جدة - واس : تعدّ المساويك فرشاة طبيعية يُستخرج أجودها من بطون الأودية وسفوح الجبال الإستوائية في جنوب المملكة ، وبيعها من المهن التاريخية منذ عصور الإسلام الأولى.
إعداد : محمد العواجي ، تصوير : عامر هلابي
وللسواك قيم إسلامية ومعان اجتماعية بوصفه هدية رائعة لمن أدى فريضة الحج أو العمرة ، ويشترى من مختصين أمضوا سنين طويلة في امتهان بيع هذه السلعة ، وهو ما يحدث في المحلات وأمام المساجد في المنطقة التاريخية بجدة.
وكالة الأنباء السعودية "واس" رصدت باعة المساويك وهم في الغالب من كبار السن ، وجالت في أماكن بيعه خصوصا في المناطق التاريخية في المحلات وأمام بوابات المساجد بالمنطقة التاريخية بجدة إذ يقول البائع محمد أسعد ( 65 عام ) : امتهنت بيع المساويك منذ أن كان عمري 15 عاما.
وفصّل القول أن المساويك تختلف في جودتها من الممتاز للمتوسط والأقل جودة ولكل زبائنه ، معرفا أنواعه بما يتم أخذه من ذكور شجر "الأراك" الذي يتميز باللون الأبيض الذي يطلق عليه مستخدمو السواك "الحنش".
ويكشف أسعد عن نوع الحنش بالقول : يظهر اللون على قشرة السواك ويكون شبيها بظهر الأفعى إلى حد ما.
ويؤكد أن هذا النوع من أغلى السواك ، لأن استخراجه فيه مشقة ويجلب من الأماكن الصحراوية ومن بطون الأودية ، عادا منطقة جازان من أكثر مناطق المملكة إنتاجاً لهذا النوع وفقا لطبيعتها المناخية والجغرافية.
ووصف شجرة الأراك في شكلها بشجرة الرمان إلا أن أوراقها بيضاوية وملساء متقابلة ودائمة الخضرة طوال فصول السنة وتنتشر لمسافات كبيرة على سطح الأرض وأزهارها صفراء مخضرة ، مشيرا إلى ان السواك يؤخذ غالبا من جذور الأراك البالغة من العمر ما بين السنتين والثلاث ويكون سعر السواك المستخرج من شجرة الأراك ذا قيمة مرتفعة لأنه لين ولكن سعره ينخفض إذا أصبح جافاً .
وأشار البائع حسن الحربي إلى المشقة التي يجدها في رحلة الحفر عن أعواد المساويك على سفوح الجبل ، إلا أنه استدرك بالقول : أجد متعة وراحة كبيرتين في مهنتي التي اتخذها كمصدر رزق تعينني على حياتي.
وأفاد أن دخله الشهري من خلال بيع المساويك يصل إلى 1400 ريال شهرياً ويرتفع خلال موسمي الحج والعمرة وشهر رمضان إلى أكثر من عشرة الاف وتلقى هذه المهنة البسيطة رواجاً كبيراً طيلة العام.
ويتوجه إلى رؤوس الجبال في جنوب المملكة المعروفة بتواجد الأراك والبشام ويقوم بقطف غصون هذه الشجرتين لبيع المساويك في منطقة البلد وبجوار المساجد في بعض الأحيان لاستخدامها من قبل الزبائن كهدايا لذويهم ويعتمدون أغلب المواطنين من ذوي الدخول المنخفضة اعتمادً كبيراً على تجارة المساويك وتقطيع أشجار الأراك من المناطق الجنوبية الغربية من المملكة حيث تمتد المناطق التي تكثر فيها الاشجار من الليث وحتى جازان ، وقد توارثت هذه المهنة في بيع أعواد الاراك بكميات كبيرة من الاجداد الذين يرحلون منذ القدم من منطقة الليث إلى أسواق جدة ويحملون أعواد الاراك معهم نظراً لوجود اشجار الاراك والبشام في المنطقة بكثرة.
وأورد أحمد الغابري الذي قضى من عمره 40 عماً متنقلاً بين جازان وجدة في مهنة بيع المساويك أن هذه المهنة تكمن مزاولتها عبر المباسط في الاسواق الشعبية وأمام المساجد عقب الصلوات الخمس ، مشيراً إلى أن سعر الاراك الاكثر طراوة يصل إلى الرياض للفرد الواحد وسعر الحزمة التي تتكون من عدد من المساويك يصل إلى عشرة ريالات مقدراً ارتفاع الطلب على المساويك بجدة بواقع 60% خلال شهر رمضان بعد إقبال الصائمين عليها.
وأكد بيع المساويك على مدار العام ونشاطها في منطقة أسواق البلد ، إذ يحرص الزبائن على اقتناء الأراك الأصلي المعروف بلونه ورائحته وطعمه ، كما يحرص الحجاج على شراء كميات كبيرة منه واستخدامها كهدايا لأهلهم وذويهم بعد انقضاء موسم الحج كذكرى جميلة يحملونها بعد انقضاء شعيرتهم الإسلامية ويبدأ وقت بيع المساويك من الصباح الباكر حتى الساعة العاشرة مساء .
