خالد سلامة - بون (دويتشه ﭭيله) : الانتخابات التشريعية الألمانية على الأبواب. كيف يرى الشارع العربي المتنافسين الرئيسين على منصب المستشارية، ميركل وشولتس؟ وما هي المحاور الأساسية التي تتشكل منها تلك الصورة في العالم العربي؟
الانتخابات الألمانية بعيون عربية: من المرشح الأوفر حظا؟
قبل أقل من أسبوعين على الانتخابات العامة الألمانية تحتدم المعركة الانتخابية بين المتنافسين الرئيسين على منصب المستشارية، مرشحة "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" أنغيلا ميركل ومنافسها مرشح "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" مارتن شولتس. من نافلة القول إن صورة كلا المرشحين في الوعي العام العربي تختلف من بلد لآخر وتلك الصورة ليست نفسها -بالضرورة- في وعي الجماهير ووعي النخب السياسية.
حضور "طاغ" لميركل وصورة باهتة لشولتس
"بشكل عام يتجه الرأي العام العربي للقبول بمن تولى السلطة والملم بقضاياهم ويرفض الجديد وخصوصاً المغمورين كشولتس، الذي لا يُعرف عنه الكثير غير رئاسته للبرلمان الأوروبي"، يقول الدكتور حسني لعبيدي، "مدير مركز الدراسات والبحوث حول الوطن العربي والمتوسط" في جنيف لـDW عربية.
وتتولى ميركل مسؤولية المستشارة منذ عام 2005. أما شولتس فقد تولى في بداية حياته السياسية مسؤوليات في ولاية شمال الراين-ويستفاليا. وبعد ذلك انتخب نائباً في البرلمان الأوروبي بين الأعوام 1994 إلى 2017. وفي الدورة الأخيرة تولى رئاسة ذلك البرلمان، قبل أن يعود مجدداً لحلبة السياسة الألمانية رئيساً للحزب ومنافساً رئيسياً لميركل. في تصريح لـDW يقول الدكتور حسين أمين، أستاذ الإعلام بالجامعة الأمريكية في القاهرة: "العالم العربي لا يعرف إلا القليل عن شولتس. بينما يعرف الكثير عن ميركل. يمكننا القول إن صورة ميركل طاغية".
اللجوء.. ميركل "بطلة" وشولتس غائب
فَتْحُ ألمانيا أبوابها أمام ما يقارب من مليون لاجئ فَتَحَ قلوب العرب لميركل، هذا الرأي يبدو سائدا في الشارع العربي. ويتفق معه الدكتور لعبيدي: "استقبال ميركل للاجئين والإدارة الجيدة لهذا الملف ساهم في رفع أسهمها في الشارع العربي". ويرى حسين أمين أنها أضحت من "الأبطال" في عيون العرب.
وتبرز فروقات في رؤية كل من شولتس وميركل للكيفية التي يجب بها إدارة ملف اللجوء. بينما تسعى ميركل إلى تقوية العلاقات مع الدول التي يمرّ عبرها اللاجئون والمهاجرون إلى الاتحاد الأوروبي، مثل ليبيا ومصر والمغرب، بحيث يتم تشجيع هذه الدول على إنشاء مراكز للتعامل مع اللاجئين والمهاجرين ومكافحة التهريب، يدعو شولتس إلى تضامن أوروبي أكبر في هذه القضية وتوزيع الأعباء بشكل متساو على الدول الأعضاء، بالإضافة إلى النظر في حالة كل طالب لجوء بشكل منفرد. كما دافع شولتس عن ترحيل المرفوضة طلبات لجوئهم إلى أفغانستان. ورغم كل ذلك يعتقد حسين أمين أن شولتس "غير متواجد" تماماً في وعي ووجدان الشعوب العربية فيما يخص هذا الملف.
الإسلام.. ارتفاع أسهم ميركل
باتت قضية الإسلام في ألمانيا ترتبط بشكل وثيق مع قضية اللاجئين، الذين يعتنق أغلبهم الإسلام. كما أن معاداة الإسلام أصبحت أحد أكبر الروافع الشعبية للأحزاب والحركات اليمينية الشعبوية، مثل "حزب البديل من أجل ألمانيا". في هذا الصدد، يتفق كل من ميركل وشولتس على أن "الإسلام جزء من ألمانيا". ولكن شولتس انتقد أيضاً من أسماهم بـ"أئمة الكراهية" وأثنى على "المسلمين العاديين" الذين يعيشون حياتهم في المجتمع دون أن يسمع بهم أحد ويقومون بواجباتهم الدينية والمجتمعية على أكمل وجه.
يرى حسني لعبيدي أن سياسات ميركل تجاه مسلمي ألمانيا وفي ملف اللجوء، بعكس سياسات دول أوروبا الشرقية وحتى فرنسا، أعطت الانطباع أنها لا تميز بين المهاجرين على "أساس الدين". وبالنسبة لشولتس، لا يرى لعبيدي أن شولتس استطاع بلورة "رؤية خاصة" به تجاه الإسلام، مما انعكس غياباً له في الاهتمام الإعلامي العربي في هذا المضمار.
