نُقوِّم مارِن الخَطِّي فيهم
يجئ علي اسنتنا الجرير
وفي هذا اليوم قتل العوام بن خويلد , والد الزبير بن العوام قتله مرة بن متعب الثقفي .
فقال رجل من ثقيف :
منا الذي ترك العوام منجدلاً
تنتابه الطير لحماً بين أحجارِ
يوم شرب
فالتقوا علي قرن الحول في الثالث من أيام عكاظ فالتقوا " بشرب – وهي من أرض عكاظ - " ولم يكن بينهم يومٌ أعظم(45 ) منه ، والرؤساء على هؤلاء و أؤلئك الذين ذكرنا ، وقد كان لهوازن علي كنانة يومان متواليان هما يوم شمطة ويوم العبلاء – وفي هذا اليوم ( يوم شرب ) حميت قريش وكنانة ، وصابرت بنو مخزوم وبنو بكر, فانهزمت هوازن وقُتِلَت قتلاً ذريعاً.
فقال في ذلك جذل الطعان :
جاءت هوازن إرسـالا وإخوتهـا
بنوسليم فهابوا الموت أنصرفـوا
فاستقبلوا بضرب فـض جمعهـم
مثل الحريق فما عاجوا ولا عطفوا
وقال بلعاء بن قيس يومئذ :
إن عكاظ ماؤنا فخلـوه
وذا المجاز بعد أن تحلوه
قال : ضرار بن الخطاب الفهري في هزيمة هوازن يوم شرب.
ألم تسأل الناس عن شأننا
ولم يُنْبِ بالأَمْر كالَخابـرِ
غداة عكاظ إذا استكملـت
هوازن في لفها الحاضـر
وجاءت سليم تهز القنـا
على كل سلهبة ضامـر
إلي قوله :
ففرت سليم ولم يصبـروا
وطارت شعاعاً بنو عامـر
وفرت ثقيف إلي لاتها(46 )
بمنقلب الخائـب الخاسـر
وقال أمية ابن الأسكر الكناني:
ألا سائل هوازن يوم لاقـوا
فوارس من كنانة معلمينـا
لدى شرب ود جاشوا وجشنا
فأوعب في النفير بنو أبينـا
يوم الحريرة(47 )
ثم كان اليوم الخامس , وهو:يوم الحريرة ، [ فإنهم التقوا عند رأس الحول بالحريرة] وهو أخر أيامهم في حرب الفجار، وهي : حرة إلي جانب عكاظ، والرؤساء على هؤلاء هم الذين كانوا في سائر الأيام ...فاقتتلوا قتالاً شديداً كان شؤماً على قريش وأحلافها , فانهزمت كنانة , وقتل يومئذ أبو سفيان بن أميه أخو حرب بن أميه وثمانية نفر من كنانة قتلهم عثمان بن أسيد بن مالك من بني عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة , وقَتَلَ ورقاء بن الحارث أحد بني عمرو بن عامر خمسة نفر من بني كنانة [ أبا كنف ، وابنيّ إياس ، وعمرا ، وابن أيوب ] وكان يوماً لهوازن فخره ونصره..
