مروة عبد العزيز – مركز الدراسات : على الرغم من الاختلاف في وجهات النظر بين الدول العربية من ناحية وبين نظيرتها الغربية من ناحية اخرى في العديد من القضايا ، إلا أن أغلب ردود الأفعال حول حادث اغتيال السفير السعودي بواشنطن " عادل الجبير " جاء مؤيداً بل ومؤكداً على تورط إيران في هذا الحادث ورغبتها في تدمير العلاقات بين الدول وبعضها البعض.
وقد اتفق كلا من الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون على ان ذلك مؤامرة ملفقة تنتهك كافة المعايير والقوانين الدولية. حيث صرح أوباما قائلاً : لدينا حقائق مؤكدة لتورط إيران في محاولة اغتيال السفير السعودي ، وهذا ليس مجرد تصعيد خطير، بل جزء من نمط سلوكي خطير ومتهور من قبل الحكومة الإيرانيةفقد انخرطت إيران تاريخيا في نشاطات إرهابية عديدة ".
وأضاف أوباما مؤكداً " هناك أفراداً في الحكومة الإيرانية كانوا على علم بالمؤامرة المزعومة لاغتيال السفير السعودي وينبغي محاسبتهم ، و حتى إذا لم تكن هناك معرفة تفصيلية على أعلى المستويات فلا بد من المحاسبة ، ونحن سنبذل المزيد من الجهد وسنواصل العمل لإيجاد حكومة إيرانية تتجاوب مع شعبها ، فكل الخيارات والصلاحيات مطروحة للتعامل مع إيران ، ونحن لم نكن لنتهم إيران لو لم يكن لدينا أدلة قاطعة " .
وأوضح جاي كارني - المتحدث باسم البيت الأبيض- انه سيكون رد أمريكي فعلى على ما حدث وسيتخذ العديد من الإجراءات التي ستؤثر مباشرة على إيران لأن ما فعلته يعد سلوكاً غير مقبولاً وسيزيد من عزلتها .
ومن ناحيته أشار ديفيد كوهين – وزير الخزانة الأمريكية – على دراسة واشنطن لتطبيق المزيد من العقوبات على البنك المركزي الإيراني كرد فعل على نخطط إيران الإرهابي ، مؤكداً على أن هذا التصرف يزيد من عزلتها المالية والتجارية .
الرد السعودي
اعتبرت السفارة السعودية في واشنطن ان محاولة الاغتيال هذه تعد انتهاكاً فاضحاً للمعايير والأعراف والاتفاقات الدولية وتتعارض مع المبادئ الإنسانية. وقد لاقت الاتهامات الأمريكية لإيران صدها لدي نفوس العديد من السعوديين ، فقد أوضح سعود الفيصل – وزير الخارجية السعودي – أن المملكة العربية السعودية ستحاسب إيران أشد محاسبة على سلوكها العدواني ، وعلى ما فعلته من " مؤامرة خسيسة " لقتل السفير ، واتهم طهران بسعيها لنشر نفوذها وسلطاتها بالخارج من خلال أعمال القتل وإحداث الفوضى.
وأكد على أن الدسائس والمؤامرات لن تؤدي إلى نتيجة مع المملكة العربية السعودية ، ولن ترضخ بلاده لتلك الضغوط الإيرانية ، وكرر كثيراً على أن إيران هي التي خطط ومولت لهذا الحادث لزيادة المشاكل بين الدول. كما استنكر الإعلامي السعودي جمال خاشقجي السلوك العدائي لإيران تجاه المملكة ، مؤكداً على أن الهدف من العملية لم يكن لمجرد الانتقام ، لأنه لو كان ذلك لقاموا باغتيال دبلوماسي سعودي في كراتشي ، ولكنهم اختاروا مكان صعب في اختراقه مما يؤكد على استهدافهم للسفير بعينه .
واعتبر عبد اللطيف بن راشد الزياني - الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي - ان ذلك انتهاكاً ترفضه كافة الأعراف والقوانين الدولية ، وسيكون سبباً في فشل العلاقات بين دول مجلس التعاون من جهة وبين إيران من جهة اخرى ، وناشدها بضرورة التخلي عن الموقف السلبي الذي تمارسه حالياً وضرورة إعادة بناء علاقتها مع دول المجلس على أساس من الصراحة والوضوح والتعاون البناء .