العلاقة الحساسة مع إسرائيل
يعي العالم العربي العلاقة المتميزة وثقل التاريخ على العلاقة بين إسرائيل وألمانيا. وسيراً على نهج السياسة الألمانية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، أكدت ميركل وما تزال تؤكد على دعمها المستمر والثابت لإسرائيل، إلا أنها انتقدت الاستيطان، قائلة إنه لا يساعد على كسر الجمود في العملية السلمية. كما تسبب دعم ميركل لوزير خارجيتها زيغمار غابرييل، الذي التقى مجموعات ناقدة لإسرائيل أثناء تواجده هناك، في إلغاء زيارة مخططة لنتنياهو إلى برلين، وهو ما اعتبرته ميركل "مؤسفاً". ويقول حسين أمين إنه "ُينظر لمحاولات ألمانيا في ظل ميركل حل الصراع بعيون إيجابية في العالم العربي".
أما شولتس فقد قال في مناظرته التلفزيونية مع ميركل قبل حوالي عشرة أيام إن هناك شباناً فلسطينيين يصلون إلى ألمانيا "تربوا على كره اليهود ومعاداة السامية" وإن "عليهم أن يفهموا أن لا مكان لهم هنا دون أن يدركوا أن ألمانيا تدعم إسرائيل". وقد استدعى قوله ذلك بعض الانتقاد من فلسطينيين وعرب. حسني لعبيدي يعتقد أن شولتس يحاول "المزايدة" على ميركل في هذا الملف.
لا تحاول ألمانيا لعب دور الوسيط في الأزمة الخليجية
الأزمة الخليجية.. ألمانيا تتصرف بناء على مصالحها
رغم أن الحكومة الألمانية سارعت في بداية الأزمة الخليجية - على لسان وزير خارجيتها غابرييل - إلى انتقاد أشبه بعتاب للدول المقاطعة لقطر، إلا أنها عادت وأكدت على ضرورة الحوار بين جميع أطراف الأزمة من أجل التوصل إلى حل لها. وحذرت ميركل من تأثير الأزمة على توازن القوى في منطقة الخليج، وطالبت جميع الأطراف بالتعقل والجلوس إلى طاولة المفاوضات، مشيرة إلى أن ألمانيا لا تلعب دور الوسيط هذه المرة في الأزمة، وأنها تتصرف بناءً على المصالح الألمانية في تلك المنطقة. حسني لعبيدي يرى أنه "بات واضحاً أن موقف ألمانيا أكثر قرباً من قطر منه للسعودية والإمارات. ومن هنا نلحظ تململا في الرياض وأبو ظبي من ميركل وتعويل على موقف شولتس".
ويوافق أمين لعبيدي الرأي ويضيف أن الانحياز لقطر "نسبي"، إلا أنه يعتقد أن مواقف ميركل - بشكل عام - تتسم بـ"التوازن وعدم الانحياز" فيما يخص المنطقة العربية. وانتقد المشرحان في مناظرتهما التلفزيونية قرار منح قطر شرف استضافة كأس العالم في عام 2022.
السلاح مقابل غض الطرف عن حقوق الإنسان؟
قضايا حقوق الإنسان، خاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تمثل موضوعاً شائكاً بالنسبة لألمانيا، خاصة وأنها تعتبر من أهم موردي الأسلحة لعدد من الدول العربية، التي تتعرض لانتقادات متزايدة من منظمات حقوقية بسبب انتهاكاتها لمواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان كدول الخليج ومصر. في هذا المحور بالذات يعتقد حسين أمين أن "الإدراك العربي للدور الألماني، سواء بالنسية لميركل أو شولتس، غير محدد المعالم بسبب طغيان الدور الأمريكي من خلال المنظمات الحقوقية الأمريكية".
تتسم العلاقة الألمانية الأمريكية في ظل ترامب بالبرود
ترامب في مقابل ميركل
بعد سنوات من العلاقة الاستراتيجية بين ألمانيا والولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، ومع وصول دونالد ترامب للحكم توترت تلك العلاقة بين برلين وواشنطن ووصل الأمر أحياناً لحد التراشق الكلامي. واستُقبلت ميركل ببرود في البيت الأبيض.
وقد أدت تصريحات وسياسات ترامب تجاه المسلمين واللاجئين إلى تبلور صورة لميركل في الوعي الجمعي العربي على أنها "قائدة للعالم الديمقراطي الحر" على حد تعبير حسين أمين. لعبيدي يعتقد أن "معارضة ميركل لترامب في العديد من الملفات "رفعت من شعبيتها" في العالم العربي. وبالنسية لشولتس، يقول لعبيدي: "يحاول شولتس تمييز نفسه بقوله في جلسات خاصة إن العلاقة مع أمريكا استراتيجية وإن ترامب سيذهب يوماً ما ولا بد من الحفاظ على هذه العلاقة".
مواقع النشر