العريش (مصر) أحمد أبو العينين (رويترز) - تتدلَّى لافتات عملاقة عليها صور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيه العسكري على حواجز التفتيش الأمنية المؤدية إلى شبه جزيرة سيناء لكن سقوط طائرة ركاب روسية في سيناء في مطلع الأسبوع حطَّم الصورة التي تحاول هذه اللافتات أن تعبِّر عنها وهي الإمساك بزمام الأمور.
وأثار مسؤولون غربيون احتمال أن المتشددين الذي يقاتلون للإطاحة بحكومة السيسي ربما أسقطوا طائرة الركاب باستخدام قنبلة.
وأيا كان السبب فإن مقتل 224 سائحا معظمهم روس أثار أسئلة صعبة بشأن سلامة النهج الذي يتبعه السيسي في التعامل مع المتشددين.
وكان السيسي برَّر هدفه سحق المتشددين حتى آخرهم بوصفه المتشددين الإسلاميين بأنهم خطر على القوى العربية والغربية التي تضخ مليارات الدولارات في مصر كل عام.
وفي تجاهل لدروس الماضي يعتقد السيسي أن سحق الإسلاميين وسجنهم والحكم عليهم بالإعدام من شأنه تحقيق الاستقرار في مصر.
غير أن الشبهات بأنه من المحتمل أن يكون متشددو تنظيم الدولة الإسلامية زرعوا عبوة متفجرة على طائرة إيرباص إيه321 المنكوبة تنبئ بأن إستراتيجيته قد تأتي بنتائج عكسية بخلق مزيد من المتشددين.
وقالت الحكومتان الأمريكية والبريطانية يوم الخميس إنه من المحتمل أن انفجار قنبلة هو سبب سقوط الطائرة. وحتى روسيا التي وصفت هذه الاستنتاجات بأنها سابقة لأوانها قررت تعليق رحلاتها الجوية إلى مصر.
وفي أوائل سبتمبر أيلول شن الجيش المصري ما قال إنها عملية شاملة أُطلِق عليها حق الشهيد. وقتل في هذه العملية أكثر من 500 شخص وصفهم الجيش بأنهم متشددون في الأسبوعين الأولين وحدهما.
ويقول سكان في سيناء إن هذه الأعداد الكبيرة من القتلى تشتمل على مدنيين وشجَّعت بعض الشبان على حمل السلاح ضد الدولة.
وقالت امرأة عجوز لرويترز تجلس في كوخها الخشبي في العريش عاصمة محافظة شمال سيناء "السيسي بيحارب الإرهاب ويحاربنا معاه. لكن النساء العجائز والأطفال ليسوا إرهابيين."
وقد اضطرت إلى العيش في ظروف كئيبة بعد أن فرت من المعارك في قريتها التي قتلت فيها والدة زوجها.
وقالت "كانت داخل منزلها حينما اخترقت الرصاصات الجدار وقتلتها. لم يعبأ الجنود حتى بنقلها إلى المستشفى. إنهم دخلوا ورأوا أنها ماتت فغطوا جسمها وذهبوا."
ونفى مسؤول أمني طلب ألا ينشر اسمه المزاعم بأن تكتيكات البطش التي يستخدمها الجيش تؤدي إلى مقتل مدنيين.
*
نموذج
ومع أن المنتجعات السياحية على البحر الأحمر في جنوب سيناء ظلت مكتظة بالسياح الأوروبيين فإن الجزء الشمالي من سيناء كان تحت السيطرة الفعلية للجيش.
أما المناطق التي شهدت أسوأ المعارك -العريش ومدينتي الشيخ زويد ورفح اللتين تتاخمان قطاع غزة الذي تحكمه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فتفرض فيها حالة الطوارئ مع حظر التجول منذ أكثر من عام.
وينشر الجيش قوائم بأسماء "الإرهابيين" القتلى وصور الجثث كل يوم تقريبا لإظهار أن مصر تنتصر في الحرب على التشدد.
ويقول دبلوماسيون إن تكتيكات السيسي الصارمة قد لا تؤدي إلا إلى حلول قصير الأمد. ولا يمكن أن يتحقق الاستقرار على الأمد الطويل إلا بالاستثمار وخلق الوظائف وفرص العمل في سيناء حيث يشكو السكان منذ وقت طويل من إهمال الدولة لهم.
وقال دبلوماسي غربي "هدفهم هو احتواء المشكلة الآن. إنهم يريدون نتائج سريعة وبهذا المعني فإننا نحقق بعض النقدم." وأضاف "لن تقدم إستراتيجيتهم أي حل على الأمد الطويل."
وقال سكان تحدثوا شريطة عدم نشر أسمائهم خوفا من الانتقام من المتشددين والجيش لرويترز إن الأرقام الرسمية لقتلى المتشددين تشتمل غالبا على مدنيين وإن كثيرا من تلك الوفيات لا يتم الإبلاغ عنها.
وقال حجاج فايز الذي يدير مكتبا يتولى الإشراف على دفن الموتى في مستشفى العريش لرويترز إن ما بين ثلاثة مدنيين وخمسة يقتلون كل يوم في شمال سيناء على أيدي قوات الأمن أو المتشددين.
وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش في تقرير سبتمبر أيلول إن الجيش طرد بالقوة نحو 3200 أسرة في سيناء خلال الأربع والعشرين شهرا الماضية.
وقالت سارة ليا واتسون محررة شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة "تدمير المنازل والأحياء وسبل الرزق هو مثال نموذجي لكيفية فشل حملة لمكافحة التشدد."
وقد مهد النهج الصارم الذي يتبعه السيسي نحو المتشددين طريقه إلى السلطة منذ عام 2013 حينما عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في أعقاب احتجاجات حاشدة على حكمه.
وعزله السيسي قائلا إن مرسي فقد الشرعية. ثم شن حملة ضارية على الإسلاميين هي الأشد ضراوة في تاريخ مصر إذ قتلت قوات الأمن مئات من أنصار جماعة الإخوان المسلمين في هجمات على الاحتجاجات والاعتصامات في الشوارع وسجنت آلافا آخرين.
وبعد ذلك فاز السيسي في انتخابات الرئاسة وصنفت حكومته جماعة الإخوان المسلمين حركة إرهابية ويقول السيسي إن خطرها يعادل خطر متشددي تنظيم الدولة الإسلامية والمتعاطفين معهم في سيناء.
ويقول كثير من خبراء الأمن الغربيين إن هذا يمنع السلطات من أن تأتي بذلك النوع من الاستراتيجيات الدقيقة المطلوبة لتحقيق الاستقرار في مصر أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم العربي.
وقال دانيال بايمان خبير مكافحة الإرهاب بمعهد بروكنجز ومقره في واشنطن "منهج السيسي في مكافحة الإرهاب يكاد يطبق نموذجا لما لا ينبغي فعله."
وأضاف بايمان أن السيسي بمساواته جميع السياسيين الإسلاميين والنشطاء مع المقاتلين المتشددين "بعث رسالة مفادها أن الانخراط السلمي في السياسة لن يجدي إذا كنت إسلاميا."
*
يريدون التنين ذبيحا
ويقول مسؤولو مخابرات مصريون إن تنظيم ولاية سيناء وهو فرع تنظيم الدولة الإسلامية في مصر يضم الآن مئات المتشددين مقسمين لخلايا سرية تضم كل منها بين خمسة وسبعة أفراد ويصعب تعقبها.
وقال مهند صبري مؤلف كتاب (سيناء: دعامة مصر وشريان حياة غزة وكابوس إسرائيل) إنه كلما واصلت الحكومة حملتها العنيفة لمكافحة الإرهاب في سيناء زاد خطر فقدها السيطرة على شبه الجزيرة الاستراتيجية.
ووصف كيف دمر الجيش غالبية المنازل الستين في قرية ينتمي إليها صديق له بسيناء. وقال صبري إنه قبل ثلاث سنوات كان في القرية ثلاثة متشددين والآن صار عددهم حوالي 40.
وقال فرانسيس ريكاردوني الذي خدم كسفير للولايات المتحدة لدى مصر بين 2005 و2008 إن مصريين كثيرين يؤيدون حملة حكومة السيسي لمكافحة الإرهاب.
وقال ريكاردوني وهو الآن نائب رئيس المجلس الأطلسي في رد عبر البريد الإلكتروني "المصريون خائفون وهذا مفهوم لذا يميلون لرؤية ‘العدو‘ كتكتل واحد لقوى داخلية وخارجية."
وأضاف "وبالتالي فهم يريدون بالتأكيد هذا التنين ذبيحا... بشراسة وقوة توازي على الأقل ما يتصرف به العدو."
*
كائن خرافي
إذا ثبت أن قنبلة أسقطت الطائرة فإن السيسي قد يستغل ذلك لتبرير إجراءات أشد وأقسى ضد المتشددين بوصفهم أخطر خصوم الدولة المصرية وأشدهم مقاومة منذ عقود.
ويحرس الكمائن الأمنية على الطريق إلى العريش جنود مسلحون ببنادق هجومية. وتخضع السيارات التي تقطع الطريق في الصحراء القاحلة لعمليات تفتيش دقيقة.
وفي أحد الكمائن أوقفت الشرطة السيارات وأخرجت منها رجالا تشير بطاقاتهم الشخصية إلى أن مسقط رأسهم رفح أو الشيخ زويد. واحتجز ثمانية رجال في شاحنة.
وقال ناشط من الشيخ زويد إن عدد المتشددين في زيادة مستمرة. وأضاف "أمر طبيعي بالنسبة لأي شخص يتم تدمير منزله أو قتل عائلته أن يحاول الانضمام للجماعات المتشددة. الجماعات المتشددة مثل كائن خرافي... يزدادون كلما قتلت منهم."
والآن في حين لم تعلن روسيا ولا القوى الغربية ولا مصر سببا للحادث يتساءل أهل سيناء إن كان القتال سيتصاعد.
كثيرون منهم نصبوا أعلاما فوق أسطح منازلهم على أمل أن يكفي هذا الطائرات المقاتلة لعدم قصفها.
مواقع النشر