تونس - أنيس الصيد (تونس الآن) : “لا أخلاق في الحرب”،، و”لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة في السياسة إنما المعتمد في تحديد المواقف هي المصالح”،، “عدو عدوي صديقي”،، مقولات لا تستند إلى منطق ولا إلى عرف ولا إلى دين، إلا أنها هي السائدة في الوطن العربي منذ اندلاع أولى شرارات الربيع العربي، لتتحول إلى كرة لهب أحرقت عروشا ظننا أنّها لن تحترق إلا بعد أن تحرقنا وليس فقط تكوينا بنيرانها لعقود.
وبناء على هذا المنطق المقلوب تحالفت “الأضداد” ضد الثورات وجمعت بينها المصالح لنرى “السلفي” “الجاهل” و”المتخلف” يتحالف مع “الحداثي” “الكافر” و”المنبت” وطبعا أوصاف “الجاهل،، المتخلف” و”الكافر،، المنبت” هي أوصاف كان يطلقها كل طرف من هذين المتحالفين على بعضهما البعض حتى أن تصديق شروق الشمس من المغرب كان أقرب إلى أذهاننا من تحالف الحداثي مع السلفي، إلا أن للمصالح دورها، وهو ما أكده سقوط الأقنعة لتتعرى الحقائق، وبعد سقوط أوراق التوت على قوى كنا نظنها نصيرا للشعوب وسدا منيعا ضد أنظمة الاستبداد لتتعرى أمامنا تماما، وعرفنا أن لا عهد لها ولا ميثاق، وأن ما يهمها أن ترفل في النعيم ولو على جثث الأبرياء، ليجتمع الحداثي والسلفي معا ويتقمصان دور “أبي رغال”، هذا الذي خلد التاريخ عاره بعد أن قام بما رفضته كل قبائل العرب إبّان حملة أبرهة الأشرم على مكة لهدم الكعبة فلعب دور الدليل لقواته إلى أن أوصلها بأفيالها إلى مشارف الكعبة فأرسل “رب الكعبة” طيورا ابابيل بحجارة من سجيل قضت على أبرهة وعلى الخائن أبي رغال وبقيت الكعبة شامخة وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
تأويل للنص القرآني،، حسب المصلحة
منذ انتهاء فترة الاستعمار المباشر ورحيله عن الوطن العربي تاركا الساحة فسيحة لوكلائه ليقودوا ما عرف باطلا بدول الاستقلال التي لم نر منها تنمية ولا بناء، وهو ما اكتشفته الشعوب العربية بعد تساقط بعض الأنظمة. كان لا بد من توفير سند شرعي لتلك الأنظمة فوفرت الغطاء الديني الذي يضفي عليها المشروعية التي تغطي فسادها وبيعها لثروات الأوطان وعاملت شعوبها بمنطق زياد ابن أبيه لمن عارضوا حكمه الجائر قائلا “ما أنا إلا قدر الله فيكم”، مستغلا الجدل حول التسليم بالقضاء والقدر، فإنْ هم عارضوه صاروا كمن يعارض إرادة الله، وما عليهم إلا التسليم الأعمى بقيادته لهم. ولعبت هذا الدور ما عرف بالحركات السلفية التي استغلتها الأنظمة الفاسدة لتحث الشعوب على طاعة وليّ الأمر في ليّ مفضوح لمعاني الآية الكريمة حين اكتفوا بجزئها القائل “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ“، وتناسوا جزءها القائل “فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَظ°لِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا”.