وقال شاعرهم: خداش بن زهير العامري في ذلك :
لقد بلوكم فأبلوكـم بلاءَهـم
يوم الحريرة ضرباً غير تكذيب
إن توعدوني فإني لابنُ عمِّكم
وقد أصابوكم منهم بشؤبـوب
وإن ورقاء قد أردى أبا كنفِ
وابني إياس وعمراً وابن أيوب
وإن عثمان قد أردى ثمانيـة
منكم وانتم على خُبْرٍ وتجريب
وقال : خداش بن زهير :
إني من النفر المحمـر أعينهـم
أهل السوام وأهل الصخر واللوب
الطاعنين نحور الخيـل مقبلـة
بكل سمراء لم تعلب ومعلـوب
وقد بلوتـم فأبلوكـم بلائهـم
يوم الحريرة ضرباً غير مكذوب
لاقتهم منهـم آسـاد ملحمـة
ليسو بزارعة عـوج العراقيـب
فالآن إن تقبلوا نأخـذ نحوركـم
وإن تباهوا فإني غيـر مغلـوب
مسمى عكاظ
يروى أن إسم عكاظ في البداية أطلق على ماء في واد- فاتسعوا في التسمية حتى شملت ذلك الوادي – المعروف في عهدنا بأسم "الأخيضر"(49 ) والذي يلتقي مع وادي شرب قرب العبلاء والأحجار المنصوبة في أرض الأثيداء الآن وكانت تُربة الوادي ملائمة لزراعة النخيل, ولأن السوق من هذا الموضع هو أهم نقطة فيه ولأن السوق يحضره عدد كثير لا يستوعبهم الوادي فاضطروا إلى أن يضربوا أقبيتهم على جنباته ويتوسعون في رقعة السوق كلما زاد العدد فشمل إسم عكاظ محل تلك الأقبية مهما بلغ إتساع تلك الأقبية وتباعدها عن بعضها.
أهل عكـــاظ
يرى أكثر المؤرخين أن عكاظاً لقيس عيلان وهي في وسط بلادهم(50 ) وديارهم.. وهوازن أشد القبائل القيسية إلتصاقاَ بهذا السوق- ونجد أن بني نصر من هوازن في قصة حروب الفجار – وعندما انهزمت هوازن يوم العبلاء بقيت بني نصر ودافعت وصبرت مع ثقيف.. ثم أنهزموا أخيراَ – وذلك لأن عكاظ لهم فيه نخل وأموال, وتشاركهم فية ثقيف وقد أورد البكري ما يؤيد ذلك, وأورد الهمداني(51 ) أن عكاظ في عهده لبني هلال بن عامر بن صعصعه..
هيمنة بني عامر على عكاظ:
إن لم يكن سوق عكاظ تحت الهمينةالعامرية فإنه يبدو قريبا منها والشواهد على ذلك هي: مجئ سادة قريش لعامر بن مالك (ملاعب الأسنة) في قصة مقتل عروة الرحال – وخدعة حرب بن أمية وقريش له في ذلك الاسئذان- إذ قسم عامر ألا تنزل كنانة وقريش عكاظ أبداً كما يدلنا على ذلك أيضاً : أن عبد الله بن جدعان كان طرد مائة ناقة لكلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة فأرسل كلاب بن ربيعة إلى قريش : [( إن سفيهكم أغار على إبل كلاب بن ربيعة فطرد مائة ناقة فليس لكم أن تشهدوا عكاظ – ولي لديكم وترة) وكانت عكاظ في وسط أرض قيس عيلان.
قال ابن جدعان : " وإن قريشاً ائتمرت بقتلي لئلا أجني عليهم الجرائر فيطلبوني بسبي وهم تجار لل يستغنون عن بلد"
وفي الماضي أرسلت هوازن لقريش إنذاراً تشعرها فيه أنه لا يمكنها شهود عكاظ حتى يؤدوا المائة الناقة التي أخذها أبن جدعان يوم كان فاتكا أول حياته من إبل كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعه, ونص الإشعار أو الإنذار ( إن سفيهكم أغار على إبل كلاب بن ربيعة فطرد مائة ناقة فليس لكم أن تشهدوا عكاظ – ولي لديكم وترة(52 ))
سوق عكاظ في وسط أرض قيس عيلان
وقال : أبو محمد : حدثني أبو عبدالله الأيلي عن ابن لهيعة أنه قال : آخر مال الحرث بن مضاض الجرهمي – أصابه عبدالله بن جدعان التيمي القرشي .... بالمغارة المذكورة(53 ) .
