"قصر باردو" شاهد على تاريخ تونس 11 أكتوبر 2022
باردو، حمادي معمري (إندبندنت) يعود تاريخ بناء "قصر باردو" إلى القرن الـ16 (1574 ميلادي) وشهد عمليات توسعة في مناسبات كثيرة على أيدي البايات العثمانيين الذين تعاقبوا على حكم تونس. ويضم إلى اليوم مقر مجلس النواب (البرلمان) ومتحف باردو وكان في الماضي مقر إقامة البايات الذين حكموا تونس قبل عام 1956.
-
يمثل "قصر باردو" نموذجاً من أروع نماذج الفن التونسي بكامل مظاهر تطوره من أوائل القرن الـ18
يتألف المبنى من القصر الصغير والقصر الكبير وتقول المصادر التاريخية إن "قصر باردو" شيد في البداية ليكون قصراً لحريم العائلة الحسينية بنمط معماري تونسي أندلسي وهو اليوم مقسم إلى معلمين، معلم أول يحتضن مجلس النواب ومعلم ثان يمثل مبنى متحف باردو.
وفي القرن الـ17 أولى بايات الدولة المرادية عناية كبيرة بـ"قصر باردو" فرمموه وجعلوه مقراً لحكمهم وسار البايات الحسينيون على منوال سابقيهم من المراديين واتخذوا باردو مقراً لدولتهم ورمموا ما تركه المراديون وشيدوا القصور والبناءات المتنوعة، حتى أصبح باردو بمثابة مدينة صغيرة لها سورها وأبراجها وجامعها وسوقها ودكاكينها وحماماتها ومدارسها.
وبالنظر إلى أهميته التاريخية شهد "قصر باردو" أحداثاً تاريخية طبعت تاريخ تونس من بينها "موكب الإعلان عن عهد الأمان عام 1857" و"موكب الإعلان عن أول دستور لتونس عام 1861".
-
يعود إنشاء أول برلمان تونسي حديث إلى منتصف القرن التاسع عشر
روح تونسية تسكن المعمار
ومن الناحية المعمارية يمثل "قصر باردو" نموذجاً من أروع نماذج الفن التونسي بكامل مظاهر تطوره من أوائل القرن الـ18 إلى أواخر القرن الـ19 من حيث الهندسة المعمارية وفنون التزويق والنقش بمختلف أصنافه (على الجبس والجليز والخشب والسقوف المذهبة...).
ويقول المهندس المعماري عادل بوعزيز إن "الروح التونسية مسكونة في كل تفاصيل المعمار المكون لـقصر باردو"، لافتاً إلى أن "جميع المواد المستعملة من الموارد الطبيعية التونسية، علاوة على اللمسات الفنية من التزويق والنقش على الخشب الذي يغطي جانباً كبيراً من السقف وأيضاً النوافذ الكبيرة المطلة على الحدائق المحيطة بالقصر، كلها تحمل أبعاداً رمزية تعكس التاريخ والحضارات التي تعاقبت على تونس".
ووصفه بعض الرحالة الأوروبيين كالرحالة تيفيو في دفاتر رحلته عام 1653 بقوله "قصر باردو يتألف من ثلاثة أدوار غير بعيدة من تونس، فيها عدد كبير من النوافير والأحواض المحفورة في الرخام المستورد وقاعة مفتوحة على الهواء الطلق تتوسطها فسقـية وبلاط أرضي من الرخام الأبيض والأسود، كما هو الشأن في جميع الغرف الأخرى المزخرفة بالذهب واللازورد والنقش على الجبس".
رمز الحكم
ويبعد "قصر باردو" الذي يضم حالياً مجلس النواب ومتحف باردو حوالى أربعة كيلومترات من العاصمة ويمثل رمزاً للحكم في تونس في فترة مهمة من تاريخ البلاد، أي بداية من القرن الـ16 إلى القرن الـ20 مع تأسيس الجمهورية.
ويعود إنشاء أول برلمان تونسي حديث إلى منتصف القرن الـ19، تاريخ إنشاء محمد الصادق باي للمجلس الأكبر الذي كان يضم 60 شخصية يعينهم الباي، إلا أن هذه المؤسسة لم تعمر طويلاً، إذ وقع حلها بعد ثورة علي بن غذاهم.