أداة في أيدي محور الشر العربي
بعد أن لملمت قوى الثورة المضادة شتاتها الذي فرقت شمله الموجة الأولى من الربيع العربي حتى شرعت في توفير أسباب استعادة زمام الأمور بأيديها، ولأن أنظمة الاستبداد تلاعبت بالمشهد السياسي في بلدانها بأيسر ما يكون وجندت ما كان يعرف بالنخب لتكون عونا لها في استطالة أعمار أنظمتها وجعلت مما يعرف بالأحزاب العلمانية الحداثية ومكونات المجتمع المدني مجرد ديكور لا غير لتجميل أنظمتها بلعب دور المعارضة لتأكيد أن تلك الأنظمة ليست مستبدة إنما هي تسمح بالحرية وبتنظم المعارضين في حزاب ومنظمات، حتى أننا صدقنا أن أسماء عديدة كانت تمثل قوة ضد أنظمة الاستبداد وصدقنا معاناتها واضطهادها في حين كان الأمر مجرد تبادل للأدوار بينها وبين النخب الحاكمة وأن ما تعرضت له تلك الشخصيات والأحزاب ليس إلا حبكة لا تختلف في شيء عن الحبكات المعتمدة في سيناريوهات الأفلام والمسلسلات لإضفاء مصداقية على الأحداث تشد المتفرج. إنها استعملت تلك النخب والأحزاب والمنظمات للعودة إلى الحكم من جديد وللتصدي للقوة الشعبية الأولى وهي الحركات الإسلامية، وهو ما رأيناه في اعتصام باردو بتونس وفي اعتصام ميدان تحرير بالقاهرة، وأيضا في ليبيا عبر ما عرف ببرلمان طبرق وما انبثق عنه من حكومة ترأسها خليفة الغويل الذي كان يشغل بعد انتخابات 2015 منصب نائب لعمر الحاسي، رئيس الحكومة في طرابلس المتنازع عليها لتتم إقالة الحاسي وتنصيب الغويل رئيس وزراء لمدة شهر واحد مؤقتا.
وها هو الشهر يمتد ليتحول إلى أربع سنوات كاملة وتنقسم ليبيا حكومتين وبرلمانين يتنازعان الشرعية واعتمدت حكومة طبرق وبرلمانها لمواجهة حكومة طرابلس على خليفة حفتر الذي أسس بدعم إماراتي وسعودي وفرنسي ميليشيات أسماها الجيش الليبي ونجحت قوى الثورة المضادة في مصر في الإطاحة بأول رئيس مدني لمصر ومنتخب من الشعب في انتخابات شفافة شهد بها العالم كله وتحرك عبد الفتاح السيسي لتنفيذ انقلابه بالاستعانة بتلك النخب وأيضا بالتيار السلفي ممثلا في حزب النور ونجحت قوى الثورة المضادة في تونس في الإطاحة بحكومة الترويكا وأساسا حكومة النهضة بعد اعتصام باردو الذي وضع البلاد على شفا الاحتراب الداخلي، وقبل ذلك استعملت القوى السلفية لإخافة الشعب من “خطر الإسلام” ومن أصحاب اللحي واستعملوهم لتنفيذ عمليات إرهابية ونسبوا نشأة تلك التنظيمات للنهضة متناسين أن من أطلق سراح تلك المجموعات من السجون في عفو تشريعي عام نفذ بسرعة لغاية في نفس الثورة المضادة كان في عهد محمد الغنوشي الذي واصل الاضطلاع بخطة رئيس للحكومة، رغم أنه كان يشغلها إلى آخر أيام أو لحظات عمر نظام المخلوع. ولولا حسابات دولية لم تكن مستعدة للإلقاء بتونس في أتون الفوضى، فرضيت بمبادرة النهضة الانسحاب من الحكم بعد حوار وطني ليصعد نداء تونس سدة الحكم بعد ما عرف بالتصويت المفيد الذي تجندت فيه كل الأحزاب والنخب والمنظمات لتكون مطية للسبسي لوصول قرطاج، وحزب النداء ليستأثر برئاستي البرلمان والحكومة. تكرر نفس السيناريو في اليمن حين تم تصعيد عبد ربه هادي منصور للحكم بعد انتخابات صورية وهو الذي كان نائبا للرئيس المعزول علي عبد الله صالح واستعانت السعودية والإمارات لفرضه رئيسا على اليمنيين بالحوثيين حين دعموا هذا التيار الشيعي بالسلاح والمال لتدخل البلاد في أتون حرب أهلية أكثر هولا مما عرفه اليمن “السعيد” خلال حربي الشمال والجنوب سواء التي انتهت بتقسيم اليمن أو التي أدت إلى توحيده في بداية تسعينات القرن الماضي، أما عودة السعودية والإمارات إلى محاربة الحوثيين فهذه قصة تعكس غباء هذين الدولتين السياسي وافتقارهما إلى استراتيجيا واضحة، لأنهما أصلا ألعوبة بيد إسرائيل وأمريكا تحددان لهما دوريهما ولا يهم إن حاربا من كان صديقا لهما أو تصادقا مع من كان عدوا لهما المهم أن يؤدوا الأدوار الموكولة إليهما بدقة وما حصارهما لقطر منذ ما يقارب عن السنتين إلا دليل على أن السعودية والإمارات قايضا استقرار المنطقة ورخاء شعوبها باستقرار حكم عائلتي آل سعود وآل نهيان وليحترق العالم العربي من محيطه إلى خليجه من أجل بقاء في عرشيهما.
