المدينة المنورة - واس : يشهد المسجد النبوي الشريف هذه الأيام توافد أكثر من رُبع مليون مسلم ومسلمة للصلاة والعبادة في كنفه، ويستمتعون بتناول إفطارهم فيه بعد يومٍ من الصيام، منتشرين بين أروقته وساحاته في مشهدٍ لإفطار جماعي يجسد معنى التلاحم والترابط والتآخي بين المسلمين،يجمعهم دين الإسلام باختلاف لغاتهم وألوانهم على مائدة واحدة في حرم المسجد النبوي الشريف.
إعداد : حسين حافظ تصوير: علي الشهراني
ومع هذا التلاحم والتآخي يتفنن أهل طيبة الطيبة بالمشاركة في تزويد موائد الإفطار داخل المسجد النبوي الشريف في شهر رمضان المبارك من كل عام بجميع أشكال المأكولات والمشروبات، في تقليد توارثوه منذ سنين طويلة وتمسك به الأبناء بعد الآباء وتعهده جيل بعد جيل بتسابق الغني والفقير فيهم مسارعين مبادرين إلى تفطير الصائمين طامحين الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى .
وكالة الأنباء السعودية سلطت الضوء على هذا الشغف الذي يحمله أهالي المدينة المنورة لخدمة زوار المسجد النبوي الشريف، النابع من اهتمامهم وحبهم لفعل الخير، مزينين موائد الإفطار في المسجد، بأجود وأطيب وأعرق المأكولات المدينية.
في البداية أوضح مدير العلاقات العامة بوكالة الرئاسة لشئون المسجد النبوي الشريف عبدالواحدبن علي الحطاب أن الوكالة تنظم الإفطار داخل المسجد النبوي وفي ساحاته بتهيئة كافة السبل للقائمين على هذه السفر بطريقة مرتبة ومنظمة بتحديد مواقع لهم ، كما تستقبل الوكالة الزوار على مدار الساعة بكامل الخدمات كتهيئة الأجواء المناسبة للعبادة من حيث الفرش وتوفير حافظات المياه الباردة من مياه زمزم البالغ عددها (13.000 حافظة داخل المسجد)، فيما جهزت خارجة (30) خزاناً للمياه و(2500 ) حافظة للمياه الباردة، وبعد انتهاء صلاة العصر يتم استقبال موائد وسفر الصائمين من خلال أبواب معلومة من جهات المسجد الأربع لدخول هذه السفر المحتوية على التمر والقهوة ولبن الزبادي والخبز هذا فيما يختص داخل المسجد النبوي الشريف وعلى ضوء ذلك يتم بعد صلاة العصر بنصف ساعة دخول هذه الموائد من هذه الأبواب بوجود المراقبين للإشراف على ألا يخالف أحد بدخول أشياء غير مسموح بها.
ومن ثم يبدأ مد السفر داخل المسجد، ووضع هذه الأطعمة عليها حتى وقت أذان صلاة المغرب ويبدأ إفطار المصلين وقبل إقامة الصلاة يتم رفع هذه السفر وبقايا الأطعمة بطريقة سريعة بتعاون ما بين العمالة والمشرفين وما بين أصحاب السفر.
أ
ما خارج المسجد النبوي وساحاته أفاد الحطاب أنه يتم السماح بمد السفر الرمضانية من خلال تقسيم الساحات إلى مربعات للصائمين الرجال وأماكن خاصة للنساء وممرات واسعة لعبور المشاة والعربات الخاصة بالخدمة حيث تحتوي هذه السفر على الأطعمة الساخنة المراقبة من أمانة المنطقة مثل الأرز واللحوم بأنواعها، بالإضافة إلى الفواكه والعصيرات المعلبة والتمر ولبن الزبادي والقهوة وحافظات مياه زمزم التي توفرها الوكالة، مبيناً أن المكان بأكمله تشمله عمليات التنظيف بعد إفطار الصائمين وقبل إقامة الصلاة لتهيئته لأداء صلاة العشاء والتراويح .
من جانبهم تناول أصحاب الموائد والقائمين عليها استعداداتهم المبكرة لهذا العمل في كل عام، حيث يقوم بعضهم بإعداد الإفطاربأنفسهم في منازلهم، من خلال شراء وجلب أفضل أنواع التمور المميزة والمشهورة في المدينة المنورة ويتم تنظيفها وتخزينها في ثلاجات كبيرة وتوفير كل المستلزمات لهذا الشهر الفضيل.