قال حدثني مكحول عن أبي صالح عن عبيد بن شرية الجرهمي ( وكان عبيد معمر أدرك حرب داحس(54 ) وبلغ أيام معاوية بن أبي سفيان في الإسلام وكان مسامرا له ) قال عبيد : جمع الحجيج بمكة عبدالله بن جدعان وكان واسع المال كثير المعروف وجوادا فاجتمع عنده وجوه العرب في داره على مائدة فقلنا له : ماكان أصل مالك يا عبدالله قال : نعم كنت صعلوكا من صعاليك قريش فبينما أنا كذلك إذ أتاني عامر البراض أخو بني كنانة فقال لي : ألا لا أبعثك قصيا يا عبدالله –قال قلت نعم ، قال : لي أن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن . نزل بعراعر منا ‘لى أسرائه فركبت فرس وسرت أنا ومالك البراض بن عامر فطردنا مائة ناقة حتى ألقيناها بالطائف .
فأرسل كلاب بن ربيعة إلى قريش : أن سفيهكم أغار علىّ فطرد مائة ناقة – فليس لكم أن تشهدوا سوق عكاظ ولي لديكم وترة وكانت سوق عكاظ في وسط أرض قيس عيلان وأن قريشا ائتمرت بقتلي لئلا أجني عليهم الجرائر فيطلبون بسببي وهم تجار لا يستغنون عن بلد .
فلما أتيت منزلي بالطائف قيل لي : أن قبائل قريش قد ائتمرت بقتلك فانج بنفسك .
فأخذت زادي ومزادي وخرجت هاربا مع الصباح إلى ( دوحة الزيتون ) هاربا مستبسلا للقتل فلم أزل أهرب وأطلب موضعا أختفي فيه والقوم في طلبي حتى أتيت إلى حجر ضيق على حجر بينهما خلل يدخل فيه النحيف متجانفا فدخلت وأدخلت زادي ومزادي ثم هال على السرب ثم قلت لنفسي موتي ها هنا في هذا السرب أحب إلي من أن يقتلني قومي فيشمت عدو ويحزن حبيب وأترك لقومي ذحلا في قريش فسرت هاربا ملحا حتى دخلت دار عظيمة فيها بيت وفي وسط البيت جوهر وياقوت ولجين وعقيان وفيها أربعة أسرّة على كل سرير رجل قاعد وعلى رأسه لوح من رخام مكتوب بالمسند فقرأت الألواح فأصبت فيها أن أهل الألواح – الحرث بن مضاض الجرهمي الذي سلب قومه تابوت بني اسرائيل حيث قصدوا مكة وهو التابوت الذي ذكره الله في كتابه : ( وفيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة فأجمعت جُرهم وعدنان وطسم وجديس والعمالقة وجميع العرب والتقوا ببني اسرائيل لقتالهم فهزموهم إلى بيت المقدس وأخذوا التابوت على بني إسرائيل وله حديث يطول " انظر وهب بن منبه في " تيجان الملوك "(55 ).
قال عبدالله بن جدعان : فأقمت في ذلك البيت خمسة(56 ) أيام آكل من زادي وأشرب من مزادي حتى أيست قريش مني فخرجت ليلا وأخرجت ما أصبت من المال وأخذت الالواح خيفة من قريش يكون لي عندهم براءة ثم بلغت منزلي ثم أخذت جملا وخرجت إلى ذي الحليفة ليلا فلما كان الصباح أتت سيارة يريدون مدين فسرت معهم لا يدرون من أنا ولا ما معي حتى أتيت مصر فبعت ما معي فأصبت مالا جليلا فنزلت ينبع على البراض أخي بني كنانة فقصصت عليه قصتي مع قريش فقال لي أن هناك خمسين ناقة فاجعل أنت مثلها فنسير إلى كلاب ابن ربيعة فقلت له لا أنا قد وسع الله في رزقي ولكن اشتر لي مائة ناقة فاشتراها وسقتها أنا وهو حتى أتينا كلابا فأرسلنا إلى إبنه جعفر بن كلاب فدفعنا إليه النوق ثم تبعنا كلاب في بيته وهو شيخ كبير فقلت له : لا تموت هزالا فلما أتانا إبنه قال : ارجعوا بالرحب والسعة والسلامة . فرجعنا إلى سوق عكاظ وانصرفت مع قومي إلى مكة فلما ظهر بعض مالي وثبوا علىّ وقالوا : غدرت فأعلمتهم بما كان من المغارة وأخرجت لهم الألواح فأرسلوا معي خويلد بن أسد بن عبدالمعزى وهو أبوخديجة –زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ووهب بن عبد مناف الزهري وهو جد لنبي صلى الله عليه وسلم أبو آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسارو معي وسرت بالألواح ورددت كل شيء إلى مكانه وخرجنا وأعتمرنا على حجر عظيم فسددن الخلل لئلا يكون القبر ملعبة للسفهاء واستطرد وهب بن منبه في القصة(57 ).. إلخ
على كل حال فإن قبيلة هوازن على إطلاقها تشمل(58 ) بني عامر بن صعصعة - ومنهم بني هلال وبني كلاب - و ثقيف وبني نصر وبني جشم وكل المسميات الأخرى المعروفة في هوازن وقال: أبو براء ملاعب الأسنة, حينما غدرت به قريش ولم تخبره عن قتل البراض الكناني ( عروة الرحال بن عتبة بن جعفر) قال: غدرت(59) قريش وخدعني حرب بن أمية, والله لاتنزل كنانة عكاظ أبداً).