“بهارات” إعلامية و”حيل” مخابراتية
قبل الربيع العربي كانت كل الأنظمة تعرف أن أكبر خطر عليها هي الأحزاب الإسلامية أو المنبثقة عن الفكر الإخواني لتقاسي تلك الحركات صنوفا من العذاب من كل الأنظمة. ففي مصر ومنذ الأيام الأولى لتأسيس حركة الإخوان المسلمين، تعاقدت هذه الأخيرة مع السجون والمنافي، بل والاغتيالات وتم تدبير مكائد لوسمها بالعنف قبل أن يبرز مصطلح الإرهاب فلفّق لها عبد الناصر محاولة اغتياله في ميدان المنشية بالإسكندرية،، ليدخل هؤلاء في محرقة رهيبة لم تنطفئ نيرانها جزئيا إلا حين تسلم السادات الحكم. وبعدها عادت “ماكينة” العذاب لتدور بأقوى سرعة لها ففرمت الإخوان المسلمين فرما وتواصل الحال على ما هو عليه مع حسني مبارك خاصة أن مصطلح الإرهاب طفا على السطح بقوة مع بداية التسعينات فاستعمل تلك الفزاعة لاستئصال الإخوان المسلمين مستعينا بمخابراته التي اشعلت الصعيد ونفذت التفجيرات والاغتيالات والمتهم كان واحدا وحيدا هو الإخوان المسلمون وتم استعمال نفس السيناريو في الجزائر بعد الانقلاب على انتخابات 1991 وارتكبت مجازر تم خلالها الاستعانة بالحركات السلفية خاصة العائدين من أفغانستان لحرق الجزائر. ولم تشذ تونس على القاعدة فاستعمل بن علي مخابراته وهو وزير للداخلية لتدبير تفجير نزلين في سوسة والمنستير ولفق التهمة لحركة الاتجاه الإسلامي آنذاك ليستأثر اكثر بثقة بورقيبة بعد أن رفع أمامه فزاعة ارعبته وبعد أن انقلب عليه. وبعد سنتين لا غير استغلها لتوطيد أركان حكمه وبعد انتخابات كشفت عن قوة حركة النهضة التي قدمت كل التنازلات ليرضى بها نظام بن علي إلا أنه كان على يقين أنه إن منحها الأمان فستكون أقوى قوة سياسية، فانقلب عليها واستعمل فزاعة العنف عبر حرق مقر باب سويقة ليموت الحارس محترقا ويبقى الحبل الذي شد به الفاعلون وثاقه سليما.
وفي تلك السنوات استعملت كل تلك الأنظمة ما يعرف بالقوى الحداثية لتبين ما تمثله الحركات الإسلامية من جاهلية جهلاء ومن خطر على قيم تلك الدول وشعوبها ونمط عيشها. وحتى من عارض تلك الأنظمة من قوى الحداثة فإن أغلبها كان معارضة صورية لا غير، تدخل في إطار تقاسم الأدوار وكانت أعين أجهزة المخابرات على الإرهابيين العائدين من أفغانستان ومن البوسنة والهرسك ومن الشيشان ومن أماكن عديدة كان يضطهد فيها المسلمون لتدجينهم وترويضهم لاستعمالهم حين يحين أوان استعمالهم. وتمت تقوية الفكر السلفي عبر تيسير عمل دعاته والسعي إلى نشر أفكارهم عبر شخصيات مدسوسة من أجهزة المخابرات فكانت تحت السيطرة الكاملة لأنظمة الاستبداد ليتم استعمالهم لإخافة الناس من الدين بأشخاص “متدينين”.
وليس أنجع من ضرب الدين بالدين ومن ضرب مرجعية الحركات الإسلامية بحركات لا يمكن تمييزها عنهم لأنهم سواء عند عامة الناس ومع بعض “البهارات” الإعلامية و”الاستعراضات” المخابراتية فإن الشقين يصبحان سواء لدى الناس، وهو ما تم فعلا.
