أدرار / الجزائر (وأج) : تواجه تجربة زراعة الذرة بعدة ولايات بجنوب البلاد معضلة تسويق المحاصيل على الرغم من توفر رغبة "
كبيرة" لدى المزارعين من أجل تطوير هذه الزراعة ذات الأهمية الاقتصادية.
وغدت مسألة التسويق الهاجس الأكبر لدى معظم منتجي الذرة سيما مع تأخر الإجراءات الإدارية المتبعة في هذا الشأن حيث أبدى في هذا الجانب عدد من الفلاحين الذين يمارسون زراعة الذرة خلال الموسم الحالي بكل من ولايات أدرار و غرداية والنعامة ''قلقا" "
كبيرا'' من مصير محصولهم سيما بعد ما شارف على انتهاء حملة الحصاد في حين أنه لم تتضح لحد الآن أية تدابير تخص رفع محصول الذرة من طرف الديوان الوطني لتغذية الأنعام بـ بوقطب (ولاية البيض) كما جرت العادة في المواسم السابقة.
وأوضح عدد منهم ناشطين بتلك الولايات في تصريحات رصدتها "
وأج" أن هذا المشكل (التسويق) الذي يطفو على السطح مع بداية كل موسم فلاحي "بات يؤرقهم" و يكاد "يحبط عزيمتهم" في المضي قدما نحو تطوير هذه الزراعة العلفية الواعدة خاصة بعد أن حققت مردودية مرتفعة بهذه المناطق بحكم توفر عوامل طبيعية مساعدة لإنتاجها بكميات وفيرة من شأنها المساهمة إلى حد كبير في تغطية الاحتياجات الوطنية من هذه المنتوج الفلاحي و تقليص فاتورة استيرادها من الخارج.
ضرورة استحداث وحدة بأدرار لتجميع وتخزين محصول الذرة
يبرز فلاحو ولاية أدرار أهمية استحداث وحدة لتجميع و تخزين منتوج الذرة على مستوى الولاية، تجسيدا للوعود التي كانوا قد تحصلوا عليها سابقا من قبل الجهات المعنية من أجل تجنيبهم عناء نقل محصولهم للديوان المعني على مسافات بعيدة وفي وسائل نقل غير مهيأة تتسبب في نفاد كميات معتبرة من الحمولة - على حد تعبيرهم -.
ويأتي هذا المشكل في مقدمة الصعوبات التي تعترض زراعة الذرة بهذه الولاية مما أثر في تراجع المنتجين الذين قدر عددهم هذا الموسم ب 36 فلاحا، مسجلا بذلك "تراجعا" عن الموسم السابق الذي تم فيه إحصاء 43 منتجا للذرة وفقا لما ذكر لـ "
وأج" ممثل الاتحاد الوطني للفلاحين بأدرار عوماري عبد القادر.
كما سجل أيضا - يقول المتحدث - "تقلصا" في المساحة المزروعة التي تراجعت من 1,400 هكتار في الموسم الماضي إلى 900 هكتار في الموسم الحالي.
وبالرغم من هذه الوضعية فإن الفلاحين بهذه المنطقة سيما الشباب لم يستسلموا ولا زالت تحدوهم العزيمة التي تظل قائمة من أجل تحقيق مستقبل واعد لهذه الزراعة بولاية أدرار و المساهمة في تعزيز قدرات الإقتصاد الوطني الأخضر.
نفس الهواجس وأخرى تجتاح منتجو الذرة بولاية النعامة التي تراجعت بها المساحة المزروعة من 643 هكتار سنة 2015 إلى 225 هكتار في 2016، حيث بلغ إنتاج الذرة الموسم الجاري أزيد من 100 ألف قنطار كما صرح مسؤول مصلحة الدعم التقني للإنتاج النباتي و الحيواني بمديرية المصالح الفلاحية للولاية تاج مجدوبي.
وبالنظر إلى المشاكل المرتبطة بالتسويق فقد امتنع عدد ''كبير'' من المزارعين عن غرس الذرة هذا الموسم الفلاحي وتحويل جزء من نشاطهم لتسمين المواشي و ذلك لعدم توفر عقود رفع الإنتاج للذرة و التي يمنح بموجبها مبلغ إضافي بـ 2,000 دج كدعم توفره الدولة في القنطار الواحد من هذه المادة التي يقتنيها الديوان الوطني لتغذية الأنعام من المزارعين، استنادا لما أفاد به مزارع الذرة بمنطقة البيوض بشمال الولاية بلعامر لحسن.
وأثرت على تراجع إنتاج الذرة خلال حملة الحصاد للموسم الجاري عوامل أخرى منها ارتفاع أسعار البذور ذات النوعية الجيدة التي تلائم فترتي الغرس، فضلا عن غلاء الأسمدة وتكاليف الكهرباء وقلة اليد العاملة المؤهلة و كذلك تأخر عملية الحصاد إلى أكثر من شهر لدى بعض المزارعين لعدم جاهزية المنتوج بسبب عدم احترامهم للتقنيات المتبعة في عملية الزرع والبذر، مثلما أشار إليه عدد من مزارعي الذرة بمحيط المسدورية ببلدية عين بن خليل.
ويسلم منتوج الذرة عادة إلى فرع الديوان الوطني لتغذية الأنعام بـ بوقطب (ولاية البيض) الذي يضمن تسويق المنتوج عن طريق شراء إجمالي منتوج الفلاحين وفقا لإجراءات يضبطها عقد يحدد المساحة المغروسة ونوعية الحبوب المنتجة يبرم بين الفلاح و الديوان غير أن ذلك التأخر في تسديد مستحقات الفلاحين راجع لنقائص في نفقات خزينة الديوان كما أكدت من جهتها مديرية المصالح الفلاحية بولاية النعامة .