وفي هذا الصدد قال أحد مسئولي موائد الإفطار داخل المسجد النبوي الشريف محمد بن إبراهيم بغدادي: "نحن نقوم بالاستعداد لهذا العمل الذي نتشرف به منذ وقتٍ مبكر يصل إلى شهرين"، مبيناً أنه ورث هذا العمل عن والده وأجداده، مؤكداً بأنه سيورثه لأولاده، بقصد الأجر والقبول من الله سبحانه وتعالى وهذه عادة أهل المدينة المنورة.
واستطرد بغدادي: "نقدم أفضل أنواع التمر للصائمين بالمسجد والماء في أواني (التوتوة) وهي كاسات نحاسية نقوم بتبخيرها بالمستكة يوميا لتعطي رائحة وطعم مميز للماء عندما يشربها الصائم وكذلك فناجين القهوة من نوع الملامين يتم غسلها وتبخيرها بالمستكة أيضا وكذلك صحون الرطب من الملامين بحيث تكون جاهزة قبل الظهر، ومن ثم ننقلها للمسجد ونفضل نقلهاعن طريق (الزنابيل) قديمة الصنع من القماش لتميزها في حفظ الأشياء داخلها بشكل آمن.
وعن مكونات المائدة الرمضانية بين بغدادي أن المائدة تحتوي على (الحيسة) التي تقوم النساء بإعدادها في المنازل بعد الظهر، وهي عبارة عن تمر مطحون يحمص مع الدقيق والسمن واللوز المحمص، إضافة إلى (الدقة المدينية)، التي يتم تجهيزها في شهر رجب، عبر تنظيفها وتقشيرها وحمصها وطحنها وهي من اختصاص النساء أيضاً، بالإضافة إلى الخبز المحبب من نوع (الشريك) المديني، خاصة مع (الدقة) واللبن البقري الطازج والقهوة العربية .
وأضاف لنا داخل المسجد النبوي مائدة واحدة نقوم بمدها بعد صلاة العصر ووضع وجبة الإفطار عليها وقبل إقامة صلاة المغرب نعمل على رفع كل محتويات المائدة في وقت واحد ونضع الزوائد من رطب وشريك ولبن وغيرها في نفس الزنابيل التي أحضرناها معنا بالتعاون مع عمال النظافة الموجودين في المسجد لحرصنا واجتهادنا بالعمل على نظافة موقع المائدة في المسجد النبوي الشريف.
ويقول متعهد السفر عبدالله قايد أبو هادي: "تشرفت بتجهيز السفر الرمضانية منذ أكثر من30 سنة، بواقع أربع سفر، واحدة داخل المسجد وثلاث خارجها محتوية على الرطب والعجوة والسكري وروثانا والقهوة واللبن والدقة والزعتر والشريك والشاي، ونقدم هذه السفر طوال العام ولله الحمد، وما أرجو إلا القبول من رب العالمين".
من جانبه عد أحمد البربوشي أحد متعهدي السفر أن خدمة زوار المدينة المنورة والمسجد النبوي الشريف، شرف كبير يسعى إليه كل أبناء طيبة، عاداً السفر الرمضانية موروث اجتماعي يقومون به، ويرجون منه الأجر والمثوبة.
وأفاد البربوشي أن تنظيم السفرة الرمضانية بدأ منذ أكثر من 25 سنة، حيث بدأها والده، وهم يشاركونه هذا الشرف يدا بيد خلال هذه الأجواء الروحانية، مشيرا إلى أن المائدة الخاصة بهم داخل المسجد النبوي بجوار المكبرية تتسع لأكثر من 30 صائماً محتوية على التمر بأنواعها والشريك والدقة المدينية واللبن والقهوة والشاي مقدما شكره لإدارة وكالة الرئاسة العامة لشئون المسجد النبوي الشريف على التسهيلات والتعاون الذي يجدوه منهم .
من جهته أكد منصور الحجيلي الذي اعتاد على إقامة مائدته في ساحة المسجد النبوي الشريف أنه يقوم بهذا العمل منذ (40) سنة محتوية على الأرز البخاري بالدجاج يقوم يوميا بطبخها بنفسه، وقال: "نحن نتشرف بخدمة ضيوف الرحمن والزوار والمعتمرين وقاصدي مدينة الحبيب صلى الله عليه وسلم، راجين الأجر والثواب والقبول من الله عز وجل".
وأكد ناصر رشوان أحد القائمين على الموائد الرمضانية أن السفرة التي تخصنه ومجموعة من أصدقائه تكمل هذا العام 25 عاماً، مشيداً بمساعدة مشرفي ومسئولي رئاسة المسجد النبوي الشريف من خلال الخدمات والتسهيلات التي يقدموها لجميع متعهدي السفر الرمضانية خاصة بعد الإفطار بتواجدهم وتواجد عمال النظافة.