تحالف الأضداد
كان الاعتقاد السائد لدى كل المتابعين لتطورات المشهد السياسي أن حركات الإسلام السياسي اجتثت تماما من عروقها وأنها صارت نسيا منسيا بعد ما أصابها من “دمار شامل” وتجفيف للمنابع منذ أن أعلنت عن وجودها إلى حين اندلاع الثورات العربية، إلا أن الانتخابات كشفت زيف تلك الأفكار وتهافتها لتقوم كطائر الفينيق من تحت الرماد وتتصدر المشهد السياسي في تونس عبر النهضة، وفي اليمن عبر حزب الإصلاح، وفي ليبيا عبر حزب العدالة والتنمية، وفي مصر عبر الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة. وهو ما أصاب كل الرافضين لهذه التيارات بالجنون وقررت التحالف حتى مع الشيطان لتتوارى هذه الحركات إما وراء القضبان أو تحت الثرى. وفي كل الأحوال في غياهب النسيان. ولأن محور الشر العربي يتكون في أساسه من السعودية والإمارات وأوجد أول فرع وفيّ له في مصر عبر نظام السيسي، فإن هذه الدول استعملت كل ما تملك من وسائل لوأد الربيع العربي قبل أن يزهر ويمتد أريجه إلى عروشها فتوفر “المال القذر” ليصبّوه صبا على كل من يتخندق معهم لخنق آمال الشعوب في الحرية والانعتاق. ولأن اكبر متضرر دوليا من الربيع العربي، إضافة إلى أن قياداته السياسية الحكيمة آخذة في الانقراض كانت فرنسا التي سلمت زمام أمرها إلى فتى غرّ مثل ماكرون الذي اعتقد أنه قادر على أن يشكل فاصلا تاريخيا مهما في فرنسا وأن يؤسس لمدرسة “ماكرونية” قادرة على خلافة “الديغولية” التي حكمت فرنسا حتى بعد وفاة مؤسسها شارل ديغول فإن السعودية والإمارات استغلا “حالة الهزال” الرهيبة التي أصابت الاقتصاد الفرنسي. وما تحركات السترات الصفراء المستمرة منذ أشهر، إلا دليل على ذلك، لتضم هذا البلد إلى مشروعهما القذر خاصة أن فرنسا تضررت كثيرا من سقوط بن علي والقذافي، كما أنها تسعى إلى منافسة أمريكا في الخليج وهو ما وفرته لها الإمارات عبر قواعد عسكرية فرنسية فيها، إضافة إلى صفقات أسلحة كبيرة بين ثنائي الشر العربي وفرنسا.
ولأن السلاح وحده لا يكفي لوأد الثورات العربية تكثف التعاون الفرنسي الإماراتي السعودي ليتجاوز الإرهاب والاغتيالات إلى افتعال الحروب كما هو الحال في ليبيا والفتن، كما هو الوضع في تونس الى خلق “قوة ثقافية” تخلق حالة ضغط رهيبة قادرة على زعزعة الأمور أو تبرير الاحتراب الداخلي فتحالفت القوى الحداثية المدعومة فرنسيا مع القوى السلفية المدعومة من السعودية والامارات لتوفر هذه القوة السلفية غطاء شرعيا لجرائم حفتر في ليبيا عبر السلفية المدخلية وقد نُشرت على الأنترنت رسائل متعددة للشيخ ربيع المدخلي من المدينة المنورة يدعو فيها أتباعه لقتال “الإخوان المسلمين” في ليبيا معتبرا أن الإخوان المسلمون أخطر الفِرق على الإسلام داعيا السلفيين في ليبيا لنصرة “دين الله” وحمايته من الإخوان المسلمين وغيرهم. وقد استجاب المدخلية لشيخهم ربيع المدخلي وخرجت تقاتل حماية للدين بجانب قوات اللواء خليفه حفتر وتحت إمرته بكتيبة “التوحيد” السلفية الجناح الديني للواء خليفة حفتر وتأسست الكتيبة في بنغازي واصطفت مع قوات حفتر، وحلفائه في مدينتي إجدابيا ودرنة موفرة الغطاء الديني والتبرير الشرعي لقوات حفتر معلنة أنه “ولي الأمر” الذى تجب طاعته واعتبرت حربه مقدسة موافقة للكتاب والسنة وأن من يقاتله هو خارجي مارق،، وجازاهم حفر أفضل جزاء فأعطاهم مقرات وزارة الأوقاف في بنغازي والمنطقة الشرقية وجعلهم أئمة للمساجد لتوجيه الخطاب الديني لخدمته في حربه.
