تونس (رويترز) - استقبل الرئيس الامريكي باراك اوباما رئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة في البيت الابيض قبل أيام أعلن منح 500 مليون دولار ضمانات قروض ضمن حزمة مساعدات خارجية لتونس للمضي قدما في مسارها الديمقراطي وبدء اصلاحات يحتاجها اقتصادها الواهن ولكنها قد تكون أشبه بالألغام.
579ff6744b600d2ac917cd269515d956.jpg
وبعد ثلاث سنوات من انتفاضتها التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي والتي ألهمت انتفاضات الربيع العربي تسير تونس بخطى ثابتة نحو الديمقراطية بدستورها الجديد وحكومة مؤقتة ستقود البلاد الى انتخابات نهاية العام الحالي.
وحذر جمعة التونسيين من أن الوضع الاقتصادي "حرج" ويحتاج "تضحيات مؤلمة" لانعاش اقتصاد من المنتظر ألا يتجاوز نموه 2.8 بالمئة وأن يصل عجز ميزانيته إلى ثمانية بالمئة في 2014 وفقا لتوقعات رسمية.
ولكن يتعين على جمعة الذي كان يدير شركة لصناعة أجزاء الطائرات في باريس أن يظهر حنكة وحذرا في إدارة مشاكل شعب دفعته أزمة البطالة والغلاء إلى الاطاحة بديكتاتور حكمه قرابة ربع قرن.
وستكون حكومة جمعة أمام عدة تحديات أبرزها توفير مناخ جيد للانتخابات. لكن مسألة الإصلاحات الاقتصادية وخفض الدعم التي يحتاجها الاقتصاد التونسي المتعثر قد تكون أحد الألغام المزروعة في طريق الوصول للاستحقاق الانتخابي وقد تثير توترات اجتماعية في البلاد.
وفي ديسمبر كانون الأول الماضي أثار قرار الحكومة السابقة بدء اصلاحات جبائية (ضريبية) شملت زيادة الضرائب احتجاجات واسعة ومواجهات بين الشرطة ومحتجين أغلقوا الطرقات في عدة مدن تونسية قبل أن تعلق الحكومة تطبيق القرار.
وقال وزير المالية حكيم بن حمودة الذي كان يتحدث الاسبوع الماضي عقب اجتماع مع وفد من صندوق النقد الدولي الاسبوع الماضي "نحن نعي جيدا أن هناك شيئا من التوتر الاجتماعي وسنحاول التعامل مع ذلك ولكن أيضا يجب المضي قدما في الإصلاحات لاستعادة توازن الاقتصاد."
وتونس الآن تحت ضغط المقرضين الدوليين الذين يحثون على بدء إصلاحات اقتصادية عاجلة من بينها كبح جماح عجز الميزانية ودفع النمو الذي لم يتجاوز 2.3 بالمئة في 2013.
وفتح الاستقرار السياسي في تونس الباب أمامها للحصول على حزمة قروض هذا العام تناهز 3.2 مليار دولار من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي واليابان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وقال أمين ماطي رئيس بعثة صندوق النقد الدولي لدى تونس إن تونس تحتاج فورا الى إصلاح منظومة دعم قطاع الطاقة واصلاحات في النظام الجبائي والقطاع البنكي.
وتجنب وزير المالية الحديث عن موعد رفع أسعار المحروقات لحساسية المسألة ولكنه قال " لماذا تتحدثون فقط عن رفع الدعم هناك أيضا اصلاحات جبائية سنمضي فيها وستساهم في التقليص من العجز."
لكن مصادر قالت لرويترز إن الحكومة ستزيد أسعار البنزين بنسبة ستة بالمئة في يوليو تموز المقبل.
وقال وزير الصناعة كمال بن نصر إن تعديل أسعار المحروقات سيوفر 350 مليون دينار (220 مليون دولار) لتونس هذا العام.
واضاف أن تونس تهدف خلال 2014 إلى خفض دعم الدولة لقطاع الطاقة من 3.6 مليار دينار (2.26 مليار دولار) في 2013 إلى 2.5 مليار دينار في 2014.
وحتى الآن تتجنب الحكومة الحديث مباشرة عن اجراءات لخفض الدعم تمس المواد الغذائية ولكن رفع الدعم عن قطاعات الطاقة بدأ بالفعل.
وبدأت الحكومة خفض دعم الطاقة لشركات الأسمنت بنسبة 50 بالمئة على أن ترفع الدعم بالكامل في يونيو حزيران المقبل.
وأعلنت وزارة الصناعة الشروع في الإلغاء التدريجي لدعم الطاقة الموجه لقطاعات الصناعات الغذائية والنسيج والخزف. وسيوفر رفع الدعم 420 مليون دينار.
وقال وزير النقل إن أسعار النقل العمومي سترتفع بدورها في اطار تحفيض دعم الدولة للقطاع وللمساعدة في تقليص خسائر شركات النقل العمومية.
وتستعد الحكومة لعرض قانون جديد للمالية على المجلس التأسيسي خلال أسابيع يتوقع أن يتضمن حزمة من الاجراءات الجبائية الصارمة اضافة إلى رفع الدعم عن عدة مواد أساسية استجابة لطلب المقرضين الدوليين.
ولكن هناك خشية فعلا من تأثيرات الاصلاحات الاقتصادية على المسار السياسي في البلاد.
وقال الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان لرويترز "هناك معادلة صعبة تتمثل في أن قدرة المواطن الشرائية تدهورت بشكل كبير ومست كل الفئات وبين ضرورة اجراء اصلاحات لا تحتمل التأجيل".
ويتوقع سعيدان أن تشمل الزيادات المحروقات بالأساس ومن بينها ربما قوارير (اسطوانات) غاز الطهي وبعض المواد الغذائية الأخرى اضافة لقطاع النقل. ولكنه استبعد رفع أسعار الخبز في هذه الفترة قائلا إنها مسألة حساسة جدا.
وفي عام 1984 قتل عشرات التونسيين أثناء احتجاجات على رفع سعر الخبز في ما أصبح يعرف بانتفاضة الخبز.
وقال سعيدان إن مهمة الحكومة ستكون حساسة للغاية للوصول إلى اجراء انتخابات في سلم اجتماعي وإن أي رفع للأسعار بشكل يزيد تدهور القدرة الشرائية قد يمهد لتوترات تعرقل الوصول للانتخابات.
واستعدادا لموجة رفع أسعار على ما يبدو بدأت الحكومة مفاوضات مع الاتحاد العام التونسي للشغل لرفع أصحاب الأجور الضعيفة قبل أن تبدأ تنفيذ موجة اجراءات قد تمس ملايين التونسيين.
ورغم تأكيد الحكومة على أن اجراءتها لن تمس الفئات الضعيفة ولكن الطبقة المتوسطة التي تراجعت بشكل حاد وتضررت من ارتفاع الأسعار في السنوات الثلاثة الماضية قد تكون وقودا لأي توترات جديدة.
يقول سالم الربيحي وهو صاحب شاحنة نقل بضائع بالعاصمة "إذا رفعت الدولة أسعار البنزين من جديد لن نصمت هذه المرة... نحن لا نربح إلا بضعة دنانير يوميا بعد أكثر من 12 ساعة عمل وهي لاتكفي لسد حاجيات العائلة في ظل ارتفاع الأسعار."
ويضيف "أغلب التونسيين حالتهم زادت سوءا بعد الثورة. ونحن في الأحياء الفقيرة نقول للحكومة احذروا غضبنا وقد تكون ثورة ثانية أقسى هي ثورة الجياع."
مواقع النشر