تلتزم جماعة المؤمنين بصلح قد دعي له أعداء الجماعة
    - وأن يهود الأوس ، مواليهم وأنفسهم ، على ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة
    - لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم ) (1)

    هذه بنود من وثيقة المدينة التي تكونت من 69 مادة ، عني فيها النبي محمد( ) بإبراز اسم كل جالية يهودية على حدة مهما صغر شأنها من ناحية القوة والعدد والمكانة ، وحرص على وضع وثيقة ذات نَفَس قانوني لا يمكن إنكاره ، كما أنها شديدة الواقعية وتعمل حساب لعدم جر أهل هذه الوثيقة للدفاع عن الظلم . تفصيل محمد( ) بنود لكل جماعة يهودية على حدة دون التوقف عند الجماعات الأكبر ذات النفوذ المالي والتجاري والصناعي يعبر عن إدراك واعِ واحترام لفسيفساء المجتمع ، وأقرت الصحيفة مبدأ الدفاع المشترك والنصح والبر بين أهل هذه الصحيفة جميعا وأعطتهم حق كامل للمواطنة شمل كل قبائل اليهود وتقرر لهم حقوقهم ولتابعيهم مثلهم وتساويهم بجماعة المسلمين مساواة واضحة .

    يمكن القول أن محمدا( ) لو كان إقصائيا متعصبا لما تردد في إجلاء اليهود بعد تدشين الدولة مباشرة ، فقد كان عدد أتباعه أكثر كثيرا من اليهود ، وهم عرب من أهل الجزيرة التي كانت ملجأ آمنا لهم بعد أن شتتتهم قوي متعددة على مر قرون ومنها الرومان والمسيحيون ، كان العرب أهل البلد وفي حالة طاعة كاملة لمحمد ( ) ولن يترددوا في تنفيذ أوامره بإجلاء اليهود ، ولكنه لم يفعل ، ويقول Muir في كتابه حياة محمد ( كان النبي محمد منذ دخوله المدينة يرغب في أن يعقد وإياهم اتحادا متينا ) (2)

    و أنا اعتقد أنه كان يطمح أيضا – وهذا من حقه بل واجبه كنبي – أن يتحول اليهود أو جماعات منهم بطريقة سلسة للإسلام نتيجة لمباشرتهم مشروع مدينة فاضلة لله فيها – وهم موحدون – الكلمة العليا ، ولمتابعتهم لتعاليم جديدة لكنها تأكيد للتعاليم السماوية الأساسية ووصايا موسي ، ويبدو من سياق الأحداث أنه في بدايات هذه الدولة أن اليهود قبلوا محمدا( ) لما تميز به من جدية وروح قيادية واستقامة وعدم محاباة وعدم حضوره للمدينة بذاكرة مسمومة تجاه الجنس اليهودي ، وربما لأنهم رأوا أمامهم نبيا موحٍدا ، هو ارقي فكرا وعقيدة من العرب الوثنيين ، لذا فهذا يكفي لتسلل شعور ما بأنه ( واعد ) وربما يتهوًد ، ويتزعمهم لإنشاء دولة يهودية في جزيرة العرب توقف تهديد المسيحية التي أجلتهم (3) ، لكن نستطيع أن نقول أن الظاهر على السطح أنهم تبادلوا في الأيام الأولي درجة معقولة من التقدير

    ________________________________________
    (1) سيرة ابن هشام & محمد حميد الله الوثائق السياسية (2) د حسين هيكل حياة محمد
    (3) Muir The life of Mohammed

  9. #29
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الحلقة العشرون


    كتاب محمد (صلى الله عليه وسلم )