أما في تونس فإن التيار السلفي المدعوم من السعودية وبتخطيط من قوى الحداثة، مازال إلى يومنا هذا يرتكب عديد الحماقات رغم تراجع تأثيره إثر الضربات المتتالية التي تلقاها من قوات الجيش والأمن، ليجعل من جبال تونس خاصة منها الغربية مرتعا لكتائبه المختلفة التي اتخذت من أسماء الصحابة والتابعين تسميات لها وهي منها بريئة ولا علاقة لها بها وطبعا يستغل دعاة الحداثة كل ما ترتكبه كتائب الإرهاب السلفية من جرائم للتشنيع بحركة النهضة وبالديمقراطية ولبعث اليأس في قلوب الناس ودفعهم دفعا للتحسر على أيام بن علي أو تمني سماع البيان رقم 1 بل إن فرنسا انتقلت مع اقتراب الانتخابات إلى اقصى درجات التآمر وهو ما كشفه القبض على فرنسيين مدججين بالأسلحة قادمين إلى تونس من ليبيا.
رقصة الديك المذبوح
لأن الغباء لا يولد إلا المهازل. وفي السياسة لا يولد إلا الهزائم فإن ما اعتمدت عليه السعودية والإمارات وفرنسا من “توليفة” غريبة بين السلفية والحداثية التي نسي معتنقوها ما كانوا يكيلونه من سباب إلى السلفية والوهابية ليحل الود محل الكره خاصة أن المال يقوي العلاقة بين “المؤلفة قلوبهم” فإن الدائرة دارت على هذا الحلف الهجين وبعد أن خسرت فرنسا حلفاءها في الجزائر وتراخت قبضتها على تونس رغم أنها تعتقد أن يوسف الشاهد صنيعتها، إلا أن النهضة “سحبته” من أيديها بسلاسة كبيرة وبدعم من قوى كبرى مثل أمريكا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا وتركيا وقطر، لتفرض هذه القوى قانونها في اللعبة السياسية التونسية وهو قانون وإن كان يخدم مصالحهم فإنه أيضا يخدم المصلحة التونسية.
لم يتبقّ لمحور الشر العربي وحليفه الفرنسي إلا ليبيا علّهم بتحقيق نصر بمد سلطان حفتر على العاصمة طرابلس يستعيدون زمام المبادرة ويجعلون ليبيا منطلق تحركاتهم الخبيثة ضد تونس والجزائر وحتى المغرب التي لم تسلم من شرهم، إلا أن حملة حفتر على طرابلس فشلت في المهد ولم تستطع قواته أن تفتح ثغرات في جبهة الدفاع عن طرابلس بل إن القوى الرافضة لحفتر تداعت من كل ليبيا لنصرة الشرعية هناك، وهو ما مكّن قوة “بركان الغضب” من رد العدوان وليس فقط ايقافه بل شرعت في هجومها المعاكس عازمة على انهاء حفتر وقواته بصورة جذرية والمسالة مسالة وقت لا غير وسيتكرر سيناريو “وادي الدوم” الذي سقط فيه حفتر أسيرا في أيدي التشاد ليتم ترحيله إلى امريكا بوساطة مصرية. وإذا سقط حفتر فإن تحالف الأضداد بين السلفية والحداثية سينتهي في تونس أيضا، وهو ما توحي به مجريات الوضع السياسي في بلادنا حيث أن النهضة تسير بخطى ثابتة نحو الفوز في الانتخابات التشريعية وستكون هي من يحدد اسم “ساكن قرطاج” الجديد.
كما أن مخطط محور الشر في السودان في طريقه إلى الفشل بعد أن أصرّ الشعب السوداني على الاعتصام في الشارع إلى أن يلازم الجيش ثكناته ويسلم السلطة إلى المدنيين، كما أن الجيش الجزائري فهم الدرس وقرر حماية الحراك الشعبي السلمي إلى أن تتحقق مطالبه رغم مؤامرات الجنرال مدين المقيم في فرنسا وباقي الطابور الخامس الفرنسي في الجزائر كما أن المغرب تحركت بقوة ضد السعودية والإمارات وقلصت من نفوذ فرنسا على أراضي المملكة وأقامت شراكات حتى في المجالات العسكرية مع منافسين لباريس، لعل آخرها الشراكة العسكرية مع إسبانيا. بل إن ما تعانيه السعودية خاصة بعد اغتيال الخاشقجي ببشاعة قلما شهد التاريخ مثلها وملء السجون بكل المعارضين حتى من النساء، سيعجّل، في أقل مؤشرات التفاؤل، في لجم جنون سلمان ونجله ودفعهما الى فك حلف الشر مع “شيطان العرب”. وستبقى اللعنة اليمنية شوكة في خاصرة ال نهيان قد تنهي عرشهم بعد أن يستنزف دماءهم في جبال اليمن.
مواقع النشر