توفر كافة المقومات للرفع من محاصيل زراعة الذرة بولاية النعامة
ونظرا لخصوصيات هذه الولاية الرعوية يعمل قطاع الفلاحة بالنعامة على مرافقة الفلاحين وتكثيف طرق الإرشاد و التوجيه و توفير التحفيزات اللازمة لتوسيع مساحات الذرة التي عرفت في غضون السنوات الثلاثة الأخيرة انخراط نحو 70 فلاحا في إنتاج الذرة يتمركز أغلبهم ببلدية عين بن خليل، استنادا لذات المصالح.
وتحتاج المناطق الرعوية سيما منها الغنية بالموارد المائية الباطنية إلى تشجيع مزارعي الحبوب بهذه المنطقة لتطوير هذا النوع من الزراعات التي تساهم في توفير الأعلاف المركزة للمواشي والدواجن.
وتمثل سلوجة الذرة (الصوجا) التي هي نوع علفي ينتج نحو 100 قنطار في الهكتار الواحد ونحو 25 إلى 60 طن من العلف الأخضر في الهكتار الواحد بديلا تقنيا في عملية تغذية البقر الحلوب لمواجهة غلاء الأعلاف يقول بدوره مسير شركة خاصة في تقنيات إنتاج الذرة كرومي كمال.
تطلع بغرداية إلى توسيع تجربة زراعة الذرة رغم الصعوبات
تتطلع ولاية غرداية ورغم الصعوبات المطروحة والتي شهدت أول تجربة لإنتاج الذرة في 2011 على مساحة 100 هكتار ببلدية حاسي غانم بضواحي المنيعة بجنوب الولاية إلى توسيع هذه التجربة الفلاحية وذلك في إطار استراتيجية الهيئات الوصية لتوسيع هذه الزراعة العلفية، حسبما ذكر مسؤولو قطاع الفلاحة.
وتعرف الولاية ازدهارا كبيرا لزراعة سلوجة الذرة (الصوجا) خاصة ببلديات حاسي لفحل و القارة والمنيعة جنوب الولاية نظرا لتوفرها على موارد مائية هائلة حيث تم إنتاج مليون قنطار على مساحة إجمالية بهذه البلديات قدرت ب 1,770 هكتار، مثلما أشير إليه.
وحدة بوقطب... مسألة جمع المحصول لم يفصل فيها بعد
وحول هذه الوضعية أفاد المندوب التجاري لوحدة الديوان الوطني لإنتاج أغذية الأنعام ببلدية بوقطب عثمان بلعيد في تصريح لـ "وأج" بأن مسألة استلام محصول الذرة لهذا الموسم من قبل الديوان لم يفصل فيها بعد باعتبارها تتجاوز صلاحياته، لافتا الى أن ذات الأمر مطروح على مستوى وزارة الفلاحة و التنمية الريفية و الصيد البحري خصوصا و أنه مرتبط بتعويضات مالية تخص عملية دعم المحصول التي تشرف عليها الوزارة الوصية.
و أوضح ذات المسؤول بالمناسبة أن السعر المرجعي للقنطار الواحد من الذرة المستورد لا يتعدى 2,800 دج للقنطار الواحد في حين أن سعر اقتناء القنطار الواحد من المحصول لدى المنتجين المحليين سقفته الدولة في حدود 4,500 دج للقنطار الواحد لتدعيم الناشطين في هذه الشعبة الفلاحية وهو الفارق المالي الذي تتكفل الوزارة الوصية.
وذكر في ذات الشأن المندوب التجاري للوحدة أنه وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد تكفل الديوان السنة الماضية بجمع 60 ألف قنطار من المحصول من ولاية أدرار بسعر مرجعي تم تسديده لفائدة منتجي الولاية في حدود 4,500 دج للقنطار الواحد، غير أنه ولحد الساعة - يضيف نفس المسؤول - فإن الوحدة لم تستلم بعد تعويضاتها المالية من لدن الوزارة على عكس ما تم العمل خلال أول موسم فلاحي (2014/2015) الذي كان قد استلم به الديوان مستحقاته.
وتسجل المصالح الفلاحية بولاية البيض من جهتها نفس الإشكالية، حيث وصل مجموع المساحة المغروسة بالذرة لهذه السنة حدود 137 هكتار بمعدل إنتاج تراوح بين 60 إلى 80 قنطار في الهكتار الواحد غير أن الناشطين في هذه الشعبة الفلاحية يطرحون كذلك مسألة تخلف وحدة الديوان الوطني لإنتاج أغذية الأنعام بـ بوطقب عن استلام المحصول وفقا لما علم من مسؤولي القطاع بالولاية.
ويناشد الفلاحون المنتجون للذرة بهذه الولايات الجنوبية الجهات المسؤولة "لإنقاذ" محصولهم لهذا الموسم لتجنيبهم معاناة "حقيقية" تلوح في الأفق بسبب تحديات مالية تتعلق بإرجاع القروض الفلاحية و تسديد فواتير الكهرباء إلى جانب تكاليف الوقود و أعباء العمال.
وأعربوا عن أملهم في أن تحظى زراعة الذرة العناية و المرافقة اللازمة لتطويرها وتحقيق المساعي الرامية لجعلها منتوج استراتيجي و اقتصادي هام.
"وأج" = وكالة الأنباء الجزائرية
مواقع النشر