الحلقة الثالثة عشره


الخاصة الألهية


الإسلام يقدم فهما مقبولا ونزيها لعلاقة البشر بالله ، قائم على التساوي المبدئي ، ولا يتميز البشر عن بعضهم إلا من خلال الإيمان والعمل الصالح ، إذن لا علاقة استثنائية بين مجموعة من البشر والخالق .

يقول الله في القرآن
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) (1) .

ونزلت هذه الآية طبقا لمراجع تفسير إسلامية ( لما قدم وفد نجران من النصارى على رسول الله أتتهم أحبار اليهود ، فتناظروا ، وتنازعوا حتى ارتفعت أصوات الفريقين ، فقالت اليهود للنصارى لستم على شيء من الدين ، وكفروا بعيسي والإنجيل ، وقالت النصارى لليهود : ما أنتم على شيء الدين ، وكفروا بموسي والتوراة ، فأنزل الله هذه الآية .)

والمراد بالذين لا يعلمون هم كفار العرب ، إذ كان رأيهم أن الفريقين ليسوا على شيء ، إننا هنا أمام صراع عصبي بين المرجعيات واليقينيات المختلفة وصل إلى مرحلة حماسية تبادل فيها الفريقان اتهامات التكفير، والفريق المسيحي فقد أعصابه فرد على تجريح الفريق اليهودي لعقيدته بأن أنكر التوراة نفسها ، وفي النهاية جعل الله الكلمة الفصل لنفسه يوم القيامة .

وفي آية أخري ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (111) بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون 112)) (2)
وأخري

( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَنَ َيَشَاء ) (3) ،

والمقصود بالعذاب مما مر بالفريقين من محن وابتلاءات ، وبصفة خاصة اليهود والذين كانوا أنبيائهم ينذرونهم بكون ما يمرون به من محن هو عقاب من الله على المعاصي والبعد عن الله .
إذن كيف يعامل الله الناس وعلى أي أسس ؟
(فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)) (4)

لم يحول القرآن الميزة الإعتبارية أو المحسوبية الإلهية لصالح المسلمين ، بل يفاجئنا القرآن كما فاجأ – حسب اعتقادي - فصيلا من جماعة المؤمنين بآيتين هما

(لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا (123)
وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) ) (5) .

إن القرآن ينفي فكرة الخاصة تماما ويضع الناس قبل أعمالهم في حالة مساواة فلا يميزهم تعميد ولا انتساب للعائلة الإبراهيمية، إنهما الإيمان والعمل الجديران بتكريم الإنسان في ملكوت السماء


________________________________________
(1) البقرة 113 (2) البقرة 111-112
(3) المائدة 18 (4) الزلزلة 7-8
(5) النساء 123-124