الأمن في عكاظ
رغم مابين العرب في الجاهلية من ثارات وأحقاد ورغم أن بعض الفرسان يحضر هذا السوق للتعرف على غرمائه- ومع ذلك فإن الأمن يسود عكاظ.. فيرى المتسوق من له عليه ثأر أو من كان يتحين الفرص ليجده فلا يتعرض له بسوء مادامت السوق قائمة(60) في أيامها المعروفة وبلغ الأمن بسوق عكاظ مبلغاً جعل العرب يأخذون معهم أموالهم وأولادهم ونسائهم(61) .
قال: أبو عبيدة " وكانت الفرسان إذا كان أيام عكاظ في الشهر الحرام أمن بعضهم بعضاً " وكان من عادة العرب أن تضع أسلحتها إذا وردت عكاظ عند رجل مأمون مثل: عبدالله بن جدعان فتبقى عنده أسلحة الناس حتى يفرغوا من أسواقهم وحجهم فيردها عليهم إذا ظعنوا وقد ضرب إبن جدعان مثلاً فذاً في أمانته وصدقه – لما كان من أمر البراض الكناني, وقتله عروه الرحال بن عتبة بن جعفر دون علم هوازن في أيام قيام السوق وقد علمت قريش به – فقال: حرب بن أمية لعبدالله بن جدعان " إحتبس سلاح هوازن.
فقال: بن جدعان " أبالغدر تأمرني يا حرب؟ فو الله لو أعلم أنه لا يبقى فيها سيف إلا ضُربت به أو رمح إلا طُعنت به ما مسكت منها شيء ، ولكن لكم مائة سيف ومائة رمح من مالي تستعينون بها" ثم صاح "إبن جدعان في الناس من كان له قبلي سلاح فليأخذه" فأخذ الناس أسلحتهم(62) ..
وفي عكاظ تجري بعض المنافرات بين مشاهير العرب والفرسان والشعراء .. وكان عامر بن الطفيل(63 ) بن مالك بن جعفر بن كلاب أحد فرسان قيس قد نافر يزيد بن عبد المَدان رئيس مذحج بشأن الزواج من ابنة أمية بن الأسكر وكذلك منافرة عامر بن الطفيل مع علقمة بن علاثة وكليهما من جعفر بن كلاب, وهذا عامر بن الطفيل يرسل منادياً إلى سوق عكاظ – فينادي " هل من راجل فأحمله أو جائع فأطعمه أو خائف فأمنه(64 ) ونداء عامر على إطلاقه يشمل كل محتاج إلى ركوب أو طعام أو أمن سواء كان شريفاً أو غير شريف(65 ) ولا تخلوا المنافرات من أبيات يرجز بها المنافر في ثنايا منافرته كما في منافرة يزيد بن عبد المدان وعامر بن الطفيل(66 ) وكذا منافرة علقمة بن علاثه وعامر بن الطفيل...
مواقع النشر