وربط المحلل السياسي السعودي عبد الله الشمري تلك المحاولة بحادث الحادي عشر من سبتمبر ، مؤكداً انه مخطط مصغر لما حدث في أحداث سبتمبر ، لذا ناشد الرئيس أوباما بضرورة الحزم في التعامل مع إيران ، وأشار غلي أن هذه العمليات ليست غريبة على طهران ، لأنها سبق واستعانت بالعصابات المسلحة والتنظيمات الإرهابية لاغتيال دبلوماسيين في أنقرة وبانكوك .
موقف إيران
في المقابل اعترضت إيران على الاتهامات الأمريكية الموجهه لها بالتورط في حادث الاغتيال ، ووصفتها بـ " المؤامرة الشيطانية ". فقد أوضح محمد خزاعي – سفير إيران لدي أمريكيا – في رسالة وجهها إلى بان كي مون، إدانة إيران بأشد وأقسى عبارات لهذا الاتهام من قبل السلطات الأمريكية واعتبار ذلك مؤامرة تندرج في سياق سياستها المعادية لإيران .
ووصف على أكبر صالحي - وزير الخارجية الإيراني- محاولة الاغتيال بأنها سيناريو أمريكي جديد ضد إيران، ولعبة غير متقنة وفاشلة سلفاً، مؤكداً على أن ممارسات واشنطن هذه لن تجلب إلا العار والخزي للبيت الأبيض. ومن جهته أشار على أكبر خوانفكر – المستشار الإعلامي للرئيس الإيراني – بأن ذلك مجرد سيناريو مفبرك من قبل السلطات الأمريكية لكي تشغل الرأي العام به عن مشاكلها الداخلية ، ولابد ان ننتظر الآن حتى نهاية السيناريو لكي نقف على أهداف الحكومة الأمريكية من كل ذلك. ورفض غضنفر ركن أبادي – سفير إيران لدي لبنان – تلك المزاعم الأميركية ، مشددّاً على العلاقات الجيدة بين إيران والسعودية والقائمة على أساس الاحترام المتبادل بين البلدين .
مخطط فاشل
لم يتوقف الأمر وردود الأفعال عند الأطراف الثلاثة المعنيين بالحدث ، ولكن ظهرت العديد من ردود أفعال الدول الاخرى العربية والغربية ، فقد تدخلت بريطانيا بالتعليق على ما حدث من خلال تصريحات وليام هيج – وزير الخارجية البريطاني – الذي أكد علي تعاون بلاده مع الولايات المتحدة والسعودية والاتحاد الأوروبي للوصول إلى رد دولي على تلك المؤامرة ، واصفاً المخطط " بأنه تصعيداً كبيراً في رعاية طهران للإرهاب خارج حدودها "
كما أدانت البحرين مؤامرة الاغتيال ، مؤكدة على تعارض ذلك المخطط الفاشل مع القيم والأخلاق الإسلامية ، وانه دليل قاطع على عدم احترام إيران للأعراف الدبلوماسية التي تتماشي مع تعاليم الإسلام من ناحية والمواثيق الدولية من ناحية اخرى ، واعتبرت ذلك تهديداً واضحاً لأمن وسلام الشعوب العربية والغربية ، وأكدت على مساندتها وقوفها قالباً وقالباُ يجانب المملكة العربية السعودية لأن أي اعتداء على المملكة هو اعتداء على دولتها لما يربط البلدين من علاقات أخوية وتاريخية متميزة .
وأدان أيضا مجلس جامعة الدول العربية الحادث بوصفه سافراً انتهك كافة القواعد والاتفاقيات التي تحكم العلاقات بين الدول وعلى وجه الخصوص اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 ، وانها منافية لكافة القيم الدينية والإنسانية وتتعارض مع كافة الجهود الداعية لنشر الأمن والسلام في الشرق الأوسط ، وأكد المجلس أن ذلك سيؤثر على العلاقات بين إيران والدول العربية وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي. وأبدت الكويت استنكارها مما حدث ، واصفة إياه بـ " المخطط الإرهابي البشع " ، وأعلنت استعدادها للوقوف بجانب المملكة لمحاسبة كل من وراء هذا الفعل الآثم سواء أجهزة أو أشخاص .