    لنصارى نجران

    إن وفد مسيحيي نجران المكون من حوالي 60 رجلا من الرؤساء والعلماء قد أتوا لمحمد وناظروه في المسجد وصلوا في مسجده و هذا في وقت قد استقرت فيه دولته وسادت في الجزيرة العربية ، وكان من ضمن ما حدث أن تجادل اليهود من سكان المدينة مع ضيوف المدينة من المسيحيين ، وهذا كان امتدادا طبيعيا لمشاحنات طويلة بين أهل الديانتين ، ولكن الجديد هو أن تنفجر في حضرة نبي جديد برسالة جديدة وفي مسجده ، و لم تكن الجزيرة العربية المسرح المناسب لهذا النوع من الخلاف ، وكان الإختلاف بين الفريقين عن ديانة إبراهيم ، هل هو يهودي أو نصراني فنزل القرآن على محمد( ) ، يستنكر المحاجة في دين إبراهيم وقد نزلت التوراة والإنجيل من بعده ، فقال رجل من أحبار اليهود ظنا منه أن محمدا بنفي قرآنه ليهودية إبراهيم ونصرانيته وإثباته أن إبراهيم كان على نفس العقيدة التي ينشرها هو بذلك يطلب أن يُعبد ، أو لعله أراد أن يلمز الفريق الآخر المسيحي فقال لمحمد( ) : أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم ؟ فقال رجل من نصارى نجران : أو ذلك تريد يا محمد وإليه تدعونا ؟ فقال : معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غيره ما بذلك بعثني ولا أمرني .

    وأفهمهم أن دين الله وهو الدين الذين كان عليه إبراهيم والأنبياء هو التوحيد ونفي الربوبية عن الملائكة والأنبياء لذا يصح أن يقال عن إبراهيم أنه كان حنيفا مسلما ، حيث تعني الحنيفية الإستقامة وميل النفس تجاه الله وأوامره وللعمل الصالح ، والمعني الإجمالي حسب ما استطيع هو عبادة الله وحده بدون شريك ، وبدون واسطة من رجل دين ، وعمل الأعمال الصالحة .

    وسألوه عن قوله في المسيح فنزل القرآن بعد جدال طويل
    ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) ) (1)
    وعرض عليهم المباهلة ، وتخوفوا منها ، على اعتبار أنه قد يكون نبيا حقا فتصيبهم وأهلهم كارثة ، ثم كتب لهم كتابا منه هذا

    (( ولنجران وحاشيتها جِوَارُ الله وذمة محمد النَّبيّ على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبعيهم, وأنْ لا يُغيِّروا مما كانوا عليه, ولا يغَّير حق من حقوقهم ولا ملتهم, ولا يَغَّيروا أسقُفٌ عن أسقفيته ولا راهب من رهبانيته, ولا واقهاً عن وقيهاه(4) وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير, وليس عليهم دنيَّة ولا دم جاهلية, ولا يُحْشُرُوْنَ, ولا يُعْشرون, ولا يَطأُ أرضهم جيش, ومَنْ سَأَلَ منهم حَقَّاً فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين, ومن أكل رباً من ذي قبل فذمتي منه بريئة, ولا يؤخذ رجل منهم بظلم آخر, وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمةُ محمد النَّبيّ رَسُول اللهِ حَتَّى يأتي الله بأمره, ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلمٍ )) (2)
    ثم لما جاءه أسقف نجران ليشاهده ويتعرف عليه كتب له هذا الكتاب ليأخذه معه وقت رحيله ليكون عهدا بين الدولة الإسلامية ونصارى نجران بعده

    ( بسم الله الرحمن الرحيم, من محمدٍٍ النَّبيِّ إلى الأسقفِ أبي الحارث وأساقفة نجران, وكهنتهم, ورهبانهم, وأهل بِيعِهم, ورقيقِهم, وملتهم وسوقتِهم, وعلى كل ما تحت أيديهم من قليلٍ وكثيرٍ جوار الله ورسوله لا يُغير أسقف من أسقفته, ولا راهب من رهبانيته, ولا كاهن من كهانته, ولا يغير حقٌّ من حقوقِهم, ولا سلطانهم, ولا مما كانوا عليه. على ذلك جوارُ اللهِ ورسولِهِ أبداً ما نَصَحُوا وأصلحُوا عليهم غير مثقلين بظالم ولا ظالمين) (3)
    وهذا هو عقد الذمة الأول في تاريخ الإسلام ، وهو يعني عقد لحماية أصحاب الديانات السماوية الأخرى من أن يتم التعرض لهم في مجتمع ذي غالبية مسلمة تعرضا ينقص من حقوقهم المدنية أو الدينية ، وهو شيء متوقع وقاعدة في ذلك العصر في أي مجتمع ، لذا كانت الذمة تعتبر عهد ديني من النبي بمباركة الله لحماية الأقليات الدينية ، في وسط مجتمعات – وأعني بها كل المجتمعات البشرية – لم تصل لدرجة من الوعي بحيث تنصف الآخر المخالف في الدين بدون أي يكون هناك عهد ما غليظ يحفظ ذلك ، وهو في نفس الوقت عقد يجعل المختلفين في العقيدة جزءا من سياج الأمة الذي لا تؤتي منه .

