تدعو عليه
وطار عقل هند عندما قرأت الرسالة ،وسقطت مغشيا عليها،
وعندما أفاقت جمعت غيظها في أبيات تدعو فيها على بشر أن يناله من الهوى
ما نالها،
ولا يغيث لهفته من يحب وكتبتها :
أدعوك رب كما صبرتني شجنا
أن يبتليك بهول من لا يوافيك
وتشتكي محنة في الحب نازلة
وتطلب الماء ممن ليس يسقيك
بلاك ربي بأمراض مسلسلة
،وبامتناع طبيب لا يداويك
ولا سرورا ولا يوم ترى فرحا ،
،وكل ضر من الرحمن يبتليك
وبكت بكاء حارا ودفعت بالأبيات إلى جاريتها ،وطلبت منها أن تعود بالرد
فلما قرأه بشر تملكه الغيظ من دعائها عليه وكتب يرد عليها:
يا خالق الخلق أني لست أعصيك
أبات ارعي النجوم الليل ادعوك
فأرحم دموع ذليل بات مبتهلا
،ولا تخييب رجا من بات يدعوك
ويجني من هوى هند وما صنعت
،يا من لكشف كروب الناس يدعوك
ثم طوي الرسالة ونهر الجارية ،
وهددها إن عادت إليه برسائل أن يضربها ويخبر سيدها.
فكتبت تقول له
لا تطردن رسولي وارثين له
إن الرسول قليل الذنب مأمور
واعلم باني أبيت الليل ساهرة
ودمع عيني على خدي محدور
بشر يهرب
وخاف بشر على دينه وايمانه وخشى ان تقدم هند على عمل يلحق به الفضيحه فقام اليل مستترا بظلامه،
وارتحل الى مكه سرا دون ان يخبر احدا،ليبعده الله بعيدا عن الفتنة ،
وصح ما توقعه بشر ، فلم تخب نار
هند بل زادت نارها وكتبت له رساله وارسلت الجاريه فلم تجده وعادت أليها خاوية الوفاص،
فكلفتها ان تستقصي خبره وتعرف الى اين ارتحل ،فتحسست الجاريه حتى علمت انه فر الى مكه.
كيد النساء
فزاد حزن هند،ولم تعد ترى إلا باكيه،وأصابها مرض شديد ،
وعاد زوجها من سفر كان فيه ،فحزن لحالها وأخذته الشفقة’
عليها وسألها :
هل أتيك بالطبيب؟
فقالت لست ابغي طبيبا وإنما شفائي في هواء مكة،وألحت عليه أن يرحل بها إليها ،لتتنسم هوائها النقي.
ولما كان زوجها موسرا وغنيا، والترحال له عاده،حملها إلى مكة واشترى لها بيتا ويالغرابة القدر.
كانت تلك الدار قريبه من دار بشر
،فكانت هند تراه في غدوه ورواحه للبيت الحرام،فلا يزيدها إلا هياما وتبريحا .
لكن كيد النساء عظيم كما اخبر رب العزة تبارك وتعالى.
فقد دخلت عجوز اسمها جنوب على هند فأنكره عليها حالها،
وبخبرتها استطاعت استدراجها حتى علمت خبيئة نفسها،
فطمأنتها وقالت لها :
اتركي لي هذا الأمر أتدبره لكي، وسوف أتيك ببشر إلى قعر دارك .
فطارت هند من الفرحة ووعدتها بمكافأة عظيمه ،
وخشيت أن يكون كلامها تهدئة لعواطفها وتطمئنها دون فعل
،فقالت تستعطفها وتبوح بمكنونها:
ساعديني واكشفي عني الكروب
ثم نوحي عند نوحي يا جنوب
واندبي حظي ونوحي علنا
ان حالي بعده شئ غريب
مارأت مثلي زليخا يوسف
،لا،ولا يعقوب بالحزن العجيب
فأمدت لها العجوز أنها ستأتي لها ببشر،
وخرجت لتوها فجلست على قارعة الطريق ترقب عودت بشر وعندما أهل عليها بادرته:
يا ولدي أنني أرى على وجهك سحرا، وأنا أعتقد انك مسحور.
وفعلت تلك الكلمات المباغتة على نفس بشر عملها وقال لها:
والله يا أماه لا ادري من أمر السحر شيئا،
ولكن ربما صنعته امرأة في المدينة اسمها هند
،كانت تعرض علي حبها وترسل لي أشعار الهوى،
ولكن والله ما نظرت أليها ولا أعرف شكلها،
وقد فررت بديني وجئت هنا أعبد الله في بيته الحرام.
مواقع النشر