إعلان الحرب
اعتبر والي نصر – باحث في الشئون الإيرانية ب جامعة تافت – أن ما حدث يعد فتحاً جديداً لفصل من العلاقات المتوترة بين إيران وأمريكا ، وانها المرة الأولي التي تقدم فيها إيران على التخطيط لاعتداء يستهدف الأراضي الأمريكية ، ولكن الخطة إذا كانت صحيحة فقد عكست هفوة في صنع القرار في إيران ، وأوضح أن إشارة السلطات الأمريكية إلى تورط فيلق القدس في التخطيط للعملية ، يعكس تورط مباشر من النظام الإيراني »، لكون «فيلق القدس» في أعلى الهرم السياسي وعلى اتصال مباشر بالمرشد الإيراني على خامنئي.
وأكد ارتن أنديك – مدير مركز صابان – في مقاله بمجلة " فورين بوليسي " على أن قيام إيران بعملية داخل الولايات المتحدة يعكس واقعاً أضعف للنظام ويثير المخاوف من أي تصرف أو انفعال طائش من قبل طهران ، ويحذر من مخاطر أي عمل إيراني استفزازي ، لأنه سيكون محاولة لخلط الأوراق الإقليمية .
واعتبر النائب في لجنة الأمن القومي بيتر كينغ أن خطة إيران لاغتيال السفير السعودي هي بمثابة إعلان للحرب مع أمريكيا. وأبدي المفكر العراقي حسن العلوي شكه في تورط الثورة الإسلامية بإيران فيما حدث ، وأوضح أنه من خلال خبرته في الشئون الإيرانية ، فإنه على يقين بأن عمليات الاغتيال الفردي ليست جزء من منهج الدولة الإيرانية ، ولذلك فهو يشك في وجود جهات اخرى داخل مؤسسات الثورة الإيرانية وأجهزتها المختلفة مسئولة عن هذا الحادث ، وأبدي ثقته التامة في القضاء الأمريكي ، مؤكداً على اكشفه الحقيقة في أقرب وقت ممكن.
موقف الصحف الأمريكية
عقب إعلان الخبر مباشرة نقلت العديد من الصحف الأمريكية الاتهامات التي وجهها مسئولون أمريكيون لتورط إيران في اغتيال السفير ، وتباينت تحليلات الصحف لتلك الاتهامات مابين المؤيد والمعارض لها.
فقد أدانت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور – ذات الميول الدينية – خطأ أمريكا في التعامل مع إيران ، مؤكدة على إمكانية استغلالها لوجود إيران الشيعية وسط إقليم أكبر منها بكثير يدين بالإسلام السني ويرفض مذهبها لجلب إيران لصفها ولكنها اعتادت على استفزازها ومحاربتها مما حولها إلى عدو لها دون وجود أسباب واضحة لهذا العداء .
وأشارت الصحيفة إلى أن إيران ليست العدو الأول لأمريكا وإنها لا تشكل أي خطر عسكري على أمريكيا أو حليفتها إسرائيل ، فعلى الرغم من دعمها لحماس وحزب الله لم تصدر يومأ أوامر بضرب إسرائيل ، بل وافقت قبل ذلك بسهولة على المساعدات الإسرائيلية العسكرية التي قدمتها لها في بداية حربها مع العراق في ثمانينات القرن الماضي .
ومن ناحية اخرى اعترضت نيويورك تايمز على ذلك ، مؤكدة على وجود مخطط إيراني لاغتيال السفير السعودي ولكنه مخطط ساذج اعتمد على بائع سيارات أمريكي من أصل إيراني لشن الهجوم على أمريكا ، وناشدت الصحيفة الولايات المتحدة بضرورة الوقوف أمام ذلك العدو وطموحاته النووية والتذكر دائماً بالتاريخ الطويل له مع الاغتيالات السياسية والأعمال الإرهابية .
واستنكرت صحيفة واشنطن بوست الاتهام الأمريكي لإيران لأنه وضعها في موقع شك وجدل وكان من الأفضل انتظار نهاية التحقيقات ، واتفقت مع " نيويورك تايمز " على أن إيران معروف عنها التنظيم بعملياتها ولكنها من الصعب أن تلجأ لعصابات المخدرات ، وأشارت أيضاً الصحيفة إلى تاريخ إيران وقبلها المساعدات الإسرائيلية قبل ذلك ، واستبعدت تماما تلفيق الرئيس باراك أوباما لتلك القصة لتصعيد المواجهة مع إيران .
مواقع النشر