منى (واس) سطر المؤلفون والباحثون القدامى رحلة الحج قديماً عبر كتاباتهم ومؤلفاتهم التي أصبحت مرجعاً تاريخياً يحكي مشقة السفر التي كان يتكبدها حجاج بيت الله الحرام –
آنذاك- وما يعترض طريقهم من الخوف والمخاطر قبل توحيد المملكة على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -
رحمه الله-.
فقد دون الباحث الإسلامي والرحالة المعروف شكيب أرسلان في كتابه "الرحلة الحجازية" الذي ألفه بعد رحلته للحج عام 1348 هـ ـــ 1929م، العديد من الوقفات التي أكدت حرص المؤسس -
رحمه الله- على أمن وسلامة الحاج، حيث أورد في كتابه قائلاً: "كانت قوافل الحجاج من جدة إلى مكة خيطا غير منقطع، وكثيرا ما تضيق بها السبيل على َرحْبها، حيث كان الملك -
أيده الله- من شدة إشفاقه على الحاج، وعلى الرعية، لا يرفع نظره دقيقة عن القوافل والسوابل، ولا يفتأ ينتهر سائق السيارة التي كان يطلق عليها موتر (MOTEUR) كلما ساقها بعجلة، قائلا له: تريد أن تذبح الناس!! وكل هذا لشدة خوفه أن تؤذي سيارته جملا أو جمالا، وهكذا شأن الراعي الرؤوف برعيته، الذي وجد أنه مأمور بمعرفة واجباته".
وسجل الباحث أرسلان في كتابه إعجابه بما شاهده على أرض الواقع من استتباب للأمن، مستعرضاً في كتابه تفاصيل لقائه بالملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ومرافقته في رحلته إلى مكة المكرمة معلقاً على ذلك اللقاء بالقول "ثم شاهدت جلالة ملك هذه الديار عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود، وكان في جدة ذلك اليوم، فوجدت فيه الملك الأشم الأصيد، الذي تلوحُ سيماء البطولة على وجهه، والعاهل الصنديد الأنجد، الذي كأنما قُد ثوب استقلال العرب الحقيقي على يده، فحمدت الله أن عيني رأت فوق ما أذني سمعت، وتفاءلت خيرا في مستقبل هذه الأمة".
ويبدو أن التحول الأمني الكبير الذي شهدته الحجاز منذ أن دخلت في حكم الملك عبد العزيز عام 1344هـ هو ما جعل أرسلان يكتب بإعجاب عما حدث في مدة قصيرة، خاصة بعد أن كانت الأوضاع الأمنية قبل تلك السنة مضطربة جدا وقطع الطرق على الحجاج من أكثر الأمور التي عجز عن حلها الكثير من الولاة والحكام السابقين.
وشهدت الحجاز عامة ومواقع تواجد الحجاج خاصة، في ظل الحكم السعودي الجديد -
وقتها- نقلة كبيرة في مجال الأمن وهو ما شهد به الرحالة والحجاج الذين زاروا مكة المكرمة في تلك الفترة.
وفي جانب آخر ينقل د. يوسف العارف في كتابه "الرحلات الحجية" عن الرحالة والأديب
محيي الدين رضا (الذي توفي عام 1395هـ) وصفا دقيقا للحالة السياسية وسيادة الأمن وخاصة أمن الحجاج، فقد أكد في كتابه "
رحلتي إلى الحجاز" أن الأمن في العام الذي حج فيه 1353 هـ كان وارفا، مشيرا إلى "أنه حدث تغير كبير في حال قطاع الطريق واللصوص الذين كانوا يتربصون بالحجاج في العهود السابقة، حيث أصبحوا في عهد -
ابن سعود- أقرب إلى الانضباط وعدم الاعتداء على الحجاج فإذا سار الحاج وحده في تلك الصحاري بلا رفيق ولم يشأ أن يعطي أحداً من المتسولين فلا يجرؤ أحدهم أن ينال من الحاج شيئا ولا يمد يده بسوء".
ويعلق العارف في كتابه قائلا "هذا بفضل الله ثم بفضل حكم الملك ابن سعود الذي حول النفوس الشريرة إلى نوع من الخوف بعد تطبيق حكم الشريعة الإسلامية على المعتدي والسارق والعابث".
لم يقتصر توثيق مظاهر الأمن ومشاعر الرضا الشعبي عن الحكم السعودي على ما دونه "
شكيب أرسلان" و "
محيي الدين رضا" بل تناول الأديب المصري إبراهيم المازني في كتابه "
رحلة الحجاز" بعضاً مما لاحظه من سلوك يدل على سيادة الأمن والاطمئنان السائد في نفوس العامة، حيث نقل د.
يوسف العارف عن المازني دهشته من أن الأغنياء في الحجاز عام 1349هـ لا يدعون الفقر ولا يكتمون مالهم، وإن كانوا لا يتباهون بالبذخ والتجارة وسوقها رائجة مع الغرب والشرق والأحاديث صريحة والألسن طليقة، وفي هذا دلالة على الاطمئنان التي يشهدها ذلك العصر، وقد كان الناس في العهد السابق يخفون أموالهم ويتظاهرون بالمتربة ورقة الحال خوفا من الابتزاز أو الاقتراض.
ومنذ أن أرسى جلالة الملك عبد العزيز آل سعود -
طيب الله ثراه- ركائز الأمن، تواصل المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود و سمو ولي عهده الأمين -
حفظهما الله- توفير كافة الإمكانيات التقنية والبشرية لأمن الحجاج، حيث يجد الحاج هذا العام نقلة نوعية في توفير أقصى درجات الأمن والمتابعة عبر تقنيات ومهارات بشرية متنوعة اكتسبت الخبرة في إدارة الحشود والتعامل مع الأزمات.
و تعمل وزارة الداخلية بالتعاون مع وزارة الحج والعمرة والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي في توفير ممكنات أمنية دقيقة تمنع ما يخل بأمن الحاج، حيث تنتشر كاميرات مراقبة في كل أنحاء العاصمة المقدسة وبخاصة الطرق المؤدية إليها وتغطي بشكل شامل المشاعر المقدسة.
وأسهمت التقنيات الأمنية الحديثة في متابعة سير الحجاج منذ لحظة وصولهم إلى مكة المكرمة ومتابعة تحركاتهم في المشاعر المقدسة عبر غرف عمليات تتوزع في المحاور الرئيسية إضافة إلى مركز العمليات الموحد الذي يتابع أمن الحجيج بكاميرات مراقبة عالية الجودة يتجاوز مداها 4 آلاف متر في كل اتجاه ويقوم على تحليلها ومتابعتها مئات الضباط والأفراد من القوات الأمنية المشاركة.
تم تصويب (54) خطأ، منها (عبدالعزيز بن عبدالرحمن) والصواب (عبد العزيز بن عبد الرحمن)
مواقع النشر