    هذه خطبة المسيحي العربي يوسف نعيي عرافة في ذكرى المولد النبوي عام 1346هـ 1927 م متطرقا إلى معاهدة الرسول مع أصحاب الديانات الأخرى ، لاسيما المسيحيين منهم
    (( إن محمداً هو باني أساس المحبة والإخاء بيننا ، فقد كان يحب المسيحيين ويحميهم ، من ذلك ما قام به في السنة السادسة بعد الهجرة ، حيث عاهد الرهبان خاصة والمسيحيين عامة ، على أن يدفع عنهم الأذى ، ويحمي كنائسهم وعلى أن لا يتعدى على أحد من أساقفتهم ولا يجبر أحداً على ترك دينه ، وان يمدوا بالمساعدة لإصلاح دينهم وأديرتهم ، كما أن القرآن نطق بمحبة المسيحيين للمسلمين وبمودتهم لهم ، وإن الآية الشريفة :  و لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون  ، لتبعث على شد أواصر الصداقة بين الطرفين ، بل حتى مع الشعب الإسرائيلي في أكثر الأوقات ، إننا لنعلم أن ما أتى به الرسل موسى وعيسى ومحمد ما هو إلا لإصلاح العالم لا لإفساده وخرابه ، وما الكتب الثلاثة المنزلة إلا نور صادر من بؤرة واحدة ينعكس نورها في ثلاثة أشعة ، كل منها للبشر)) (4) .

    يقول وليام بيكر منبها إلى حسن تعامل الرسول مع المسيحيين ( وتشهد وقائع التاريخ أن المسيحيين لم يكونوا مضطهدين في تعاملهم مع المسلمين زمن حياة النبي محمد ، فلقد سمح لوفد مسيحي من نجران ان يبقى ويصلي في مسجد المدينة ، ونصح النبي محمد المسلمين الأوائل أن يهاجروا إلى بلاد الحبشة التي كانت يومئذ نصرانية لكي ينعموا بعدل الملك المسيحي ، ومحمد هو الذي حرر من الأسر إبنة حاتم زعيم قبيلة طي المسيحية ) (5)

    ________________________________________
    (1) آل عمران 59-61 (2) ابن سعد طبقات
    (3) ابن هشام سيرة (4) خطبة منسوخة
    (5) وليام بيكر المشترك أكثر مما تعتقد

  10. #30
    عضو شرف فخري
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    111
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الحلقة الحادية والعشرون


    المَشـتَرَك
    إن من أقوي الأدلة على احترام الإسلام للديانتين السماويتين بجانب الآيات القرآنية التي تتكلم عن الديانتين وأنبيائهما ليست تلك المعاهدات التي كان اليهود او المسيحيين طرفا فيها – رغم أنها أدلة قوية أيضا ويؤكد التاريخ ان النبي محمد( ) وفىّ بما التزم به ولم يبادر هو بخرق أي اتفاقية – إلا أن هناك دليلا أقوى ، إنه هذا الشعور لدي جماعة المؤمنين الأولي التي لم يكن العالم الواسع يدري بها ولا بما تتعرض له من اضطهادات في مكة ، شعورها بأن هناك رابطة اخري واسعة تربطها بالمؤمنين بالله الخالق الأعظم ، يحزنون لحزنهم ويفرحون لفرحهم ، رغم انه لا توجد أي علاقة سفارية أو ما دون السفارية ، لا وجد أي شيء ، ففي هذه الفترة المكية انهزم الروم المسيحيون أمام الفرس هزيمة نكراء ، وكان من الطبيعي أن ينعكس هذا الصراع العالمي الرهيب على ساحة الصراع الضيقة المحلية وقتئذ في وادي مكة ، فقد فرح المشركون بانتصار الفرس على الروم فرحا عقائديا وأغاظوا به المسلمين الذين حزنوا لهزيمة الروم التي كانت تمثل بالنسبة لهم القوة المؤمنة في الصراع ، فينزل القرآن مبشرا بانتصار الروم على الفرس في بضع سنوات (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) (1)