وبعد الاستقلال أحدث المجلس القومي التأسيسي الذي أعلن النظام الجمهوري وأصدر أول دستور للجمهورية التونسية عام 1959 مجلس الأمة الذي بقي المجلس الوحيد للسلطة التشريعية إلى عام 2002، تاريخ قرار بعث غرفة ثانية (مجلس المستشارين).
ويعتبر القصر إلى اليوم رمز السلطة التشريعية، إذ يؤوي البرلمان ومجلس المستشارين، وعرفت تونس منذ الاستقلال إلى اليوم انتخاب 15 مجلساً نيابياً باعتبار انتخاب مجلسين تأسيسيين، وهما المجلس القومي التأسيسي (1956-1959) والمجلس الوطني التأسيسي (2011-2014).
هزات ما بعد 2011
وبعد 2011، أي بعد إطاحة حكم زين العابدين بن علي تم حل مجلسي النواب والمستشارين وعوّضا موقتاً لأشهر بـ"الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي"، ثم أجريت انتخابات في أكتوبر (تشرين الأول) 2011 ونصب المجلس الوطني التأسيسي الذي قام بالمهمات التشريعية لمدة ثلاثة أعوام وأعد الدستور الجديد للبلاد، ليسلم العهدة رسمياً إلى مجلس النواب الشعب في مدته النيابية الأولى عام 2014، ثم الثانية عام 2019 التي لم تكتمل، إذ علقت اختصاصات البرلمان وجمدت عضوية جميع النواب ورفعت الحصانة عنهم للمرة الأولى بتاريخ البلاد في 25 يوليو (تموز) 2021، وأعلن رئيس الجمهورية قيس سعيد الإجراءات الاستثنائية وفي 30 مارس (آذار) 2022 حل البرلمان بشكل رسمي.
البرلمان ليس مطلباً نخبوياً
ويؤكد أستاذ التاريخ في الجامعة التونسية عبدالجليل بوقرة أن "التشريع في تونس بدأ مع حضارة قرطاج، بينما عرفت تونس في المرحلة العثمانية مجالس يمكن تسميتها بالمجالس العسكرية. ومع الحسينيين في القرن الـ18 تم التخلي عن المجلس العسكري وأصبح الحكم وراثياً عند عائلة حسين بن علي وتواصلت الحال كذلك إلى القرن 19 مع تطور الحياة السياسية في الغرب".
ويوضح بوقرة أن "البرلمان في تونس لم يكن مطلباً نخبوياً، بل كان مطلباً شعبياً، إذ تظاهر التونسيون في 9 أبريل (نيسان) 1938 من أجل برلمان تونسي".
وبعد الاستقلال كان أول إجراء اتخذته الحكومة الوطنية الجديدة بقيادة الطاهر بن عمار، انتخاب "المجلس القومي التأسيسي" في 25 مارس 1956، أي بعد خمسة أيام من إعلان الاستقلال وكانت مهمته سن الدستور، إلا أنه قام ببعض المهمات غير التأسيسية كالنظر في الموازنة العامة للدولة.
ويضيف بوقرة أن "الزعيم الحبيب بورقيبة وقتها احتكر كل المهمات التشريعية وسن بنفسه القوانين وانتخب أول برلمان له دور تشريعي في نوفمبر 1959".
نحو مؤسسات تشريعية وتنفيذية صلبة
ويعتبر أستاذ التاريخ أن "من شروط الحياة الاقتصادية والاجتماعية المستقرة توفير مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية صلبة ومتماسكة".
ويذكر أن مقر البرلمان ومتحف باردو تم تطويقهما بالوحدات الأمنية منذ 25 يوليو (تموز) 2021 وتستعد تونس بعد أسابيع قليلة لانتخاب برلمان جديد هو الأول بعد مسار 25 يوليو، وعاشت البلاد من دون مؤسسة تشريعية لحوالى عام ونصف العام وسيكون التونسيون على موعد يوم الاقتراع مع التصويت على الأفراد بدل القائمات للمرة الأولى في تاريخ البلاد، ما سيفرز مشهداً سياسياً مختلفاً عما كان سائداً، علاوة على إحداث غرفة ثانية وهي "المجلس الوطني للأقاليم والجهات" الذي مكنه الدستور من صلاحيات تضاهي صلاحيات البرلمان.
مواقع النشر