من جهة أخرى تحدث طارق المدني صاحب مائدة رمضانية عن قيامه بتجهيز المائدة منذ 12 سنة، وتحتوي على الرطب والماء والعصير واللبن والشريك والدقة .
كما يقوم بإهداء السبح يوميا على الصائمين مع دهن العودة، بالإضافة إلى سبح من تمرالعجوة ، منوها بالخدمات والتسهيلات التي تقدمها وكالة الرئاسة العامة لشئون المسجد النبوي الشريف في هذا الخصوص .
فيما عد عبدالمحسن عبدالعزيز الموائد الرمضانية من أجلّ الأعمال بهجة وفرحة في هذا الشهر المبارك، الذي ينتظرونه بشغف من عام لعام لتقديم أفضل الوجبات للصائمين .
وقال لقد تشرفنا بتفطير الصائمين في ساحة المسجد النبوي الشريف منذ أكثر من عشر سنوات، حيث نقوم بإعداد الموائد الرمضانية التي تبلغ ثلاث موائد، ونفرشها بعد صلاة العصر مباشرة ونضع التمر والشريك ولبن الزبادي والشاي الأحمر والقهوة وفطائر الجبن وكذلك التفاح والبرتقال والموز والعصائر المشكلة والسبموسة والماء وأنواع من الأرز بالدجاج أو اللحم.
ورصدت "واس" قيام عدد من أهالي المدينة المنورة شيوخا ومسنين وشبابا وأطفال على الطرق المؤدية إلى المسجد النبوي الشريف بتقديم أنواع مختلفة من التمور والمياه للصائم قبل أذان المغرب للمتأخرين والابتسامة تعلو محياهم يسعون كسب الأجر والثواب من الله في هذا الشهر الفضيل وفي هذه البقعة الطاهرة.
من جهتهم عبر عدد من الصائمون زوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سعادتهم الغامرة بهذه التظاهرة الجميلة والإنسانية غير المستغربة من أهل المدينة المنورة المتمثلة في الموائد الكبيرة التي تقدم للصائمين بتنوع الوجبات الساخنة والباردة .
ويقول الزائر الجزائري سعيدي عبدالغني عجبت لما رأيته من تسابق أهل طيبة الطيبة لهذه الموائد الكثيرة وما تحتويه من أجود أنواع التمر واللبن والعصيرات والفاكهة والماء والخبز والقهوة، وزاد إعجابي اجتماع المسلمين بأشكالهم وأطيافهم كافة على مائدة واحدة ممتدة، لتجسد وحدة إسلامية رائعة في هذا المكان الطاهر بجوار نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام فجزاهم الله خير الجزاء على ما يقدمونه.
وأضاف أن الخدمات وحسن الاستقبال الذي وجدته لحظة وصولي لهذه المدينة المباركة من جميع المسئولين لا يوصف، فالحكومة السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، لا تألوا جهدا في تقديم أفضل وأرقى الخدمات لضيوف الرحمن والزواروالمعتمرين .
وعد الزائر فرحات عميرة من الجزائر هذه الموائد الطويلة جدا والمنتشرة داخل المسجد النبوي وفي الساحات المحيطة به من أفضل ما يقدم للصائم في هذا المكان الطاهر، وقال: هي مفخرة لهؤلاء الطيبين أبناء هذه المدينة الطيبة المباركة لسعيهم في تقديم كل خيرات هذا البلد من خلال هذه المائدة المحتوية على أطيب أنواع الشراب والطعام وغيرها.
وأضاف: "تفرح النفس لما يظهر من تلاحم المسلمين وترابطهم، ونحن بصفتنا زوار ومعتمرين قادمين من خارج المملكة، ننظر بكل فخر واعتزاز لهذا الكرم الكبير غير المستغرب من أبناء هذا البلد الطيب الذي تعودنا عليه، لدرجة بتنا حريصون على الإفطار يوميا في المسجد لقدسية المكان ولتوفر جميع احتياجات الإفطار .
ودلل على ذلك روعة تجمع الصائمين من جميع الجنسيات على امتداد المائدة الرمضانية يفطرون وفي وحدة إسلامية رائعة تجسد أروع صور التلاحم والانتماء إلى هذا الدين العظيم وهم يشاركون بعضهم البعض الإفطار في المسجد النبوي الشريف .
مواقع النشر