ويعشق محمد عكبري مهنته التي يزاولها في أحد الأسواق الشعبية بجدة منذ 15 عاما , قائلاً : هذه المهنة محببة على قلبي وأجلبها بنفسي من جنوب المملكة لكثرة أشجار الأراك ، مشيرا إلى أن معظم زبائنه يفضلون شراء السواك ذي النكهة الحارة ويقوم بقضم جزء بسيط من السواك حتى يتأكد من حرارته.
وأوضح أن سعر عود السواك الواحد الحار يتراوح ما بين 3 إلى 5 ريالات .
وأشار إلى أن منطقة البلد وبالأخص قرب مسجد الشافعي وسط حارة المظلوم بجدة تكثر بسطات بيع المساويك بأنواعها المختلفة وغالبية البسطات من الحصير وتغطي عيدان المساويك بقماش من الخيش المبلل بالماء للحفاظ عليها من الجفاف وهناك أساليب يستطيع المستهلك بها تمييز المسواك الجيد والأقل جودة حيث السواك الذي يكون طعمه ورائحة قشرته قريبين إلى التراب يكون منقوعا في ماء لمدة طويلة ولا يعطي الفائدة المرجوة منه ويكون غير صالح للاستخدام الآدمي .
وأكد أن المساويك تحتاج إلى عناية خاصة ويجب أن تحفظ في أكياس حتى لا تيبس أما وضعها في الماء فإن تكرار هذه العملية يؤدي لوجود رائحة بها ، مفيداً أن سعر حزمة المساويك غير ثابتة فأحيانا يشتري المائة مسواك بـ 250 ريالا وأحيانا تصل الى 300 ريال وهذا ما يدلل على أن سعرها متذبذب وغير ثابت.
أما محمد بن عواد فقضى أكثر من 30 عاماً في بيع المساويك ويذهب كل 15 يوماً لمزرعة المساويك ويحفر لمسافات عميقة وصولا للجذر المدفون في أعماق التربة.
ويواجه عواد خلال استخراج السواك الكثير من المعاناة للحصول على عود الآراك الذي يوجد الجيد منه في جازان وحلي والاحسبة والشواق.
وقال : الحصول على الأراك يتطلب حفراً قد يتمد إلى مترين تحت شجرته وتساعد كثرة الأمطار على عمق الحفرة فمتى كان المطر كثيراً كان الجهد أقل في الحفر ومتى كانت الأمطار شحيحة فهذا يتطلب تعباً ومشقة كثيرة ، مؤكدا أنه بالرغم ما للأراك من مواسم محددة إلا أنه يظل بضاعة مثل بقية البضائع تتعرض في أوقات معينة إلى الكساد , وما يلزم البائع الاستمرار في هذه المهنة هو دعاء الزبائن بالأجر عندما يقتنونها منه.
وسرد البائع أحمد بن عمر أنواع أخرى من المساويك منه الحار ويستخدم لتنظيف الأسنان من الجراثيم والميكروبات وإزالة الطبقة الصفراء على الأسنان ، والبارد للعناية بالأسنان وتنقيته في العادة للذين ليس لديهم مشكلات في الأسنان ، مبينا أن الحار يتميز بعدم استقامته وفاتح اللون أما البارد فهو ذو ألياف لينة ومستقيمة وأقل حرارة.
وقال : شجر الأراك من فصيلة السواك الحار يستخرج منها أجود أنواع السواك وتترتكز في الساحل الغربي وفي بطون الأودية والسهول وتكون أغصان الأراك في هذه المناطق لينة ، مشيرا إلى أن هذا النوع يشهد إقبالا كبيرا من الزبائن أما البارد فهو في الغالب ينمو في المناطق المستوية .
وتناول فوائد السواك المتعارف عليها طبيا ، مفيدا بأنه يعطي الفم رائحة حلوة ومستحبة ويقوم بتنظيف الجراثيم ويقوم بإزالة الروائح الكريهة ويقوي اللثة وينشط الدورة الدموية ، بالإضافة إلى علاج الصداع وإزالة إصفرار الأسنانز
وتحت حرارة الشمس بعد صلاة الجمعة بائع المساويك أبو محمد تحدث كثيرا عن تجربته مع المساويك التي استمرت 45 عاما قائلا : تعلمت هذه المهنة من أبي الذي ورثها هو الأخر عن جدي - رحمهما الله - مبرزا حبه للمهنة التي وصفها بأنها رائعة ومربحة بالقول : دخلي من بيع المساويك يختلف حسب المواسم وشهر رمضان يكثر فيه بيع المساويك ويتراوح الدخل اليومي ما بين 60 ريالا و 250 ريالا.
وركز أبو محمد عن نوع آخر من المساويك وهو ذو اللون الأخضر الذي يجد إقبالا خصوصا من الجاليات الأفريقية .
من جهته عدّ مسعود الحارثي الذي التقيناه بالقرب من أحد المساجد القديمة بمنطقة جدة التاريخية وهو من قدماء باعة المساويك أن هذه الأيام وبالتحديد شهر رمضان تعتبر خصبة لبيع المساويك بشكل مضاعف ، مشيرا إلى أن هذه المهنة لا تعدّ تجارة ولكنها تساعد الإنسان على توفير جانب من اجتياجاته البسيطة هذا فضلا عن كونها لا تحتاج إلى رأس مال أو محل لمزاولتها ناهيك على أنها مهنة تجلب لصاحبها الخير والأجر معا في تذكير المسلم بأهمية الاقتداء بسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وتساعد المسلم على تنظيف أسنانه ولثته وتطييبها برائحة السواك .
مواقع النشر