    وبما انني في مقاربة تعني بمحيط الرسالة حيث لن أتوقف هنا عند كون البشري قد وقعت تماما في المدة التي حددها القرآن ، بضع سنين ، وهو تعبير يعني في حدود التسع سنوات ، أقول إن هذا الشعور يمكن بناءا عليه قراءة مواثيق محمد( ) مع اليهود والمسحيين ليس باعتبارها فقط مواثيق تقتضيها الضرورة المدنية والسياسية لدولة ناشئة بل باعتبارها تأكيدا شرعيا على تصنيف اليهود والمسيحيين بل والصابئة أيضا أي كل من يؤمن بالله وبالحساب على أساس أنهم آخر ، ولكنه آخر موصول وقريب من الجماعة المؤمنة بصلة ما غير العيش المشترك – وهو هام – بل ايضا بوجود حد ادني من الإتفاق في مسائل إيمانية تستدعي معاملة خاصة .

    لقد عبرت الآيات عن عاطفة صادقة من جانب المسلمين تجاه فصيل مؤمن بالله صاحب وزن دولي كبير وهم الروم ، وعندما أسس محمد( ) دولته سعي لترجمة هذه العاطفة إلى مواثيق تؤسس لثقة واعتراف واحترام متبادل ، وقد كان المسيحيون أكثر توفيقا في إثبات حسن النوايا تجاه الدين الجديد ، على الأقل في فترة التأسيس هذه ، ولذا شهد لهم القرآن ( وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ) (2) ، والقرآن بطبيعته لا يقدم رِشى ، فرغم أن الإتفاق – صراحة - بين اليهود والمسلمين على عقيدة التوحيد واضح وبين ، والأمر ليس هكذا في العقيدة المسيحية إلا أن القرآن شهد للمسيحيين بحسن النوايا ، بل بأنهم الأحسن نية تجاه المسلمين .

    لذا فليس من المستغرب أنه بعد مرور حوالي خمس سنوات من وفاة النبي( ) وعندما فتح عمر بن الخطاب الخليفة الثاني بيت المقدس أن يعطي كتابا هذا نصه ( هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبناهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أنه لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم، ولا ينتقص منها، ولا من خيرها، ولا من صُلُبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بإيلياء (القدس) معهم أحد من اليهود وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وعلى صلبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان فيها من أهل الأرض، فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصدوا حصادهم )
    ويبقي الإفادة بأن شرط عدم سكن اليهود في ايليا كان شرط المسيحيين وليس شرط عمر ، وبقي أن يقال أنها لا تشبه بأي حال من الأحوال حتى من ناحية لغتها أو مضمونها ما كان يمليه وقتها أي منتصر مختلف أ وحتى متفق في الديانة مع المهزوم .


    ________________________________________
    (1) الروم 1-6 (2) المائدة 82

صفحة 3 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. أيهما أرحم .. جنة الغربه أم جحيم الوطن ؟!
    بواسطة هلالي القرن في المنتدى منتدى الموارد البشـرية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: October 22nd, 2009, 00:22
  2. موسوعة طبية
    بواسطة بحـــــر في المنتدى منتدى عـِـلَل صحية
    مشاركات: 42
    آخر مشاركة: October 20th, 2009, 12:48
  3. الجهاز الطبي يمنح الضوء الاخضر لمشاركة خماسي الهلال
    بواسطة المنتقد في المنتدى منتدى مباريات كُــرَة القــدم
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: April 7th, 2009, 13:15
  4. انظر ماذا قدم للدين... فماذا قدمنا لديننا؟؟
    بواسطة ( * غريب الدار * ) في المنتدى حِوارات
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: May 11th, 2008, 14:02

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

تنفيذ شركة تصميم مواقع الانترنت توب لاين
روابط مهمه روابط مهمه تواصل معنا
تواصل معنا